أحدث المشاركات

نظرات في رِسَالَةٌ فِي الصُّوفِيَّةِ وَالْفُقَرَاءِ» بقلم اسلام رضا » آخر مشاركة: اسلام رضا »»»»» برق الخاطر ... قسم جديد لأعضاء واحة الخير» بقلم د. سمير العمري » آخر مشاركة: بوشعيب محمد »»»»» الثعبان الأقرع يداهمني في المنام بقلمي» بقلم بوشعيب محمد » آخر مشاركة: بوشعيب محمد »»»»» بعض الحزن موت وبعضه ميلاد.» بقلم ناديه محمد الجابي » آخر مشاركة: ناديه محمد الجابي »»»»» الغاية لا تبرر الوسيلة» بقلم جلال دشيشة » آخر مشاركة: ناديه محمد الجابي »»»»» أمات العربُ؟» بقلم غلام الله بن صالح » آخر مشاركة: ناديه محمد الجابي »»»»» غار النصر في غزة» بقلم احمد المعطي » آخر مشاركة: ناديه محمد الجابي »»»»» رواية قنابل الثقوب السوداء .. مسلسلة. التالي» بقلم إبراهيم أمين مؤمن مصطفى ح » آخر مشاركة: ناديه محمد الجابي »»»»» الموشحات الكشكية 1'2'3» بقلم محمد محمد أبو كشك » آخر مشاركة: محمد محمد أبو كشك »»»»» في شارع واحد» بقلم عبدالحليم الطيطي » آخر مشاركة: عبدالحليم الطيطي »»»»»

النتائج 1 إلى 9 من 9

الموضوع: قصتي مع بياع الذهب !

  1. #1
    شاعر
    تاريخ التسجيل : Oct 2010
    المشاركات : 382
    المواضيع : 55
    الردود : 382
    المعدل اليومي : 0.08

    افتراضي قصتي مع بياع الذهب !

    1

    قالوا لي : أن أحدا سيذهب في سفرٍ إلى البلاد ! وفي البلاد دار ٌّ قوراء وكأس صهباء وأم ٌ شلا َّء , كان لها بولدها ساعد ٌ فشط َّ به السفر ! فحطَّ منها الساعد وأغرب عنها المساعد !
    كان لها بولدها عينين تبصر بهما نعيم الدنيا وملذات الحياة وطيب العيش , فنأت به الديار وساخت به الأرض ! فابيضَّ منها ماكان مسودا , ورك َّ منها ماكان صلبا , وبـُعدَ عنها ماكان قريبا , وتبدلت صورُ الأشياء , فإذا بالزهور الراويات ِ تذبل ! وإذا بالنسيم العليل يستأذب , وإذا بالحمام الشجيِّ يستوحش !
    فجد َّت به صبوةُ الذكرى , وشبت به لواعجُ الحنين , وخفقت إليه أطيافُ المساء ! فإذا بالعجوز ماثلة بين يديه ضعيفة ٌ فلاتقوى , ظامئة ٌ فلاتروى : بني َّ بني َّ فلا يجب !
    كان الوقت متأخرا فماذا يبعث لأمه من أرض الغربة , وهو لايملك لفقره دفعا , ولايملك لحاله سلوة ! فقرر أن يكتب ! علَّ في الكتابة مايشفي العليل ويروى الغليل !
    لاخيل َ عندك تهديها ولامال ُ , فليسعد ِ النطقَ إن لم يسعد ِ الحال ُ
    ولكم يتمنى المرء أن لا يكبت من مشاعره شيئا ولو بالبكاء ! فتتشظى الأمنيات ! ويلوذ طائر الحديث بالفرار ! وتحتبس الدموع في العروق ! ويطول به الليل . وإن في الكتابة لمتنفـَّس عن مايعانيه من ضيق وكرب !

    ماذا أكتب لأمي ؟! وماذا أقول لها ؟
    سلام الله عليك يا أمي ! يامهد الحنان ويا موطن الأمان !
    سلام الله عليك ! أما الحال ؟! فلا حال إلا بك , ولاشغل إلا عليك , ولا شوق إلا إليك ! كلما مر بي العمر وكثرت علي َّ المسؤوليات , تذكرت ُ أمي ! وجلست ُ أفكر ُ في نفسي وأقول : كيف استطاعت أمي أن تربينا أحسن تربية , وترعانا خير رعاية في ظل ظروف قاسية ومتعبة ! ونحن أسرة ٌ كبيرة , ومطالبنا كثيرة , واحتياجاتنا كثيرة , ومصاريفنا كثيرة ؟!!! فعلمت ُ أن الله وحده كان معك معينا ومؤيدا !
    إن كل نبضة قلب ٍ مني تشدو باسمك , وكل دفقة دم ٍ في عروقي تصرخ باسمك ! أنت معي في حسي وفي خاطري كلما قمت ُ أو قعدت !
    أنت في صحوي وفي نومي كلما نمت ُ أو نهضت ُ !
    أمي الحبيبة ! أحاول وأنا هنا في الغربة وأنت هناك في القرية أن أجلس مثل جلستك ! وأن أشير بيدي مثل إشارتك ! أن أمشي مثل مشيتك ! قلدت ُ كل شيئ ٍ فيك هنا إلا شيئا واحدا لم أستطع أن أقلده ُ ! لم أستطع أن أقلـِّد َ ابتسامة عينيك ! إن عينيك تبتسمان ابتسامة البرق في متون الغمامة ! وابتسامة الفجر في عيون الحمامة !
    أنت أمي ! ملء الدنيا وملء السمع وملء البصر ! لقد أعطيتيني الكثير َ , ومنعتك ِ القليل َ فسامحيني ! لقد وهبتيني الجزيل , وحرمتك ِ اليسير َ فسامحيني ! ليت لي السماء فأنثر نجومها بين يديك ِ ! وليت لي الدنيا فأطرح زهورها وورودها تحت قدميك ِ !
    لكن َّ العقبة َ كؤود , والناقد َ بصير ! فماذا عساي أن أقول ؟! وماذا عساي أن أقدم لك ِ ؟!
    ألف شكر لك ِ على صبرك ِ .. ألف شكر لك على تضحيتك ِ !


    2

    لكنّ الفتى بائر الحظ , عاثر الجد لما قارن جلال الرفعة في مخاطبة أمه الشغوف وقصور الكلمة في نفسه الطموح , تواثب على أوراقه فقطعها ! وكأنه لم ير في ماقال شيئا من دمعه فيهدا , وبعضا من نزفه فيرقى ! وتأتي على المرء ساعات يتردد الكلام في الصدر فمايدري مايتخير للمعنى الرفيع من لفظ فصيح ٍ فيكسوه به ! ومن مثل ٍ سائر ٍ أو أثر ٍ بالغ ٍ فيتمثل به ويتواضع له ! ومايدري المسكين أن الأم إنما تشتم ُّ عرقَ ولدها في مكتوبه وإن قل ! وتخلط دمعها بسواد مداده ولو كان مافي الكتاب إلا خربشة طفل ! ومايعني قلب الثكلى ذكرُ المعلقات وسرد الأحداث ونثر الأخبار وحشد الصور ! إن الذي يشغل بالها أن تعرف أأنت جائع ٌ أم شابع ؟! أأنت عاطش أم راوي ؟! أأنت سليم ٌ أم معافى ؟! فتفرش لك من حجرها غطاءا , ومن صدرها غذاءا , ومن دمعها رواءا ! وتبيت ُ عندها على خير حال !


    3

    أيقن الفتى أن الصدق في الحديث إذا كان مشفوعا بحرارة الوجدان وطلاقة اللسان ومضمنا شفاعات الماضي من ذكر جميلة ٍ تلطف بها البال وسكنت إليها النفس ! فقال في نفسه وهو يعمل فكره فيما يبث ُّ لأمه ِ من لواعج وحنين : لاشيئ غير ذكريات الطفولة ! لعلي أتخـيــَّر ُ منها مايوافق قلب أمي فتأنس ! فعمد إلى النوافذ ففتحها وبدأ الهواء البارد يجوب أرجاء الغرفة , وإلى الدرج فأخرج أوراقا أخرى ووضع سنان قلمه وراح يتصفح ذاكرته !
    أمي ! هل تذكرين يوم كنا في بيت خالي وأنا صغير لم أتجاوز العشر السنوات بعد ! كانت خالتي تجلس قبالتك تماما وكنت ُ أقف أمامك وأنت تبتسمين قائلة : يابني إن لك هيئة ً تدل ُّ العين مباشرة على شخصيتك المهيبة ! ففيك الحزم وبك العزم , وكأني بك مديرا كبيرا يحف به الموظفون من كل مكان ! أذكر أني قلت ُ لك حينها : أنا ياأمي متى كنت كذلك فإني سأشتري لك ذهبا كثيرا ! ولا أدري لم لم يخطر ببالي شيئا آخر ! ثم لما استبدت به خيالاتُ ذلك الموقف ! أحس ثقلا في صدره وتقطعا في نفسه ! فتوقف عن الكتابة وأمسك عنه الخاطر ! أهذا الذي ذكرته لأمي سيدخل السرور إليها أم سيخرج روحها منها ؟!!
    لقد مر على ذلك الموقف دهرا , فتبدل الحال وإذا بك في أرض غير الأرض ومكان غير المكان وشعور غير الشعور ! كنت َ في ذلك اليوم صغيرا ربما كنت في الصف الرابع الابتدائي لكنك اليوم في الأول الثانوي وأمامك فرصة للعيش الكريم إذا استطعت الالتحاق بمعهد المعلمين ! فغدا إذا تخرجت تصبح مدرسا وسيكون لك راتبا تستطيع من خلاله أن تصنع شيئا ! غير أن المعاهد ليست كسابق عهدها , فهي الآن في سنتها الأخيرة والناس على أبوابها كالطوفان والجراد والقمل والضفادع ! كان من أنفة الناس أن المعاهد لايدخلها إلا الفقراء والمرضى والمعتوهين , أما اليوم فلايقدر على التسجيل بها إلا أبناء الذوات وهم على وجل ! كان أبي ثريا من الأثرياء لكنه كان يعيش في برجه العاجي ينعم بشهريار وأحاديثها حتى الصباح ! فما كان لي إلا أن ألجأ إلى ذهب أمي ! ذهب أمي ! ذهب أمي ! لما انفصلت أمي عن أبي ماكان لها إلابيتا صغيرا وقطعة أرض ٍ صغيرة وبعضا من الزينة تسد به أعين الحسدة والشامتين ! أماكنت ُ قد وعدتها وأنا صغير بأن أكسوها ذهبا ؟! فمابالي اليوم واقف ٌ كالجندي على رأسها ؟!
    - يابني أنا لم أدخر هذا الذهب إلا لمثل هذا اليوم ! خذه وأكمل تعليمك ! وبدأت الشمس تشرق من جديد وأخذت العصافير تشدو بأعذب مامر على الأسماع ! وطيلة عامين لم يكن لي من مصروف غير ذهب أمي ! كلما تعنت مدير المعهد بطلب , قفزت إلى أمي وأخذت ُ أنحت ُ من ذهبها يوما بعد يوم حتى حصلت ُ على وظيفة ٍ ! واجتهدت ُ أن أشتري ولو سبيكة ً واحدة ً لأقول لأمي وأنا أناطح برأسي الجوزاء : ها أنا قد حققت ُ أمنيتي ! لكن الطيش كان قد أعماني ! وإن الهوى ليعمي ويصم ! كان الراتب على قلته لايفي بالغرض ولايأتي بالحاجة ! فآثرت ُ مطالب نفسي واستيقظت مع أول راتب لي احلاميَ الفقيرة ! وكلما أنجزت ُ شيئا لاح لي منها جانب ٌ آخر ! الزوجة والمسكن والجامعة والدراسة العليا والسيارة والغربة ولاأدري متى سأقضي أمي ؟! ومتى ستقنع أحلامي ؟!! فهل يجدر بي أن أذكر أمي بموقف ٍ كهذا ؟!! فثار الغضب في رأسه , وقطـَّع الورقة ثانية ً , وأطفأ من نفسه فتيل المصباح ! وأخذت الغرفة تحتشر في بعضها ! ورمى القلم في الهواء .


    4

    كانت الساعة الرملية تهرول كأنها تتفقد عزيزا ! وجاء الرجل المسافر لأخذ الرسالة , وأخذت ُ أراقب نفسي وأنا أسلم قطعا ً مني إليه , وأخذت الدهشة تتشقق فوق رأسي وتعقد ما اتفق لها من ضباب على عيني ! كتاب ٌبلاموضوع ! لكن من أين جاء كل هذا الكلام ؟! هذا الذي قلته خبر ٌ من الماضي وهذا الذي قلبته صفحة من التاريخ ! لقد حدثت أمي إذن عن الماضي , فأين حديث الأربعين عاما ؟ ضربت ُ أول رسالتي بآخرها فاكتشفت ُ أني ....... ؟!!!
    أيها الناس هذه قصة بياع الذهب !

  2. #2
    الصورة الرمزية كريمة سعيد أديبة
    تاريخ التسجيل : Nov 2009
    المشاركات : 1,435
    المواضيع : 34
    الردود : 1435
    المعدل اليومي : 0.27

    افتراضي

    نص مزيج من القصة والرسالة والخاطرة
    لغة جميلة وسرد موفق يشد القارئ إلى النهاية
    ولو كانت لتجنبت بعض الهنات....
    الشاعر المبدع طارق السكري
    نص جميل متمكن من أدوات الكتابة لغة وتصويرا
    وفي انتظار جديدك نقبل تحياتي وتقديري

  3. #3
    شاعر
    تاريخ التسجيل : Oct 2010
    المشاركات : 382
    المواضيع : 55
    الردود : 382
    المعدل اليومي : 0.08

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة كريمة سعيد مشاهدة المشاركة
    نص مزيج من القصة والرسالة والخاطرة
    لغة جميلة وسرد موفق يشد القارئ إلى النهاية
    ولو كانت لتجنبت بعض الهنات....
    الشاعر المبدع طارق السكري
    نص جميل متمكن من أدوات الكتابة لغة وتصويرا
    وفي انتظار جديدك نقبل تحياتي وتقديري
    سلام عليك أديبتنا وزادك الله من نوره وفضله ! أنا مدين لك بشكر .. دمت بخير

  4. #4
    الصورة الرمزية د. سمير العمري المؤسس
    مدير عام الملتقى
    رئيس رابطة الواحة الثقافية

    تاريخ التسجيل : Nov 2002
    الدولة : هنا بينكم
    العمر : 59
    المشاركات : 41,182
    المواضيع : 1126
    الردود : 41182
    المعدل اليومي : 5.29

    افتراضي

    نص لا أدفأ ولا أحنى فلله درك وأنت تثير في مكامن النفس شجونا!
    أحسنت الأداء لغة وأدبا وحسا ، وراق لي قراءة ما كتبت وإن كنت وددت لو خلصت النص من بعض هنات متفرقة في اللغة شابته.
    دمت أديبا لامعا!

    تقديري
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  5. #5
    الصورة الرمزية خلود محمد جمعة أديبة
    تاريخ التسجيل : Sep 2013
    المشاركات : 7,724
    المواضيع : 79
    الردود : 7724
    المعدل اليومي : 2.01

    افتراضي

    أمطرت حروفك بغزارة، روت لواعج النفس
    لغة متمكنة ونص مفعم بالجمال
    دمت بخير
    مودتي وتقديري

  6. #6
    الصورة الرمزية أحمد الأستاذ أديب
    تاريخ التسجيل : May 2011
    الدولة : في قلبٍ ما
    المشاركات : 2,021
    المواضيع : 65
    الردود : 2021
    المعدل اليومي : 0.43

    افتراضي

    نص جميل لغة ومعنى, نسجته بحرفية عالية,
    أديبنا الكريم, طارق السكري
    شكرا لهذا الجمال
    كن بخير
    سأكتفي بكِ حلما

  7. #7
    شاعرة
    تاريخ التسجيل : Jan 2010
    الدولة : على أرض العروبة
    المشاركات : 34,923
    المواضيع : 293
    الردود : 34923
    المعدل اليومي : 6.76

    افتراضي

    أحسنت القصّ ولونت ببهاء تعبيرك وحلو أدائك النص ومكين لغتك
    إلا من بعض هنة أثق أن كاتبنا كان ليضبطها ويصوبها بشئ من المراجعة قبل اعتماد النشر

    دمت بألق أيها الكريم

    تحاياي
    تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

  8. #8

  9. #9
    مشرفة عامة
    أديبة

    تاريخ التسجيل : Aug 2012
    المشاركات : 21,035
    المواضيع : 310
    الردود : 21035
    المعدل اليومي : 4.96

    افتراضي

    نص جميل مزج بين النثر والقصة والرسالة بحرف رائع عزف على وتر الجمال
    لبوحك نكهة اللوعة وغصة الألم ، ولحرفك جماليته ببوح صادق نبيل
    ومشاعر إنسانية راقية، ولغة سامقة متأنقة، وتعابير جميلة
    شكرا لك على هذا البهاء.
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

المواضيع المتشابهه

  1. بياع كلام ..
    بواسطة محمد محمود محمد شعبان في المنتدى أَدَبُ العَامِيَّة العَرَبِيَّةِ
    مشاركات: 10
    آخر مشاركة: 14-03-2014, 09:07 PM
  2. بياع الورد...
    بواسطة سحر الليالي في المنتدى أَدَبُ العَامِيَّة العَرَبِيَّةِ
    مشاركات: 10
    آخر مشاركة: 22-11-2006, 01:54 AM
  3. تقرير حول أُمسية أشبال ملتقى رابطة الواحة الثقافية معَ التسجيل
    بواسطة نزار الكعبي النجفي في المنتدى أَدَبُ الطِّفْلِ (لأطفالنا نحكي)
    مشاركات: 18
    آخر مشاركة: 19-03-2006, 10:40 AM
  4. جارنا أبو مازن بياع الأواعي؟؟
    بواسطة ربيحة علان في المنتدى الحِوَارُ الإِسْلامِي
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 18-03-2005, 08:36 PM