أن: (أَنْ، المَفْتُوحَةُ) الخَفْيفَةُ مِن نواصِبِ الفِعْلِ المستقبلِ مَبْني على السكونِ (تكونُ اسْمًا وحَرْفًا، والاسمُ نَوْعانِ: ضَميرُ مُتَكَلِّمٍ في قَوْلِ بَعْضِهم) إذا مَضَى عليها ولم يقفْ (أَنْ فَعَلْتُ) ذلكَ (بسكونِ النُّونِ والأكْثَرونَ) مِن العَرَبِ (على فَتْحِها وَصْلًا) يقُولُون: أَنَ فَعَلْتُ ذلكَ، (و) أَجْودُ اللّغاتِ، (الإِتْيان بالألِفِ وَقْفًا)، ومنهم مَن يُثْبِتُ الأَلفَ في الوَصْلِ أَيْضًا يقُولُ: أَنَا فَعَلْتُ ذلكَ، وهي لُغَةٌ رَدِيئَةٌ.
وفي المُحْكَم: وأَنَ اسمُ المُتَكلِّم فإذا وَقَفْت أَلْحَقْتَ أَلِفًا للسكوتِ، وقد تُحْذَف وإثْباتُها أَحْسَنُ.
وفي الصِّحاحِ: وأَمَّا قَوْلُهم أَنَا فهو اسمٌ مكنِيٌّ، وهو اسمٌ للمُتَكلِّمِ وحْدَه، وإنَّما بُنِي على الفتْحِ فرْقًا بَيْنه وبينَ أَن التي هي حَرْفٌ ناصِبٌ للفِعْلِ، والألِفُ الأخيرَةُ إنَّما هي لبَيانِ الحَرَكَةِ في الوَقْفِ، فإن وُسِّطت سَقَطَتْ إلاَّ في لُغَةٍ رديئةٍ، كما قالَ حُمَيْد بنُ مجدلٍ:
أَنَا سَيْفُ العَشِيرَةِ فاعْرِفوني جَميعًا قد تَذَرَّيْتُ السَّنامَا
قُلْتُ: ومنه أَيْضًا قَوْل العُدَيْل:
أَنا عَدْلُ الطِّعانِ لمَنْ يعانى أَنا العَدْلُ المُبَيِّنُ فاعْرِفوني
وقد ذَكَرَ المصنِّفُ، رحِمَه اللَّهُ تعالى، ثلاثَ لُغاتٍ، وفاتَهُ آنَ فَعَلْتَ، بمدِّ الأَلِفِ الأُولى، وهي لُغَةُ قُضاعَةَ، ومنه قَوْلُ عدِيَ:
يا لَيْتَ شِعْري آنَ ذُو عَجَّةٍ مَتى أَرَى شَرْبًا حَوالَيْ أَصيصْ
وأَنَهْ فَعَلْت، حكَى الخَمْسَة قُطْرب، ونَقَل عن ابنِ جنِّي، وفي الأخيرَةِ ضَعْفٌ كما تَرَى. قالَ ابنُ جنِّي: يَجوزُ الهاء في أَنَهْ بدلًا مِن الأَلفِ في أَنا؛ لأنَّ أَكْثَرَ الاسْتِعمالِ إنَّما هو أَنا بالأَلفِ، ويَجوزُ أَنْ تكونَ الهاءُ أُلْحِقَتْ لبَيانِ الحَركَةِ كما أُلْحِقَتِ الألفُ، ولا تكونُ بدلًا منها بل قائِمَة بنفْسِها كالتي في كتابِيَه وحسابِيَه.
قالَ الأَزْهرِيُّ: وأنا لا تَثْنِيَةَ له مِن لفْظِه إلاَّ بنَحْن، ويصلحُ نحنُ في التَّثْنيةِ والجَمْعِ.
(و) النوعُ الثاني: (ضَميرُ مُخاطَبٍ في قَوْلِكَ: أَنْتَ) يُوصَلُ بأَنْ تاءُ الخطابِ فيَصِيران كالشيءِ الواحِدِ من غَيْر أَن تكونَ مُضافَةً إليه.
و(أَنْتِ) للمُؤَنَّثةِ بكسْرِ التاءِ وتقولُ في التَّثْنِيةِ: (أَنْتُما)، فإن قيلَ: لِمَ ثَنَّوا أَنْت فقالوا: أَنْتُما، ولم يُثَنُّوا أَنا؟ فقيلَ: لمَّا لم يجزْ أَنا وأَنا لرَجلٍ آخَرَ لم يُثَنَّوا، وأَمَّا أَنْت فثَنَّوْه بأَنْتُما؛ لأنَّك تجيزُ أنْ تقولَ لرجلٍ: أَنتَ، وأَنْتَ لآخَرَ معه، وكذلِكَ الأُنْثى.
وقالَ ابنُ سِيدَه: ليسَ أَنْتُما تَثْنِيَة أَنْتَ؛ إذ لو كانَ تَثْنِيَته لوَجَبَ أَنْ تقولَ في أَنْتَ أَنْتانِ، إنَّما هو اسمٌ مصوغٌ يَدُلُّ على التَّثْنِيَةِ كما صيغَ هذانِ وهاتانِ.
وتقولُ: (أَنْتُمْ) و(أَنْتُنَّ) جَمْع المُذَكَّر والمُؤَنَّث.
(الجُمْهورُ) مِن أَئمَّةِ اللُّغَةِ والنَّحْو على (أنَّ الضَّميرَ هو أَنْ، والتَّاءُ حَرْفُ خِطابٍ) وُصِلَتْ به؛ كما تقدَّمَ.
قالَ الجَوْهرِيُّ: وقد تدخُلُ عليه كافُ التَّشْبيه تقولُ: أَنْتَ كأَنا وأَنا كأَنْتَ؛ حُكِيَ ذلِكَ عن العَرَبِ، وكافُ التَّشْبيهِ لا تتَّصِل بالمُضْمَرِ، وإنَّما تتَّصِل بالمُظْهَرِ، تقولُ: أَنْتَ كزَيدٍ، ولا تقولُ: أَنْتَ كِي، إلاَّ أنَّ الضَّميرَ المُنْفصلَ عنْدَهُم كانَ بمنْزِلَةِ المُظْهَر، فلذلِكَ حَسُنَ وفارَقَ المُتَّصِل.
وقرَأْتُ في كتابِ ليسَ لابنِ خَالَوَيْه قالَ: ليسَ في كلامِ العَرَبِ أَنْتَ كِي ولا أَنا كك إلاَّ في تَبْيين ضَمِيرَيْن مُنْفَصِلَيْن، فلذلِكَ قالَ سِيْبَوَيْه: اسْتَغْنَتِ العَرَبُ بأَنْتَ مِثْلي وأَنا مِثْلُك عن أنْ يقُولُوا: أَنْتَ كِي وأَنا كك، والبيتان:
فلولا الحَياءُ لكنَّا كهم ولولا البَلاء لكانُوا كنا
والبيت الآخر:
إن تكن كي فإنّني كك فيها إنّنا في الملام مُصْطَحبان

(والحَرْفُ أَرْبَعَةُ أَنْواعٍ: يكونُ حَرْفًا مَصْدَريًّا ناصِبًا للمُضارِعِ)، أَي يكونُ مع الفِعْلِ المُسْتقبلِ في معْنَى مَصْدَر فتَنْصِبه (ويَقَعُ في مَوْضِعَيْنِ: فِي الابْتِداءِ فيكونُ في مَوْضِعِ رَفْعٍ نَحْو) قوْلِه تعالى: {وأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لكُم} أَي صِيامُكم، (ويَقَعُ بَعْدَ لَفْظٍ دالَ على مَعْنًى غيرِ اليَقِينِ فيكونُ في مَوْضِعِ رَفْعٍ) نَحْو: {أَلَمْ يَأْنِ للَّذينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُم} لذِكْرِ اللَّهِ. (و) يَقَعُ في مَوْضِعِ (نَصْبٍ) نَحْو قوْلِهِ تعالى: {وما كانَ هذا القُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى}. (و) يكونُ في مَوْضِعِ (خَفْضٍ) نَحْو قَوْلِه تعالى: {من قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ المَوْتُ}.
(قالَ الجوْهرِيُّ: فإنْ دَخَلَتْ على فِعْلٍ ماضٍ كانتْ معه بمعْنَى مَصْدَر قد وَقَعَ إلاَّ أنَّها لا تَعْمَلُ، تقولُ: أَعْجَبَني أَنْ قُمْتَ، والمعْنَى: أَعْجَبَني قِيامُك الذي مَضَى، اهـ.
فعُلِمَ مِن هذا أَنَّ أَنْ لا تَقَعُ إذا وصلت حالًا أَبدًا إنَّما هي للمُضِيِّ أَو للاسْتِقْبالِ، فلا يقالُ: سَرَّني أَنْ تَقُومَ، وهو في حالِ قِيامٍ.
(وقد يُجْزَمُ بها كقَوْلِه:
إذا ما غَدَوْنا قال وِلْدانُ أَهْلِنا *تعالَوْا إلى أَنْ يأْتِنا الصَّيْدُ نَحْطِب
(وقد يُرْفَعُ الفِعْلُ بَعْدَها كقِراءَةِ ابنِ مُحَيْصِنٍ: {لمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ} برفْعِ الميمِ وهي من الشَّواذ.
قُلْتُ: ومنه قَوْلُ الشاعِرِ:
أَنْ تَقْرآنِ على أَسماءَ وَيحَكُما مِنِّي السلامَ وأَنْ لا تُعْلِما أَحَدا
(وتكونُ مُخَفَّفَةً من الثَّقيلةِ) فلا تَعْمَلُ، فتقُولُ: بَلَغَني أَنْ زيدٌ خارجٌ؛ قالَ اللَّهُ تعالَى: {عَلِمَ أَنْ سَيكونُ مِنْكم مَرْضَى}؛ وقالَ اللَّهُ تعالى: {ونُودُوا أَنْ تِلْكُمُوا الجنَّةُ أُورِثْتُموها}.
قالَ ابنُ بَرِّي: قَوْلُ الجوْهرِيّ فلا تَعْمَل- يُريدُ في اللَّفْظِ، وأَمَّا في التَّقْديرِ فهي عامِلَةٌ، واسْمُها مقدَّرٌ في النِّيَّةِ تَقْديرُه: أَنه تِلْكُم الجنَّة.
قُلْتُ: وقالَ المصنِّفُ، رحِمَه اللَّهُ تعالى، في البَصائِرِ في مثالِ المُخَفَّفة من المُشدَّدَةِ عَلِمْتُ أَنْ زيدًا لمُنْطَلِق، مُقْترِنًا بلامٍ في الإعْمالِ، وعَلِمْت أَنْ زيدٌ مُنْطَلِقٌ بِلا لامٍ في الإلْغاءِ.
قالَ ابنُ جنِّي: وسأَلْتُ أَبا عليَ عن قَوْلِ الشاعِرِ:
أَنْ تَقْرآنِ على أَسماءَ وَيحَكُما- لِمَ رَفَعَ تَقْرآنِ؟ فقالَ: أَرادَ النّونَ الثَّقيلَةَ أَي أَنَّكما تَقْرآنِ.
(و) تكونُ (مُفْسِرةً بمعْنَى أَي) نَحْو قَوْله تعالى: {(فأَوْحَيْنا إليه أَنِ اصْنَعِ الفُلْكَ} أَي أَي اصْنَع؛ ومنه قَوْلُه تعالى: {وانْطَلَقَ المَلأُ منهم أَنِ امْشوا واصْبِرُوا}؛ كما في الصِّحاحِ.
قالَ بعضُهم: لا يَجوزُ الوَقْف عليها لأنَّها تأتي ليُعَبَّر بها وبما بَعْدَها عن معْنَى الفعْلِ الذي قَبْل، فالكَلامُ شَديدُ الحاجَةِ إلى ما بَعْدَها ليُفَسّرَ به ما قَبْلها فبحسبِ ذلكَ امْتَنَعَ الوُقوفُ عليها.
(وتكونُ زائِدَةً للتَّوكيدِ) نَحْو قَوْلِه تعالَى: {ولمَّا أَنْ جاءَتْ رُسُلُنا}؛) وفي مَوْضِع {ولمَّا جاءَتْ رُسُلُنا}.) ونَصُّ الجوْهرِيّ: وقد تكونُ صِلَةً للِمَّا كقَوْله تعالى: {فلمَّا أَنْ جاءَ البَشيرُ}، وقد تكونُ زائِدَةً كقوْلِه تعالى: {وما لهم أَنْ لا يُعَذِّبَهم اللَّهُ} يُريدُ وما لَهُم لا يعذِّبُهُم اللَّهُ.
قالَ ابنُ بَرِّي: هذا كلامٌ مكرَّرٌ لأنَّ الصِّلَةَ هي الزائِدَةُ، فلو كانتْ زائِدَةً في الآيةِ لم تَنْصِب الفعْلَ.
(وتكونُ شَرْطيَّةً كالمَكْسورَةِ).
(وتكونُ) أَيْضًا (للنَّفْيِ كالمَكْسورَةِ).
(و) تكونُ (بمعْنَى إذ. قيلَ: ومنه) قَوْلُه تعالى: {بَلْ عَجبُوا أَنْ جاءَهُم مُنْذِرٌ منهم)}، أَي إذ جاءَهُم؛ وكذلِكَ قَوْلُه تعالَى: {لا تتَّخِذُوا آباءَكُم وإخْوانَكُم أَوْلياءَ إن اسْتَحَبُّوا}؛ مَنْ خَفَضَها جعلَها في موْضِعِ إذا، كما تقدَّمَ، ومَنْ فَتَحَها جعلَها في موْضِعٍ إذ على الواجِبِ. ومنه قَوْلُه تعالى: {وامْرأَةً مُؤْمِنَةً إنْ وَهَبَتْ نَفْسَها للنبيِّ}، مَنْ خَفَضَها جعلَها في موْضِعِ إذا، ومَنْ نَصَبَها ففي موضِعِ إذ.
(و) تكونُ (بمعْنَى لئَلاّ، قيلَ: ومنه) قَوْلُه تعالى: {يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّوا)}؛ هكذا ذَكَرَه بعضُ النُّحَّاةِ، (والصَّوابُ أَنَّها هنا مَصْدرِيَّةٌ، والأَصْلُ كَراهَةَ أَنْ تَضِلُّوا).
(قُلْتُ: وقد تكونُ مُضْمرةً فتَعْمَل وإن لم تكنْ في اللَّفْظِ كقَوْلِك: لأَلْزمنَّك أَو تَقْضِيَ لي حقِّي، أَي إلى أَنْ. وقالَ الجوْهرِيُّ: وكذلِكَ إذا حَذَفْتها إنْ شِئْت نَصَبْتَ وإنْ شِئْتَ رَفَعْتَ؛ قالَ طَرفَةُ:
أَلا أَيُّهَذا الزاجِرِي أَحْضُرَ الوغَى وأَنْ أَشْهَدَ اللَّذَّاتِ هل أَنْتَ مُخْلدِي
يُرْوَى بالنَّصْبِ على الإِعْمالِ، والرَّفْعُ أَجْودُ. قالَ اللَّهُ تعالى: {قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّه تأْمرونِّي أَعبُدُ أَيُّها الجاهِلُونَ}، اهـ.
وتكونُ أَنْ بمعْنَى أَجَلْ وبمعْنَى لعلَّ.