أحدث المشاركات

بكاء على الاطلال» بقلم أحمد بن محمد عطية » آخر مشاركة: أحمد بن محمد عطية »»»»» مصير الكوكب على متن الشراع الشمسي» بقلم إبراهيم أمين مؤمن مصطفى ح » آخر مشاركة: ناديه محمد الجابي »»»»» قراءة فى بحث تجربة ميلغرام: التجربة التي صدمت العالم» بقلم اسلام رضا » آخر مشاركة: اسلام رضا »»»»» وذُلّت الأعناق مقتطف من رواية قنابل الثقوب السوداء...» بقلم إبراهيم أمين مؤمن مصطفى ح » آخر مشاركة: إبراهيم أمين مؤمن مصطفى ح »»»»» الفصل الثاني من رواية وتستمر الحياة بين يأس و تفاؤل الأم الجريحة» بقلم بوشعيب محمد » آخر مشاركة: ناديه محمد الجابي »»»»» و تستمر الحياة بين يأس و تفاؤل الفصل الأول من الرواية بقلم بوشعيب» بقلم بوشعيب محمد » آخر مشاركة: ناديه محمد الجابي »»»»» قراءة في بحث أمور قد لا تعرفها عن مستعمرة "إيلون موسك" المستقبلية» بقلم اسلام رضا » آخر مشاركة: اسلام رضا »»»»» نعم القائد» بقلم عطية حسين » آخر مشاركة: احمد المعطي »»»»» قراءة في مقال يأجوج و مأجوج ... و حرب العوالم» بقلم اسلام رضا » آخر مشاركة: بوشعيب محمد »»»»» الطفل المشاكس بقلمي» بقلم بوشعيب محمد » آخر مشاركة: بوشعيب محمد »»»»»

النتائج 1 إلى 9 من 9

الموضوع: حفريات في ذاكرتي ( الشهيد القائد د. عبد العزيز الرنتيسي رحمه الله )

  1. #1
    قلم نشيط
    تاريخ التسجيل : Apr 2003
    المشاركات : 662
    المواضيع : 83
    الردود : 662
    المعدل اليومي : 0.09

    افتراضي حفريات في ذاكرتي ( الشهيد القائد د. عبد العزيز الرنتيسي رحمه الله )

    هي صفحات من ذكريات القائد الشهيد .. قرأتها و أحببت لمن لم يقرأها أن يشاركنيها ..
    ××××××

    حفريات في ذاكرتي

    أينما وليت شطر ذكرياتٍ مرت بخيرها وشرها وحلوها ومرها؛ وجدت أن المعاناة الناجمة عن احتلال فلسطين تصبغ كل شيء في حياتنا كشعب فلسطيني، وأجدني مضطراً إلى العودة إلى أحداث من تلافيف الماضي البعيد، التي حتماً ستسلط بعض الضوء على حجم الكارثة التي حاقت بالشعب الفلسطيني، الذي لم يكن له من ذنب إلا أنه شعب فلسطيني مسلم، وقد غلف اليهود جرائمهم بحق شعبنا المعذب على أيديهم بغلاف توراتي أسطوري، ولقد حفرت بعض المآسي أخاديد عميقة في الذاكرة؛ فلا يمكن نسيانها، ومنها:

    مذبحة خان يونس على يد اليهود عام 1956

    في عام 1956 إبان العدوان الثلاثي على مصر احتل الصهاينة قطاع غزة، وارتكبوا مجازر بشعة كعادتهم، ولكن هذه المرة في مدينة (خان يونس) حيث كنت أقيم في مخيمها منذ أخرجت مع أسرتي من قريتي (يبنا) التي تقع بين (اسدود) و (يافا) وأنا ابن ستة أشهر؛ لأجد نفسي في معسكر (خانيونس) للاجئين الفلسطينيين، لقد ارتكبت المجازر بحق المدنيين الفلسطينيين، حيث كان اليهود يقتحمون البيوت ويقتلون كل من فيها من رجال أمام أزواجهم وأبنائهم، وكان لي عم يدعى "حامد الرنتيسي"، ولم يكن لأبي أخوة غيره، ولقد اقتحم اليهود بيته كما اقتحموا بيوت الجيران، وكان يجلس مع زوجته وأبنائه، فصوبوا عليه السلاح، فما كان من ابن عمي "موفق" ابن التسع سنوات إلا أن ألقى بنفسه على والده، ولكن القتلة اليهود لم يكترثوا لهذا المشهد، ولم يترددوا في إطلاق رصاص بنادقهم؛ فقتلوا الوالد وأصابوا الطفل بجراح متوسطة في ساعده، وبعد أن اقترفوا جريمتهم تلك انتقلوا إلى البيت المجاور بيت آل "السعدوني" حيث كان أربعة إخوة، فأمروهم بالوقوف ووجوههم إلى الجدار، ثم أطلقوا عليهم الرصاص فحصدوا أرواح ثلاثة منهم، وقفز الرابع فوق الجدار فأصابوه في قدمه، ولكنه تمكن من الفرار ليبقى شاهداً على المجزرة حتى يومنا هذا، وهو السيد "خميس السعدوني".

    لقد قتل الصهاينة في مذبحة (خان يونس) بدم بارد 525 فلسطينياً، جميعهم من المدنيين الأبرياء، ولقد تعفنت جثثهم في شوارع المخيم، وكان الأمر لا يطاق. فحسبنا الله ونعم الوكيل.

    الفقر الذي عاشه الفلسطينيون إحدى جرائم الاحتلال

    لقد كنا في وطننا نعيش حياة كريمة ميسورة؛ بيت جميل في (يبنا) لا زال قائماً حتى يومنا هذا وقد ولدت فيه، وبستاناً واسعاً يحيط بالبيت من كل جانب، ولكن الصهاينة الذين اغتصبوا الوطن وشردوا أهله وضعونا بين فكي الفقر يطحننا طحناً، مما اضطر أخي الذي يكبرني مباشرة إلى أن يترك دراسته ليتعلم حرفة يستطيع من خلالها الإنفاق علينا، وكان الوالد قد توفي عام 1962؛ ليصبح أخي رب الأسرة، ولكن دخله من هذه الحرفة وهي "الحلاقة" كان زهيداً جداً، فأخذ يرنو إلى الذهاب إلى السعودية وهو ابن العشرين من العمر عله يجد عملاً ينقذنا به من براثن الفقر، وفي عام 1964 عقد العزم على السفر، وفي هذا العام كنت أشق طريقي إلى الثانوية العامة؛ فخرجنا لوداعه بعد صلاة الفجر مباشرة نسير على أقدامنا متجهين إلى محطة القطار، وبينما نحن نسير إذا بالوالدة -رحمها الله- تقول لي: يا بني أعط حذاءك لأخيك؛ حتى لا يذهب إلى السعودية حافي القدمين، وأما أنت فسيرزقنا الله، ونتمكن من شراء حذاء لك قبل بداية العام الدراسي -الذي كان فعلاً على الأبواب-، وقد فعلت وأعطيت أخي الحذاء الذي كنت قد اشتريته من الأحذية المستخدمة بملاليم قلائل، وعدت إلى البيت حافياً.

    يـــتـــبـــع ...
    (( و أفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد ))

    ( لوحة .. فحسب )

  2. #2
    قلم نشيط
    تاريخ التسجيل : Apr 2003
    المشاركات : 662
    المواضيع : 83
    الردود : 662
    المعدل اليومي : 0.09

    افتراضي

    الاحتلال والضريبة المضافة

    لقد دمر الاحتلال في الضفة الغربية وقطاع غزة البنية التحتية للشعب الفلسطيني، وانصب اهتمام العدو على نهب ثروات هذا الشعب واستنزاف اقتصاده بالرغم من الضعف الشديد في البنية الاقتصادية للشعب الفلسطيني، ففضلاً عن أن مرتبات الموظفين الفلسطينيين في مختلف الوظائف لا تصل إلى ثلث مرتبات نظرائهم من اليهود مع أن الظروف المعيشية واحدة، إلا أن العدو الصهيوني كان يفرض ضرائب باهظة على الفلسطينيين، من بينها ضريبة الدخل، وكذلك الضريبة المضافة التي تصل إلى 18% من مجمل الدخل، ولقد لاحق العدو الصهيوني العديد من الأطباء عام 1981 بهدف استنزافهم ضريبياً، مما اضطررنا معه كقيادة منتخبة للجمعية الطبية العربية الفلسطينية والتي كانت بمثابة "نقابة الأطباء" إلى إعلان الإضراب العام عن العمل؛ فلا نستقبل إلا حالات الطوارئ، ولقد خضنا إضرابنا الطبي ضد الضريبة المضافة، ثم اتسع الإضراب ليشمل نقابة المحامين، وجمعية المهندسين، وبلدية (غزة)، وبلدية (خان يونس)، وباقي الجمعيات والبلديات، وتحول الأمر إلى انتفاضة شعبية استمرت لمدة ثلاثة أسابيع، وقد سقط فيها شهيدٌ واحد وعددٌ من الجرحى، ثم تحركت الضفة الغربية بإرسال الوفود وإصدار بيانات الدعم والتأييد، وكادت أن تتسع رقعة الإضراب لتشمل الضفة أيضا، ولكننا بعد ثلاثة أسابيع اضطررنا لوقف الإضراب بقرار ذاتي دون إلغاء الضريبة المضافة، وذلك رأفة بالوضع الصحي للشعب الفلسطيني، ولقد واصل الأطباء تحديهم من خلال قيامنا بجمع تواقيعاتهم على مذكرة يرفضون فيها دفع الضريبة المضافة، وأثناء الإضراب اتخذ العدوالصهيوني قراراً بفرض الإقامة الجبرية عليّ، مما حال بيني وبين ذهابي إلى مقر الجمعية الطبية في مدينة (غزة) لعدة أيام، وذلك لأنني كنت مقيماً في مدينة (خان يونس).

    وبعد فترة زمنية تصل إلى العام تقريباً بدأت ملاحقتي من قبل الصهاينة الذين يعملون في الضريبة المضافة، حيث استدعيت إلى مقر الضريبة وطلب مني دفع المستحقات فرفضت ذلك؛ فقاموا بعدها بمداهمة عيادتي الخاصة واستولوا على جميع محتوياتها، وأخذوا يساومونني على دفع الضريبة أو أنهم سيقومون ببيع العيادة في المزاد العلني، وكانت محتويات العيادة أغلى ثمنا من الضريبة المطلوبة، ولكني رفضت لمبدأ القضية، فرفض الضريبة في واقع الأمر يعتبر رفضاً للاحتلال، ولو تمرد الشعب الفلسطيني عن دفع الضريبة وطور الأمر إلى عصيان مدني؛ لضاق الاحتلال بذلك ذرعاً، ولقد حاول الصهاينة بعد ذلك الذهاب إلى بيتي لأخذ ما يمكن أخذه من ثلاجة وغسالة وتلفاز، ولقد حضروا إلي وقت دوامي في عيادتي الخاصة، حيث استمر عملي بها دون إعادة إعدادها بأجهزة وأثاث ذي قيمة، وطلبوا مني الذهاب إلى البيت فرفضت؛ لأنهم لم يكونوا على علم بعنوان البيت كرجال ضريبة، وقلت لهم متذرعاً: "لن أسمح بالذهاب إلى البيت حتى تحضروا إذناً من الشرطة بتفتيش البيت"، ولكنهم والحمد لله رفضوا، وكان هدفي إخلاء البيت من أجهزة منزلية يمكنهم أخذها، واقتادني الجند إلى سيارة خاصة بالضريبة بينما هم ساروا خلفها بسيارتهم العسكرية، وأخذوا يسألون عن بيتي في الأحياء الراقية في مدينة (خان يونس)، ولم يخطر ببالهم أنني أسكن في بيت متواضع في المخيم، وكانوا يطرقون أبواب البيوت ويسألون الناس عن بيتي فيقول لهم الناس: "لا نعرف أين يقع بيت الدكتور"، وبينما هم يبحثون في الشوارع استوقفوا شاباً كان يسير على قدميه في السابعة عشرة من عمره تقريبا، وهذا الشاب كان جاراً لي فسألوه أين منزل الدكتور الرنتيسي؟ فنظر الشاب فرآني معهم؛ فقال لهم: "لا أعرف المنزل"، فحاولوا إرهابه؛ إلا أنه أبي أن يدلهم على المنزل، وبعد ساعتين من البحث عن البيت تبادلنا خلالها الشتائم ذهبوا بي إلى الشرطة، وهناك احتجوا لدى مدبر الشرطة متهمين إياي بأنني أعطل عملهم، فقلت لمدير الشرطة هذا قول غير صحيح؛ لأنني طلبت منهم أن يحضروا إذناً من الشرطة فرفضوا، وسأل مدير الشرطة مسؤول الضريبة: هل طلب منك ذلك؟ فقال له: نعم، فلامه على عدم استجابته، وبينما نحن كذلك إذ همس في أذني شرطي فلسطيني من (خان يونس) قائلاً: "أن البيت قد تم تنظيفه"، وهنا قلت لمدير الشرطة: إذا أذنت لهم فلا مانع لدي من الذهاب إلى البيت، وفعلاً ذهبنا إلى البيت وعادوا بخفي حنين، ثم بيعت العيادة في المزاد العلني، وقدر الله -سبحانه- أن يشتري محتويات العيادة رجل فاضل وهو ابن الداعية والمحسن الكبير الحاج "صادق المزيني"، فلما علم أنها لي اتصل بي، ورد محتويات العيادة إلي، وأقسم أيماناً مغلظة ألا يأخذ المبلغ الذي دفعه للمزاد، وفعلاً لم يأخذ شيئاً رغم إلحاحي الشديد؛ فجزاه الله من كريم خيراً.

    ثم فوجئت باستدعائي للمحكمة العسكرية، وذلك بتهمة استنكافي عن دفع الضريبة المضافة، ولقد أكدت أمام القاضي العسكري رفضي دفع الضريبة المضافة لقوات الاحتلال، وطعنت في شرعية المحكمة، وبعد ثلاث جلسات حكم القاضي علي بدفع الضريبة بالإضافة إلى عقوبة تمثلت بدفع غرامة مالية خلال شهرين أو الاعتقال لمدة ستة أشهر بدلاً من الغرامة، وانقضت المدة الزمنية ولم أدفع الغرامة، وعندها قاموا باستدعائي إلى مركز الشرطة ومساومتي على أن أدفع مبلغاً رمزياً لكي لا أعتقل، وكانوا يخشون أن يحرض اعتقالي على التمرد على دفع الضريبة، فكان همهم كسر إرادتي ولو بتقليص المبلغ إلى شيء رمزي، ولكني رفضت مما اضطرهم إلى اعتقالي بعد إعطائي مهلتين إضافيتين للتفكير ولكن لم يتغير رأيي، ودخلت المعتقل وتعرفت هناك على شباب مسلم مجاهد قد شكلوا نواة لحركة إسلامية في معتقلات العدو، فالتقيت في غرفة رقم "6" قسم "ب" بالمجاهد (جبر عمار) والمجاهد (محمد نصار) وغيرهم من الإخوة الأفاضل، وبعد دخولي المعتقل حاولوا مراراً أن يثنوني عن موقفي لكي أغادر إلى البيت، ولكني رفضت، وقد سمحوا لوفود من الجمعية الطبية بزيارتي بهدف إقناعي بدفع المبلغ إلا أني أبيت ذلك، وفوجئت في اليوم التاسع بالإفراج عني، وعندما خرجت اكتشفت أن الجمعية الطبية قامت بدفع الغرامة المالية دون إذن مني.

    يـــتـــبـــع ...

  3. #3
    قلم نشيط
    تاريخ التسجيل : Apr 2003
    المشاركات : 662
    المواضيع : 83
    الردود : 662
    المعدل اليومي : 0.09

    افتراضي

    الاحتلال وكلية التمريض

    لقد عمل الصهاينة على إفساد مهنة التمريض في قطاع غزة، وكان ضابط ركن الصحة يحرص على تعيين مدراء أقسام التمريض ممن اشتهروا بأخلاقهم الهابطة إلا ما رحم الله، ولقد فكرنا في إنشاء كلية التمريض في الجامعة الإسلامية، وكنت والدكتور "محمود الزهار" من وراء هذه الفكرة، ولكن الأمر لم يرق لليهود الذين لا يريدون أن ينهض التمريض نهضة أخلاقية قيمية، فبدأت المعركة التي استمرت خمسة وأربعين يوماً، بدأت باستدعائنا من قبل مكتب الحاكم العسكري الصهيوني كل في مدينته، فبينما كنت أقيم في (خان يونس) كان الدكتور (الزهار) يقيم في مدينة "غزة" ليطلبوا منا عدم فتح هذه الكلية، وعندما قوبل هذا الطلب بالرفض القاطع، أرسل العدو الصهيوني قوة عسكرية لتحاصر عيادتي الخاصة في (خان يونس) وكذلك عيادة الدكتور (الزهار) في (غزة)، ويستمر الحصار طوال ساعات العمل، وأثناء الحصار كانوا يرهبون المرضى ويطالبونهم بإظهار البطاقات الشخصية، ومن لم يكن حاملاً بطاقته الشخصية كالنساء مثلاً؛ يردونه ويمنعونه من دخول العيادة، وبما أنني طبيب أطفال فمعظم الحضور كانوا من النساء بأطفالهن، فكانوا يردونهن وأطفالهن رغم أن عدداً كبيراً منهن كان يأتي من مدن أخرى كمدينة (رفح) مثلاً، أو من قرى بعيدة نسبياً عن (خان يونس)، وعند نهاية الدوام في العيادة كنت أركب سيارتي عائداً إلى المنزل؛ فتقوم القوة العسكرية المحمولة بسيارة عسكرية ناقلة للجنود بمتابعتي حتى أصل البيت، ورغم أنني كنت أشعر بضيق لا يعلمه إلا الله؛ إلا أنني والدكتور (الزهار) لم نستسلم، وبعد حوالي الشهر من هذه المضايقات اليومية استدعيت من قبل الحاكم العسكري الذي قال لي بأن هذه المضايقات لن تتوقف إلى أن تغلق كلية التمريض، فقلت له بأنني لا أريدها أن تتوقف، فيكفيني أن الناس وهم يرون ما تفعلون بي يرفعون أكفهم قائلين اللهم انصر الدكتور عليهم، وبعد قولي هذا توقفوا لمدة ثلاثة أيام شعرت خلالها أن كابوساً قد أزيح عن صدري، ولكنهم عادوا ثانية إلى ما كانوا يقومون به من مضايقات؛ فكانت عودتهم أشد هماً وكرباً إلا أننا صبرنا حتى فشلوا في حملتهم وانتهت دون أن يحققوا هدفهم، ولا زالت كلية التمريض قائمة حتى يومنا هذا والحمد في ذلك لله وحده.

    ومن عجائب القدر أن ضابطاً يهودياً كان يعمل في شرطة (خان يونس) قد مرضت ابنته، وعالجها داخل الكيان الصهيوني ولكن لم يُكتب لها الشفاء، فنصحه ضباط الشرطة الفلسطينيون الذين يعملون معه أن يذهب بها لعيادتي الخاصة قائلين له ليس لهذا الأمر إلا الدكتور "الرنتيسي"، وعندما وصلت إلى مدخل عيادتي في ذلك اليوم رأيت ضابطاً صهيونياً شرطياً يقف على قارعة الرصيف المقابل للعيادة، فقلت في نفسي ربما تريد الشرطة الصهيونية أن تنضم إلى عملية الحصار التي يقوم بها الجنود، خاصة أنه كان يقف وحده أي لم تكن معه طفلته، ولكن بعد قليل دخل العيادة موظف مسؤول في دائرة إصدار البطاقات الشخصية في الداخلية وهو فلسطيني من عائلة كبيرة في (خان يونس)، وأخبرني أن في الخارج ضابط شرطة صهيوني ابنته مريضة، ولقد عالجها لدى أطباء صهاينة ولكن عبثاً، فقلت له ألم تر كيف يحاصر الجنود العيادة ويحرمون أطفال المسلمين من العلاج؟ فكيف أعالج أطفالهم في الوقت الذي يحرمون فيه أطفالنا من العلاج؟! ورفضت بشدة، وألح علي إلا أنني أبيت، فخرج ولكن لم يكن راضياً، وبعد حوالي نصف الساعة جاءني ضابط فلسطيني يعمل في الشرطة وهو رجل دمث الخلق ومواظب على الصلاة في المسجد الذي أصلي فيه، وطلب مني أن أعالج الطفلة فرفضت؛ فألح علي فأبيت، فأقسم ألا يخرج من العيادة حتى أعالجها، فلم أستطع المقاومة، وقلت له اذهب فأحضرها ولا تحضر والدها معها، وقدر الله أن يكتب لها الشفاء في أقل من 24 ساعة والحمد لله، وبعد خمسة وأربعين يوما توقف الجند عن الحصار فجأة، وانتصرت الإرادة وانكشفت الغمة وبقيت كلية التمريض والحمد في ذلك لله وحده.

    يـــتـــبـــع ...

  4. #4
    قلم نشيط
    تاريخ التسجيل : Apr 2003
    المشاركات : 662
    المواضيع : 83
    الردود : 662
    المعدل اليومي : 0.09

    افتراضي

    الاعتقال الأول

    كنت أحد قياديي حركة الإخوان المسلمين السبعة في (قطاع غزة) عندما حدثت "حادثة المقطورة"، تلك الحادثة التي صدمت فيها مقطورة صهيونية سيارة لعمال فلسطينيين فقتلت وأصابت جميع من في السيارة، واعتبرت هذه الحادثة بأنها عمل متعمد بهدف القتل مما أثار الشارع الفلسطيني، خاصة أن الحادثة جاءت بعد سلسلة من الاستفزازات الصهيونية التي استهدفت كرامة الشباب الفلسطيني، خاصة طلاب الجامعات الذين كانوا دائماً في حالة من الاستنفار والمواجهة شبه اليومية مع قوات الاحتلال، وقد خرجت على إثر حادثة السير المتعمدة هذه مسيرة عفوية غاضبة في (جباليا) أدت إلى سقوط شهيد وعدد من الجرحى، فاجتمعنا نحن قادة (الإخوان المسلمين) في قطاع غزة على إثر ذلك، وتدارسنا الأمر واتخذنا قراراً هاماً يقضي بإشعال انتفاضة في قطاع غزة ضد الاحتلال الصهيوني، وتم اتخاذ ذلك القرار التاريخي في ليلة التاسع من ديسمبر 1987، وقررنا الإعلان عن "حركة المقاومة الإسلامية " كعنوان للعمل الانتفاضي الذي يمثل الحركة الإسلامية في فلسطين، وصدر البيان الأول موقعا بـ "ح.م.س." هذا البيان التاريخي الذي أعلن بداية انتفاضة سيكتب لها أن تغير وجه التاريخ بإذن الله، وبدأنا الانتفاضة انطلاقاً من المساجد، واستجاب الناس، وبدأ الشعب الفلسطيني مرحلة من أفضل مراحل جهاده، ولقد كنت مقيماً في مخيم "خان يونس" في ذلك الوقت.

    وفجأة بعد منتصف ليلة الجمعة الخامس عشر من يناير 1988 -أي بعد 37 يوماً من اندلاع الانتفاضة- إذا بقوات كبيرة جداً من جنود الاحتلال تحاصر البيت، بعض الجنود تسوروا جدران فناء البيت، بينما عدد آخر منهم أخذوا يحطمون الباب الخارجي بعنف شديد، محدثين أصواتا فزع بسببها أطفالي الصغار، وقد كانوا في غرفة مجاورة لغرفتي، فنهضت على الفور من الفراش، وخرجت من غرفة النوم لأتترس ببابها كي أمنع الجند من الدخول إلى الغرفة، ولما حاول ثلاثة من الجنود اقتحام الغرفة عنوة وحاولوا الاعتداء علي لإبعادي عن بابها دخلت معهم في اشتباك بالأيدي جرح على أثره أحد الجنود، وهنا ارتفع صوت الضابط وهو يأمرهم بالابتعاد عن الغرفة والإقلاع عن الاشتباك، ثم طلب مني ارتداء ملابسي ففعلت، وخرجت معهم فعصبوا عيني وكبلوا يدي من الخلف بعنف شديد تورمت على أثره يداي، وفقدت الإحساس في أجزاء من يدي لمدة زمنية طويلة، وكان ضابط الأمن الصهيوني الملقب بـ(أبي رامي) -وهو اسم أمني حركي- يعاني من جنون العظمة، فبعد اعتقالي تناقل الناس فيما بينهم أنني ضربت "أبا رامي" ضرباً مبرحاً؛ فكان يتحرك في الشارع برفقة جنوده المدججين بالسلاح ويقول للناس: انظروا إليَّ؛ فأين آثار الضرب وأنتم تزعمون بأن الدكتور قد ضربني؟.

    والواقع أنه كان بعيداً عندما اشتبكت مع الجنود، ولم يشارك في العراك!.

    يـــتـــبـــع ...

  5. #5
    قلم نشيط
    تاريخ التسجيل : Apr 2003
    المشاركات : 662
    المواضيع : 83
    الردود : 662
    المعدل اليومي : 0.09

    افتراضي

    كرامات في المعتقل

    كنا في المعتقل الصحراوي في النقب وذلك عام 1988، وكنا في فصل الصيف حيث الحرارة الشديدة، وفي آخر ليلة من رمضان استيقظنا لتناول السحور فإذا بالحرارة لا تطاق، وشعرنا بأننا أمام يوم صعب، وانتظمنا في صلاة الفجر، وصلى بنا إماماً طالبٌ من طلاب الجامعة الإسلامية، وقد حباه الله سبحانه صوتاً نديا في تلاوة القرآن، وبعد القيام من ركوع الركعة الثانية رفع إمامنا أكف الضراعة باكياً يدعو الله ونحن نؤمّن من خلفه، وألهمه الله فقال في دعائه: "اللهم سق إلينا الغمام، واسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين"، وألح في الدعاء وكان الواحد منا يقول في نفسه: "ومن أين سيأتي الغمام في يوم من أيام الصيف كهذا اليوم، وفي مكان صحراوي كصحراء النقب؟!"، وتنفس الصباح، واشتعلت الأرض، إن دخلنا الخيام فكأنها حمامات شمسية، وإن خرجنا من الخيام شعرنا كأن جهنم تحيط بنا من كل جانب، وما هي إلا لحظات بعد ارتفاع الشمس قليلاً؛ فإذا بغيمة تتهادى من بعيد لتستقر فوق المعتقل مظللة جزءًا من خيام المعتقلين فلم نصدق عيوننا، ثم تبعتها أخرى، ثم جاء الغيم تباعاً حتى ظلل المعتقل كاملاً ومساحة حوله، فكنا نشاهد على الأرض حدود ظلال الغيوم من حولنا وبعدها تبدو أمام ناظرينا شمس تلفح سطح الأرض، ثم تساقط المطر، وتساقطت معه دموع المعتقلين الذين اعتبروا ذلك آية ورحمة من الله سبحانه!، وخرجنا على الفور من الخيام وأخذت أدعو الله ويؤمّن المعتقلون من خلفي، ثم تناوب الأخوة الدعاء والحمد والتسبيح، تغمرنا فرحة استجابة الله لدعائنا في صلاة الفجر.

    يـــتـــبـــع ...

  6. #6
    قلم نشيط
    تاريخ التسجيل : Apr 2003
    المشاركات : 662
    المواضيع : 83
    الردود : 662
    المعدل اليومي : 0.09

    افتراضي

    ثلاثة أشهر في زنزانة انفرادي
    العقلية السادية الصهيونية أو جنون العظمة


    في عام 1991 كنت في معتقل النقب أقضي حكماً إدارياً لمدة عام، وكان المعتقلون منذ افتتاح هذا المعتقل عام 1988 حتى الوقت محرومين من زيارات ذويهم، ومع إلحاح المعتقلين واحتجاجاتهم المتكررة بدت هناك استعدادات لدى إدارة المعتقل بالسماح للأهل بالزيارة، وقام مدير عام المعتقل وهو صاحب رتبة عسكرية رفيعة ويدعى "شلتئيل" بطلب عقد لقاء مع ممثلي المعتقلين، ولقد اجتمع ممثلون عن مختلف الفصائل في خيمة من خيام المعتقل في أحد أقسامه لتدرس الأمر قبل انعقاد اللقاء مع الإدارة، وأحب المعتقلون أن أرافقهم وقد فعلت، وأثناء لقائنا في الخيمة سمعت بعض الشباب يحذر من "شلتئيل" ويضخم من شأنه ويخشى من غضبه، فشعرت أن له هيبة في نفوس بعض الشباب، وهذا لم يرق لي، ولكني لم أعقب بشيء، ثم جاءت حافلة في يوم اللقاء لتقلنا إلى ديوان "شلتئيل"، وأخذت وأنا في الحافلة أفكر في استعلاء هذا الرجل وهيبته في نفوس الشباب وكيفية انتزاع هذه الهيبة من نفوسهم، ولقد وطنت نفسي على فعل شيء ما ولكني لا أعلمه، ولكن كان لدي استعداد تام أن أتصدى له إذا تصرف بطريقة لا تليق، ووصلت الحافلة، ودخلنا ديوانه، فكان عن يميننا داخل القاعة منصة مرتفعة حوالي 30سنتيميتر عن باقي الغرفة، وعليها عدد من الكراسي، وعن شمالنا كانت هناك عدة صفوف من الكراسي معدة لنا، فجاء رؤساء الأقسام المختلفة وجميعهم من الحاصلين على رتب عسكرية في الجيش، ومن بينهم مسؤول أحد الأقسام قد كان في الماضي نائب الحاكم العسكري لمدينة (خان يونس) وكان يعرفني مسبقا، وكان نائب "شلتئيل" أيضا يجلس على المنصة مع رؤساء الأقسام، وجلس المعتقلون الممثلون لكافة الفصائل على الكراسي المعدة لهم وجها لوجه مع رؤساء الأقسام، تفصلنا عنهم مسافة لا تزيد على مترين، ولقد جلست في الصف الأول في الكرسي الأول الأقرب إلى باب الديوان، ثم بعد وقت قليل دخل "شلتئيل" وكان رجلاً طويل القامة ضخم الجثة؛ فالتفت بطريقة عسكرية إلى المنصة وأشار بيده يدعوهم إلى القيام له فقاموا، ثم التفت إلينا بطريقة عسكرية وأشار بيده فوقف الشباب وبقيت جالساً، وكان هذا اللقاء هو اللقاء الأول بيني وبينه فلا يعرفني، فاقترب مني، وقال: لماذا لا تقف؟، فقلت له: أنا لا أقف إلا لله، وأنت لست إلهاً، ولكنك مجرد إنسان، وأنا لا أقف إلى البشر، فقال: يجب عليك أن تقف، فأقسمت بالله يميناً مغلظاً ألا أقف، فأصبح في حالة من الحرج الشديد ولم يدر ما يفعل، حاول التدخل أحد قادة فتح في المعتقل وهو العقيد "سامي أبو سمهدانة" ليخبره أنني إذا قررت لا أتراجع؛ فرفض الاستماع إليه وأصر على موقفه، ولكني أبيت بشدة، فقال نائبه يادكتور هنا يوجد بروتوكول يجب أن يُحترم، فقلت له: ديني أولى بالاحترام ولا يجيز لي الإسلام أن أقف تعظيماً لمخلوق، فقال: وما الحل؟ قلت إما أن أبقى جالساً أو أعود إلى خيمتي، فقال "شلتئيل": عد إذاً إلى خيمتك؛ فخرجت من الديوان ولم يخرج معي إلا الأخ المهندس "إبراهيم رضوان" والأخ "عبد العزيز الخالدي"، وكلاهما من حماس، وبعد أيام قلائل كان قد مضى على اعتقالي تسعة أشهر ولم يتبق إلا ثلاثة أشهر فقط للإفراج عني، فإذا بهم يستدعونني ويطلبون مني أن أجمع متاعي وهذا يعني في مفهوم المعتقلات ترحيل ولكن لا ندري إلى أين، وكانت تنتظرني حافلة، فما أن ارتقيتها حتى وجدت كلا الأخوين فيها وقد أحضروا من أقسامهم؛ فأدركت أنها عقوبة ولا يوجد عقوبات سوى الزنازين، وانطلقت بنا الحافلة إلى معتقل "سبعة" حيث توجد خمسون زنزانة، وما أن وصلنا حتى تسلمنا مسؤول الزنازين ويدعى "نير" الذي أخبرنا وهو ممتعض بأننا معاقبون بوضعنا في زنازين انفرادية لمدة ثلاثة أشهر، وتبين لنا فيما بعد أن سبب امتعاضه اعتباره أن العقوبة كانت لأسباب شخصية، أي أنه لم يرق له أن ينتقم"شلتئيل" لنفسه بهذه الطريقة، خاصة أن أقصى عقوبة من العقوبات اليومية الروتينية لا تصل إلى سبعة أيام، ولذلك لم يكن سيئاً في استقبالنا كما يفعل مع الشباب، وربما أن السن والدرجة العلمية لعبت دوراً في التأثير عليه، وأخذنا إلى الزنازين المخصصة لنا، كل في زنزانته وحيداً، وكنا نخرج يومياً لمدة ساعة ما عدا يوم السبت في ساحة محاطة بالأسلاك الشائكة حيث الدورة والحمامات، لأن الزنازين لم تكن بها دورة مياه ولا حمام، وبدأنا رحلتنا مع القرآن، أما أنا فأراجعه بعد أن من الله علي بإكمال حفظه من قبل عام 1990 حيث كنت والشيخ (أحمد ياسين) في زنزانة واحدة في معتقل "كفاريونه"، وأما المهندس فبدأ بحفظ القرآن في الزنزانة، وكان رجلاً ذكياً جداً ويجيد العبرية بطلاقة، وقد تمكن من حفظ القرآن قبل انقضاء الثلاثة أشهر، والحمد لله رب العالمين.

    يـــتـــبـــع ...

  7. #7
    قلم نشيط
    تاريخ التسجيل : Apr 2003
    المشاركات : 662
    المواضيع : 83
    الردود : 662
    المعدل اليومي : 0.09

    افتراضي

    من الطرائف التي حدثت في رحلتنا مع الزنزانة
    عندما يستجاب الدعاء


    لقد أحاط الصهاينة المعتقل بخيامه وزنازينه بمكبرات صوت وضعت على أعمدة، من فوائدها سماع نشرة الأخبار، وإن كان ذلك من مذياع العدو الصهيوني الذي ينقل بعض الصورة أو ينقل الصورة مشوهة، إلا أننا كنا نتعرف على بعض ما يجري خارج أسوار المعتقل في الضفة الغربية وقطاع غزة، خاصة أننا حرمنا من زيارة الأهل، وأما من شرور مكبرات الصوت أنها معظم الوقت تنقل إلى مسامعنا أغاني صارخة، مصحوبة بموسيقى صاخبة، مما كان يؤذي مسامعنا إذا قمنا إلى الصلاة أو أخذنا في مراجعة القرآن، خاصة أن الصوت كان يعبر من نوافذ الزنازين إلى داخلها فيحدث ضجيجاً هائلاً لا نستطيع معه النوم ولا التلاوة، فما كان منا إلا أن فزعنا إلى الدعاء كي يخلصنا الله من هذه المكبرات، وما هي إلا أيام قلائل وبينما كنت واقفا مع المهندس "إبراهيم" في الساحة خارج الزنزانة أثناء الساعة المقررة لنا، وكنا نصغي إلى نشرة الأخبار، فإذا بمدير هذا القسم من المعتقل يشاهدنا، فسأل "نير" ونحن نسمعه ماذا يفعل الدكتور والمهندس، قال له "نير": يستمعون إلى نشرة الأخبار، فغاظه ذلك وقال له: اقطع أسلاك مكبرات الصوت المقابلة للزنازين ظناً منه أننا سنأسف لذلك وأنه سيؤلمنا، ففعل "نير"، واستجاب الله دعاءنا، وأراحنا من الضجيج، مع العلم أننا كنا نتمكن من سماع الأخبار عن بعد من خلال مكبرات الصوت في الأقسام المجاورة.

    وذات يوم سمعنا صراخاً ينطلق من إحدى الزنازين، فنظرت من نافذة الزنزانة، لعلي أرى مصدر الصوت فإذا بأحد الحراس واسمه "عمير" يخرج من إحدى الزنازين ويقوم بتمثيل أمام "نير" كيفية ضرب الشاب في الزنزانة، لقد كان مزهواً وهو يمثل الدور مما أثار مدامعنا، لقد كان الشاب يصرخ ويستغيث ولا نستطيع أن نفعل له شيئا، ثم قدر لنا أن نرى هذا المشهد الذي قام به "عمير" وهو لا يعلم أننا نراه، فانصرفت لأصلي ركعتين ودعوت الله أن ينتقم من "عمير"، وفوجئت بعد ذلك مباشرة أن "عمير" قد تغيب لعدة أسابيع، وظننا أنه قد تم نقله، ولكنه جاء بعد ذلك وفي مشيته عرج، فسألته هل بساقك ألم؟ فقال: لا ولكن هناك شيء برأسي، وهذا يعني ورما خبيثا في المخ، فحمدت الله على استجابته للدعاء، ولا غرابة في ذلك والرسول -صلى الله عليه وسلم يقول- "اتق دعوة المظلوم فليس بينها وبين الله حجاب".

    يـــتـــبـــع ...

  8. #8
    قلم نشيط
    تاريخ التسجيل : Apr 2003
    المشاركات : 662
    المواضيع : 83
    الردود : 662
    المعدل اليومي : 0.09

    Lightbulb

    ومن يُهن الله فما له من مكرم

    لقد مضت الثلاثة أشهر، وجاءت الليلة الأخيرة في المعتقل، وفي بعض الزنازين الغير ملاصقة لزنازيننا كان عدد من العملاء الذين فروا من المعتقل وسلموا أنفسهم لإدارة المعتقل بعد أن انكشف حالهم للمعتقلين، وفوجئت في آخر ليلة بمجيء "نير" إلى زنزانتي ليقول: يا دكتور سيتم غداً الإفراج عنك، ثم قال: لقد طلب مني "المفوكسين" - وهو مصطلح كان يطلقه المعتقلون على العملاء- أن يسلموا عليك؛ فماذا تقول؟، ففكرت قليلاً وجال بخاطري أن القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء، وقلت: لعل موافقتي بالسلام عليهم توقظ ضمائرهم؛ فيحدثوا توبة، فقلت له: موافق، فتغير وجهه وقال: يا دكتور هؤلاء "زبل" كيف تسلم عليهم؟، فقلت بعفوية: لعل الله يهديهم، فقال: تفضل، وفتح باب الزنزانة حيث كان يتحدث إليّ من كوة في الباب، وخرجت لنسير حوالي أربعين متراً -المسافة بين زنزانتي وزنزانتهم-، وفجأة توقف "نير" في منتصف الطريق وقال: يا دكتور هؤلاء "مفوكسين"، هؤلاء "زبل" كيف تسلم عليهم؟ ولكني عزمت فمضى حتى إذا وصلنا إلى زنزانتهم فتح كوة صغيرة في أعلى الباب، وطلب منهم أن يمدوا أيديهم للتسليم عليّ ففعلوا، ثم طلبوا منه أن يدخلني عندهم وكانوا من النصيرات، وهنا لم يترك كلمة سيئة في القاموس إلا قالها لهم رافضاً فتح الباب، ثم عدت إلى زنزانتي لأغادر المعتقل في الصباح بعد أن أمضيت عاماً كاملاً بدون محاكمة في اعتقال يطلق عليه "اعتقال إداري".

    يـــتـــبـــع ...

  9. #9
    قلم نشيط
    تاريخ التسجيل : Apr 2003
    المشاركات : 662
    المواضيع : 83
    الردود : 662
    المعدل اليومي : 0.09

    افتراضي

    مع الشيخ أحمد ياسين ( رحمه الله )

    في معتقل غزة المركزي استيقظت ذات يوم، وكان آخر يوم في شهر رمضان على رؤية؛ فأخذت أقصها على الإخوة في غرفة رقم "3" قسم "ب"، وقلت لهم لقد رأيت أني أركب حافلة متجهة صوب الشمال، وبينما أقص عليهم الرؤية إذا بصوت الميكروفون ينادي قائلاً :"عبد العزيز الرنتيسي عليه أن يلملم أمتعته وينزل إلى ساحة السجن"؛ ففعلت، وإذا بهم يأخذونني إلى سجن "الرملة" حيث يوجد قسم الانتظار والعبور من معتقل إلى آخر، ومدينة الرملة تقع بالنسبة إلى قطاع غزة في اتجاه الشمال، وقسم المعبر هذا كان تحت الأرض، وهو عبارة عن صف طويل من زنازين ضيقة تنتهي إلى غرفة جعلوني فيها، وفي صباح اليوم التالي صباح عيد الفطر وجدت نفسي في الغرفة وحيداً، فأخذت بالتكبير للعيد ثم صليت العيد منفرداً، وانتابتني مشاعر غريبة جداً، فهذه هي المرة الأولى التي أصلي فيها العيد وحدي، وقد كنت أسمع أصوات إخواني في الزنازين وهم يكبرون ولكن لا أراهم، ثم أخرجوهم ليصلوا العيد في الفورة وبقيت في غرفتي المعزولة عنهم وحيداً، وبعد يومين تم نقلي إلى سجن "كفار يونا" المطل على مفترق "بيت ليد" حيث زنزانة الشيخ "أحمد ياسين"، ولأن الشيخ لا يستطيع أن يحرك يداً ولا قدماً حيث يعاني من شلل رباعي؛ فإنه دائما بحاجة إلى اثنين من المرافقين على أقل تقدير، وعندما ارتقيت سيارة نقل السجناء التقيت بالأخ الفاضل المهندس "نزار عوض الله"، وقد أحضر من أحد المعتقلات ليكون شريكي في خدمة الشيخ، وفي غرفة الاستقبال في سجن "كفار يونا" التقينا بالأخوين الحبيبين: "يحيى السنوار"، و "روحي مشتهى"، اللذين أنهيا مرافقتهما للشيخ وسينقلان إلى سجن آخر، وبعد إتمام الإجراءات صعدنا إلى زنزانة الشيخ ومعنا شرطي، وصدمت عندما وصلت باب الزنزانة، وذلك لأن الباب كان موصداً بالمزلاج وفوق ذلك عليه ثلاثة أقفال، فقلت للشرطي: الشيخ لا يستطيع الحركة، فلماذا كل هذه الأقفال؟ فقال: إنها الأوامر،( نعم إنها الأوامر البلهاء حقاً!)، ودخلنا على الشيخ وكان لقاءً حاراً جداً وممتعاً، وبدأنا رحلتنا مع الشيخ، وقد توليت إطعامه وحمامه وكل شيء من أمور حياته، فهو لا يستطيع أن يساعد نفسه حتى في حك جلده، وقد عكفنا في هذه الفترة بالذات على إتمام حفظ القرآن، وقد وفقنا الله لذلك والحمد لله.

    كانت إدارة المعتقل تسمح لنا بالخروج إلى ساحة مغلقة في كل يوم ساعتين تسمى "الفورة"، فيتمدد فيها الشيخ مستنداً بظهره إلى الجدار، بينما كنت وزميلي الذي تم تغييره حيث أحضر الأخ "نصر صيام" -بدلاً من المهندس- نتمشى في الفورة، وكانت هذه الفورة في أوقات أخرى من اليوم تستخدم من قبل سجناء جنائيين من يهود وفلسطينيين، وكانوا لا يهتمون بالنظافة مما أدى إلى امتلاء الفورة بالبراغيث، فذات يوم اكتشفت أن حشرات تقفز على ملابسي؛ فأخبرت صاحبي فوجدته يعاني من نفس الشيء، وقد تبين لنا أنها براغيث، فذهبت إلى الشيخ أنظر حاله فلم نجد برغوثا واحداً على ثيابه، وشكونا الحال إلى إدارة المعتقل ولكن عبثاً، واستمر الوضع قرابة الأسبوعين عندما نصل إلى الفورة تقفز إلينا البراغيث بأعداد كبيرة، فقد كنت أقتل منها يومياً قرابة العشرة براغيث، والعجيب أنها كانت على مدى الأسبوعين لا تقترب من الشيخ، فسألته مداعبا ترى ما السبب، فقال إنها تبحث عن السمان، فضحكت، وقلت له: بل صدها الله عنك؛ لأنه يعلم أنك لا تستطيع حك جلدك، فضحك الشيخ وضحكنا.

    ومن عجائب هذه الفترة التي امتدت أربعة أشهر ونصف أنه في يوم الجمعة كنا نستقبل أهلنا في زيارة عائلية، حيث يحضرهم الصليب الأحمر في سيارة خاصة، وفي أحد أيام الجمعة تم استدعاؤنا لزيارة الأهل، وهناك في مكان الزيارة فوجئت أن أهلي لم يحضروا بينما حضر أهل الشيخ وأهل الأخ "نصر"، فمضى وقت الزيارة وهو نصف ساعة بطيئا جداً، حيث إن أهل الشيخ وأهل زميلي كانوا يجاملونني على حساب زيارتهم، وأخذت أذهب بعيداً في التفكير مسائلاً نفسي عن سبب تأخرهم، وبدا عليَّ أثر الهمِّ، وعدنا من الزيارة إلى الفورة، فقال لي الشيخ: ما بالك مهموماً؟، فقلت له: لا أدري سبباً لتأخرهم، فهم لم يتأخروا يوماً من قبل، فقال: وهذا أمر يستحق الاهتمام؟ فقلت: ولم لا؟ فقال: اعتبرهم ماتوا، فقلت له: أنا لا أستطيع ما تستطيعه، وتركته وانتحيت جانبا في إحدى زوايا الفورة بعيداً عن الشيخ، ورفعت كفي ضارعاً إلى الله، وقلت: "اللهم إن كنت راضياً عن خدمتي للشيخ فطمئني على أهلي" فوالذي فطر السماء والأرض إذا بشرطي يناديني ويداي مرفوعتان؛ ليقول: تعال للزيارة فقد حضر أهلك، والذي زاد في دهشتي أن هذا الشرطي لم أره من قبل، فإذا به ونحن منطلقون إلى الزيارة يقول لي: "اهتم بالشيخ"، وكأن الله ألهمه أن يقول ذلك كي أعلم أن زيارة الأهل كانت استجابة للدعاء.

    ومن الطرائف التي حدثت في هذه الفترة أنه بينما كنا ننقل الشيخ ذات يوم إلى الفورة، قابلنا وجهاً لوجه على الدرج أحد السجناء الجنائيين اليهود، وكان يرافقه أحد عناصر الشرطة، فما كان من السجين إلا أن التقط يد الشيخ أحمد ياسين وقبلها، ثم قال لي: فعلت ذلك لإغاظة الشرطي والشرطي يسمع، وهؤلاء السجناء رغم أنهم يهود إلا أنهم كانوا يحقدون على إدارة السجن، ولذا كانوا يتعاطفون معنا لأن عدونا وعدوهم واحد، وهو إدارة السجن.

    وبعد حضوري إلى هذا المعتقل بيومين، صرخ عليَّ أحد السجناء اليهود، ويدعى "يعقوف" قائلاً باللغة الإنجليزية عليك أن تأخذ حذرك، فلم يحضروك عند الشيخ إلا ليتنصتوا عليكم، فلا تتحدثوا في أمور يمكن أن تؤدي إلى مخاطر، واعلموا أنهم ربما وضعوا لكم أجهزة في الزنزانة أثناء وجودكم في الفورة، فشكرته على ذلك.

    ومن الطرائف التي حدثت في هذه الفترة أن شرطياً يهودياً رآني أحمل القرآن وأتصفحه، فسألني يا دكتور: ماذا في كتابكم؟ فقلت أموراً كثيرة، قال: ماذا يقول أنكم فاعلون بنا؟، قلت له يقول: إننا سنذبحكم بعد أن تتجمعوا في بلادنا، فقال: متى يكون ذلك؟ فقلت له: لا أدري، ربما يكون خلال أربعين سنة، وكنا في عام 1990م، فأخذ يحسب ثم همهم قائلاً: "ليس مهماً، بالتأكيد سأكون ميتا"، فقلت له وماذا تقول التوراة؟ فقال: نفس الشيء فتجمعنا هنا نهايته الذبح، ثم استدرك قائلاً ولكن عندما نفسد، فقلت: سبحان الله كأنكم لم تفسدوا بعد؟!.

    ومن الطرائف أيضاً أن محامينا كان يزورنا باستمرار، وكان يجلس معنا على انفراد في غرفة معدة لزيارة المحامين، فقال لنا ذات مرة: هل يسمحون لكم بشراء المشروبات الغازية مثل الكوكاكولا؟ فقلت له: لا، فقال: إذاً سأحضر لكم في الزيارة القادمة ثلاث علب من الكوكاكولا، وفعلا في الزيارة التي تلت الوعد أحضر في حقيبته ثلاث علب من الكوكاكولا، ففتح الشنطة، وقال: ها قد أحضرت، فقلت له: دعنا نشربها الآن، فقال أخشى أن يراكم الشرطي، قلت: إذاً نأخذها معنا إلى الزنزانة، فقال أخشى أن يتم تفتيشكم، فقلت لها نخفيها في عربة الشيخ فهم لا يفتشونها، فقال أخشى أن يكتشفوا العلب الفارغة في القمامة، فقلت دعنا نستأذن من الشرطي، فقال أخشى أن يضيقوا عليَّ في الزيارات القادمة، وفي النهاية تركنا ومعه الكوكاكولا، وكان هذا المحامي من أكثر المحامين خدمة للسجناء، ولا أريد أن أذكر اسمه خشية ألا يروق له تدوين الحادثة في المذكرات.

    وبعد أربعة أشهر ونصف ودعت الشيخ، وتم نقلي إلى سجن "الرملة" ومنها إلى سجن "المجدل" لأقضي هناك آخر أيام الاعتقال، حيث قد كان الحكم سنتان ونصف، وكنت قد أمضيت المدة، ولم يتبق إلا تسعة عشر يوماً قضيتها مع الحبيب الشهيد الدكتور "إبراهيم المقادمة"!.

    ××××××

    هذا ما استطعت الحصول عليه .. و لطالما كنت مغرمة بقراءة المذكرات ..
    و لعلكم تلاحظون عدم تتالي الأحداث في المذكرات ..
    و أعتقد أن ذلك كان لأن القائد رحمه الله سجل ما خطر على باله مما مر به دون النظر في التتالي الزمني
    أرجو ممن يستطيع الحصول على المزيد أن ينشره هنا ..
    فإن لم نعش معهم هذه الأيام العصيبة جسدا .. فلنحيها معهم قلبا و روحا ..
    و لو عبر الكلمات ..
    و لا تنسوا قادتنا و أبطالنا و شهدائنا و مجاهدينا في كل بلاد المسلمين من صالح دعائكم
    نصرهم الله و وفقهم .. و جزاهم عنا خيرا

    تحياتي و ودي
    غموض

المواضيع المتشابهه

  1. أيها الشهيد، يا دكتور عبد العزيز الرنتيسي..هل تسمعني؟!!
    بواسطة سلطان زمن في المنتدى الاسْترَاحَةُ
    مشاركات: 10
    آخر مشاركة: 02-05-2006, 12:54 PM
  2. لم يندمل جُرحنا بعد .. في رثاء الشهيد د. عبد العزيز الرنتيسي
    بواسطة د.جمال مرسي في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 14
    آخر مشاركة: 21-03-2005, 06:49 AM
  3. الأسد الشهيد )مهداة لروح الأب العزيز الشهيد الدكتور الرنتيسي
    بواسطة فارس عودة في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 8
    آخر مشاركة: 22-04-2004, 10:39 PM
  4. في رثاء القائد العملاق عبد العزيز الرنتيسي
    بواسطة رمضان عمر في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 21-04-2004, 03:58 AM
  5. محاولة اغتيال الدكتور عبد العزيز الرنتيسي
    بواسطة نسرين في المنتدى الحِوَارُ الإِسْلامِي
    مشاركات: 8
    آخر مشاركة: 27-06-2003, 03:54 AM