الحلقة العاشرة
لماذا بات الناس يعشقون أخبار الكوارث والأخبار المحزنة.. ؟ حتى الصحف تحتفي بالأخبار المحبطة وتكتبها بالخط العريض.. وفي أعلى الصفحة الأولى .. يقولون لك مثلا (إبن يقتل والده بالرصاص والشرطة تعتقل الجاني).. وعندما تهبط إلى أسفل الصفحة او صفحة الجريمة إمعانا في التشويق تكتشف أن شابا شاهد شخصا يتجول داخل باحة منزلهم في ساعة متأخرة من الليل ونسبة لأن نفس المنزل تعرض لحادثة سرقة ليلية.. إعتقد الإبن بأن الذي يتحرك هو ذات اللص الذي سرق منهم كل ما لديهم من نقود ومصاغ ذهبية فما كان منه إلا أن اخرج مسدسه وأطلق عليه النار فأصابه في كتفه.. وعندما إكتشف أن المصاب والده جن جنونه وصار يصرخ في هستيريا عارمة .. أبي .. أبي .. يا ناس .. ياعالم.. النجدة .. النجدة.. وهُرع بالوالد المصاب إلى المشفى .. لكنه توفي في صباح اليوم التالي متأثرا بجراحه.. وبالطبع كان لابد للشرطة من حبسه والتحقيق في الواقعة.. ودخل الإبن في حالة رهيبة من الإكتئاب.. وصام عن الأكل والشراب وحتى الكلام.. فهل تستحق حادثة كهذه عنونا مثيرا وبالخط العريض واللون الأحمر .. فلا تملك وأنت تقرأ إلا أن تشعر بالأسى للمستوى الذي وصلت إليه وسائل الإعلام وهي تسوق الاثارة بديلا للتريث وتركز على الوقائع بديلا لمعطياتها ودوافعها بما يخدم المجتمع.. ولماذا هذه المحاضرة يا.. بائع العطور؟!.. لا .. ليست محاضرة ولا يحزنون.. فقد كنت مساء يوم أمس في سرادق للعزاء لأحد أقرباء حبيبتي .. وسمعت إثنان من الشباب يتهاماسان بالقرب مني.. وعندما نطقوا بإسم حبيبتي وشقيقتها إنتبهت كل حواسي وتحولت إلى (رادار) لا بل قل (طبق لاقط) قال له كان ينوي إكمال مراسم الزواج واصطحابها معه وقام بإيجار شقة واشترى كل مستلزماتها من مبرد وأسرة وتلفاز وبوتوجاز وما إلى ذلك.. ولكنه ما إن رأى شقيقتها الصغرى حتى أصابه نوع من الإحباط.. فتباطأ في الإجراءات واكتفى بتقديم (شبكة) الخطوبة فقط على أمل العودة بعد عام لاكمال مراسم الزفاف.. هل قالا كل ذلك داخل سرادق العزاء..؟ بالطبع قالاه .. وإلا كيف سمعتهما.. فمنذ أن خاصمتني حبيبتي إنقطعت عني كل أخبارهم .. لكن سرادق العزاء للترحم على المتوفي وتلاوة القرآن الكريم.. وليس للخوض فى خصوصيات الآخرين ..هذا ما كان يحدث في الماضي البعيد.. أما اليوم.. فإن سرادقات العزاء تعتبر مكانا مريحا لتجاذب أطراف الحديث والضحك ومناقشة القضايا والأوضاع السياسية ولا تستغرب إذا سمعت بأن تظاهرة ضد الحكومة إنطلقت من سرادق للعزاء في ميت توفي بسبب إصابته بمرض الملاريا.. طيب وماذا كان شعور حبيبتك إزاء هذا الموقف العصيب.. سأنتظر حتى التقيها بعد اسبوع.. حينها تكون فترة الإنذار التي قدمتها لشركة العطور قد انتهت وأستطيع بعد ذلك تقديم إستقالتي وعمل مشروع بالهبة التي منحني إياها جدي .. ولو أنني .. ها .. ماذا.. ولو أنني .. بصراحة بصراحة .. بت أستمتع بالعمل كبائع للعطور والكريمات.. لأنه يعطيك الفرصة للتوغل في عوالم حواء بكل ما يلفها من غموض وقبل يومين إلتقيت إحداهن بإحدى الإدارات الحكومية.. قيل لي أنها موظفة متعاونة جديدة بمعنى أنها لن تحصل على الوظيفة إلا بعد إنقضاء فترة الإختبار.. يا الله.. وجه كأنه القمر في بهائه وإستدارته ونضارته.. وعينان تومضان بضوء ساطع.. وإبتسامة تريح الاعصاب .. عرضت عليها أشيائي وشرحت لها طريقة السداد.. إختارت بذوق يعجز وصفه أجمل العطور وأغلاها.. وشكرتني لإمهالها حتى أول الشهر للسداد.. لاسيما وانه سيكون أول مرتب تتقاضاه بعد إكمالها لدراستها الجامعية.. أخذت وأعطيت معها في الكلام فعلمت منها بأنها حاصلة على درجة الماجستير في التاريخ.. لكنني صدمت عندما لمحت عكازتين من الالمونيوم خلف مقعدها.. وعلمت منها بانها كانت قد اصيبت بشلل الأطفال وهي في عامها الثاني.. إذ لم تكن أسرتها الفقيرة تهتم بأخذ اللقاحات ضد مرض شلل الأطفال وبقية الأمراض كما تقضي بذلك قوانين وزارة الصحة.. ووالدها يعتقد بأن هذه اللقاحات مشبوهة وأن (الخواجات) ربما يكونوا قد أضافوا لها مواد بعض المواد التى تمنع الإنجاب لتقليل عدد المسلمين في العالم.. ولازال الناس حتى يومنا هذا يتناولون موضوع اللقاحات هذا بشيء من الشك والريبة.. فلماذا لا تقوم مراكز حديثة ومتطورة لانتاج اللقاحات في عالمنا العربي والإسلامي .. حتى لا نرى مأساة جديدة كمأساة تلك الفتاة الرائعة..؟ أقول وبكل الصدق.. لقد حدثتني نفسي بأن أتقدم لخطبتها حتى وهي بحالتها الراهنة.. وحبيبتك يا موهوم؟ هل ستنساها.. لا طبعا .. قلت حدثتني نفسي.. ولم أقل بأنني قد إقتنعت بحديثها.. (ياخي) جميلة بشكل !!!!.