الدَيْن ..!!
قصة قصيرة .. مهنا أبو سلطان ..!
كعادته .. وحين أرخى الليل على جسد البسيطة سدوله مساء ذلك اليوم الصيفي .. توجه زيدٌ إلى بيت عشيقته (سناء) ، الأرملة التي رحل عنها زوجها الطيب حد السذاجة والهبل .. بعد أقل من عامين مضيا على زواجهما .. مورثاً إياها فقره البائس .. وطفلاً جميلاً .. حيث أصبحت لقاءاتها الساخنة مع زيدٍ الآن أكثر أمناً وحريةً .. بعكس ما كانت عليه خلال حياة زوجها المخدوع .. حين كانت تؤخذ هذه اللقاءات اختلاساً من بين طيات الزمن ، ونادر الفرص المتاحة .!
وكعادتها استقبلته فاتحةً ذراعي قلبها قبل بابها ..
لكن الأمر غير العادي هذه المرة أنها لم تسمح له باجتياح جسدها مثلما كانت تفعل دائماً، قائلةً بدلال :
ـ زيد .. متى نتزوج ؟؟ لقد مرت سنةً كاملةً وأنت تعدني بالزواج .. ولم تفِ بوعدك ..
حاول إقناعها -ككل مرةٍ- أن الأمر قريبٌ .. فقد استطاع وعلى مدار عامٍ كاملٍ إقناعها .. أن المسألةَ مسألةُ وقتٍ ريثما يستطيع تهيئة زوجته لهذا الأمر .. لم تكن أول الأمر تعرف أنه يكذب .. فهو يملك قدرةً كلاميةً بهلوانيةً كبيرة .. كان بفضل هذه القدرة قد استطاع إقناع زوجته طوال هذه المدة بمبررات تغيبه حتى ساعةٍ متأخرةٍ من الليل ، في كل مرةٍ يغيب فيها ليروي شيطان الجسد ، من نبع تلك المرأة التي باتت لا تحتمل التلكؤ في إنجاز وعد الزواج ، بين نار شهوتها التي من أجلها خانت زوجها في حياته وبعد مماته .. ونار عيون وألسنة جيرانها في العمارة ، الذين باتوا يعلمون بأمرها وأمر عشيقها .. ولا ندري هل كانت الزوجة تقتنع فعلاً بما يسوقه لها من حججٍ وذرائع .. أم كانت تقتنع مُكرهَةً لأنها لم تكن تملك خياراً آخر ، أمام زوجٍ متجبرٍ طاغي الغطرسة .. لا يتورع عن استخدام العنف ضدها وأمام أولادهما الثلاثة فيما لو مارست نوعاً من الاحتجاج أو التذمر .. قال بتأكيد :
ـ سناء .. حبيبتي .. لقد قلت لك دعيني أدبر الأمر مع زوجتي .. والمسألة مسألة وقتٍ لا غير ..
قالت وقد برزت من بين كلماتها لهجة الشك :
ـ بصراحة لم أعد قادرةً على تصديق هذه الوعود المطاطة .. الغامضة .. أرجوك حبيبي .. لا أريد أن أقضي العمر معك بالحرام .. وأنت تعلم أن سكان العمارة باتوا لا يقتنعون بقولي لنسائهم أنك خطيبي .. حتى أن إحداهن قالت لي مرةً بسخريةٍ شامتة : (وما هذه الخطبة التي تدوم العمر كله؟؟) ..
قال بلهجةٍ تحمل الود والصرامة في آنٍ معاً ، وكأنه أصبح يستولي على حياتها بعد أن وصلت معه مرحلة اللاعودة :
ـ بصراحة يا حبيبتي .. أريد أن نبقى عشيقيْن .. متيمَيْن ..!
ـ لم أفهم ..
ـ أنا أحبك .. أعشقك .. ولا أريد لحبنا أن تقتله مسؤوليات الزواج والأولاد .. والالتزامات .
قالت بكل ما أوتيت من استهجان :
ـ وأنا ؟؟ ماذا أجني من هذا الحب ؟ بل من هذه الخيانة المستمرة ؟ ماذا أقول للجيران ؟؟ بل كيف سأبدو غداً أمام طفلي هذا الذي سيغدو فتىً وشاباً ورجلاً ؟؟
ـ سناء .. افهميني .. أنا .....
قاطعته غاضبةً :
ـ لا أريد أن أفهم .. ولا أريد مزيداً من الخداع ..
وأخذت تصعّد من الموقف :
ـ إذن أنت تسخر مني ، اسمعني جيداً .. يجب أن تنجز وعدك لي بالزواج .. وإلا .. فضحتك أمام زوجتك وأولادك ..
لم تكد تكمل عبارتها الأخيرة .. حتى صفعها بشدةٍ على وجهها .. أسقطها أرضاً .. صائحاً بها :
ـ إياك أن تقتربي من بيتي ..
وتركها تنوح وتندب حظها العاثر .. وخرج يكلم ذاته (هل مسها الجنون ؟ تتخيل أن أتزوجها تلك الخائنة الساقطة ؟ وما أدراني أنها لم تضاجع غيري ، وهي التي ضاجعتني بكل عهر الأرض أثناء حياة زوجها ؟؟!).. ثم بصق ..
وراح يتمشى في شوارع المدينة المقفرة .. الخالية إلا من المتسكعين والمشبوهين .. حتى بعد منتصف الليل .. ثم قفل عائداً إلى البيت .. الزوجة نائمةٌ .. والأولاد كذلك .. استلقى يستعرض أحداث الليلة .. وتهديد تلك المرأة له .. ولم يدم تفكيره طويلاً .. حتى سمع طرقاتٍ قويةٍ على الباب ..
من ذا الذي يأتينا في مثل هذا الوقت ؟ .. قال في نفسه .. هل فعلتها تلك الخائنة ؟؟
توالت الطرقات فوق جسد الباب حثيثةً .. فاستيقظت الزوجة .. وتسرب الأولاد كالرمل من بين أصابع أحلامهم الصغيرة فزعين .. نهض مرتبكاً .. فتح الباب ليجد نفسه وجهاً لوجه أمام سناء التي كانت تحمل طفلها .. والشرر يتطاير من عينيها كلبؤةٍ جريحة .. وقبل أن تتفوه بكلمة .. قال لها بصوتٍ خافتٍ لكنه ينم عن تحذيرٍ شديد :
ـ انصرفي من هنا حالاً .. وسنسوي الأمر لاحقاً ..!
صرخت بصوتٍ أيقظ أكثر الجيران :
ـ لن أغادر حتى تفي بوعدك .. وأحذرك .. إن أقدمت على أي فعلٍ أحمق .. فسوف تندم ..
لم يتمالك نفسه .. لطمها بقوةٍ .. فصرخ الطفل رعباً وفزعاً في حضنها .. بينما هرعت الزوجة والأولاد نحوهما ..
ـ ما الذي يجري ؟ قالت الزوجة .. ومن هذه المرأة .. وماذا تريد ؟؟؟
قال زيد بلهجةٍ حاسمةٍ حازمة :
ـ لا دخل لك أنتِ .. خذي الأولاد وادخلي .. حاولت الزوجة أن تبقى لتعرف ما يدور .. فأخذها عنوةً مع الصغار إلى عمق البيت ..
في هذه الأثناء كانت سناء قد اتصلت بالشرطة .. وما هي سوى دقائق حتى كان رجال الشرطة يصطحبونهما إلى المركز ..
في المركز .. ادعت أن زيداً قد تزوجها عرفياً .. وأن هذا الطفل ابنه ..
دهش زيدٌ .. (هل بلغت الجرأة بها أن تلصق به طفلاً ليس من صلبه ؟) .. فأقسم أغلظ الأيْمان أنه لا يعرف هذه المرأة إلا معرفةً سطحيةً من خلال عمله في دار الأيتام .. حيث كانت تحضر باستمرار لطلب معونة لطفلها اليتيم ..
وحين طالبها رئيس القسم بدليلٍ على ما تقول .. ادعت أنه خدعها وأخذ كافة الوراق التي تثبت ذلك .. فما كان من رئيس القسم إلا أن أمر بتحويل زيدٍ إلى طبيبٍ مختصٍ ، لتحديد ما إذا كان الطفل ابنه كما تدعي المرأة أم لا ..!
عند الطبيب .. وقف زيدٌ مذهولاً .. والدنيا تدور به .. أحس بحاجةٍ للتقيؤ .. بل ودّ لو مات قبل ذلك وكان نسياً منسياً .. حين علم أن نتيجة الفحص تفيد أنه عقيم .. لا يمكنه الإنجاب ..!