نقد لديوان / سعيد الصاوى بقلم عاطف الجندى
رؤية نقدية
حول قلبين من دهب
لسعيد الصاوى
***
الشاعر سعيد الصاوى هو أحد شعراء العامية المتميزين فى مصر و إن كان يبدع أيضًا فى شعر الفصحى و له اسهامات نقدية أيضًا0
و ديوانه ( قلبين من دهب ) هو ثانى أعماله الشعرية المطبوعة و صدر هذا الديوان من هيئة الكتاب المصرية و يحتوى الديوان على عشرة قصائد ويقع فى مائة و ثمانى ورقات من القطع المتوسط و كتبت قصائد الديوان فى الفترة من 1997 – 2006 م و بالنظر إلى تلك المسافة نجد أنها كبيرة جداً و هذا يدل على أن الشاعر ينتقى قصائده فى هذا الديوان و هو بالطبع ليس كل ما كتب فى هذه الفترة و لم ينشر الباقى لسبب بسيط من وجهة نظرى أن الديوان يحتوى على قصة حب واحدة طول هذا الديوان و لم يتطرق إلى غيرها و لهذا لم يضف القصائد التى تخرج عن سياق الديوان 0
و قصائد الديوان العشر كتب منها شاعرنا ثلاث قصائد بالأسكندرية و هى : باسمك هاغنى و هنتلاقى و سحابة صيف و سبعة قصائد بالقاهرة هى : أنا ليكى و قلبين من دهب و حبة جنون و ميلاد و جديد و بقيت حرة و قلبك و طن و قدر 0
و كتب قصيدة واحدة من القصائد العشر على لسان أنثى و هى بقيت حرة و فيها تقمص الشاعر دور امراة و كتب عن لسانها أنها بقيت حرة الآن من هوى حبيبها 0 و الشاعر يكتب بإسلوب سهل بسيط
لا يذهب بالقارىء بعيدًا فيشتت انتباهه أو يوقعه فى لوغاريتمات هو ليس بحاجة إليها و لا يصل بالقارى إلى المباشرة الشعرية المموجة التى تجعله كلامًا عاديًا يستطيع أى إنسان أن يقوله 0
و نجح الشاعر فى تسلسل عناوين قصائده فبدأها بقصيدة (أنا ليكى ) و يعلن فيها عن ولائه التام لحبيبة ثم يختار عنوانًا آخرًا و هو (باسمك هاغنى ) و يقول عن قلبيهما أى هو و حبيبته ( قلبين من دهب ) حتى يأتى الخلاف فى ( حبة جنون ) و فيها يلعب الشاعر بحروف اسمه برشاقة ثم تأتى قصيدة (ميلاد جديد ) و كأنها بعث جديد لهذا الحب و مصالحه بين الحبيب و حبيبته ثم تاتى قصيدة ( هنتلاقى ) التى كتبها بالأسكندرية و كيف أنه حاول البعد عن ملهمته و لكنه كمعظم العشاق لم يقدر فتأتى قصيدته على لسان الأنثى و هى ( بقيت حرة ) و كانها تفر من أسر صيادها 00 فيعاود الشاعر حنينه فيذكرها بالبيت القديم و الحب و الماضى الجميل الذى كان بينهما و كان يملأ جدران هذا البيت ثم تاتى قصيدته التاسعة و هى ( سحابة صيف ) و فيها يتحدث الشاعر على أن الخصام بينهما ما هو الا سحابة صيف مرت فى سمائهما و تأتى قصيدة ( قدر) فى نهاية الديوان فتكون هى ختام هذه القصة و يعترف بحبه لها و أن حبهما قدر لا و لن يستطيعا الفكاك منه و ما أجمله من قدر 0
و إذا نظرنا بحين المحب و المدقق لقصائد الديوان و نبدأها بقصيدته ( أنا ليكى ) ص 5 يبدأها الشاعر بقوله :
وحشتينى
و مش محتاجه أحلف لك
يا نور عينى
و ها هو يبدأ قصيدته بالتأكيد على شغفه بها و ولعه و أنها قد أوحشته و لا مجال للقسم للتأكيد على صدق كلامه و يكمل كيف أنها أنسته الجراح يوم حضورها و كيف غيرت ظلامه إلى نهار حتى أن شوك قلبه طرح أنهار ! و هى صورة مخالفة للتفكير المنطقى فهذا الشوك المحسوس اليابس قد تحول إلى أنهار و هو الماء السائل فالمتعارف أن يتحول الشوك إلى إلى أزهار مثلا ً و إن كنت أفضل كلمة الأزهار هنا بدلا ً من الأنهار فيقول مثلا ً:
( وشوك قلبى صبح أزهار )
ولم يتحول إلى أنهار لأن معنى ذلك أن الشوك سيتكاثر فى صورة مغايرة و هذا ما لم يقصده الشاعر بالطبع 0
و فى قصيدة باسمك هاغنى ص 15 يواصل الشاعر ولعه بمحبوبته و بث غرامه إليها فيقول :
حبايب يا قلبى
و كل المخبى
فى قلبى بيهمس و يهتف بحبك
و لمسة إيديكى
بتعزف بحبك
و إن كنت أرى أن تكرار لفظ يا قلبى لا يفيد النص فإذا كان يخاطب قلبه فكيف يقول له أن كل المخبى به بيهمس بحبك و المفترض أنه أعلم بما فيه أى القلب الا إذا كان يقص فى قلبى الأولى بأنها عائده على المحبوبه فيخاطبها الشاعر بقوله : يا قلبى 0
و يواصل الشعار حبه و بأنه لن يسمح للظن بأن يأخذ له مكانًا يبعد بينه و بين محبوبته و أن الحبيبة فتحت له أبواب السعادة و لما لا و هى التى جعلت من قصة حبهما علامه و شموس تنير ظلام النفوس
و فى قصيدة ( قلبين من دهب ) التى تحمل اسم الديوان و كان من المفترض أن يسمى الديوان ( قلبان من ذهب ) و هو الأصوب نحويًا و الشاعر يعلم ذلك بالطبع و لكنها العامية المصرية التى نتجاوز فيها عن القواعد النحوية فجاء العنوان كما رأينا 0 و إذا نظرنا إلى القصيدة المسماة بهذا الاسم نجد أنها من أجمل قصائد الديوان بالفعل و قد أحسن الشاعر اختيارها لتكون عنوانًا لديوانه و هو يصرح بأن قلبه و قلب حبيبته من ذهب لا يعتريهما الصدأ أبدًا الذى قد يعترى بعض النفوس و فى بداية القصيدة يبدأ بالعتاب على إنسانه ما تغير من هذا الحب بين الحبيبن و هى الروح الشريرة فى الديوان او البطل الشرير فى الأفلام الذى يغار من وجود حب و اخلاص بين اثنين و تحاول أن تفرقى بينهما و تزرع الخلاف بين الحبيبن و الغريبة هنا انها إنسانة و ليس إنسان مذكر هو ما يفعل ذلك و هو المنطقى فى أغلب الأحوال و لكن الشاعر أراد أن يبرهن على أنه حلم أى فتاة حتى أن الأخريات يغرن من حبيبته لأنها حازت على قلبه فتحاول واحدة هنا أن تفرق شمل القلبين السعيدين فيقول :
ياللى أنت من حبى بقت
غيرتك بتزرع فيكى شلال من
غضب
أيه اللى مش معقول و أيه شايفاه
عجب
و بهذه القصيدة قافية غير منتظمة التفاعيل و هى مثل ( غضب ، عجب ، سبب ، تعب ، دهب ، سبب ، أبو لهب ) فكانت القافية كالجرس الذى ينبه القارىء لما سيأتى بعد ذلك حتى نصل إلى المقطع الجميل أو بيت القصيد كما يقال ، فيقول :
حطى الرماد فوق اللهب
و سبينا نعشق بعضنا
من غير سبب
و اذا كنت مش قادرة تكونى زينا
فبلاش تكونى أبو لهبْ
و هو ختام جميل للنص و محكم أيضًا 0
و فى قصيدة حبة جنون ص 31 و التى كتبها الشاعر بحرفيه شديدة و عالية الإتقان ، فنراه يلعب بحروف اسمه ( سعيد ) فيضع حرفًا هنا و آخرًا هناك فتصير الحروف كلمة جديدة و يفسرها ثم ينقل حرفا آخرا و هكذا لتصبح كلمة أ خرى و يفسرها و هكذا ، وهذا من وجهة نظرى هو الجديد فهناك شعراء آخرون كتبوا عن اسمائهم و عن حروف اسم كل منهم و لكنهم لم يغييروا الحروف بحيث تصبح كلمة جديدة و المدهش هنا هو التلاعب بكلمة واحدة طيلة القصيدة بنجاح فمرة يأتى الاسم ( سعيد ) ثم يأتى ( عيد ) ثم ( سِيد ) ثم ( سعد ) ثم ( سَعْي ) ثم يعود إلى سعيد فى نهاية القصيدة كما بدأ القصيدة ، وهذه القصيدة من أطول قصائد الديوان إذ أتت فى سبعة عسر صفحة 0
و الشاعر لا ينسى تاريخ ميلاه و نجده فى صفحة 51 فى قصيدة ( ميلاد جديد ) و لما لاينساه و قد أتى له المحبوب بالدفء و الأمان الذى يغنيه عن التفكير فى عيد ميلاده و هو يبعث السرور فى حياه من لا يعيش فى سعاده أنما المحب فكل أيامه أعياد و هى قصيدة قصيره و اين كانت أقل جمالا ً من سابقتها و يعود الشاعر للتألق مرة أخرى فى قصيدة ( هانتلاقى ) فيقول حاولت كثير ،كثير جدا ً أعيش بعد افتراق الخطوه ما قدرتش و ماعرفتشأتون مصرى ف مكان أنت ف مكان تانى
وهنا تظهر لوعة الشاعر ومحاولته البعد عن حبيبته لكن لايقدر أبداً وهنا يهرب الي البحر فيجد أن الموج المشهور بالعنف أصبح
عطوفاً لأنه يعاني الوحده هو الأخر صفحة 57 فيقول
(( وكان الموج في بحر الشوق
عطوف جداً وانساني
لأنه زي وحداني وبيعاني
بل ذهب معه الموج ليبحث عن حبيبته في عيون الناس ولكن الحظ عائد
وحطم جدران قلبه وليس غريباً أن تكون هذه القصيدة قد كتبت بالاسكندرية
وبها هذا الحديث الساحر عن البحر وأمواجه وهو الذي يشكى الشاعر له حاله
ويفاجئنا الشاعر بقصيدة بقيت حره وهي علي لسان إمراه
فيتغلغل في مكنون محبوبته ويخرج لنا ألمها وأفراحها وهي التي كانت تبحث عن الموت الذي تنشد الراحه بين أحضانه ولكن وصول الحبيب وولوجه إلي عالمها بدل هذا العالم الحزين إلي سعاده وأفراح فيقول صفحة 66
(( يمكن تكون راحتي هاتبدأ
يوم ما أموت
فجأة
لقيت لون الفؤاد إخضر
ولقيت مراكبي التايهه
وصلت بر
والقلب ف ضلوعي صبح فرحان
هو الحب يصنع المعجزات فهو الذي أنساها أهلها وأنه أي المحب أصبح هو الوطن وجاء ختام القصيدة جميلاً في قوله :
حسبت بإن الهوي
يوم ما أسر مهجتي
أصبحت أنا حره
هذا هو الاسر الذي يفضي إلي الحرية وهنا تكون السعاده وهذا التضاد بين الأسر والحرية يزيد المعني جمالاً لأنه الأسر اللذيذ 0
ويعود الشاعر للحديث علي لسانه مره أخري عن بيته القديم وحبه لماضيه السعيد فرغم أن جدران بيته القديم كانت من طين ولكنها كانت مليئه بمحبة قلوب الناس ومليئة بالدفاء والنور والوفاء أيضاً ولكن الفراق دائماً يكتب علي حبين الانسان حتي أتت الحبيبه والقصيدة للقراءة الأولي تظنها من إمرأة الي رجل وهنال إشارات كثيره علي ذلك ولكن أتت جملة ضربت بذلك عرض الحائط و هي صفحة 77 (( وفضلت ماشي ف الزمان
ما أعرفش إن كان لي صحيح
عنوان واللا دا وهم
باعيش عليه
وأستني فيه ؟!
و فى نهاية الديوان تأتى قصيدة ( قدر )فتكون ختامًا جيدًا لهذه القصة الشعرية و يقول لحبيبته
" بحبك فوق ما يتصور
خيال إنسان
و مش قادر
برغم البعد و الفرقة
على النسيان
حاولت كتير و ماقدرتش 000
و هنا نلاحظ تكرار كلمة حاولت كتير فى أكثر من قصيدة و هذا يدل على وجود صراع داخلى فى نفس الذات الشاعرة و بينه و بين محبوبته من جهة أخرى على مدار قصائد هذا الديوان 0
و نجده فى صراع آخر مع قلبه ص 98 فيقول :
" و كان القلب ف ضلوعى بيعصانى
و أنا حايله و يعصانى "
و القلب دائما لدى سعيد الصاوى يركن لمحبوبته حتى و لو كانت الحبيبة مليئة بالعيوب و جسد هذا الحب مليئًا بالثقوب و مغمورًا بالذنوب فهو دائمًا يحاول أن يقنع الشاعر بأن هذه الفرقة ما هى إلا سحابة صيف فيقول على لسان قلبه :
" و كان دايمًا بيقنعنى
بإن الفرقة ما بينا
سحابة صيف
و هاتعدى
و يختم شاعرنا قصيدته بل و ديوانه بمقطع رائع فيقول :
" و دلوقتى أنا جايلك
أقول لك إنى كنت غريب
بعيد عنك
و ما قدرتش برغم
البعد و الفرقة على النسيان
لأنى باختصار جدًا
بحبك فوق ما يتصور
خيال إنسانْ
و برغم من وقوع بعض الأخطاء المطبعية البسيطة و كتابة بعض كلمات العامية بما تنطق به مثل ( أنا جايلك ) و المفترض أن تكتب أنا جاى لك و غيرها من الكلمات و الشاعر حريص على ذلك ، بل و ينقد الآخرين عند كتابتهم بهذه الطريقة وقع فيها0
و فى الختام أقول أن سعيد الصاوى بديوانه الثانى قد قدم لنا نفسه شاعرًا يمتلك دفء المشاعر و صدقها و يمتلك الكثير ليقدمه فى درب الشعر و أنتظر منه الجديد 0
***
رد مع اقتباس
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ابراهيم خليل
