الإثنـــ 2013/02/18 ــين
تدمر والتدمير المنهجي لمدينة اثرية في سورية
بلدة صغيرة كان معنى اسمها بالآرامية 'المعجزة
مدينة تدمر أو عروس الصحراء السورية ،تدعى بالأرامية بالميرا أو المعجزة ، وهذا يعود لآثارها وأوابدها الخالدة التي يخيل للرائي أنه يستحيل لبني البشر أن يبنوا مثل هذه الصروح المعمارية فنسبوها للجن وقالوا أن بنائها كان معجزة من معجزات النبي سليمان عليه السلام وأن الجن هم من بناها له ،فقال النابغة الذبياني في معلقته الشهيرة:
ولا أرى فاعلا في الناس يشبهه ... ولا أحاشي من الأقوام من أحد
إلا سليمان إذ قال الإله له ... قم في البرية فاحددها عن الفند
وخيس الجن إني قد أذنت لهم ... يبنون تدمر بالصفاح والعمد
مدينة تدمر هي الان مدينة صغيرة تقع تماما في قلب سوريا ،،،في القلب النابض للثورة السورية ،لم يتأخر انضمام المدينة للثورة السورية ،فبعد أسبوعين من بداية الاحتجاجات شهدت المدينة مظاهرات حاشدة احتجاجا على مقتل عدد من العسكريين المنشقين في المدينة على يد شبيحة الأسد نتيجة رفضهم اطلاق النار على بقية أخوتهم قي الشعب السوري ،، واستمرت المظاهرات بشكل يومي أو أسبوعي خلال السنتين الماضيتين ،حتى أن إحدى مظاهراتها بلغ عدد المشتركين فيها أكثر من عشرين ألفا من أصل أربعين ألف هم سكان المدينة عقب ارتكاب مجزرة في المدينة بلغ ضحيتها حوالي عشرة شهداء وأكثر من خمسين جريحا.
اليوم تدمر تقع تحت حصار خانق ،،عشرات الدبابات تحاصر المدينة وتقصف الحي الشرقي الذي تمركز فيه عدد كبير من الجيش الحر والثوار من أهل المدينة ، ونتيجة القصف المتكرر نزح جميع سكان الحي البالغ عددهم أكثر من 10 آلاف مدني ، وقسم كبير منهم هم بالأصل نازحون نزحوا من حمص ودير الزور وبقية المناطق الساخنة ،،حيث بلغ عدد النازحين إلى المدينة أكثر من خمسين ألفا أمن لهم أهالي المدينة خلال السنة الماضية كل ما احتاجوه من مسكن ومشرب وملبس.
شهرولكن شهر شباط من هذا العام كان نقطة تحول في الثورة في هذه المدينة نتيجة دك فرع أمن ومخابرات البادية الذي أذاق أهالي تدمر سوء العذاب يذبح أبنائهم ويعتقل شبابهم ويرتكب المجزرة تلو المجزرة في المدينة وما حولها، ويسير ميلشياته للحفر والتنقيب في المدينة الأثرية وسرقة كنوز المدينة وارسالها إلى الأسواق السوداء في أوربا،،هذا الفرع الأمني المسؤول عن مجازر ضد الانسانية من تعذيب سجناء سجن تدمر في الثمانينات على زمان حافظ الأسد والمجار الرهيبة التي حدثت في السجن إلى المجازر الجديدة التي ارتكبها الابن بشار وزبانيته وبلغ عدد ضحاياها في مدينة تدمر والمناطق المحيطة بها في البادية السورية أكثر من مئتي شهيد ومئات المعتقلين الذين لا يعرف مصيرهم ،،فكان أن أتى الرد وقام ثوار البادية بدك الفرع وتدميره وحولوه لأثر بعد عين ، وأصبح فرع المخابرات المدمر أحد آثار المدينة بالاضافة لقوس النصر ومعبد بل وغيرها من آثار الأمم التي مرت على هذه المدينة ،وانتهى ملكها كما سينتهي يوما ملك آل الأسد عن هذه البقعة المباركة من أرض الشام. ..
أعقب ذلك استهداف المدينة بأعمال انتقامية من زبانية سجن تدمر والقطع العسكرية المحيطة بالمدينة، وللعلم البادية السورية تحوي قوة عسكرية رهيبة للنظام تضم أكثر من خمسين ألفا من جنوده موزعين على عشرات الكتائب والقطع العسكرية التي تحيط بالمدينة من قوات خاصة وكتائب دفاع جوي وكتائب للصواريخ والحرب الكيميائية وفرقا للهجانة موزعين على طول الحدود مع العراق والأردن وبكامل صحراء الحماد السورية.
في لحظة كتابة هذه المقالة تقوم قوات أسد بدك المدينة بصواريخها وقذائفها من الجبال المحيطة بالمدينة ومن قلعة فخر الدين المعني الثاني ابن جبل الدروز الذي لجأ لتدمر منذ مئتي سنة وبنى فيها هذه القلعة الشامخة التي تطل على المدينة ،،هذه القلعة التي أصبحت اليوم قلعة الموت ،نتيجة قناصيها الذي يمنعون أي حركة في شوارع المدينة ونتيجة المدافع التي نصبتها مليشيات الأسد على سفحها وتدك بيوت المدينة دكا بحممها وقذائقها التي تستهدف كل شئ ولا تراعي حرمة حتى للمنطقة الأثرية المحرمة التي طالتها القذائف، وخصوصا ان بساتين المدينة والتي هي جزء من المنطقة الأثرية قد احترقت بشكل شبه كامل ،،واشتعلت ألسنة اللهب بأشجار الزيتون والنخيل التي تحيط بالمدينة والتي جعلت منها واحة تحط فيها القوافل ليستريح فيها المسافرون على طريق الحرير الذي كان يربط أوربا بالصين.
أما متحف تدمر الذي يحوي كنوزا أثرية لا تقدر قيمتها بثمن فقد استغلت قوات الأسد موقعه المشرف على الحي الأوسط فأقامت حاجزا عسكريا بجانبه ووضعت قناصة على سطح مبناه،،يشرف على كامل السوق الأثري الذي نهبت قوات الأسد المحلات التي كانت يوما من الأيام أفضل سوق للشرقيات في السوق الأوسط نتيجة خبرة أبناء المدينة بصناعة التحف والمنسوجات التي تتطلب مهارات يدوية دقيقة.
إنني عبر هذه المنبر أطلقها صرخة لإغاثة هذه المدينة ،،لإنقاذ الأحياء منها ومساعدتهم ،،لإنقاذ الحاضر الان قبل التاريخ لتطبيب جراحهم ولإطعام جائعهم وتأمين الخيم والمساعدات لنازحيهم ،،وهي أيضا بنفس الوقت صرخة لإيقاف تدمير هذه المدينة التي تعد إرثا تاريخيا وصرحا عظيما من حضارة العالم.
عندما تسمعون في الاخبار غدا أن قوس النصر تهدم نتيجة قصفه بمدافع الأسد أو أن معبد بل التاريخي قد انهار بصاروخ استهدف المنطقة ،،ستعلمون أننا حذرناكم وأنه كان بإمكانكم منع هذه الجريمة.،،ستعلمون أنه كان بإمكانكم أيقاف مغول هذا العصر ،،ستعلمون أنه كان بإمكانكم إيقاف هولاكو هذا العصر لكنكم لم تفعلوا شيئا.