اعتَادَ المَدِيحَ وَالتَّصْفِيقَ فِي كُلِّ أَمْرٍ يَفْعَلُهُ حَتَّى لَقَدْ بَاتَ هَذَا حَادِيَهُ وَمُحَرِّكَهُ ، وَكُلَّمَا خَبَا وَهجُ المَدِيحِ تَبَرَّمَ وَتَظَلَّمَ وَنَفَر. كَانَ مُتَفَوِّقًا بِحَقٍّ فِي مَدْرَسَتِهِ مُمَيَّزًا جِدًّا عَنْ أَقْرَانِهِ وَوَاجِهَةً بَرَّاقَةً لِلمَدْرَسَةِ يُمَثِّلُهَا أَفْضَلَ تَمْثِيلٍ وَيَحصدُ لَهَا الجَوَائِزَ وَالأَوسِمَةَ.

خُطُواتُهُ الوَاثِقَةُ فِي طَرِيقِهِ لِلمَدْرَسَةِ الجَدِيدَةِ التِي انْتَسَبَ إِلَيهَا لا تِقِلُّ شُمُوخًا عَن ابْتِسَامَتِهِ العَرِيضَةِ المُطْمَئِنَّةِ إِلى أَنَّهُ سَيَجِدُ مَكَانَهُ المُمَيَّزَ مِنْ أَوَّلِ لَحْظَةٍ بِمَا يَمْلكُ مِنْ قُدُرَاتٍ وَمَلَكَاتٍ وَأَنَّهُ سَيَحْصدُ كَالعَادَةِ كُلَّ ثَنَاءٍ وَتَصْفِيقٍ وَيُثْبِتُ نَفْسَهُ بَينَ الجَمِيعِ نَجْمًا أَوْحَدَ بِلا مُنَافِسٍ أَو مَثِيلٍ.

هَالَهُ مَا شَعَرَ بِهِ مِنْ مُنَافَسَةٍ لَمْ يَعْتَدْهَا وَمِنْ تَفَوُّقِ بَعْضِ أَقْرَانِهِ الجُدُدِ عَلَيهِ فِي التَّمَيُزِ وَفِي الإِبْدَاعِ ، وَأَزْعَجَهُ كَثِيرًا مَا اعتَبَرهُ تَهْمِيشًا وَإِنْكَارًا لِتَمَيُّزِهِ المُعْتَادِ ، وَلَمْ يَكْفِهِ أَنْ يَنَالَ بَعْضًا مِن المَدِيحِ كَمَا أَقْرَانِهِ وَرَآهُ إِجْحَافًا بِحَقِّه بِاعْتِبَارِهِ أَنْ ليسَ مِثْلهُ قَدْرًا وَقُدْرَةً. اجْتَهَدَ الأسْتَاذُ أَنْ يُوضِّحَ لَهُ أَنَّ الوَضْعَ مُخْتَلِفٌ هُنَا مُسْتَوَى وَمُحتَوَى لَكِنَّهُ لَمْ يَأْبَهْ. خَرَجَ مِنَ الفَصْلِ غَاضِبًا ثَائِرًا كَطِفْلٍ مُدَلَّلٍ حُرِمَ مَطْلَبَهُ.

لَمْ يَنْتَبِهْ إِلَى أُولَى دَرَجَاتِ السُّلَّمِ فَفَقَدَ اتِّزَانَهُ وَسَقَطَ.

****************


اتَّفَقَ وَمَجْمُوعَة مِن أبْنَاءِ الحَيِّ أَنْ يَتَحَدَّوا وُعُورَةَ صُخُورِ الجَبَلِ الشَّاهِقِ المُتَاخِمِ فِي مُحَاوَلَةٍ لِلوُصُولِ لِلقِمَّةِ تِلكَ وَاستِشْرَافِ الأُفُقِ لِرُؤْيَةٍ أَشْمَل لِمَا هُوَ خَلْفَهُ. تَجَهَّزَ الجَمِيعُ بِمَا يَلْزَمُ مِنْ لِبَاسٍ وَخَوْذَاتٍ وَمعَدَّاتٍ إِلاهُ لَمْ يَجِدْ طَاقَةً فِي تَجْهِيزٍ إِلا مَا كَانَ مَثَار سُخْريَتِهِمْ وَتَهَكُّمِهِمْ.

بَدَأُوا مَعًا فِي الصَّبَاحِ حَتَّى إِذَا اشْتَدَّ عَلَيهِم القَيظُ تَوَقَّفَ بَعْضُهُمْ وَاسْتَمَرَّ بَعْضٌ آخَرٌ. جَاءَ المَسَاءُ وَقَدْ أُنْهِكَ مِنْ عُسْرِ الارْتِقَاءِ مَنْ تَبَّقَى فَقَرَّرُوا أَنْ يَتَوَقَّفُوا حَتَّى الغَدِ إِلاهُ فَهْوَ يَعْلَمُ أَنَّ التَّوَقُّفَ مَفْسدَةٌ لِلهِمَّةِ مَضْيَعَةٌ لِلوَقْتِ فَوَاصَلَ التَّرَقِّي رَغْمَ ظُلْمَةِ اللَيلِ وَمَشَقَّةِ الطَّولِ.
فِي الصَّبَاحِ كَانَ يَقِفُ عَالِيًا عَلَى القِمَّةِ يُلَوَّحُ لأَصْحَابِهِ مَسْرُورًا بالإِنْجَازِ وَلِيَحُثَّهُمْ عَلَى المُوَاصَلَةِ إِلَى حَيثُ وَقَفَ. تَحَرَّكَتْ نُفُوسُهُمْ وَفَتَرَتْ هِمَّتُهُمْ وَغَلَبَتْ أَثَرَتُهُمْ أَرَبَهُمْ فَانْشَغَلُوا وَلَمْ يَشْتَغِلُوا ، وَبَاتَ غَايةُ طَلَبِهِمْ التَّحْقِيرَ لأَمْرِهِ وَالتَّهْوِينَ مِنْ إِنْجَازِه.

مَالَ بِوُدٍّ إِلَيهِمْ يَحْرصُ عَلى أَنْ يُقَدِّمَ لَهُمْ عُذْرَهُ وَيُبَرِّرَ فِيهِمْ أَمْرَهُ فَزَلَّتْ عَنِ القِمَّةِ قَدَمُهُ وَسَقَطَ.

****************


ــ أَنْتَ خَيرُ مَنْ خَلَقَ رَبِّي ، وَأَكْرَمُ عِنْدِي مِنْ أُمِّي وَأَبِي ، وَمَا أَرَاكَ إِلا فِي مَقَامِ نَبِيّ.
ــ قَدْ بَالَغْتِ! فَامْدَحِي هَونًا وَأَحِبِّينِي بِقَدَر ؛ فَإِنَّ النَّقِيضَ صِنْوُ النَّقِيضِ ، وَمَا أَنَا إِلا وَاحِدٌ بَينَ البَشَر.
ــ بَلْ أَنْتَ فَوقَ مَنْزِلَةِ البَشَر. لَكَ الوَفَاءُ وَالانْتِمَاءُ فِي الفُؤَادِ قَدِ اسْتَقَر. وَلكَ الرِّضَا فِي كُلِّ حَالِكَ لا يُخَالِطُهُ كَدَر.

عِنْدَ أَوَّلِ خِلافٍ عَابِرٍ كَانَ العَهْدُ قَدِ انْدَثَرَ وَكَانَ الحُبُّ قَدِ اسْتَحَالَ مَقْتًا وَسَقَطَ.

****************