زيارة نابليون دي بوربون لمصر ..!!بقلم الشيخ عبد الله الشرقاوي

ننقل اليكم هنا المقطع الاخير من كتاب( الواقدي) : فتوح الشام...ومن هامشه الذي يحمل اسم تحفة الناظرين فيمن ولي مصر من الولاة والسلاطين)

وننقلها بدون تعليق منا ولا زيادة واليكم نصها كما اوردها الشيخ عبد الله الشرقاوي وبقلمه :


(... وفي تلك السنة تولى السلطنة السلطان سليم الثالث ابن السلطان مصطفى وتولى وزارة مصر الوزير اسماعيل باشا يوم السبت خامس عشر رجب وعزل يوم الاثنين شعبان سنة خمس ومئتين والف ثم تولى الوزير محمد باشا عزت بكر باشا الطرابلسي يوم الخميس الخامس عشر من ربيع الاول سنة احدى عشرة ومائتين والف وتوجه الى غزة يوم السبت سابع صفرثلاث عشرة ومائتين والف وذلك بسبب قدوم طائفة الفرنسيس الى مصر في ذلك في شوال من تلك السنة وعزل في غرة ذي القعدة سنة ثمان ومائتين والف ثم تولى الوزير صالح باشا القيصرني في عشر ربيع الاول سنة تسع ومائتين والف وعزل في ذي الحجة سنة عشر ومائتين...

ثم تولى السيد ابو ( فراغ )

...السهر فانهم قدمواالى الاسكندرية في شهر المحرم من تلك السنة ثم قدموا منها الى مصر في شهر صفر فاستقبلهم عسكر مصر عند الرحمانية وهزموا الى الجيزة فالتقوا بهم عند بشتيل قريبا من لاسيم فحصلت مقتلة عظيمة لاقدر الله أن المسلمين هزموا نفر مراد بك ومن العسكر الذين يقاتلون في البر الغربي أو جهة الصعيد وفر ابراهيم بك ومن كان معه في البر الشرقي الى الشام
وحقيقة حال الفرنساوية الذين حضروا الى مصر انهم فرقة من الفلاسفة اباحية طبائعية يقال لهم نصارى) فاتوا البقية يتبعون عيسى عليه السلام ظاهرا او ينكرون البعث والدار الاخرة وبعثة الانبياء والمرسلين
ويقولون ان الله واحد ولكن بطريق التعليل ويحكمون العقل ويجعلون منهم مدبرين يدبرون الاحكام يضعونها بعقولهم ويسمونها شرائع ويزعمون ان الرسل محمدا وعيسى وموسى كانوا جماعة عقلاء وان الشرائع المنسوبة اليهم كناية عن قوانين وضعوها بعقولهم تناسب اهل زمانهم .

ولذا جعلوا في مصر وقراها الكبار دواوين يتدبرون ما يناسب اهل البلاد بحسب عقولهم وكان في ذلك رحمة باهل مصر. فانهم جعلوا من جمله ديرانها جماعة من المشايخ وصاروا يراجعونهم في بعض اشياء لا تليق بالشرع

والسبب الذي اوجب لأهل مصر وقراها بعض عجزهم عن مقاومتهم بسبب هروب المماليك الذين معهم آلات القتال..
وانهم عند قدومهم كتبوا كتبا وفرقوها في البلاد وذكروا فيها انهم ليسوا نصارى لا نهم يقولون ان الله واحد والنصارى تقول بالتثليث

,وانهم يعظمون محمدا ويحترمون القران وانهم يحبون العثماني ولم ياتوا الا الى طرد المماليك الظلمة لانهم نهبوا اموالهم واموال تجارهم ولا يتعرضون الرعايافي شيئ.......!!!!!!(1)

ولكن لما دخلوا لم يقتصروا على نهب اموال المماليك بل نهبوا الرعايا وقتلوا جملة من الناس, لما قامت عليهم اهل مصر بسبب طلبهم :تفريد غرامة على البيوت وقتل منهم ما يقرب من الالف وهتكوا بعض الاراضي في مصر وقراها فان كل قرية حاربتهم نهبوا اموالها وقتلوا رجالها واخذوا نساءوها وقتلوا من علماء مصر نحو ثلاثة عشرة عالما ودخلوا بخيولهم الجامع الازهر ومكثوا فيه يوما وبعض الليلة الثانية وقتلوا فيه بعض علماء ونهبوا منه اموالا كثيرة وسبب وجودها فيهان اهل البلد ظنوا ان العسكر لا يدخله فحولوا فيه امتعة بيوتهم فنهبوها ونهبوا اكثرالبيوت التي حول الجامع و مزقوا الكتب التي في الخزائن التي يعتقدون ان بها اموالا.....

وأخذ من كان معهم من اليهود الذين يترجمون لهم كتب ومصاحف نفيسة ومكث بونابرته امير الجيوش الفرنساوية في مصر سبعة اشهر ثم في غزوة رمضان من تلك السنة توجه الى الشام لقتال الوزير المعظم احمد باشا الجزار فحاصره حصارا شديدا في عكا فلم يقدر انه ظفر به وقتل معظم عسكره .

ورجع الى مصر وترك جانبا من عسكره في العريش وكان قد حصن القاهرة ببناء القلاع حولها ثم جاء عسكر من جهة الروم الى ناحية ابي قير معهم مصطفى باشا فتوجه اليهم بونابرته مع عساكره وغدرهم وقتل منهم جملة واسر مصطفى باشا المذكور مع بعض العساكر ورجع الى مصر ومكث مدة قليلة ثم اخذ امواله التي جمعها من مصر وتوجه الى ناحية ابي قير واخذ بعض عسكره ونزل في البحر وذهب الى بلاده مع شدة محافظة مراكب الانجليز على الاسكندرية ومنعهم من يسافر من جهتها حتى قيل انه رشاهم بدراهم ليخلوا له الطريق(وولى بدله ) جمهور الفرنساوية كليبر ساري عسكر عليهم....

ثم ان همة مولانا المعظم والخاقان المفخم والسلطان سليم توجهت الى مصر فارسل مولانا الوزير المعظم والصدر المفخم يوسف باشا المغازي ساري عسكر على جيوش المسلمين فتوجه من اسلامبول بالاوردي الهميانوي .......

وما زال يسير ويجمع العساكر من البلدان الى ان وصل غزة هاشم في شهر رجب من شهور اربعة عشرة ومائتين والف ثم وجه عسكرا امامه الى العريش وتوجه بعدهم بنفسه اليها ففتحها الله عليه في مدة يسيرة نحو خمسة ايام مع ان بونابرته لما ذهب الى الشام حاصرها اربعة عشر يوما فلم يقدر على اخذها مع كون من فيها شرذمة قليلة من عسكر مصر فلما فنيت ذخيرتهم طلبوا الامان وخرجوا منهاو أما الفرنساوية الذي فيها فعندهم ذخيرة كثيرة وجبخانة عظيمة لكن معونة الله ساعدت الوزير المذكور على اخذها ثم لما استقر ركابه هناك ذهب اليه جماعة من الفرنساوية ووسطوا بينهم وبينه جماعة من الانجليز في اجراء الصلح بينهم فصالحه على ان يترك لهم ما قبضوه من الاموال وان يدفع لهم جانبا يستعينون فيه على السفر وشرطوا شروطا كثيرة منها انهم يمكثون في مصر والبر الشرقي لمدة اربيعين او خمسة واربعين يوما يقضون فيها اشغالهم وبعذ ذلك يذهبون الى الجيزة يترددون ما بينها وما بين الصعيد والاسكندرية نظير تلك المدة حتى يجمعوا عساكرهم من البلاد فاجابهم الوزير لذلك لسلامة صدره فلما حضر بعسكره ونزل ما بين الخانقاه السرياقرسية والمطرية تعللوا عليه بان الانجليز لم تمكنهم من السلوك في البحر ومكثوا مدة يخادعونه حتى جمعوا عسكرهم وغدروا الوزير المذكور وهجموا عليه بغتة فانكسر امامهم وسببه انه اعتمد على الصلح المذكور لسلامة صدره ولم يخطر بباله انهم يغدروا فارجع بعض العساكر والجبخانة العظيمة ولم يقدرالا بمدافع صغيرة لاتقاوم مدافعهم ثم رجع من العسكرالذين كانوا بالمطريةجملة صحبة كتخذا الدولة ....

عثمان كتخذا منهم نصوح باشا والى مصر حالا وابراهيم بك شيخ البلد حالا وبعض صناجق وقدم ايضا من جهة الصعيد بعض عساكر صحبه حسن بك الجداوي ومن جهة دمياط بعض ارنؤد ومحمد بك الالفي ومماليك وانحاز الجميع في مصر ويسر الله لهم بعض الجبخانة والمدافع بهمة الخواجا السيد احمد المحروفي لطف الله به ومنعوا الفرنسيس من دخول البلد واحاطوا بجميع جوانبها ومنعوا من يدخل اليها ومن يخرج منها وحصل للفقراء ضنك بسبب قلة القمح لكن حصل لطف بسبب كثرة الارز وكان ثمن ربع الارز ثمانية واربعين .(نصفا فضة) والعدس اثنين وعشرين (نصفا فضة) والفول قريبا من ذلك ....

وصار الفرنسيس يضربون البلد بالمدافع والقنابل حتى اتلفوا منها بعض اماكن ولم يمت من ذلك الا القليل من الناس وذلك بفضل الله تعالى وهجموا عليها مرات كثيرة من كل طرف ولم يمكنهم الله تعالى منها ثم بعد مضي ثلاثة وثلاثين يوما هجموا على باب الشعرية وحرقوا اطراف الحارات التي بجوار سيدي عبد القادر الدشطوطي وقتلوا جماعة من الرجال ونهبوا الاموال وسبوا رجالا ونساء وهجموا قبل ذلك على بولاق وقتلوا جماعة كثيرة ونهبوها وسبوها وسبوا منها رجالا ونساء فلما راى المسلمون ذلك وانهم كلما تمكنوا من محل احرقوه بالنار مالوا الى الصلح بعد طلب الفرنسيين له شفقة على الرعية وخرجت العساكر الى الشام صحبة كتخذا الدولة ابراهيم بك وامامراد بك فاصطلح معهم على ان يمكث في الصعيد في بلاد معلومة ويدفع لهم خراجها...


..... ثم بعد خروج العساكر وتوجههم الى الشام جمع كبير الفرنسيس كليبر وطلب منهم مالا عظيما نحو( عشر خزن )! ووكل بجمع ذلك رجلا من القبط يقال له (يعقوب) ففرض ذلك على طوائف الناس والحرف وصار يجمع ذلك منهم بمشقة عظيمة من ضرب وغيره حتى صار بعض الناس يموت من شدة ضيق الحبس وطلبوا من شيخ السادات سيدي محمد ابي ( فراغ ) ....

ومائتين والف خرج رجل على (ساري العسكر )(3) المذكورة فقتله في بستان خلف البيت الذي في الازبكية وقبض على ذلك فادعى انه جاء من الشام (4)منذ ثلاثين يوما وأختبئ في رواق الشوام في الجامع الازهر وسمى جماعة الانور مالا عظيما نحو خزنة. وحبسوه وباعوا جميع متاعه فلم يف بثلث ما طلب منه فاخذوا منه في نظير الباقي التزامه وتعلقاته ما عدا العقار والرزق والحريم في يوم السبت الحادي والعشرين من المحرم سنة خمسة عشرة
من كان عندهم مثلهم فاحضروه وقتلوهم وهم ثلاثة علماء صلحاء وصلبوا القاتل وقفل الجامه الازهر بعد اخراج غالب الكتب منه وشرعوا في بناء قلاع وسور وعمروا السور من باب النصراني الى باب الحديد وجعلوا جامع الظاهر قلعة وهدموا قواصره وجعلوا منارته برجا وهدموا اكثر بيوت الحسينية وهدموا ايضا معظم بولاق وبعض مساجدها وتبدلت أحوال مصر تبديلا زائدا وخرج اهلها منها ولم يبق منهم الا القليل لما سمعوا بوصول العساكر الاسلامية الى العريش ثم لما طال عليهم الحال وضاق عليهم المعاش في الارياف في مصر وضربت الجزية عليهم كبقية طوائف النصارى واليهود والفرنج القاطنين بمصر ثم في يوم الخميس سادس عشر شوال سافر (عبد الله جاك منو)(5) لكونه بلغه ان جماعة من الانجليز والمسلمين وصلوا الى ساحل ابي قير الاسكندرية ولما وصل هناك وقع بينه وبينهم حروب وهزم الفرنسيس وقتل منهم خلق كثير
وانحازوا الى الاسكندرية فاحتاط بها المسلمون والانجليز وقطعوا البحر المالح حتى احاطوا بها وانحاز جملة منهم الى الرحمانية وتحصنوا بقلعة بنوها هناك فتوجه المسلمون والانجليز الى رشيد واخذوها ثم توجهوا منها الى الرحمانية واخذوها ايضا فتوجه الفرنسيس الذين كانوا فيها وانحازوا الى مصر وخرجوا المسلمين الذين قدموافي البر من الشام مع حضرة الوزير الاعظم يوسف باشا وحصل بينهم مقتلة عظيمة فنصر الله المسلمين وهرب الفرنسيس الى مصر وذلك في اوائل المحرم سنة الف ومائتين وست عشرة وقد حبسونا في القلعة مع اخواننا من العلماء خوفا من قيام اهل البلد عليهم كما وقع منهم سابقا فمكثنا في القلعة مائة يوم من تسعة في ذي القعدة الى اواخر صفر سنة ست عشرة ومائتين والف
خروجنا من الحبس سبب وقوع الصلح بين المسلمين وبين الفرنسيس على ان يخرجوا من البلد ويسافروا على رشيد وابي قير ووقع بينهم شروط كثيرة منهاان يرسلوا الى (عبد الله منو) في الاسكندرية اما ان يدخل في الصلح الممذكور واما ان يحاربوه وخرجوا من مصر يوم الجمعة بليلتين بقيتا من شهر صفر المذكور وذهبوا الى الجيزة ثم توجهوا منها يوم الاربعاء رابع شهر ربيع الاول من السنة المذكورة الى رشيد وابي قير صحبة حسين باشا القابودان وعساكر كثيرة من المسلمين والانجليز وانزلوهم في مراكب وامتلات مصر بعساكر المسلمين وبعض عساكر الانجليز ودخل الوزيرالاعظم مصر يوم الخميس في موكب عظيم عليه ابهة الجمال وهيبة الكمال وامتلأت قلوب اهل مصر فرحا وسرورا لم يحصل لهم مثله لكثرة ما وقع لهم من طائفة الفرنسيس من اخذ اموالهم وقتل فقراء رجالهم وهدمبيوتهم حتى صاروا فقراء ثم في يوم الاحد السابع والعشرين من شهر ربيع الاخر جاء الخبر بان المسلمين ملكو الاسكندرية بعد قتال شديد ومات خلق كثير من الانجليز والمسلمين وحضر وهو في البرج ثم طلبوا الامان وكان ذلك في يوم الجمعة لثمانية عشر من الشهر المذكور ثم طلبوا مدة فاعطوهم ذلك وبعدها انزلوهم في المراكب شيئا فشيئا وخلت منهم البلاد واراح الله منهم العباد وكان مدة تصرفهم في مصر ثلاث سنين وكان خروجهم بهمة مولانا سلطان سلاطين اهل الارض الذي صرفه الله في طولها والعرض مالك رقاب الامم سيد سلاطين العرب والعجم مولانا السلطان سليم خان لازال محفوفا برعاية الحنان المنان وبتدبير وزيرة الاعظم ومشيره الافخم صاحب الاوصاف السنية والاخلاق المرضية من هو حقيق بقول الشاعر :

خلق كماء المزن طيب مذاقه, والروضة الغناء طيب النسيم
كالغيث الا ان جود يمينه ابدا وجود الغيث غير مقيم
كالهر لكن فيه حلم واسع عمن جنى والهر غير حليم
كالسيف الا انه ذو رحمة والسيف قاسي القلب غير رحيم


واوصافه الجميلة لاتحد, واخلاقه الحسنى لا تحصر ولاتعد .اسالك اللهم ان تكسوا الايام ملابس العز بطول حياته وانت تشرح صدر الزمان بدوام مسرته وان تحفظ من كل مكروه مهجته وان تديم على مدى الزمان بهجته بجاه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
انتهى.


.
هذا هو الفصل الاخير من( تحفة الناظرين فيمن ولي مصر من الولاة والسلاطين ) للشيخ عبد الله الشرقاوي . رحمه الله ملحقا بكتاب(فتوح الشام) للواقدي رحمه الله..... وبين ايدنا النسخة القديمة التي اتعبتنا في فكفكة حروفها لصعوبة قرائتها ....

حواشي
(1) ما اشبه اليلة بالبارحة

(2)الجنرال مينو ! وكان يسمون انفسهم اسماء االمسلمين حيث تسمى نابليون دي بوربون ب محمد عبد الله نابليون بعد ان دخل الازهر وادعى الاسلام تلك الايام!!!

(3) قائد الجيش

(4) سليمان الحلبي قاتل كليبر وهو موضوع بحثنا : البطل الشهيد سليمان الحلبي رجل مسلم كردي الاصل من مدينة حلب وبالتحديد من احد مناطقها (مدينة عفرين التي تقع على الحدود التركية لسورية اليوم) ولا تزال رفاته الطاهرة معروضة في صندوق زجاجي في احد متاحف باريس مكتوب عليها (هذه عظام الارهابي سليمان الحلبي ) فهل حان وقت استلام هذه الرفاة الطاهرة لتدفن في مسقط راسه في مدينة عفرين السورية ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟



الدكتور ابو الهدى الصيادي
جماعة المستضعفين في الأرض