أسْأَلُكَ الرَّحيلَ أسألُكَ الرَّحيلَ
يا ظلماءَ موطننا أُسائِلُكَ النُّشورا
أسائِلكَ ارتكابَ الحُمْقِ يا ليلاًً أثيلا
أنا ما عُدتُ احتمِلُ الظَّلامَ
وكم قيدتني بالصمتِ وقتلتَ الكلامَ
وكم ذُبِحَ الهوى في مُقلتي أسفاً ونَضَّبْتَ الغرامَ
فلو أعذرتَني إنِّي اُحِبُّكَ إنَّما يا حُبِّيَ البالي لقد عِفْتُ الطُّلولَ
يا ليلاً طويلاْ ... يا ظلاً ثقيلاْ ... أسألكَ الرّحيلَ
ولو أعذرتني إنِّي خجولٌ منكَ من بُجْرانِ أقنعتي
ومن أسمالِكَ الخلقى وثوبِ غرامِكَ الغَثِّ
ومن قاضٍ يُخادِعُنا ومن أشهادِنا الحَمْقى
وقانونٍ يُراقِصُنا على أوتارِهِ الفَرْقى
ومن عُمْرٍ مضى أسفاً بهيكلِ عِشْقِنا الرَّثِّ
أمَا في الحُبِّ مُفْتَرَقٌ ؟! فأَمضي حيثما أشقى
إذنْ لسَفَحْتُ أوردتي وكانَ لحُبِّنا أبقى
وكانَ الجَمْرُ في رِئَتي على عُثَّانِهِ أنقى
أما يَكفيكَ من سَقَمِي وما يُرضيكَ ما ألقى
بأني بُتُّ اكرهُ فيكَ وَعْداً خُلْتُهُ حقا
فيا ظلماءَ موطننا ويا مَيْنَ الهوى سُحْقا
أسائِلُكَ الرَّحيلَ أسائِلُكَ الرَّحيلَ
فمِنْ اجْلِ البراءةِ في مآقي طِفلةٍ نَهْدَى
و ثَغْوٍ ساحرٍ ناغى ابتسامَةَ أُمِّهِ السَّعدى
وهمسِ غُصُونِ وارفةٍ تُغازِلُ في الهوى وَعْدا
و فاغمةٍ على أفوافِها للطَّلِّ ما أنْدى
ومرسالٍ لبارقةٍ يُدَلِّلُ في الضُّحى رَأْدا
وبُشرى نَوْرَةٍ سَكَبَتْ على شَفَةِ الصِّبا شَهْدا
وما زالَ السُّؤالُ صَدَىً ولَمْ يَرْوِ الظَّمَاْ رَدَّا
أما لهواكَ من جَدَثٍ ؟! وما لِسِفاحِهِ وَئْدا؟!
وأسألُكَ المُضِيَّ جَدَاً وأُمسِكُ في فمي رَعْدا
واَطْرَحُ من يَدِيْ سهماً إذا أرسلتُهُ أردى
أما لِصَمَاكَ من لُغَةٍ إذا استَنْطَقْتُها تُهْدَى
أسائلكَ الرحيلَ ... يا ظلاً ثقيلاً
فكم بَدَّدْتُ أوسِمَةَ الرَّبيعِ بثَوبِكَ الشَّتَويِّ
وعَشَقْتَ الهُجوعَ
وكم رَسَمَتْ يدايَ الدِّفْءَ في عينيكَ
ولبستَ الصَّقيعَ
وكم حَرَّضْتُ فيكَ أُبُّوَةَ الأعرابِ
واختَرْتَ الخُنُوعَ
وكم سَرَّقْتَ مني لُقمَتِي وأنامِلِي
وسَرَقْتَ أفكاري ولَيْسَ لتَكْتَسِيْ أَلَقاً
ولكن كي تكونَ على مسالِكِ غُربَتي الشُّرَطِيَّ
تَحْتَجِزُ الضِّيا وَهَقَا
وتَحْبِسُني على سُجُفِ الدُّجى شَبَحاً
وفي ظُلُماتِهِ رَهَقاْ
وتقتلُ في اخْضِلالِ طُفُولتي الأملَ
وتزرعُني بأرضِ سرابِكَ الدَّجَلَ
واُمْسِكُ كُلَّ ثانيةٍ اُعَلِّمُها الضياءَ إذا
استفاقَ الصُّبْحُ مُرْتَجَلاُ
أما أُتْرِعْتَ من عَبَثٍ إذا شَرِبَ الدُّجى شَرَقَ
أما لخناكَ مِنْ جَدَثٍ إذا ناشدتُهُ َنَطَقَ
أسائلكَ الرحيلَ ... أسائلكَ الرحيلَ
أنا كَمَدٌ كماءِ النَّهْرِ مهدورٌ واعتنقُ الحياةَ
ورَغَدٌ آسنُ الأمواهِ مأسورٌ وتعتنقُ المماتَ
واَهْزُجُ لانبلاجِ الفَجْرِ عُصفوراً
ووعدُ الصُّبحِ ما فاتَ
فيا وعداً تعالَ لنكتسي ألقاً
ولا نُحصي بدفءِ الشمسِ أوقاتاْ
إذا غَنَّتْ طيورُ الفجرِ كان الوعدُ ميقاتاْ
فَغَنِّ يا أخا وَجَعِي وَدَعْ لليلِ أمواتاْ
ورَدِّدْ هادراً كالنّهرِ ما في النّهرِ أشتاتاْ
إذا غَنَّتْ طيورُ الفجرِ كانَ الصبحُ ميقاتاُ .