بداية لا يسعني إلا أن انحني أمام جلال هذه الإطلالة
التي منحتني إياها لأكون تلميذا في مدرسة الامتحان الكبير
وأيا كان الموقف انه امتحان صعب .. يصعب على المرء
أن يوفي الحق لأصحابه .. وان يلبي كل رغبات المعرفة
لكن نزولا عند رغبتك سيدتي سأبذل قصارى جهدي لأكون عند حسن الظن
أعزائي :
ماهي إلا لحظات منحتني كل ثقة كي أكون بينكم ..
أستقريء فيها ما يدور في خلد كم من تساؤلات
وما تبغون الوصول إليه من بواعث المعرفة
في سلوكيات قلمي من فكر وأدب
هنا اشكر الدكتورة الماسة التي سنحت الفرصة لقلمي ليكون رهينة بين أيديكم .. يتجول وفق رغباتكم كما تشاءون
اللهم اعني على الصواب . .
ولا تجعل بيني وبين الحقيقة أي مرصاد
وسهل الأمر لي كي أكون وفيا لذاتي
متفهما لكل إجراء
تحيتي ومودتي لكل الإخوة والأبناء
محمد رامي
* * *
مع ظهور معالم النضج الفكري وفي سن مبكر اتضحت أمامي صور متعددة الملامح في تكوين شخصية لرؤى مستقبلية فاتخذت دروب رسم الخط البسيط لأولى محاولاتي الأدبية .. فكانت تارة تحصد الفشل لرداءة التكوين ، وعدم الإلمام بمبادئ الأداء من سبك وعرض . لكن لم يداخلني اليأس أبدا ، فكررت المحاولة تباعا وبدون توقف مع الوقوف عند كل نقطة من طواقم الأدب . لتبرز بثوب متواضع لكنه بأصول ذات هدف ، وتبين لي فيما بعد أنها محاولة ناجحة تستحق أن أردفها بالجديد ، علها تكون بداية مشرقة لمشواري الطويل الذي شجعني فيه الأهل والأصدقاء .
وبما أن تجاربي العملية في مضمار الحياة لم تكن تعني شيئا بالنسبة لي أو للآخرين ، جعلت من كل ما يحيط بي من قول أو فعل أو حركة غاية أستمد منها قوت قلمي ، فكنت استبيح لنفسي أن أغامر في معرفة صغائر الأمور . لأتعلم منها أدق التفاصيل ، وما لفت نظري آنذاك أن العقل لا يستطيع أن يدرك كل الأبعاد دفعة واحدة ، فأخذت بالتراجع قليلا لألتفت إلى دراستي العلمية مما غير اتجاه السلوك الذي كنت بصدده .. وما أن توصلت إلى مرحلة التفكير في إبراز هويتي الأدبية من خلال بعض النصوص التي كتبتها ،والتي كان لها صدى واسع النطاق على مستوى مساحتي الضيقة ، حتى بدا سيل التساؤلات عن كيف ؟.. ومتى ؟.. كان هذا الطرح الذي شق طريقه بين البحث والتفسير .
التزمت الصمت بعض الوقت .. متسائلا : هل يمكن أن استمر وفق هذا النهج السلوكي بين توافق خطين متناقضين ، لكن تبين لي فيما بعد أن الجمع بينهما سهل للغاية عندما بدأت تظهر علامات في نصوصي فيها وضوح الرؤيا لنهج العلوم والأدب في آن واحد .
عدت أدراجي إلى الوراء لاستجمع بعضاً من روافد مؤثرات الأداء فكان رفيقي وصاحبي وأنيسي في كل الأوقات هو الكتاب .. فكنت اختزن مصروفي الذي لا يعرف طريقا إلى أي نزوة ، أو عبث .. سوى اقتناء الكتاب .. كنت في بداية المرحلة الثانوية . حتى أصبح لدي مجموعة مميزة من الكتب القيمة والقصص الشيقة . وكنت مصدر معرفة لزملائي لإعارة كتاب أو البحث عن موضوع .
تتالت الأيام .. وابتدأت مرحلة جديدة مع عالم ثقافي أوسع فاخترت القسم العلمي في دراستي الثانوية . وتابعت تنمية هوايتي الأدبية في المطالعة والمقارنة والجمع بين المنهجين بدليل أن الكثير من كتاباتي كانت تحمل الهوية العلمية برداء أدبي . وانساق القلم لتيار النزعة الخاصة في المعرفة ، لتكون بداية انطلاقة لأدب خاص وضعت خطوطه الأولى بنفسي ولنفسي كي أحرر ما بداخلي من قيود التقليد والأداء المستباح . وهنا أطلقت أول كتاب لي بعنوان (
الدموع ) .
وما أن رأت سطوري عالم النور في كتابي الأول حتى حصلت على الشهادة الثانوية ــ القسم العلمي في نفس العام ــ لتدور عجلة الزمن مع عطاء جديد .. ومسلك علمي آخر .
* * *