أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 4 من 4

الموضوع: حريق فى معسكر كلمة

  1. #1
    قلم منتسب
    تاريخ التسجيل : Aug 2010
    الدولة : مقيمة ببلدى السودان
    المشاركات : 26
    المواضيع : 13
    الردود : 26
    المعدل اليومي : 0.01

    افتراضي حريق فى معسكر كلمة

    حريق فى معسكر كلمة

    خروجي في العاشر من أغسطس من عام 2003 لم يكن من أجل الشعارات التي كانت تنادى بها حملة إغاثة النازحين بمعسكر كلمه ، كانت أخبار الحرب تملأ الدنيا ، إبادة جماعية ، أطفال يستخدمون كدروع بشرية ، شيوخ يموتون من البرد والجوع ، عمليات نهب مسلح ونساء يغتصبن في تحت الشمس ، كان ثمة ما هو مخفي وراء الروح ، هذه الكلمات هي أول ما بدأت به رسالتي الأولى إليه ، كنت أكتب إليه بصدق عن موجة الوله التي أصابتني عندما سمعت صوته بدء عبر الهاتف ثم عندما رايته ، كان قائد الحملة ومنظمها وهى تتألف من خمسة رجال باستثنائه 0
    عند ما صافحني قررت سأذهب معهم، كان هذا الرجل محل تقدير واحترام من الجميع يتحدث كأمير ويعمل كثور ويمشى كقط، ولديه من الصبر ما يكفى ليسمع الجميع 0
    تبنيت كل الشعارات التي أطلقتها الحملة من أجل الذهاب معه ، رفض لكنه تحت وطأة الحاحى لم يكن أمامه إلا القبول ، كنت المرأة الوحيدة بينهم ، ذهبت معهم يدفعني الحب لا الشفقة على أولئك النازحين ، لكننا أحيانا نقطع مسافات طويلة استجابة لنداء ما دون أن نعلم بأننا ذاهبون لتلبية نداء أخر 0
    الطريق بالغ البهاء ، كنا منقسمين على ثلاثة عربات ، الخضرة الصامتة تحيط بنا ، عندما وصلنا بداية الطريق المودى إلى المعسكر كان الوقت بعد زوال الشمس وقبل الغروب ، الزوال شديد البهاء في تلك المناطق ، السماء ملبدة بالغيوم، الأرض معطاءة والهواء معبئ برائحة التراب ، الطريق طويل ومتعرج ، كنا نسير ببطء الدقائق تمضى كأنها أبدية ، قرى مهجورة ، بيوت مهدمة قصة مأساة تحكى مع الزمن ، بقايا أسوار تتحدث بلغة الخراب ، قفزت صورة الماضي دفعة واحدة وأنا اتكئ على قفا السيارة التي تنقلنا ، لقد توقفنا للصلاة ، كنت غارقة في سكون الإله المقدس أبتهل وسط صمت الخضرة 0
    سرنا طول الليل ، كانت ليلة مظلمة وموحشة ، كنت محتمية به بذاك الحبيب الذي تعلقت به من أول لقاء قريبة منه ازداد ثقة به مع كل تقدم لنا 0 مع الفجر الأول قال سائق سيارتنا لقد اقتربنا من المعسكر وقبل أن يكمل حديثه رأينا دخانا يعلو في الجو منتشرا كأفاعي تتلوى ، أسرعنا ، عندما وصلنا كان الصراخ لا يحتمل الكل مهلوعا ويبحث عن مخرج ، النساء يتراكضن في موجات عاتية حاملات الأطفال ، صرخات الاستغاثة المجنونة تزيد من الهلع وتبعث القشعريرة في البدن ، أبقى عادل اللوارى المحملة بعيدا عن المعسكر ، ذهبوا جميعا لمساعدة الرجال في إخماد النار كانوا يعملون بسرعة ، أغلبهم لايرتدى سوى السروال لقد كان الحريق فجرا ،حاصر نصف مساكن المعسكر كان عظيما بدخان كثيف ، كل ما بالمعسكر يساعد على تكاثر السنة اللهب ، الحصير ، المشمعات المصنوعة من مواد بترولية ، سيقان الشجر الجافة ، بعض الرجال كانوا يحاولون تنظيم عملية إخلاء المعسكر لكن أصواتهم الآمرة كانت تبتلعها صيحات الموت والألم وبكاء الأطفال المربوطين إلى ظهور أمهاتهم ورعب النساء ، كان الصخب يصم الأذان لم أر أشجع من الأمهات فى ذلك اليوم ، طاقة عجيبة مدت إليهم من السماء لحماية أطفالهن ، كن مجنونات يدفعن الرجال بعيدا رغم دخان الحريق يتوغلن ويبحثن عن الأطفال المتخلفين الضائعين ليسحبوهم خارج المعسكر الهواء عصيا على الجميع ، الرياح تساعد على انتشار النيران ، كان مشهداٌ مرعباٌ ومتوعداٌ ببؤس عظيم ينتظر ساكني المعسكر ، احترقت جلود الرجال بأشعة الشمس وهم يعملون بخفة شديدة ، أغلب الضحايا كانوا أطفالا وشيوخ أقعدتهم المفاجأة وحجّمت خطواتهم ، لم استطع روية أي من أفراد حملتي وسط تلك الفوضى 0 كنت أساعد محاولة تهدئة روعة النساء لقد كن أكثر المتضررين بجلودهن المحروقة وعيونهن الدامعة ووجهوهن التي غطاءها الغبار والرماد واسودت بالهباب ، بؤسهن كان عميقا حتى أن رأفتي تجاه أولئك النسوة ظلت لصيقة بى لأعوام كثيرة برائحتهن المميزة المخلوطة برائحة الخوف والعرق الكريه ، أصواتهن مختنقة وكأنها قادمة من أعماق هاوية الآهة المحبوسة في صدورهن وهن منكمشات على أنفسهن ، لقد قضى الجوع على ملامح الحياة عندهن 0
    أكثر من نصف المعسكر أصبح كومة رماد ، أشلاء محروقة داس عليها البعض ، رؤوس حاسرة زال عنها غطاءها ، غبار محتشد بالرماد ورائحة اللحم المحروق 0 ذهب الحريق بالقليل المدخر لم يبق لديهم حتى إناء يتسولون به صدقة المنظمات 0 قضينا وقتا طويلا نحملق في الخراب الذي ألحقه الحريق بالمعسكر ، أنا بعينين دامعتين وهو بقلب ينبض ألما 0 لم أكن اعرف أحدا بالمعسكر لكنى فجأة أحسستهم جميعا اهلى ، لىّ صلة وجع معهم نسيت حبي الذي دفع بىّ لخوض الرحلة 0
    ستسال لماذا اكتب إليك كل تلك التفاصيل وقد كنتها معي ، سأقول لك رغم حبك الذي مازال يسكنني ، لتعرف لما أنا فضلت البقاء مع أهل كلمة على العودة معك إلى الخرطوم ، لقد صار قلبي لأهلي الجدد 0 كنت أحدث نفسي بشقاء أولئك النازحين ، أتذكر تلك الطفلة التي شدت على فستاني عندما كنت تراقبني من البعد ، كانت في الرابعة من عمرها ، وسخة يغطيها الغبار ، شعرها منفوش انحنيت عليها ، حملتها بين يدي لم تكن تبكى ، عيناها جامدتين مسلطتين على المعسكر
    - هنا كنا نسكن مع أمي
    أشارت إلى كومة الرماد 0 لم أجد كلمات مناسبة لمواساتها ، ماذا أقول وأنا الممتلئة بالحزن والشفقة ، أعطيتها قطعة خبز كانت بيدك 0 أتذكر ؟
    لكنها قالت أريد أمي
    - حسنا لنذهب إليها
    هزت رأسها مائلة به إلى الوراء قليلاٌ
    - ماتت في الحريق
    قالتها دون دمع ، قالتها ببساطة ، اقتربت منى امرأة تسعينية تتكئ على عصا قالت لىّ اتركيها إنها ابنة بنتي
    - دعيها لىّ لأنظفها
    سالتنى لماذا ابقيتيها معك
    - أريد مواساتهم جميعا في هذه الطفلة
    ضممتها إلى صدري بقوة ساعدتني كثيراٌ في ضبط دموعي ومنحى بعض الهدوء، هيمن داخلي صمت التوابيت لقد غمرني الأسى
    تحلق الرجال حولك كانوا متعبين مسودة وجوههم بالهباب، ثيابهم وسخة بالرماد والتراب والعرق 0
    الليل توغل ونحن منهمكين في توزيع الطعام للنساء والأطفال ، الرجال قالوا النساء والأطفال أولا ، أعطيناهم الغطاء والفرش ، بعضهن لم يكن قادرات على الوقوف في الصف كنت اذهب إليهن حاملة حصتهن ، لقد هدهن الحريق وأخريات فقدن أطفالهن ، جلست قربهن لم أر في حياتي كلها حزناٌ على ملامح الوجه كتلك التي رايتها يوم ذاك على وجوه أولئك النسوة لقد دخلن النار للبحث عن أطفالهن دون جدوى حتى أن إحداهن قد استنفدت قوة عشرة رجال ليتمكنوا من سحبها خارج المعسكر بعد أن فقدوا الأمل في إيجاد طفلها ، لقد فقدن أصواتهن من كثرة الصراخ والعويل على فم أحداهن الكثير من الزبد وبقايا دموع مالحة على الخدين ، بقيت قربهن مانحة إياهن بعض الطمأنينة 0 سهرت معهن إلى أن أخذهن النوم عنوة 0
    قرب الفجر رايتك تقف بعيدا أنت أيضا لم تنم
    - لم أكن أتوقع منك هذا الكم الهائل من العطف
    - لهذا السبب قررت البقاء
    بقى بقية أفراد الحملة يومين كنت خلالها كأفضل رجل رايته يتحمل الألأم ويتمتع بنزاهة ومقدرة عالية على قيادة شئون الحملة ، تفتح حقيبتك الإسعافية وتساعد الجرحى لحين نقلهم إلى المستشفى ، تمنح النساء الرأفة وتبحث معهن في أكوام الرماد عما يمكن إنقاذه ، كنت اعمل قريبة منك، أراقبك وكأني لن أحب سواك قد لا تذكر 0 وها أنا بعد كل هذه السنوات الثلاث والتي قضيتها في المعسكر لك بأني لم أر رجلاٌ يحمل حنانا على أولئك النازحين كالذي حملته أنت ، ولتعرف أنك لم تغادرني ألبته منذ فراقنا

    * كلمة أسم معسكر للنازحين بأقليم دارفور

  2. #2
    شاعرة
    تاريخ التسجيل : Jan 2010
    الدولة : على أرض العروبة
    المشاركات : 34,923
    المواضيع : 293
    الردود : 34923
    المعدل اليومي : 6.71

    افتراضي

    دفعت دارفور ثمن عمقها الإسلامي واختيرت كبشا يذبح لنسل عبر دمه العداة ويفرضوا إرادتهم في تمزيق السودان
    تماما كما تدفع غزة اليوم ثمن عمقها الإسلامي وحميّة وشرف شعبها، ويريدها الكلاب كبشا ينسل العداة عبر دمها المسفوح ليحكموا القبضة ويذبحوا المقاومة
    لكن اليوم غير الأمس، وغزة استفادت من الدرس وستسحقهم وعملاءهم

    مشهد واقعي حتى إن لم يكن حقيقيا وقصة اغتسلت بالدمع
    كان لها ببعض اشتغال عليها أن تأتلق

    دمت بخير أيتها الكريمة

    تحاياي
    تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

  3. #3
    الصورة الرمزية نداء غريب صبري شاعرة
    تاريخ التسجيل : Jul 2010
    الدولة : الشام
    المشاركات : 19,096
    المواضيع : 123
    الردود : 19096
    المعدل اليومي : 3.80

    افتراضي

    قصة حزينة لكنها من واقع الذبح الذي يعيشه عالمنا الإسلامي
    أثرت بي جدا وأثر بي أسلوب الكاتبة المشوق والر ائع

    شكرا لك أختي

    بوركت
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  4. #4
    مشرفة عامة
    أديبة

    تاريخ التسجيل : Aug 2012
    المشاركات : 21,131
    المواضيع : 318
    الردود : 21131
    المعدل اليومي : 4.94

    افتراضي

    وتتجدد المأساة في السودان بتلك الحرب الدامية التي تهدف إلى تفتيت السودان
    وتشتيت شعبه وحرق مقدراته. إن المعارك الدائرة في السودان منذ أسابيع يجب ان تنتهي
    أن العنف الدائر في السودان مأساة وخيانة للمطالب الواضحة للشعب السوداني بحكومة مدنية
    ما يحدث في السودان موجع ومقلق ومحزن، فالحرب الدائرة مريرة وخسائرها
    تضر الجميع، ولا شك أن أشقاءنا في الجنوب يدفعون ثمن صراعات قاسية تزيد
    من معاناتهم، وتلتهم طموحات وآمال الأجيال القادمة في التنمية.
    عذرا عزيزتي لم ارد على قصتك ولكن وضع السودان المقلق يثبر الألم في النفس
    اللهم فرجك يارب.
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

المواضيع المتشابهه

  1. حريق
    بواسطة ياسمين شملاوي في المنتدى القِصَّةُ القَصِيرَةُ جِدًّا
    مشاركات: 10
    آخر مشاركة: 14-09-2015, 12:28 PM
  2. ترنيماتٌ نيلية ٌفى قصر ِ الرشيد...!!
    بواسطة عبدالوهاب موسى في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 10
    آخر مشاركة: 30-11-2011, 09:39 PM
  3. حَريقُ البارحة
    بواسطة محمود موسى في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 9
    آخر مشاركة: 23-11-2008, 11:59 PM
  4. أسرار وخفايا حريق بناية البنك المركزي العراقي … صولاغ يهب خمس واردات نفطنا للولي الفق
    بواسطة صبـاح الـبـغدادي في المنتدى الحِوَارُ السِّيَاسِيُّ العَرَبِيُّ
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 08-02-2008, 12:11 AM
  5. >>> حريق الزنابق <<<
    بواسطة محمد القصاب في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 13-10-2006, 12:48 AM