وَأَضَاءَتِ الشَّمْسُ الظَّلامَ بِمَفْرِقِي
شَيْبَاً تَلأَلأَ فِي الصَّبَاحِ المُشْرِقِ
لا تَجْزَعِي يَا نَفْسُ مِنْ هَذَا الذِي
كَالفَجْرِ يَبْزُغُ بَعْدَ لَيْلٍ مُغْدِقِ
فَالعُمْرُ يَبْدَأُ حِيْنَ يَكْتَمِـلُ الفَتَى
خُلُقَاً وعَقْلاً فِي رِدَاءِ تَأَنُّقِ
وَالشَّيْبُ بُسْتَانُ الوَقَارِ وَرِحْلَةٌ
بَيْنَ التِقَاءٍ فِي الرُّؤَى وَتَفَرُّقِ
فِيْهِ التَّحَسُّبُ وَالتَّوَثُّبُ وَالنُّهَى
فِيْهِ الشَـبَابُ مُغَلَّفٌ فِي رَوْنَقِ
يَا رَبَّةَ الْحُسْنِ البَهِيِّ تَرَفَّقِي
لا تَعْذِلِي هَذَا الفُؤَادَ وَأَشْفِقِي
لا تَظْلِمِي بِالشَّيْبِ قَلْبَ مُعَذَّبٍ
يُخْفِيْهِ فِي حِصْنِ الوَقَارِ الْمُخْفِقِ
مَا زَالَ هَذَا القَلْبُ يَنْبِضُ بِالْهَوَى
إِنْ طَالَمَا تَجْرِي الدِّمَاءُ وَتَلْتَقِي
لَوْلا التَّعَفُّفُ وَالتَّرَفُّعُ وَالهُدَى
لَرَأَيْتِ مِنْهُ هَوَى الشَبَابِ المُغْرِقِ
لَكِنَّمَا الدُنْيَا بِضَاعَةُ خَاسِـرٍ
مَا لَمْ يُهَذِّبْهَـا الْحَلِيْمُ الْمُتَّقِي
نَبْكِي عَلَى سَاعَاتِ لَهْوٍ ضَائِعٍ
وَالعُمرُ يُبْحِرُ فِي السَّرَابِ بِزَوْرَقِ
هِيَ سَاعَتَانِ فَسَاعَةٌ تَمْشِي بِنَا
نَحْوَ الغُرُوْبِ وَسَاعَةٌ لِلْمَشْـرِقِ
تَطْوِي بِنَا الأيَّامُ رِحْلَةَ عَابِرٍ
يَسْعَى حَثِيْثَـاً لِلْمَنُوْنِ الْمُحْدِقِ
بِالأَمْسِ كَانَتْ لِلْطُفُوْلَةِ سَـاحَةٌ
وَاليَوْمَ يُسْرِعُ بِالشَّبَابِ وَيَشْتَقِي
وَغَدَاً لَنَا عِنْدَ الكُهُوْلَةِ مَوعِدٌ
هِيَ خَاتَمُ الدَّرْبِ القَصِيْر المُطْبِقِ
يَا رَاكِبَاً بَحْرَ الظُنُوْنِ مُسَافِرَاً
بِسَفِيْنَةِ الخِضْرِ التِي لَمْ تَغْرقِ
اللهُ أنقَذَهَا وَأَلْهَمَ أَهْلَهَا
أَنْ لا تَخَافُوْا مِنْ مَنُـوْنٍ مُحْدِقِ
وَكَلِيْمُ رَبِّكَ خَائِفٌ مُتَسَـائِلٌ
أَيَمُوْتُ مَنْ فِيْهَا بِفَعْلٍ أَخْرَقِ
إِنْ خَافَ رَغْمَ الْمُعْجِزَاتِ بِعِلْمِهِ
فَالخِضْرُ أَهْدَأُ مِنْ مُنَاجَاةِ التَّقِي
وَيَقُوْلُ لا تَفْزَعْ فعِلْمُكَ نَاقِصٌ
حَتَّى تَرَى أَيْنَ السَعِيْدُ مِنَ الشَقِي
اللهُ أنَقَذَهَا وَأَغْرَقَ غَيرَهَا
كَي تَسْتَبِيَنَ بِهَا العُقُوْلُ وَتَرْتَقِي
فَانْظُرْ لِنَفْسِكَ هَلْ تُرَاكَ مُغَيِّراً
نَامُوْسَ رَبِّكَ فِي الأَنَامِ بِمَنْطِقِ
لا وَالذِي سَمَكَ السَمَوَاتِ العُلَى
وَقَضَى بِهِنَّ الرِّزْقَ والعُمُرَ البَقِي
كُلٌّ لَهُ فَضْلٌ وَكُلٌّ سَابقٌ
وَلَرُبَّمَا بَعْضُ الفَضَائِلِ لَمْ تَقِ
وَلَرُبَّمَا تَأْسَى بِيَوْمٍ مُظْلِمٍ
وَلَرُبَّمَا تَرْجُوْ بِلَيْلٍ مُشْرِقِ
وَلَرُبَّمَا السُّفَهَاءُ تَغْرَقُ في الذُرَى
وَلَرُبَّمَـا أَهْلُ العُلا لَمْ تَلْحَقِ
وَذَوِي جُهُوْدٍ رِزْقُهُمْ فِي جَدْبِهِ
وَذَوِي خُمُوْلٍ رِزْقُهُمْ غَيْثٌ نَقِي
هَذَا هُوَ المَكْتُوْبُ مِنْ رَبِّ الوَرَى
لا فَضْلَ فِيْهِ لِمُوْسِرٍ أَوْ مُمْلِقِ
فَانْظُرْ لِنَفْسِكَ كَرَّتَيْنِ وَقُلْ لَهَا
يَا نَفْسُ إِنِّي قَدْ ظَلَمْتُكِ فَاعْتِقِي