أَعَادَكِ العِيدُ أَمْ عَادَتْ عَوَادِينَا
أَمِ اسْتَعَادَتْ مِنَ الذِّكْرَى دَوَاعِينَا
أَمْ جَدَّكِ الوَجْدُ يَا نَفْسًا أَذَوبُ بِهَا
أَمْ أَوْهَنَ القَلْبَ مَا أَفْشَتْ مَآقِينَا
أَشْجَاكِ مِنْ مُهْجَتِي نَجْوَى أُرَدِّدُهَا
شِعْرًا يَفِيضُ بِغَيْرِ السَّعْدِ تَلْحِينَا
فَصِرْتِ لِلأَلَمِ المَكْتُوبِ مُدْمِنَةً
وَصِرْتِ بِالأَمَلِ المَكْذُوبِ تُغْرِينَا
قَدْ كَانَ عَهْدٌ مِنَ الفِرْدَوسِ نَفْحَتُهُ
بِأُمْسِيَاتٍ كَسَوْنَا سَمْتَهَا لِينَا
وَأُمْنِيَاتٍ بَتُولٍ مِنْ سُلافَتِهَا
نَسْقِي الرَّجَاءَ بِكَأْسٍ مِنْ تَصَافِينَا
فَتَسْبَحُ الرُّوحُ نَشْوَى وَالهَوَى ثَمِلٌ
وَيَقْطِفُ القَلْبُ بِالشَّوْقِ الرَّيَاحِينَا
لَكَمْ سُقِينَا بِدَارِ السَّعْدِ هَمْسَ فَمٍ
وَاليَوْمَ يَسْكُنُ جَفْنَ العَيْنِ سَاقِينَا
وَكَمْ قَطَفْنَا نَوَاصِي كُلَّ دَانِيَةٍ
مِنَ الغَرَامِ وَضَمَّتْنَا أَمَانِينَا
الزَّهْرُ بَسْمَتُنَا وَالطَيْرُ هَمْسَتُنَا
وَالصَمْتُ رَبْوَتُنَا وَالشِّعْرُ وَادِينَا
وَرَوْضَةُ الطُّهْرِ فِي أَسْمَى مَشَاعِرِنَا
كَطَلْعَةِ الفَجْرِ فِي أَدْجَى لَيَالِينَا
فِيهَا رَسَمْتُكِ أَحْلامًا أَطُوفُ بِهَا
بَيْنَ النُّجُومِ بِنَجْوَى مِنْ قَوَافِينَا
أَبُثُّهَا الشَّوْقَ لا تَخْبُو لَوَاعِجُهُ
وَأَنْثُرُ الأُفْقَ عِطْرًا مِنْ مَعَانِينَا
أَعَانِقُ الفَجْرَ فِي عَيْنَيكِ مُبْتَسِمًا
وَأَلْثِمُ الزَّهْرَ فِي خَدَّيْكِ وَالتِّينَا
وَأَعْصُرُ الوَجْدَ آهَاتٍ مُعَتَّقَةً
وَأَمْلأُ الكَأْسَ مِمَّا أَوْدَعَتْ فِينَا
يَا رَاحَةَ النَّفْسِ إِنْ ضَاقَتْ بِنَا سُبُلٌ
وَمُتْعَةَ القَلْبِ فِي أَقْصَى تَدَانِينَا
لَقَدْ تَصَرَّمَ حُلْوُ العَيْشِ بَعْدَكُمُ
وَكَانَ مِنْكُمْ كَفَافُ العَيْشِ يَكْفِيْنَا
وَكُنْتُ فِي اللُجَّةِ الزَّرْقَاءَ مَرْكَبَةً
تَأْوِي إِلَيْكِ وَقَدْ شَطَّتْ مَرَافِينَا
يَا نَفْسُ لا تَعْذِلِي المَلْهُوفَ مِنْ شَرَقٍ
فَالشَّرْقُ مَطْلَعُهَا وَالغَرْبُ يُغْوِينَا
أَلا وَقَدْ غَابَ عَنْ عَيْنَيكِ مَبْسَمُهَا
فَلَيْسَ إِلا الدُّجَى فِي عَيْنِ نَاعِينَا
وَلَيْسَ إِلا الذِي قَدْ أَنْهَكَتْ يَدُهُ
قَلْبًا يَذُوبُ أَسَىً لَوْلا تَأَسِينَا
يَا لَوْعَةَ البَيْنِ هَلا غِبْتِ عَنْ أُفُقِي
غِلْتِ الفُؤَادَ وَقَطَّعْتِ الشَّرَايِينَا
جَفَّتْ سَوَاقِي عُيُونِ الوَجْدِ وَاحْتَقَنَتْ
عَيْنُ الغَمَامِ وَمَا جَفَّتْ سَوَاقِينَا
وَهَزَّتِ الخَافِقَ الأَشْوَاقُ فَارْتَجَفَتْ
مِنْهُ الضُّلُوعُ وَجَافَتْنَا بَوَاقِينَا
كُنَّا وَكَانَتْ لَنَا الأَسْبَابُ سَانِحَةً
وَاليَوْمَ نَرْجُو اللِقَا وَالوَصْلُ قَالِينَا
كَأَنَّ بَاسِمَ أَيَّامِي وَقَدْ عَبَسَتْ
وَجْهُ المَنُونِ بِثَغْرِ اليَأْسِ يُشْقِينَا
مَنْ عَاَش فِي أَمَلٍ عَاشَتْ مُشَعْشِعَةً
فِيهِ الحَيَاةُ وَأَوْفَى العَهْدَ وَالدِّينَا
وَمَنْ تَمَطَّى عَلَى خَرْجِ القُنُوطِ قَضَى
وَأَصْبَحَ التِّبْرُ فِي أَحْزَانِهِ طِينَا
سَقَى المُهَيْمِنُ أَيَّامًا بِكُمْ أَنُسَتْ
وَلَيْسَ تَعْرِفُ أُنْسًا فِي تَجَافِينَا
لَئِنْ قَضَى الدَّهْرُ قَسْرًا فِي تَشَتُّتِنَا
فَنُوْرِكِ المُقْتَدَى فِي القَلْبِ يَهْدِينَا
وَاللهِ مَا انْصَرَفَتْ عَنْكُمْ ضَمَائِرُنَا
يَوْمًا وَلا رَغِبَتْ عَنْكُمْ أَمَانِينَا
مَا كُلُّ مَنْ فَارَقَ الأَحْبَابَ مُفْتَرِقٌ
بَعْضُ الفِرَاقِ يَزِيدُ الحُبَّ تَمْكِينَا
لَيْتَ التِي أُوْدِعَتْ رُوحِي تَرِقُّ لَهَا
وَلَيْتَهَا مِنْ لَذِيذِ الوَصْلِ تُحْيِينَا
وَلَيْتَ أَنَّا وَمَا أَبْقَى الزَّمَانُ بِنَا
نَعُودُ نَمْرَحُ صَفْوًا فِي رَوَابِينَا
هُنَاكَ حَيْثُ رُبُوعِ الأَهْلِ عَابِقَةٌ
بِكُلِّ صِرْفٍ مِنَ التَّحْنَانِ يُنْشِينَا
نُعَاقِرُ الرُّوحَ حِيْنًا مِنْ غَضَارَتِهَا
مِنَ القُلُوبِ وَنَسْقِي وُدَّهَا حِينَا
لَوْلا تَعَلُّلِ مُشْتَاقٍ لَمَا خَفَقَتْ
فِي القَلْبِ مِنْ خَفْقَةٍ بِالشَّوْقِ تُرْدِينَا
إِنِّي أَمُوتُ بِهَذَا البَيْنِ فَاجْتَهِدِي
أَنْ لا أَمُوتَ بَعِيدًا عَنْ أَرَاضِينَا
لا زِلْتِ أَنْتِ شَذَى الأَنْفَاسِ فِي مِقَـةٍ
وَلا يَزَالُ لَكِ الإِحْسـاسُ يُدْنِينَـا
حَبِيبَةً بِالْحَنِينِ العَـذْبِ تَسْكُنُنِـي
وَفِي الشَّغَافِ أَرَى فِيهَا فِلِسْطِينَا