توقفت الحياة لوهلة ، فأوقفت معها أنفاسي رغبة في فهم ما لا يُفهم . سيارة مرسيدس فارهة تعتلي المكان بجانبي ، وقد أثخنت بسائقها الذي فاضت ضفتيه على حواف الكرسي المسكين الذي تستشعر أنينه رغم صمته الأبدي. أطفال ينسابون بين مقاعد السيارة التي تقف في الحارة الثانية للحياة ، بعد أن يئست أمهم من السيطرة عليهم ، فقررت أن تمارس ذلك على الشكل الدائري الذي أمامها رغبة في الشعور نفسه. عامل النظافة الذي تسوقه دراجته النارية العجوز، يحاول الوقوف باتزان تحت عمود الإشارة الحمراء في المقدمة ، العمال ،هم دائما في المقدمة ، وهم الدرع الصلب الذي يحتمي خلفه المتسارعون في نمو كروشهم باطراد مع نمو جيوبهم الملطخة بصدأ مفاتيح خزانات لا يعرفها سواهم. سائق التاكسي الذي يدعم ظهري يوحي بأن ثأرا بينه وبين المرآة التي تعكس وجهه المقطب ، وهو يرمي بحجارة كلماته إليها ، لتعكس حواره وانفعاله لمن تمكن من اصطيادهم فوق رصيف الشارع ، وها هو يحجزهم في فوق المعقد الخلفي ، ناهيك عن حركة يده المتشابكة وهو يلوح برأسه بين فينة وأخرى. بنت عشرينية ،ترسم ابتسامة لطيفة على جانب من شفتيها وهي تقرأ رسالة (على الموبايل) ،علها صباحية من الفارس الذي ينوي خطفها على حصان أبيض ، قبل أن يكبل هو وما يركب بسلاسل السلفيات البنكية ، وأقساط السيارة ، وإيجارات الشقق والبيوت التي تحرق من حاول الاقتراب منها . ليصل إليها هو على حصانه الذي أصبح صهيله نهيقا ، فيكبو فوق عتبة غرفة نومه ليلة الزفاف ، قبل أن يصل . وعلى ميمنتي تقف سيارة (BMW) براقة ، تمتد اللوحة البيضاء ذات الخنجرين أمامها وخلفاها ، لتبث ما تريد لمن حولها ،كل حسب مشاعره تجاهها ، حيث يغيب راكبها في عوالم أخرى ، لم تصل إليها أعين أمثالي بعد . وهناك تحت الجسر ، يجلس الرقيب الرقيب ، متكئا على دراجته الأنيقة الصنع ، يمسك بيده اليمنى دفتره الذي يقتات منه ، وفي اليسرى قلمه الأزرق الذي يبدو مستعدا للعبور فوق آلاف الأوراق المحرمة ، لتعبر هي بدورها فوق جيوب كل من تخول له نفسه كسر الحمرة . وبينهم جميعا ، يتململ بائع الجرائد وهو يغلي مع لهيب السواد في الأسفل .
أوقفتهم الإشارة الحمراء جميعا في صفوف منتظمة ، لا تأبه بفوارقهم ، ولا تعترف بجيوبهم ولا بخامات أغطيتهم . اصطفوا جميعا كمن ينتظر لحظة الفرج . شكرا لك أيتها الإشارة الحمراء .. وحدك فقط ، حققت ما لم تستطع تحقيقه الأمم . لابد يأتي يوم وتنزعين من مكانك ، خوفا من سياستك الاشتراكية.