أستاذي الفاضل محمود
إليك هديتي فتقبلها مني هنا
و لك التحيات و التقدير و التجلة يا بن مدينة الغيارى.
مدينتي :
أمُّ المَسَاجدِ إسمُها
و على الفُراتِ تمدَّدَتْ.
تشتاقُني، أشتاقُها
و تحُنُّ لي، و تُحبُّني، و أُحِبُّها.
ليستْ بمِثلِ دلالِها و بحُسْنِها باقي المدائنِ و القرى،
فمدينتي ممشوقةٌ، ريمُ الفلاةِ إذا مشَتْ،
مِسْكٌ يُعَطِّرُ جِيْدَها.
و ثِيابُها من نَرجسٍ،
نُوّارةٌ، و الأُقحوانُ يبيتُ فوقَ خُدودِها
و الياسمينُ على اللَّمَى،
و الجَفْنُ كحَّلهُ السَّنا،
قرَوِيَّةٌٌ بزُواقِها تتغنَّجُ الحَسناءُ و الأقمارُ تخطُبُ وُدَّها.
و الشمسُ قد تَرَكتْ لها سبعينَ ألف ضفيرةٍ مِنْ نُورِها
فعلى المَدى نشَرَتْ سَناها ؛
فانتشَتْ للقائِها كلُّ الصقورِ و حلَّقَتْ بسَمائِها،
و توضَّأت بفُراتِها و تغرْغرَتْ،
و البدرُ خجلانًا يُحَيِّيْها مَسَاءً إنْ بَدَتْ.
فمدينتي مَنْ مِثلُها ؟!
نُورُ الصباحِ وِشاحُها.
مِنْ كابرٍ عَن كابرٍ كانت لها وقفاتُ عزٍّ، و الثُرَيّا لم تكن إلاّ لها.
فمدينتي ؛ شُمُّ الأنُوفِ رجَالُها
ما كانَ يومًا أنْ حَنَتْ -إلاّ لربِّي-جِيْدَها.
تاجٌ على رأسِ المكارمِ قد غَدَتْ.
،،،
و مدينتي :
جاءت لها الغِربانُ ذاتَ كريهةٍ
يا ويلهُم لم يعرفوا مَنْ جَدَّها
بالقاصفاتِ كم استباحوا حُسْنَها
قد أحرقوا أشجارَها
فنَمَتْ على أطلالِ نخلةِ جَدَّتي سبعونَ ألف فَسِيلةٍ،
مِنْ كلِّ غصنٍ ألفُ شاهينٍ نما،
و البرقُ جاءَ، و رَعْدُها عَنْ أرضِ أمِّي ذائدٌ.
و الحورُ مِنْها قد دَنَتْ.
و مدينتي :
دكُّوا مَآذِنَها ؛ فقامَ بِلالُ مِنْ بينَ الرُكامِ مُؤَذِّنًا و يَئِمُّها
صاحَ المنادي : " اللهُ أكبرُ "
فانتخى سَبعونَ ألف مقاتلٍ خرَجُوا لهُم مِنْ بَطنِها
خاضوا الوغى، صوتُ الرَّصاصِ مُغَرِّدٌ.
ظلَّتْ جدائلُ عَمَّتي، و الوردُ فيها نائمٌ ؛
ما مَسَّها عِلجٌ حقيرٌ حاقدٌ
و معَ الطيورِ تواعدَتْ.
بمدينتي:
صاحَ الفتى لمّا المنايا دَنْدَنَتْ :
يا أرضُ كوني مَرقدي أو فَرقدي.
و على بطولاتِ الغيارى يا جزيرةُ فاشهدي.*
و مدينتي :
من ليلِها انبلجَ الصَباحُ مُبَشِّرًا،
و لبطنِها عادَ الرجالُ مُخَضَّبينَ بِطِيْنِها،
و مُعَطَّرينَ بِشِيْحِها
زفَّتْ بِشارةَ نصْرِِها أُنثى القطاةِ و ما بكتْ.
و مدينتي :
صَلَّتْ صلاةَ الشُكرِ فجرًا والدمُوعُ تهلَّلتْ،
و بوجهِها الوضَّاءِ ظلَّ صَباحُها مُسْتَبْشِرًا
للحُوْرِ زفُّوا فارسًا،
فمَضى الشهيدُ مُرَدِّدًا :
يا أرضَ أجدادي رويتُكِ مِنْ دَمِي ؛ فتنعَّمي.
غيداءُ، كوني كَرْمَ داليةٍ ببُسْتاني،
إليكِ سَنابُلُ الروحِ استبيحيها،
كُلي ثَمَري و خَلِّيني حَبيبًا عاشقًا دَنِفًا،
و مُدِّيني إلى عَينيكِ –آسِرَتي- أُقَبِّلُها
و في عَينيكِ خَلِّيني أنا كُحْلاً
و كوني في غَدي وَطَنًا يَنزُّ نَضارةً
و تبَسَّمي، يا بَلسَمِي
إنِّي فَدَيتُكِ فاسلمي.
،،،
و مضى الشهيدُ إلى العُلا
بُشراكِ وَضْحَةُ زغردي.*
لن تندمي.
،،،
يا نغمتي،
يا مَعقِلَ الأبطالِ، يا قطرَ الندى
يا موطنَ الإيمانِ، يا نورَ الهدى
كوني بحلمي لحنَ نايٍ لا يُغادرُني،
و صيري مِعْزَفي، بينَ البيوتِ ترَدَّدي.
ظلِّي بشرياني قوافلَ من صَباحاتٍ،
و شمسًا لا تَغِيبُ، على المُروجِ ترَدَّدي.
شُعِّي، أنيري كلَّ قاصِيَةٍ بوجداني و لا تترَدَّدي.
قُصِّي لأطفالِ الحِجارةِ قِصَّتي،
و على شِفاهِ العاشِقينَ ترَدَّدي.
فَـلُّوجَتي،
فوقَ العُروشِ قد استويْتِ مَليكةً ؛
فعَلى الملوكِ تبَغْدَدي.
،
،
،
*الجزيرة : قناة الجزيرة ؛ نقلت جزءًا من بطولات رجال الفلوجة
*وضحة: أخت الرجال في الفلوجة و نخوتهم في حروبهم.