حظ الجوارح والحواس من العبودية لله



حظ السمع


فعلى السمع: وجوب الإنصات، والاستماع لما أوجبه الله ورسوله عليه، من استماع الإسلام والإيمان وفروضهما، وكذلك استماع القراءة في الصلاة إذا جهر بها الإمام، واستماع الخطبة للجمعة، في أصح قولي العلماء.


ويحرم عليه استماع الكفر والبدع، إلا حيث يكون في استماعه مصلحة راجحة، من رده، أو الشهادة على قائله، أو زيادة قوة الإيمان والسنة بمعرفة ضدهما من الكفر والبدعة ونحو ذلك، وكاستماع أسرار من يهرب عنك بسره، ولا يحب أن يطلعك عليه، ما لم يكن متضمنا لحق لله يجب القيام به، أو لأذى مسلم يتعين نصحه وتحذيره منه.

وكذلك استماع أصوات النساء الأجانب التي تخشى الفتنة بأصواتهن إذا لم تدع إليه الحاجة: من شهادة، أو معاملة، أو استفتاء، أو محاكمة، أو مداواة ونحوها.


وأما السمع المستحب: فكاستماع المستحب من العلم، وقراءة القرآن وذكر الله، واستماع كل ما يحبه الله، وليس بفرض.


والمكروه: عكسه، وهو استماع كل ما يكره ولا يعاقب عليه.

والمباح ظاهر.





حظ النظر


وأما النظر الواجب: فالنظر في المصحف، وكتب العلم عند تعين تعلم الواجب منها، والنظر إذا تعين لتمييز الحلال من الحرام في الأعيان التي يأكلها أو ينفقها أو يستمتع بها، والأمانات التي يؤديها إلى أربابها ليميز بينها ونحو ذلك.


والنظر الحرام: النظر إلى الأجنبيات بشهوة مطلقة، وبغيرها إلا لحاجة، كنظر الخاطب، والمستام والمعامل، والشاهد، والحاكم، والطبيب، وذي المحرم
.

والمستحب: النظر في كتب العلم والدين التي يزداد بها الرجل إيمانا وعلما، والنظر في المصحف، ووجوه العلماء الصالحين والوالدين، والنظر في آيات الله المشهودة، ليستدل بها على توحيده ومعرفته وحكمته.


والمكروه: فضول النظر الذي لا مصلحة فيه، فإن له فضولا كما للسان فضولا، وكم قاد فضولهما إلى فضول عز التخلص منها وأعيا دواؤها، وقال بعض السلف: كانوا يكرهون فضول النظر، كما يكرهون فضول الكلام.

والمباح: النظر الذي لا مضرة فيه في العاجل والآجل ولا منفعة.


ومن النظر الحرام: النظر إلى العورات، وهي قسمان:

عورة الثياب، وعورة وراء الأبواب.

ولو نظر في العورة التي وراء الأبواب فرماه صاحب العورة ففقأ عينه، لم يكن عليه شيء، وذهبت هدرا، بنص رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق على صحته، وإن ضعفه بعض الفقهاء، لكونه لم يبلغه النص، أو تأوله.

وهذا إذا لم يكن للناظر سبب يباح النظر لأجله، كعورة له هناك ينظرها، أو ريبة هو مأمور ـ أو مأذون له ـ في الإطلاع عليها.



حاسة الذوق وحظها من العبودية لله

وأما الذوق الواجب: فتناول الطعام والشراب عند الاضطرار إليه، وخوف الموت. فإن تركه حتى مات، مات عاصيا قاتلا لنفسه، قال الإمام أحمد وطاووس: من اضطر إلى أكل الميتة فلم يأكل حتى مات، دخل النار.

ومن هذا: تناول الدواء إذا تيقن النجاة به من الهلاك، على أصح القولين، وإن ظن الشفاء به، فهل هو مستحب مباح؟ أو الأفضل تركه؟ فيه نزاع معروف بين السلف والخلف.



والذوق الحرام: كذوق الخمر والسموم القاتلة، والذوق الممنوع منه للصوم الواجب.


وأما المكروه: فكذوق المشتبهات، والأكل فوق الحاجة، وذوق طعام الفجاءة، وهو الطعام الذي تفجأ آكله، ولم يرد أن يدعوك عليه، وكأكل أطعمة المرائين في الولائم والدعوات ونحوها.

وفي السنن: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم "نهى عن طعام المتبارين" وذوق طعام من يطعمك حياء منك لا بطيبة نفس.

والذوق المستحب: أكل ما يعينك على طاعة الله عز وجل، مما أذن الله فيه، والأكل مع الضيف ليطيب له الأكل، فينال منه غرضه، والأكل من طعام صاحب الدعوة الواجب إجابتها أو المستحب.

وقد أوجب بعض الفقهاء الأكل من الوليمة الواجب إجابتها، للأمر به من الشارع
.

والذوق المباح: ما لم يكن فيه إثم ولا رجحان.






حاسة الشم


وأما تعلق العبوديات الخمس بحاسة الشم، فالشم الواجب: كل شم تعين طريقا للتمييز بين الحلال والحرام، كالشم الذي تعلم به هذه العين هل هي خبيثة أو طيبة؟ وهل هي سم قاتل أو لا مضرة فيه؟ أو يميز به بين ما يملك الانتفاع به وما لا يملك؟ ومن هذا شم المقوم ورب الخبرة، عند الحكم بالتقويم، ونحو ذلك.


وأما الشم الحرام: فالتعمد لشم الطيب في الإحرام، وشم الطيب المغصوب والمسروق، وتعمد شم الطيب من النساء الأجنبيات خشية الافتتان بما وراءه.


وأما الشم المستحب: فشم ما يعينك على طاعة الله، ويقوي الحواس، ويبسط النفس للعلم والعمل، ومن هذا: هدية الطيب والريحان إذا أهديت لك، ففي صحيح مسلم على النبي صلى الله عليه وسلم "من عرض عليه ريحان فلا يرده، فإنه طيب الريح، خفيف المحمل".


والمكروه: كشم طيب الظلمة، وأصحاب الشبهات، ونحو ذلك.

والمباح: ما لا منع فيه من الله ولا تبعة، ولا فيه مصلحة دينية، ولا تعلق له بالشرع.





حاسة اللمس



وأما تعلق هذه الخمسة بحاسة اللمس، فاللمس الواجب: كلمس الزوجة حين يجب جماعها، والأمة الواجب إعفافها.


والحرام: لمس ما لا يحل من الأجنبيات.


والمستحب: إذا كان فيه غض بصره، وكف نفسه عن الحرام، وإعفاف أهله.

والمكروه: لمس الزوجة في الإحرام لذة، وكذلك في الاعتكاف، وفي الصيام، إذا لم يأمن على نفسه.

ومن هذا لمس بدن الميت ـ لغير غاسله ـ لأن بدنه قد صار بمنزلة عورة الحي تكريما له، ولهذا يستحب ستره عن العيون، وتغسيله في قميصه في أحد القولين، ولمس فخذ الرجل، إذا قلنا: هي عورة.

والمباح: ما لم يكن فيه مفسدة ولا مصلحة دينية