أحدث المشاركات
صفحة 1 من 3 123 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 10 من 25

الموضوع: تأملات في المنهج الفكري المقاوم / تقدمة / تابع الحلقات

  1. #1
    شاعر
    تاريخ التسجيل : Feb 2004
    المشاركات : 227
    المواضيع : 67
    الردود : 227
    المعدل اليومي : 0.03

    افتراضي تأملات في المنهج الفكري المقاوم / تقدمة / تابع الحلقات


    بسم الله الرحمن الرحيم
    مقدمة
    الحمد لله رب العالمين ،والصلاة والسلام على رسوله الأمين ،وبعد
    لعل الكتابة عن حبيب قريب العهد ،قائد فذ ،قاد حركة إسلامية فتيه في ظروف قاسيه عصيه ،ثم رحل سريعا قبل موعد الحصاد الموعود ،والعيون ترمقه من مكان قصي ،تنشد فيه العودة ،ولكن لا رجوع ؛لأمر تجد فيه النفوس مرارة ،وتختلط حياله اللواعج بالمزاعج ، و تكون الغاية المرجوة من الكتابة بالغة الصعوبة ،والبحث عن حلول عملية خارج نطاق الإبداع الكتابي ،هو المطلوب أصلا ؛ لسد الثغرات واستكمال المسيرات ،وتواصل الحلقات إلى أن يفتح الله بين عباده بالذي هو خير .
    ولعل الحديث عن تاريخ حركة ودعت في أقل من عام سيلا من القادة العظماء ،سياسيين وعسكريين وعلى رأسهم الجمالان ومحمود أبو هنود وصلاح دروزة والشيخ يوسف السركجي ،تستدعي من النفوس رباطة جأش وقوة خلابة في الفهم والتصور ،فالحدث جلل لا محالة، والرزء عظيم ،إلا أن الحكم من ذلك لا تقل شأوا ولا يجوز أن ينظر إليها بعين الغفلة واللامبالاة.ثم إن نظرة سريعة لطبيعة التطورات تدعوك للتروي قليلا والتريث في إصدار الأحكام وتقييم الأوضاع ؛فلعل القادم أجدر بالانتباه والتسجيل أو أدعى إلى الاحتياط والترقب .
    وعلى الرغم من أن التأريخ _ في عرف المؤرخين_ عملية إبداعية صرفه تحتكم إلى قواعد التأليف السليمة ، إلا أن طبيعة المؤرخ لهم في خضم العمل الجهاديّ المتنامي قد يفرض نوعا من الإلزام الفكري والتطوير المنهجي في الكتابة والتأليف.
    ولربما كان لبعض ما كنت أرقبه من قراءات سياسية ومواد إعلامية متنوعة حول انتفاضة الأقصى المباركة ،وما كان يعج من أراء وتصريحات في الصحف والمجلات ، أو ما كانت تعرضه برامج التلفزة من مخالط ومزاعم تذهب بالحقائق وتنتصر للباطل وتبرر ظلمه وتشوه الإسلام وتعيب أهله ، وترسم صورة مشوهة للمقاومة ؛ فالبطولة في نظرهم _عنف والجهاد فوضوية والولاء تطرف والاستشهاد انتحار. أما التنازل والتباكي والانزلاق والتشاكي ،وأن تعترف للغاصب بعدالة غطرسته وقوة منطقه فذاك هو عزم الصمود وعبقرية الانسجام.
    أي زمان هذا الزمان؟! وأي منطق هذا المنطق!! .((ما لهم كيف يحكمون أم لهم كتاب فيه يدرسون )) .
    نعم ،أذهلني هذا الحشد الإعلامي المشبوه الذي لا يرعوي لحظة واحدة إلى الحقيقة ولا يقبل المساجلة المنطقية ؛لأنه، ولأن كان عربي الصوت والصورة، إلا أنه صهيوني التأثير والتأثر فهو ماض إلى سبيله لا محالة ، يشوه الصورة الإسلامية المشرقة؛ ليصد عن دين الله ومنهج الحق .
    وعلى زاوية ثانية من مسرح النص الإعلامي المشوه للحقائق ترتسم صورة سوداوية مظلمة ،اكثر خطورة واعمق خبثا ؛ تلك هي صورة السياسي المثقف ،بل أن شئت السياسي الرسمي المنسجم انسجاما كليا مع المفهوم العالمي للسياسة والنضال .
    وقد تبدو المناورات السياسية المصطنعة هي النمط البطولي الوحيد الذي يجوز للشعوب أن تصفق له وتعتد به وتكافح من أجله ،وهي الوسيلة الوحيدة في الكفاح التي تنصب لها الأسواق وتضرب لها القباب وتغني لها القيان .
    وسرعان ما يمتلئ المسرح الإعلامي بعبارات التبجيل والتكريم لكل الحركات العلمانية أو النخب الوطنية صاحبة الاتجاهات المعتدلة والرؤى الرافضة لأسلمة الصراع وعسكرته ،والأنماط السياسية التي تنسجم مع هذا التوجه وتصفق له .
    ومن هنا ،كان لا بد من دراسة علمية معمقة جادة، ترأب هذا الصدع الإعلامي وتعيد الأمور إلى نصابها وتؤرخ للفكر المقاوم وتسجل للشرفاء والعظماء مآثر فضلهم وتنير للسائرين منابر دربهم وترد للجبناء والمارقين مخازي كيدهم .
    وقد جعلت هذه الدراسة في ثلاثة فصول :
    الفصل الأول_ الحركة الإسلامية بين منهجية الفكر المقاوم وواقعية التطبيق
    الفصل الثاني – سيرة قادة
    الفصل الثالث – المستقبل للفكر المقاوم .
    وأني إذ اقدم هذا العمل لأرجو من الله أن ينفع به ويجعله في ميزان حسناتي والله من وراء القصد وهو ارحم الراحمين.
    رمضان عمر
    التوقيع :
    د. رمضان عمر رئيس رابطة ادباء بيت المقدس في فلسطين المحتلة

  2. #2

  3. #3
    شاعر
    تاريخ التسجيل : Feb 2004
    المشاركات : 227
    المواضيع : 67
    الردود : 227
    المعدل اليومي : 0.03

    افتراضي تأملات في المنهج الفكري المجاهد الحلقة الثانية

    الفصل الأول :
    الحركة الإسلامية بين منهجية الفكر المقاوم وواقعية التطبيق

    توطئة
    كثيرا ما يحدث أن تجد مثقفا عربيا ذا صبغة وطنية ونكهة قحطانية خالصة ، وبقية من معالم إسلامية قي السلوك والعبادات، تبادره الحديث عن إسلامية قضية فلسطين ، فيقابلك برفض واستهجان ، بل ويناكفك الجدل زاعما أن لديه من الأدلة ما يدحض مزاعمك ويبدد شكوكك؛ إذ لا يتعدى الأمر في عرفه أن يكون الصراع في فلسطين مجرد صراع إقليمي في منطقة محدودة ، و زمن محدود وأطراف نزاع معروفين .وقبل أن تغادر ساحة الجدل ملتاعا متحسرا يطلب منك أن تصغي إلى نصحه فتدع الإسلام بقداسته في محرابه المخصص له ،وأن تطلق هذه الرجعية في التفكير ،وتزن الموازين بموازينها وتدع ما لقيصر لقيصر وما لله لله .
    لكن إصرارا من الداعية المسلم ، ووعيا معمقا لحقائق التنزيل ومسارب التأويل لا تسمح للأمور أن تبقى على بداهاتها فسرعان ما يفجؤك النص القرآني بحقائق قطعية الدلالة تبين قصر البصر والبصيرة لهذا المحاور المسكين .
    ولعل نظرة واعية لكتاب الله عز وجل تنال تلك النصوص القرآنية التي تناولت قصة البشرية من نحو ، وطبيعة العلاقات الإنسانية من نحو أخر ، تثبت و دونما أدنى شك ؛أن الخطاب القرآني بشموليته قد استطاع أن يستوعب كافة النواحي السياسية المتعلقة بقانون البقاء والفناء والعدل والجور والسيادة والحاكمية والسعادة والشقاء والهدى والضلالة والنصر والهزيمة والخلافة والتمكين والمجتمع والحضارة والنواميس التي تحكم البشر على اختلاف ألسنتهم وألو انهم.
    ومن هنا فقد أثار هذا السمت العجيب للنص القرآني الفريد مكامن الاستغراب في 3الرعيل الأول من الصحابة حينما سألوا المصطفى_ صلى الله عليه وسلم _عن سر كثرة الآيات القرآنية المتعلقة ببني إسرائيل .
    ولعلنا بحاجة أيها القارئ الكريم إلى جولة سريعة في ظلال الآيات المتعلقة بهذا الأمر كي تشهد عن كثب أهمية ما أذكره لك.ولن نذهب بعيدا في البحث ؛ فلنبدأ الحديث من سورة البقرة ،.
    هذه السورة الكريمة التي تناولت الجانب التشريعي المتعلق بأحكام القصاص والوصية والصيام والجهاد والعمرة وتحريم الخمر والميسر وتحريم نكاح المشركات وأحكام الطلاق والرضاع والعدة والحيض والربى والدين والرهان إلى جانب العقيدة والعبادات تناولت كذلك وبشكل موسع قصة بني إسرائيل ،وقصة البشرية التي رسمت أيضا في هذه السورة بصورة واضحة جلية ؛وذلك من خلال قوله :0
    (وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة .قالوا :أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ،ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك ؟قال : إني أعلم ما لا تعلمون )
    إلا أن ما نريد الوقوف عليه هنا هو الجانب المتعلق بيني إسرائيل؛وإن كان هذا الجانب لا ينفصل عن الجانب السابق لعلة يبينها تتابع الآيات وترابطها ؛ فالبشرية تبدأ عندما يستفحل الصراع بين فردين آدم من جهة وإبليس من جهة ثانية، أما أتباع هذا وذاك فهم يشكلون حلبة الصراع الأبدية ؛ ويكون آدم ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين من الأمة المسلمة الموحدة هم حملة لواء الرحمن في هذه الحرب السرمدية ،أما اليهود وأشياعهم من أهل الغي والضلال فهم ورثة الشيطان وأتباعه ، وهذا هو التفسير الأقرب إلى سر تعانق الفواصل القرآنية في هذه السورة على هذا النحو وتداخل القصص والانتقال من قصة آدم إلي قصة بني إسرائيل من خلال أزلية الصراع بين الحق والباطل ؛فقد تناول الحديث عنهم ما يزيد على ثلث السورة بدءا من قوله :
    (( يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم وإياي فارهبون)) مرورا بالآيات التي تنبه المؤمنين إلى خبثهم ومكرهم(1 ) وما تنطوي عليه نفوسهم الشريرة من لؤم وغدر وخيانة ونقض للعهود والمواعيد وما جاء من تاريخهم المشين من كفر بنعم الله عز وجل وقتلهم الأنبياء بغير حق وزعمهم بأنهم أبناء الله وأحباؤه .
    وتأتي قصة بني إسرائيل من خلال سورة البقرة طويلة ومتنوعة ،إذ تبدأ بتذكيرهم بنعمة الله عليهم والعهد الذي الزمهم به ، ثم تنتقل إلى الحديث عن قصة العذاب والبلاء مع آل فرعون التي نجاهم الله سبحانه منها لعلهم يشكرون بيد انهم عصوا وعتو واستبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير فعبدوا العجل واكثروا من المعاصي؛ فكان العقاب أليم والعاقبة وخيمة، قال تعالى :
    (فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم فأنزلنا على الذين ظلموا رجزا من السماء بما كانوا يفسقون )
    وينتقل الخطاب القرآني إلى قضية أساسية في الفكر اليهودي المتدحرج الذي يمثل ذروة الإفساد الأخلاقي على الأرض 0التي استخلف فيها هذا الإنسان ؛تلك هي قصة البقرة التي سمية السورة باسمها, وخلاصة هذه القصة أن رجلا من بني إسرائيل قتل قريبا له ليرث مكانه ووضعه في دارة قوم ليأخذ ديته وهذه قمة الإفساد وعندما أعلمهم نبيهم بطريقة الاستدلال على القاتل ناكفوه الجدل والتعجيز وهذه القسوة في القلب والجفوة في التفكير والبعد عن الإيمان اليقيني كان لا بد لها من شاهد حسي يدلهم على قدرة الواحد في البعث والإحياء وعلى بشاعة أخلاقهم وسوء تصوراتهم ؛ فكانت هذه الحادثة.
    ولعل المتأمل في القصة يتوقع ارتداعا من هؤلاء القوم واستجابة لأدلة الحق القاطعة وإذعانا لنداء الرحمن الواضح ، بيد أن العكس هو الذي حصل؛ فيعد ثبوت الأدلة وقطعانها قست القلوب واستبدت النفوس فهي كالحجارة أو أشد قسوة
    ولعل ما يريد الحق سبحانه وتعالى أن يوصله للأمة المحمدية :أن هؤلاء القوم القاسية قلوبهم لا ينفع معهم منطق الإقناع وطريق المحاورة ؛لأن غيهم فاق كل غي ،وإفسادهم فاق كل إفساد ؛ومن هنا كانت الجماعة الإسلامية الناشئة في المدينة تتسلح بأسلحة فكرية وقائية في معركة طويلة أزلية مع شرذمة جرثومية شيطانية ؛ ومن هنا فلا غرابه أن يستكمل الخطاب القرآني هذا التشريح التفصيلي لمعالم هذه الفئة وتاريخها وتصوراتها؛ فتارة يعرض لتاريخها المشين مع الأنبياء والرسل وطورا يبرز حلقة الصراع الواقعي الدائر في ضواحي المدينة المنورة وثالثة يسبح في الآفاق البعيدة مصورا بشاعة هذا المنهج اللاأخلاقي والأمة العدائية التي تمثل الجانب القاتم في ظلمة الباطل وتبعية الطاغوت .

  4. #4
    شاعر
    تاريخ التسجيل : Feb 2004
    المشاركات : 227
    المواضيع : 67
    الردود : 227
    المعدل اليومي : 0.03

    افتراضي الحلقة الثالثة

    وإذا كانت سورة البقرة قد تناولت الحديث عن الزمرة الأولى من أهل الكتاب وهم اليهود فأن سورة آل عمران قد تناولت الحديث عن الزمرة الثانية وهم النصارى .ولعلنا نستطيع أن نلمح بعض السمات المشتركة بين الزمرتين وكأنهما يشكلان ،معا، كتلة سياسية واحدة تمثل الباطل :بشقيه الغي والضلال .
    ولو أننا انتقلنا إلى سورة ثالثة من سور القرآن ، وهي سورة الإسراء، لوجدنا أن المعركة التاريخية والفاصلة بين الحق والباطل قد صورت تصويرا مفصلا في ثنايا هذه السورة.
    ؛وخلاصة القول في آيات سورة الإسراء : أنها شكلت ما يمكن تسميته نبوءة تاريخية لطبيعة الصراع الممتد بين الفئتين : المفسدة في الأرض والمستخلفة فيها ،فتقضي بالفساد لإحداهما وتبشر بالنصر والتمكين للثانية .هذا من نحو ، أما من النحو الأخر فهي تشير إلى المنهج السوي في التحرير، وتحدد معالمه وتبين أوصافه .
    أما حقيقة هذه النبوءة فقد فصلت القول فيها الآيات التالية ( وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلن علوا كبيرا ، فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار وكان وعدا مفعولا ، ثم رددنا لكم الكرة عليهم وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا ، إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها فإذا جاء وعد الآخرة ليسوءوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا ) )
    ونكاد نزعم أن المؤشرات الواقعية التي يتمثل فيها هذا الكيان الغاصب في هذه المرحلة ،من علو كبير وإفساد أكبر تطابق الحكم القرآني السابق، بل ونستطيع القول أيضا أن الجمل القرآنية السابقة تشكل العناصر الحقيقية لبناء هذه الدولة الغاصبة، وهي دولة _بحسب التوصيف القرآني _ظالمة مستبدة ومفسدة .
    وهنا تجدر الإشارة إلى حقيقة تاريخية وفكرية ثابتة ،ذلك أن هذه الأرض المقدسة التي باركها الله سبحانه وتعالى ونسب فعل المباركة إلى نفسه ؛فقال: (الذي باركنا حوله) إنما تشكل معيارا حقيقيا لقياس درجة الصلاح والفساد قي أمة الإسلام ؛ فما كان لأبناء القردة والخنازير أن يتجبروا فيها ويستعبدوا أهلها إلا عندما تراجع الوعي في نفوس المسلمين، وأصبحت الدنيا أكبر همهم ومبلغ علمهم ،يقول الرسول- صلى الله عليه وسلم-( إذا تبايعتم بالعينة ولحقتم أذناب البقر ) وعن معاوية بن قرة عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم – (إذا فسد أهل الشام فلا خير فيكم ، لا تزال طائفة من أمتي منصورين لا يضرهم من خذلهم حتى تقوم الساعة ) ،أخرجه الطبراني في الكبير ،وحكم عليه الألباني بالصحة في صحيح الجامح ،
    إذن فأبناء الشام في أرض الشام بمثابة القلب ب النسبة للأمة إذا صلحوا صلح الجسد كله وإذا فسدوا فسد الجسد كله
    ونكاد نزعم بأن عناصر بناء الدولة العبرية المفسدة قد وصفت في بدايات سورة الإسراء وحددت تحديدا يدعونا إلى الاعتقاد بأن الدولة الحالية هي المقصودة في النص القرآني السابق حيث يقول جل شأنه ثم رددنا لكم الكرة عليهم وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا ) وهي عناصر واضحة بينة في بناء هذا الكيان الغاصب الآن .
    أما الجانب الثاني فقد تنوول بطريقتين :إحداهما مباشرة ،وذلك من خلال قوله جل وعلا :( إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا كبيرا ) أو بطريقة غير مباشرة حينما يعرض لإصلاح بعض الآفات الاجتماعية التي تؤدي إلى إفساد المجتمع وكسر شوكته وتمكين أهل الغي والضلال من احتلاله :كالزنا والقتل وأكل مال اليتيم بغير حق والحكم بغير ما أنزل الله
    ولعلنا نلاحظ من خلال نص الآية السابقة (إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم) أن اسم التفضيل يشير إلى مفاضلة يحسمها النص القرآني ؛ إذ بتحول اسم التفضيل إلى صفة لازمة لا بديل عنها ؛ فالطرق كثيرة والوسائل متعددة ، بيد أن واحدة من تلك الطرق ستكون قويمة وصالحة لحسم الصراع بين والحق والباطل .وهذا يدلل على أن هذه القضية لن تحسم أو تحل إلا من خلال منهج القرآن، وهذا ما سيتضح في الفصول اللاحقة إن شاء الله .

  5. #5
    شاعر
    تاريخ التسجيل : Feb 2004
    المشاركات : 227
    المواضيع : 67
    الردود : 227
    المعدل اليومي : 0.03

    افتراضي

    ـأما السورة الرابعة والأخيرة التي سنقف عليها في هذا السياق ، فهي سورة الحشر.
    وهذه السورة يمكن أن تقرأ في سياق التجارب العملية لحقيقة الصراع بين الإسلام واليهودية ، وطبيعة المنهج المستخدم في إنهاء الوجود اليهودي من المدينة المنورة ،فالمحور الرئيسي الذي تدور حوله الآيات هو (غزوة بني النضير) الذين نقضوا العهد مع الرسول صلى الله عليه وسلم فأجلاهم عن المدينة المنورة
    فالآية الكريمة الثانية :
    (هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر ما ظننتم أن يخرجوا وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله ، فآتاهم الله من حيث لم يحتسبوا وقذف في قلوبهم الرعب ، يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين ؛ فاعتبروا يا أولي الأبصار )
    هذه الآية جليلة الشأن ، عظيمة القدر واضحة المعالم كثيرة الدلائل ؛فالإخراج بإذنه والقدرة المطلقة قدرته ، وهذا جانب عقدي هام سنفصل القول فيه في موقع لاحق إن شاء الله ، أما عبارة (لأول الحشر ) فهي تذكرنا ب( أولى الإفساد تين ) كما جاء في سورة الإسراء ؛ وأن أول الحشر سيكون له ثان أو أكثر .
    وقد ذكر الدكتور صلاح الخالدي أن الحشر الأول قد تمثل في خمس خطوات مرحلية :الأولى، حشر بني قينقاع وإجلاؤهم عن المدينة في السنة الثانية للهجرة .
    الثانية ، حشر بني النضير وإجلائهم في السنة الثالثة للهجرة .
    الثالثة ،حشر بني قريضة في السنة الخامسة بعد غزوة الأحزاب ، حيث قتل أولادهم وسبى نساءهم .
    الرابعة،حشر يهود خيبر في السنة السادسة بعد صلح الحديبية حيث دمر سلطانهم وكيانهم وجعلهم عبيد ومزارعين.
    الخامسة، فكان في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه حيث أخرجهم من الجزيرة العربية كلها .
    وهذا التشتيت سيعود ثانية ليلتئم في شكل سياسي يمهد للمرحلة الأخيرة من الإفساد التي جاءت سورة الإسراء لتحدد بعض معالمها حيث قال جل شأنه :
    ( وقلنا من بعده لبني إسرائيل اسكنوا الأرض فإذا جاء وعد الآخرة جئنا بكم لفيفا ) ولعلنا بحاجة أن نربط ربطا سريعا بين دلالة الآية السابقة ومعالم التشكيل السياسي القائم على الأرض ؛فالهجرة القسرية على الشعب الإسرائيلي من أجل إعادة تشكيل هذه الدولة الغاصبة من خلال لملمة الشتات والتداعي لفكرة الوطن الموعود ،هو أحد أهم مكونات هذه العودة وكما قلنا : بأن معالم الإفسادة الثانية – في نبوءة سورة الإسراء _قد تمثلت في الدولة الحالية ’ فإن نفس الأسباب تدعونا للاعتقاد بأن: موعد الحشر الثاني قد حان وأن النصر قريب .
    أما الدلالة الثانية التي تعرض لها الآيات فهي مجموعة التصورات المتزاحمة على أرضية الصراع ؛ وهي كما يعرضها القرآن ثلاثة آراء :
    أولا، تصور بشري واقعي محكوم لسنن واقعية ، وقد تمثل في قوله تعالى (ما ظننتم أن يخرجوا ) فالمسلمون الذين عايشوا اليهود في المدينة ورأوا حصونهم المنيعة تصوروا أن الأمر يحتاج إلى كثير عناء وكثير جهد لإخراج هذه الطغمة الفاسدة من هذه الحصون المنيعة ، وما أشبه اليوم بالبارحة فالواقعية السياسية التي تنظر إلى حجم الطاقة الإعدادية التي يتمتع بها هذا الكيان الغاصب تدعو للريبة والشك لتحقيق النصر السريع .
    أما التصور الثاني فهو تصور طاغوتي قديم حديث ( وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله ) فاليهود كغيرهم من الطواغيت ما كان لهم أن يعتقدوا بإمكانية الهزيمة مع وجود هذه الحصون المنيعة وكذلك تصور فرعون عندما نظر إلى جنده وقوته بأن مسألة قتل موسى مسألة وقت فقال ( دعوني أقتل موسى ).
    وكذلك يتصور اليهود وأشياعهم من الدول الغربية الحاقدة على الإسلام أن قواتهم وطائراتهم وأساطيلهم ستحسم المعركة في غضون أيام ولا يتسرب إلى أذهانهم بأن المستضعفين في الأرض قادرون على زعزعة النظام العالمي الجديد القائم على الظلم والجبروت .
    أما التصور الثالث والأخير فهو التصور الرباني الخالص وهو التصور الوحيد التي تحسم فيه الخيارات وتذل له النفوس وتطمئن له القلوب وهو تصور غريب فريد لا يخضع لتصورات البشر وضعفهم أو أهواء الناس وغيهم بل يعتمد على قوة الله المطلقة وسننه الثابتة ( فآتاهم الله من حيث لا يحتسبوا وقذف في قلوبهم الرعب ، يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين فاعتبروا يا أولي الأبصار ) فالإتيان من حيث لا يحتسب أهل الغدر والخيانة . والسلاح غريب فريد ؛ فهو وإن كان معنوي الهيئة فأن نتائجه بالغة الأثر وكأن الصورة الفنية في التعبير القرآني (وقذف في قلوبهم الرعب )قد تحولت إلى حقائق واقعية ؛ فالصواريخ المقذوفة لا تسقط على الحصون والمستوطنات بل تقع في القلوب فتتآكل الدولة ، وتتحول الحصون إلى بيوت واهية كبيت العنكبوت لا تحتاج إلى كثير من جهد في إخرابها ؛وهذا هو السر العجيب في استخدام الفعل (يخربون )المخفف دون الفعل المشدد يخربون ؛لأنه وبعد انهزام القلوب لا قيمة للحصون والقلاع والعدة والعتاد ؛لذا فأن إغلاق هذه الآية الكريمة بقوله فاعتبروا يا أولي الأبصار له دلالته الواضحة التي تحتاجها الأمة في عصر اختلال موازين القوة وتحصن الغاصب وتمترسه خلف مادية مطلقة .ولن يحصل هذا الاعتبار ما لم نؤمن إيمانا مطلقا بفاعلية هذا المنهج وأن لا نلتفت إلى التصورات الأخرى التي ثبت بالدلالات القاطعة نضابة فاعليتها وقلة حيلتها وبعدها عن الحقيقة .
    ولعلنا معنيون ،ونحن نتحدث عن منهج الحركة الإسلامية في التحرير أن نتعرض إلى مواصفات هذا المنهج القويم الذي يستحق هذه الإشارة القرآنية ويفوز بسق الهداية ويقترب من الشاطئ الأخير في معركة الفصل بين الحق والباطل .

  6. #6
    شاعر
    تاريخ التسجيل : Feb 2004
    المشاركات : 227
    المواضيع : 67
    الردود : 227
    المعدل اليومي : 0.03

    افتراضي

    خصائص المنهج الإسلامي المقاوم
    عقيدة ثابتة
    أكاد أسارع إلى الادعاء بأن قضية فلسطين لم تعش حالة من البؤس والضياع كتلك التي عاشتها خلال القرن المنصرم ؛ فقد منيت هذه القصية بعدة نكسات ونكبات ، شاب لها الصبي قبل شبابه وأذهلت المرضعات عن مراضعهن ، وأصبح الحليم فيها حيرانا والناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد.
    وأخذت مراكز الأبحاث ومنابر السياسة والإعلام والأنظمة الرسمية والمنظمات الشعبية والحركات السياسية تبحث عن الأسباب وتشخص الداء وتتحدث عن الدواء ، والقضية تئن أنين المستغيث الذي لا ناصر له .
    وإذا ما سألنا عن سر تلك الانتكاسات والهزائم، فإن إجابة واحدة تكشف لنا سر ذلك كله وتخرجنا من بحر الوهم وعالم الغم . إنها العقيدة التي تخلت عنها الجيوش والأنظمة ، فهانت على أعدائها وأصابها الوهن وتداعت عليا الأكلة من كل جانب.
    ونستذكر هنا مقولة الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو يتسلم مفاتيح بيت المقدس : ( نحن قوم أعزنا الله بالإسلام ،فأن ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله )
    كلمات خالدة ، نطق بها هذا العملاق وحفظها لنا التاريخ ؛ لتبقى نبراسا ونورا يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام
    ويؤكد هذا المعنى ويدل عليه قول الله سبحانه وتعالى (إن الدين عند الله الإسلام,ما اختلف الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم بينهم ومن يكفر بآيات الله فأن الله سريع الحساب . فأن حاجوك فقل أسلمت وجهي لله ومن اتبعن وقل للذين أتوا الكتاب والأمين ءأسلمتم فأن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما عليك البلاغ والله بصير بالعباد ).
    وحديثنا عن الدين في هذا السياق ، يقودنا إلى الاستخلاص التالي : أننا عندما نتحدث عن الدين والعقيدة في سياق الصراع بين اليهودية والإسلام لا نعني ذلك أن الحرب القائمة حرب دينية بين التوراة والقرآن كما يتوهم البعض ، حاشا لله ،فهذا أبعد ما يكون عن فهمنا ؛لأن الدين كل لا يتجزأ ولأنه كله من عند الله كما بينت الآيات السابقة ،فإبراهيم وموسى وعيسى ويعقوب وكل الأنبياء جاءوا بالحنفية والإسلام يقول الله سبحانه وتعالى عن إبراهيم: (إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي )و يقول أيضا (ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين ) .
    ويحدثنا القرآن عن منهج إبراهيم عليه السلام في الدعوة ، وحثه لأبنائه على اتباع الإسلام والموت عليه  وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل : ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم ) ( ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن أمتنا أمة مسلمة لك وأرنا مناسكنا إنك أنت التواب الرحيم) (ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب : يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون ).
    وقد وقع أصحاب الاتجاه العلماني في وهم كبير ومغالطة عظيمة حينما ضربوا صفحا عن التوجيهات القرآنية وآثروا النزوع إلى المنهج الغربي في الدراسة والتحليل ظنا منهم بأن هذا المنهج (بنظرته العلمية ومنهجه الموضوعي سيعيد لهم حقهم المسلوب ويضمن لهم أمانة الطريق وواقعية الاستدلال، وهم لا يدرون أنهم بانتهاجهم هذا النهج قد وقعوا في أسر التصورات التلمودية والتبريرات الكنسية المزورة ؛ لأن الكتاب الغربيين حينما أرادوا أن يؤرخوا للماضي رجعوا إلى مصدر واحد فجعلوه حجة لهم ،هذا المصدر هو الكتاب المقدس أو ما يعرف بالكتاب القديم0
    لذا ، فإذا كان الدرس التاريخي الغربي قد اعتمد على نص ديني طاله كثير من الزيف والتحريف؛ فأن موضوعية البحث تقتضي الرجوع إلى حقائق التنزيل لكي لا نقع تحت وهم أساطير الدعاية الإسرائيلية .
    نحن بحاجة إلى عقيدة راسخة قوية سليمة ، ومنهج قرآني فريد للوقوف أمام هذا الطغيان الفكري الغربي المشوه للحقائق ، خصوصا بعد نجاح الصهيونية الخبيثة الحديثة في إحداث اختراقات عميقة في الفكر الأوروبي المسيحي ، ويبدو ذلك من خلال هذا الانسجام العجيب بين المسيحية الغربية والصهيونية الخبيثة ، ويبدو هذا واضحا كذلك من خلال توسع المعجم الدلالي المسيحي ، وكثرة المصطلحات الوافدة عليه من التفسيرات التلمودية للتاريخ والحياة وتراجع التعصب المسيحي لصالح الأمة اليهودية. فشعب الله المختار وشعب الرب الجديد والكهنوت الملوكي ومدينة الرب المقدسة مصطلحات رافدة على قواميس الفكر الأوروبي من إبداعات التضليل الصهيوني، بل إن جزءا كبيرا من تبريرات السلسة الأوروبيين للحملات الاستعمارية الموجهة صوب منطقة الشرق الوسط تعتمد على تلك القراءات الخاطئة لهذا الفكر الديني المشوه ، وإليك بعض تلك الأدلة المعينة على فهم ذلك: ففي عام 1965 يصدر الفاتيكان اعترافا مفاده (مع أن سلطات يهودية قد ساقت مع أنصارها المسيح إلى الموت مع العلم أن جميع اليهود الذين كانوا أحياء في عصر المسيح مدانون |إلا أننا لا نستطيع أن نحمل اليهود هذا العصر وزرهم .ولا يجب أن ننظر إلى اليهود على أنهم منبوذون من الرب ) ثم يتقدم الفكر المسيحي المهادن والمتواطئ إلى حد الاعتراف من قبل الفتكان بأن اليهود مبرؤون من دم المسيح عليه السلام ،لكي تبدو هذه المصالحة التاريخية العقائدية بين اليهودية والمسيحية شكل من أشكال التطور الاستعماري الذي شكل في نهايات القرن الماضي ما عاد يعرف الحرب العالمية ضد الإرهاب أو الوقوف جنبا إلى جنب ضد دعاة اللاسامية ، ويعنون بذلك المسلمين على وجه التحديد. وشبيه بهذا الاستدلال ما ورد على لسان ريغن إذ قال له الصحفي :لماذا تقف أمريكا من العرب هذا الموقف؟ ولماذا تؤيد إسرائيل هذا التأييد المطلق فأجاب إجابة سريعة ومختصرة :لا تنسى بأننا صليبيون .) ولعل هذا ما كرره بش الصغير في خطابه الشهير بعيد أحداث نيويورك وواشنطن حينما أشار إلى الحرب المقدسة والعادلة والصليبية ضد الأصولية والمتطرفة )وليس بعيدا عن هذا التصور يمكن لنا أن نفهم الدور السياسي الأوروبي المتواطئ مع السياسة الإسرائيلية منذ بلفور حتى مدريد واسلو وما بعدهما ، بل أزعم أن الفكر الكنسي الحديث قد انتقل نقلة نوعية في التواطؤ مع اليهودية من خلال نظرته إلى الكنيسة الشرقية وقد اتضح ذلك من خلال نظرته إلى حصار كنيسة المهد وهدم ثاني أقدس كنيسة في العالم ، وهي كنيسة بربرة في بلدة عابود بالضفة الغربية
    .

  7. #7

  8. #8
    شاعر
    تاريخ التسجيل : Feb 2004
    المشاركات : 227
    المواضيع : 67
    الردود : 227
    المعدل اليومي : 0.03

    افتراضي

    إذن نحن بحاجة إلى هذه العقيدة الراسخة لنرد على كافة الادعاءات والأباطيل الزائفة؛ فلإن كان هذا التاريخ قد بدأ مع إبراهيم عليه السلام الذي نزل ضيفا على اليبوسيين أصحاب الأرض الأصليين مهاجرا بأمر من الله إلى الأرض المقدسة فإن النص القرآني يرد على تلك المزاعم الإسرائيلية ، وتصبح عبارات الشعب المختار والأرض الموعودة مخلفات زائغة كتلك الملاحم الأسطورية القديمة التي لا يعترف بها الدرس التاريخي.فإبراهيم كما يحدثنا القرآن لم يذهب إلى فلسطين مستعمرا أو موعودا بل ذهب لاجئا طريدا وقد أحسن أهل فلسطين استقباله وضيافته، قال تعالى: ( ونجيناه ولوطا إلى الأرض التي باركنا فبه للعالمين ) فالبركة ليست خاصة بقوم كما يدعي المبطلون والأرض في ظلال النص القرآني سواء أكانت الألف واللام فيها للعهد أم للجنس مرهونة بفكرة الاستخلاف الرباني وفي هذا يقول الق سبحانه : ( ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون) ويقول أيضا ( وعد الله الذين أمنوا ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم ) ولكن بشرط ارتضاه لعباده ( يعبدونني ولا يشركون بي شيئا )
    وبناءا على هذه القاعدة فشل العبرانيون أتباع موسى عليه السلام في تحقيق نصر على الوثنيين المستعمرين للأرض المقدسة وما كان ذلك إلا لعدم استجابتهم لشروط هذه القاعدة ومخالفتهم لأمر نبيهم ( قال موسى لقومه استعينوا بالله واصبروا إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده و العاقبة للمتقين،قالوا أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا قال عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعلمون)،ولكن سرعان ما يتحول هذا النصر إلى هزيمة مؤلمة بعد عبادة العجل ونكرانهم منهج الحق(إن الذين اتخذوا العجل سينا لهم غضب من ربهم وذلة في الحياة الدنيا وكذلك نجزي المفترين)
    أما نهايتهم السياسية فتتمثل في قوله تعالى(فلما عتوا عن ما نهوا عنه قلنا لهم كونوا قردة خاسئين،وإذ تأذن ربك ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسو مهم سوء العذاب إن ربك لسريع العقاب وإنه لغفور رحيم، وقطعناهم في الأرض أمما منهم الصالحون ومنهم دون ذلك لعلهم يرجعون. )
    وما حل قديما بعصاة بني إسرائيل حل حديثا بعصاة هذه الأمة حينما تراجعت أمام عدوها وفشلت في تحقيق أي إنجاز يذكر على الصعيد القتالي خلال قرن مضى من الزمن ، فلم تستطع الاشتراكية الناصرية أو البعثية العلوية أن تأتي بالحلم العربي المنشود بل كانت عبئا ثقيلا على حركة التحرير الجهادية من خلال مسح ذاكرة الشعوب وإجلائها عن مدرسة الجهاد المحمدية
    ففي 23|2|48 يبعث القائد إسماعيل تقرير مفصلا عن اللجنة العسكرية بدمشق قائلا :أن قوات المتطوعين لا يمكن أن يحققوا نصرا في هذا الصراع الذي يحتاج إلى قوات نظامية متمرسة ،وتبدأ المعركة من طرف واحد فتبدأ إسرائيل بمجازرها المتتالية من مجزرة إلى مجزرة فتقترف مجزرة صفد في 19|1|1948 ثم دير ياسين في 9|4|48 ويبدأ الشعب الفلسطيني بالعويل والصراخ فيأتي الجواب من اللجنة العسكرية بأن القوات النظامية لن تدخل المعركة قبل 15|5|48 لينتهي الفصل الأول من مسرحية انهزام الفكر القومي مع الغرب المنسجم مع نبوءة الحديث النبوي الشريف ، (لتتبعن سنن من قبلكم اليهود والنصارى حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب خرب لدخلتموه معهم) وهكذا تبدو هذه الصورة الأولية في مسلسل التخاذل والتهاون الذي جلبه لنا الفكر العلماني المتحرر رضيع الصهيونية والإمبريالية .
    ثم تبدأ فصول مرحلة جديدة يغيب فيها أبناء الحركة الإسلامية في السجون ويتهموا بالخيانة والرجعية ويرتفع خيار ا الثورية الاشتراكية والقومية العربية لاسترداد الأراضي المغتصبة عام 48، ولا تنتهي هذه المرحلة إلا بحدوث الفاجعة الأليمة عام 67 ليعلن النظام العربي رسميا عن فشل المناهج الكفاحية في حل الصراع الدائم بين العرب وأعدائهم ،لتبدأ المرحلة الثالثة من مراحل هذا الصراع التي يشرع فيها العرب بالبحث عن حلول سلمية كخيارات استراتيجية ووحيدة لإنهاء هذا الصراع وتترجم هذه الجهود من خلال قمم ومبادرات ومعاهدات ولقاءات ، تبدأ في (الرباط) عام 1974 وتترجم في (كام ديفد) الأولى بين مصر وإسرائيل عام1978 وتبرز كمبادرة عربية للجانب الفلسطيني يقدمها فهد في أواسط الثمانينات وتترجم كمؤتمر دولي في أوائل التسعينات من خلال مؤتمر مدريد وتتوج بمعاهدة سلام سرية في أوسلو لتدخل القضية من خلاله إلى نفق مظلم وتراكمات مكلفة .
    إذا نحن بحاجة إلى عقيدة قويمة وراسخة لرأب هذا الصدع الممتد ومحو هذه الظلمة المشينة ولتحقيق منهج الله في النصر والتمكين ( إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم ) (ومن يتوكل على الله فهو حسبه )
    نحن بحاجة إلى عقيدة راسخة كتلك التي تمتعت بها الحركة الإسلامية الأولى في مجابهة الباطل وأهله ،فثبتت في مكة وانتصرت في بدر وفرحت بالفتح المبين في مكة فحققت من سنة الله في عباده المجاهدين ( وكم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة )
    ونحن بحاجة إلى هذه العقيدة في عصر عظمت فيه الفجوة بيننا وبين عدونا، وتضاءلت فرص النصر من خلال القوة المالية والعدة القتالية .
    نحن بحاجة إلى هذه العقيدة بعد أن قلب لنا الجميع ظهر المجن ورمتنا العرب والعجم عن قوس وحدة وباتت الشرعية الدولية ومنظمات حقوق الإنسان والأمم المتحدة مسميات مفرغة من محتوياتها ولا تخدم إلا الغاصب المحتل .

  9. #9
    شاعر
    تاريخ التسجيل : Feb 2004
    المشاركات : 227
    المواضيع : 67
    الردود : 227
    المعدل اليومي : 0.03

    افتراضي

    الفهم العميق
    هذا هو الأساس الثاني بعد العقيدة الراسخة ، وهو أساس ضروري وفعال لكل حركة مجاهدة: ولأنها فلسطين ولأن الصراع فيها طويل ومعقد يبدو الفهم أكثر أهمية في إدارة فصول المعركة،
    وقد حذرنا الرسول _ صلى الله عليه وسلم_من عواقب الغي والضلال فقال : (المسلم كيس فطن ) وقال أيضا : ( لا يلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين) وأوصانا بالكتاب والسنة كأساس للهدى والرشاد فقال : ( لقد تركت فيكم ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا : كتاب الله وسنتي)
    والفهم الذي نقصده هنا هو فهم شامل للظروف المحيطة ، كالسياسة والاجتماع وظروف المقاومة والإعداد ؛ فالحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق الناس بها. والحرب خدعة أما الغوغائية والغثائية فهما علامات بارزة للهزيمة ففي حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم الذي أخرجه أبو الدرداء ( توشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها فقال قائل :من قلة نحن يومئذ ؟ فقال :بل أنتم يومئذ كثيرون ولكنكم غثاء كغثاء السيل ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم وليقذفن في قلوبكم الوهن قيل وما الوهن يا رسول الله ؟ قال : حب الدنيا وكراهية الموت ) إذا لا بد من العودة إلى نقطة البداية في التربية السليمة في الجسم المقاوم ،ولا يجوز أن تبقى الأمة رهينة الخيارات المهزومة وأسيرة التصورات الجبانة الهزيلة . لا يجوز أن تفجأنا طائرات الأباتشي وف 16 الأمريكية فنضع رؤوسنا في الرمل منتظرين حبيبات الدقيق الأبيض لتأتينا على شكل معونات غربية .ولا يجوز أيضا أن يدخل المفاوض الفلسطيني يحصد الأخر واليابس من بقايا الوجود الفلسطيني ويدخل الشعب في دهاليز مظلمة وأنفاق سرمدية من فشل إلى فشل ثم يبقى هذا المفاوض بشعبية نسبية بين أوساط المثقفين أو أنصاف المثقفين ،لا يجوز للأمة أن تبقى سادرة لاهية عن أنظمة أثبتت وبجدارة قدرات عجيبة بالتواطؤ والخيانة لتنتظر هذه الشعوب موعد الذبح المشهود الذي يعد له عدو لا يرعوي عن فعل أقبح الجرائم ولا يألو في مؤمن إلا ولا ذمة .
    لقد قال لنا أصحاب التسوية إن معركتنا السلمية الشجاعة هي أقصر الطرق وأسلمها في إعادة الحقوق وبناء الدولة والإنسان فكانت البداية مرحلية فكانت (غزة وأريحا أولا ) ودخلت جموع الفاتحين غزة وانتظر الناس السمن والعسل وتشكلت أول كتلة سياسية فلسطينية لترسم المراحل المتبقية من مسرحية السمن والعسل ولم ينتظر الشعب طويلا وما هي إلا بضع سنوات حتى بدأت جحافل الجيش الصهيوني تتقهقر أمام قوات الفتح الفلسطيني لتأخذ المرحلة الانتقالية مجراها بالتنفيذ وفق اتفاقيات أسلو ويصبح ديدا هذا الوسط السياسي المفرط في التفاؤل بشارات وتطمينات للشعب الفلسطيني :أن اصبر أيها الشعب فأن النصر قاب قوسين أو أدنى ،وأن المرحلة النهائية قادمة لا محالة ليرفع طفل فلسطيني أو زهرة فلسطينية علم فلسطين على مآذن القدس على أجراس كنيسة القيامة .
    أما قضية اللاجئين فهي قضية لا تقل قداسة في نظر المفاوض الفلسطيني عن قضية القدس ، هكذا يدعون ، بل يؤكدون على حق العودة والتعويض أساس ثابت لحل هذه القضية ، هذا هو الخطاب السياسي المعلن ، أما الواقع السياسي المتدحرج على الأرض فإنه ينبئ بما لا تحمد عواقبه، وترسم جغرافية الدولة الفلسطينية في خيال المفاوض الفلسطيني كمدينة فاضلة ستولد قريبا على شكل متموج قابل للتعدد والانزلاق، أي خيال سياسي أراده لنا أصحاب التسوية ؟وإلى متى تبقى هذه الأمة تلهث خلف هذا السراب وتستجدي الفتات على موائد اللئام ، ومتى تصحو هذه الأمة من كبوتها وتستلهم مواطن رشدها وترتب صفوفها لعلها تصل إلى الشاطئ الأمن .وعندما يهب الشعب الأعزل هبته تقوم الدنيا ولا تقعد فتارة يتهمونه بالفوضوية وطورا بالإرهاب وثالثة بالضياع، ويقف العالم بقضه وقضيضه في وجه هذه الصحوة ، وتتعالى الأصوات المثبطة لتئد الثورة في مهدها وتجفف منابعها قبل أن يقوى بها العود ، فيجهض إضراب عام 36 من خلال هدنة تمطن اليهود من جمع السلاح وتفق الثورة الفلسطينية جذوة الانتقام والمجابهة ويتكرر الأمر في الخمسينات إذ يكافأ المتطوعون من أبناء الحركة الإسلامية بزجهم في السجون وإعدام قياداتهم واتهام الجماعة بالخيانة زورا وبهتانا.
    وعندما ينجح الفلسطينيون أواسط الستينات في تشكيل حركة تحرير وطني يتم وأد هذه الحركة تدريجيا من خلال جملة من الخطوات الخبيثة ، تبدأ من خلال تفريغ الحركة من أي إطار فكري ثم سلخ القضية عن بعدها الديني بعد تبني الحركة الإطار العلماني وإقصاء الإسلاميين ومحاولة منعهم من الانخراط في سلك المقاومة إلى اعتبار أنهم رجعيون وأذيال للاستعمار. ولم ينتهي الأمر عند هذا الحد بل يتعداه إلى سلخ القضية عن بعدها العربي وذلك عندما تصبح منظمة التحرير ممثلا شرعيا ووحيدا للشعب الفلسطيني كما جاء في مقررات قمة الرباط عام 1974
    ثم تدخل هذه الحركة في جولة تصفيات عنيفة يستنزف فيها الجانب العسكري ،فبعد إقصاءها عن الأراضي الأردنية القريبة من فلسطين المغتصبة والتي تتمتع بحدود واسعة تمكن الجانب الفلسطيني من إحداث حلة مقاومة قادرة على الصمود والفاعلية وإذا كانت الساحة الأردنية هي ساحة إجلاء وطرد للمقاومة الفلسطينية فإن الساحة اللبنانية كانت الزاوية الضيقة التي صفيت فيها هذه المقاومة ونزفت حتى الرمق الأخير ،والعجيب انك ترى من خلال هذا التتابع الزمني استهدافا مباشرا وسريعا لكل الطاقات العسكرية وتنامي ملحوظ للنخب السياسية المنسجمة مع الخيارات العربية الرسمية وهذه الحبكة في مسلسل استنزاف هذه المقاومة بشقيه : نفخ الإطار السياسي الرسمي وتعظيم شأنه ومحاصرة الخيار المقاوم وتجفيف منابعه ت جلية في الحقب الثلاث الأخيرة ؛ففي السبعينات تجبر المقاومة الفلسطينية على دخول حرب أهلية في لبنان في حين يدخل النظام السياسي الرسمي في اتفاقيات علنية مع الجانب الإسرائيلية من خلال كام ديفد الأولى بين مصر وإسرائيل ،وتلاحق القيادة الطريدة في تونس وتضرب القوة سبعة عشر ويصفى القائد العظيم أبو جهاد وتجهض انتفاضة المساجد الأولى في نفق أسلو المظلم ،وتدان المقاومة إدانة رسمية فلسطينية وعربية ودولية في شرم الشيخ عام 96 ويتوج هذا الاستهداف للمقاومة بحملة إعلامية ودولية لسلب الشعوب حقها في المقاومة من خلال حصر القضية الفلسطينية كقضية أمنية يتبادل فيها الطرفان الفلسطيني والإسرائيلي المعلومات عن المقاوم الإرهابي أو الإرهاب الإسلام ويبدأ العالم بالبحث عن إطار دولي وشامل لإدانة أعمال المقاومة واعتبارها خروج عن القانون وتتولى أمريكيا بنفسها هذه الحملة ضد ما عاد يعرف بالحرب ضد الإرهاب ، وينقسم العالم وفقا لهذه الرؤية إلى قسمين : قسم هو خير مطلق اليهود وأعوانهم ولا قيمة للانتماء العرقي لهذه المعركة أما القسم الثاني فهم المقاومون الإسلاميون أينما وجدوا في فلسطين أو لبنان أو كشمير أو الفلبين أو الشيشان.

  10. #10
    شاعر
    تاريخ التسجيل : Feb 2004
    المشاركات : 227
    المواضيع : 67
    الردود : 227
    المعدل اليومي : 0.03

    افتراضي

    الفهم العميق
    هذا هو الأساس الثاني بعد العقيدة الراسخة ، وهو أساس ضروري وفعال لكل حركة مجاهدة: ولأنها فلسطين ولأن الصراع فيها طويل ومعقد يبدو الفهم أكثر أهمية في إدارة فصول المعركة،
    وقد حذرنا الرسول _ صلى الله عليه وسلم_من عواقب الغي والضلال فقال : (المسلم كيس فطن ) وقال أيضا : ( لا يلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين) وأوصانا بالكتاب والسنة كأساس للهدى والرشاد فقال : ( لقد تركت فيكم ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا : كتاب الله وسنتي)
    والفهم الذي نقصده هنا هو فهم شامل للظروف المحيطة ، كالسياسة والاجتماع وظروف المقاومة والإعداد ؛ فالحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق الناس بها. والحرب خدعة أما الغوغائية والغثائية فهما علامات بارزة للهزيمة ففي حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم الذي أخرجه أبو الدرداء ( توشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها فقال قائل :من قلة نحن يومئذ ؟ فقال :بل أنتم يومئذ كثيرون ولكنكم غثاء كغثاء السيل ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم وليقذفن في قلوبكم الوهن قيل وما الوهن يا رسول الله ؟ قال : حب الدنيا وكراهية الموت ) إذا لا بد من العودة إلى نقطة البداية في التربية السليمة في الجسم المقاوم ،ولا يجوز أن تبقى الأمة رهينة الخيارات المهزومة وأسيرة التصورات الجبانة الهزيلة . لا يجوز أن تفجأنا طائرات الأباتشي وف 16 الأمريكية فنضع رؤوسنا في الرمل منتظرين حبيبات الدقيق الأبيض لتأتينا على شكل معونات غربية .ولا يجوز أيضا أن يدخل المفاوض الفلسطيني يحصد الأخر واليابس من بقايا الوجود الفلسطيني ويدخل الشعب في دهاليز مظلمة وأنفاق سرمدية من فشل إلى فشل ثم يبقى هذا المفاوض بشعبية نسبية بين أوساط المثقفين أو أنصاف المثقفين ،لا يجوز للأمة أن تبقى سادرة لاهية عن أنظمة أثبتت وبجدارة قدرات عجيبة بالتواطؤ والخيانة لتنتظر هذه الشعوب موعد الذبح المشهود الذي يعد له عدو لا يرعوي عن فعل أقبح الجرائم ولا يألو في مؤمن إلا ولا ذمة .
    لقد قال لنا أصحاب التسوية إن معركتنا السلمية الشجاعة هي أقصر الطرق وأسلمها في إعادة الحقوق وبناء الدولة والإنسان فكانت البداية مرحلية فكانت (غزة وأريحا أولا ) ودخلت جموع الفاتحين غزة وانتظر الناس السمن والعسل وتشكلت أول كتلة سياسية فلسطينية لترسم المراحل المتبقية من مسرحية السمن والعسل ولم ينتظر الشعب طويلا وما هي إلا بضع سنوات حتى بدأت جحافل الجيش الصهيوني تتقهقر أمام قوات الفتح الفلسطيني لتأخذ المرحلة الانتقالية مجراها بالتنفيذ وفق اتفاقيات أسلو ويصبح ديدا هذا الوسط السياسي المفرط في التفاؤل بشارات وتطمينات للشعب الفلسطيني :أن اصبر أيها الشعب فأن النصر قاب قوسين أو أدنى ،وأن المرحلة النهائية قادمة لا محالة ليرفع طفل فلسطيني أو زهرة فلسطينية علم فلسطين على مآذن القدس على أجراس كنيسة القيامة .
    أما قضية اللاجئين فهي قضية لا تقل قداسة في نظر المفاوض الفلسطيني عن قضية القدس ، هكذا يدعون ، بل يؤكدون على حق العودة والتعويض أساس ثابت لحل هذه القضية ، هذا هو الخطاب السياسي المعلن ، أما الواقع السياسي المتدحرج على الأرض فإنه ينبئ بما لا تحمد عواقبه، وترسم جغرافية الدولة الفلسطينية في خيال المفاوض الفلسطيني كمدينة فاضلة ستولد قريبا على شكل متموج قابل للتعدد والانزلاق، أي خيال سياسي أراده لنا أصحاب التسوية ؟وإلى متى تبقى هذه الأمة تلهث خلف هذا السراب وتستجدي الفتات على موائد اللئام ، ومتى تصحو هذه الأمة من كبوتها وتستلهم مواطن رشدها وترتب صفوفها لعلها تصل إلى الشاطئ الأمن .وعندما يهب الشعب الأعزل هبته تقوم الدنيا ولا تقعد فتارة يتهمونه بالفوضوية وطورا بالإرهاب وثالثة بالضياع، ويقف العالم بقضه وقضيضه في وجه هذه الصحوة ، وتتعالى الأصوات المثبطة لتئد الثورة في مهدها وتجفف منابعها قبل أن يقوى بها العود ، فيجهض إضراب عام 36 من خلال هدنة تمطن اليهود من جمع السلاح وتفق الثورة الفلسطينية جذوة الانتقام والمجابهة ويتكرر الأمر في الخمسينات إذ يكافأ المتطوعون من أبناء الحركة الإسلامية بزجهم في السجون وإعدام قياداتهم واتهام الجماعة بالخيانة زورا وبهتانا.
    وعندما ينجح الفلسطينيون أواسط الستينات في تشكيل حركة تحرير وطني يتم وأد هذه الحركة تدريجيا من خلال جملة من الخطوات الخبيثة ، تبدأ من خلال تفريغ الحركة من أي إطار فكري ثم سلخ القضية عن بعدها الديني بعد تبني الحركة الإطار العلماني وإقصاء الإسلاميين ومحاولة منعهم من الانخراط في سلك المقاومة إلى اعتبار أنهم رجعيون وأذيال للاستعمار. ولم ينتهي الأمر عند هذا الحد بل يتعداه إلى سلخ القضية عن بعدها العربي وذلك عندما تصبح منظمة التحرير ممثلا شرعيا ووحيدا للشعب الفلسطيني كما جاء في مقررات قمة الرباط عام 1974
    ثم تدخل هذه الحركة في جولة تصفيات عنيفة يستنزف فيها الجانب العسكري ،فبعد إقصاءها عن الأراضي الأردنية القريبة من فلسطين المغتصبة والتي تتمتع بحدود واسعة تمكن الجانب الفلسطيني من إحداث حلة مقاومة قادرة على الصمود والفاعلية وإذا كانت الساحة الأردنية هي ساحة إجلاء وطرد للمقاومة الفلسطينية فإن الساحة اللبنانية كانت الزاوية الضيقة التي صفيت فيها هذه المقاومة ونزفت حتى الرمق الأخير ،والعجيب انك ترى من خلال هذا التتابع الزمني استهدافا مباشرا وسريعا لكل الطاقات العسكرية وتنامي ملحوظ للنخب السياسية المنسجمة مع الخيارات العربية الرسمية وهذه الحبكة في مسلسل استنزاف هذه المقاومة بشقيه : نفخ الإطار السياسي الرسمي وتعظيم شأنه ومحاصرة الخيار المقاوم وتجفيف منابعه ت جلية في الحقب الثلاث الأخيرة ؛ففي السبعينات تجبر المقاومة الفلسطينية على دخول حرب أهلية في لبنان في حين يدخل النظام السياسي الرسمي في اتفاقيات علنية مع الجانب الإسرائيلية من خلال كام ديفد الأولى بين مصر وإسرائيل ،وتلاحق القيادة الطريدة في تونس وتضرب القوة سبعة عشر ويصفى القائد العظيم أبو جهاد وتجهض انتفاضة المساجد الأولى في نفق أسلو المظلم ،وتدان المقاومة إدانة رسمية فلسطينية وعربية ودولية في شرم الشيخ عام 96 ويتوج هذا الاستهداف للمقاومة بحملة إعلامية ودولية لسلب الشعوب حقها في المقاومة من خلال حصر القضية الفلسطينية كقضية أمنية يتبادل فيها الطرفان الفلسطيني والإسرائيلي المعلومات عن المقاوم الإرهابي أو الإرهاب الإسلام ويبدأ العالم بالبحث عن إطار دولي وشامل لإدانة أعمال المقاومة واعتبارها خروج عن القانون وتتولى أمريكيا بنفسها هذه الحملة ضد ما عاد يعرف بالحرب ضد الإرهاب ، وينقسم العالم وفقا لهذه الرؤية إلى قسمين : قسم هو خير مطلق اليهود وأعوانهم ولا قيمة للانتماء العرقي لهذه المعركة أما القسم الثاني فهم المقاومون الإسلاميون أينما وجدوا في فلسطين أو لبنان أو كشمير أو الفلبين أو الشيشان.

صفحة 1 من 3 123 الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. كرازايات فلسطين والمشروع الوطني المقاوم
    بواسطة عمر رمضان في المنتدى نُصْرَةُ فِلِسْطِين وَالقُدْسِ
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 14-10-2006, 04:54 PM
  2. مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 29-08-2006, 10:53 PM
  3. ساعات نقدية مع الادب الاسلامي/ تابع الحلقات "مميز جداَ"
    بواسطة رمضان عمر في المنتدى النَّقْدُ الأَدَبِي وَالدِّرَاسَاتُ النَّقْدِيَّةُ
    مشاركات: 11
    آخر مشاركة: 24-11-2005, 01:54 PM
  4. "مشاركة اولى" خمس على النهج المقاوم
    بواسطة خليل قطناني في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 06-10-2004, 06:36 PM
  5. حي الزيتون )قصيدة مهداة لأهل هذا الحي المقاوم الأبي
    بواسطة فارس عودة في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 19-05-2004, 08:30 PM