تلهيت بالنظر إلى السجادة المزركشة معظم الوقت .. فقد كانت الزيارة طويلة لحد الملل ..ولم
أحاول النظر أبداً لذلك الشاب الجالس قبالتى والذى كان يتفحصنى كل حين .. كنت أشعر بهذه
النظرات وأعجب لها .. فأبى يجلس جوارى وكذلك بعض من أهلى وأهله .. وعندما بدأ الجميع
فى الإنسحاب لمشاهدة مباراة كرة القدم المنتظرة .. صرت وحدى معه رغم نظرات أبى
المراقبة لنا من بعيد .. وتنهدت من أعماقى .. فها هو أبى يحاول أن يفرض على هذا اللقاء .. وقد
طالبنى بهذا مسبقاً ..فلماذا عسانى فوجئت ؟؟ وبدأنى هو بالحديث ..
هو : أنا سعيد جداً بالجلوس معك ..فقد سمعت عنك كثيراً من قريباتى ..
أنا : ماذا سمعت ؟ أكيد ثرثرة عجائز العائلة لم تتركنى وشأنى ..
هو : كل خير والله ..كل خير
إنه يظن نفسه قادراً بهذه الإبتسامة الواسعة على قيادة الحوار .. أعرف أنه يسن الآن أسلحته
التى يراها فتاكة .. ويستعد لإفتراسى .. كلهم سواء..
أنا : عرفت أنك تعمل طبيباً .. أليس كذلك ؟
هو ( مفتخراً بذاته ) : نعم يا عزيزتى .. وماذا عنك ؟ هل تحبين عملك بالتدريس أم تفضلين أن
تكونى ربة منزل ؟
أنا : لقد عملت فور تخرجى .. ولهذا لا أستطيع أن أكون بلا عمل .. أخبرنى .. هل كانت لك
علاقات نسائية من قبل ؟؟
لاشك أن صراحتى فاجأته .. ولكن الإبتسامة لاتزال قابعة هناك ..
هو: وهل تسمحين لى بتوجيه نفس السؤال لك ؟ هل ..
أنا ( مقاطعة ) : بالطبع لاأسمح لك .. ولن أسمح لك بسؤالى عن أمر معروفة إجابته مسبقاً ..
المفترض فى البنت العفاف وهذا سؤال أعتبره يتجاوز الحدود ..
هو : إذن لماذا تفترضين عكس هذا فى غيرك من البنات .. هل أنت معتزة إلى هذا الحد بنفسك
وبتفردك ؟
أنا : أجل .. أنا معتزة بنفسى وبأخلاقى .. ولى الحق فى سؤالك .. فالمعروف أن الشباب قد
تجتاحهم بعض النزوات
هو : أخبرونى أن الأمر لن يكون سهلاً معك ..
أنا : لا تراوغ ..
هو : نعم .. كانت لى علاقة ما ..
أنا : إلى أى حد .. أعلم أنك لم يسبق لك الزواج ..
هو : تعلمين أنى درست بعض الوقت فى الخارج ..
أنا : وهذا هو سبب سؤالى
هو : دعينى أنا أسألك .. كم عدد من تقدموا للزواج منك قبلى ؟
أنا : لا أذكر العدد
هو : يا إلهى !!
صمت بعدها كثيراً .. لعله يمنى نفسه بأن يكون هو الفائز على هذا الجيش الذى هزم قبله ..
أنا : لماذا لا تتفرج على المباراة .. ألا تحب الرياضة ؟ بالمناسبة .. ماذا تفعل لتستمتع بوقتك ؟
هو ( فى تثاقل ) : أطالع بعض الكتب ..أسافر ..
أنا : ماهو أسوأ ما فيك ؟
هو : لابد أنك أعددت أسئلتك مسبقاً .. أم هو الإعتياد على توجيه الأسئلة لمن هم فى مثل
موقفى
أنا : أسوأ ما فيك أنك مراوغ وغير صريح ..
هو ( يقهقه ضاحكاً ) : هناك الأسوأ بالتأكيد .. أنا لست ملاكاً ولست شيطاناً .. كل إنسان نتاج
تركيبة ما .. من تربيته وأسرته وبيئته وعمله .. والعشرة هى التى تجعل الطرف الآخر يدرك
مكونات هذه التركيبة .. وقد يتآلف معها وقد يختلف ..
أنا : وماذا لو إكتشف أنه لا يستطيع التعايش مع الأسوأ بعد فوات الأوان ؟
هو : يطلب كوب من الماء البارد ليبلل حلقه قليلاً ..
يصمت مجدداً .. لعله يفكر بالسؤال التالى .. أو يقيم إجاباته .. ها هى الإبتسامة قد ذهبت .. وبدأ
يساوره الحنق ..
أنا : ما الذى لا يعجبك فى المرأة ؟
هو ( بسرعة شديدة ) : جرأتها .. وقسوتها وتسلطها وغرورها وعنادها .. ووقاحتها ..
هل تسمحين لى باللحاق بآخر مشاهد المباراة ؟؟
قام منسحباً بسرعة .. تاركاً إياى فى أوج الحيرة والغضب .. إن المشهد لم ينته كما خططت له
.. ولم أتركه أنا .. بل هو من تركنى .. زاهداً .