حوار صحفي مع الشيخ د. محمد بشار الفيضي الناطق الرسمي لهيئة علماء الاسلام في العراق المقر العام
أجرى الحوار

عبدالكريم الكيلاني
كيف يمكن للاسلام من منطلقاته الصحيحة والجوهرية الدفاع عن ثوابته أمام التطرف الديني في هكذا ظروف كلفنا الكثير من الدماء؟

التطرف الديني ظاهرة خطيرة لكن من وجهة نظري وراء نموها لم يقف المسلمون أنفسهم بل كان من أوجدها وسعى في إنمائها الغربيون ممن يحملون التطرف الديني فقد عملوا منذ مدة ليست بالقصيرة على مصادرة مايمتلكه المسلمون من معطيات ومصادرة حرياتهم في إسقاط هذه المعطيات على واقعهم ووصل الامر بالغرب الى حد التدخل العسكري في البلدان الاسلامية تحت ذرائع غير مقنعه وبعد مسيرة طويلة من التدخل الثقافي والاجتماعي عبر حكومات تواطأت معهم أو منظمات أو غير ذلك هذا الفعل السيء ولد فعلا سيئاً آخر في الاتجاه االمعاكس بمعنى التطرف الديني الغربي هو من أوجد في بلادنا التطرف الديني الشرقي والقاعدة الفيزيائية تقول لكل فعل رد فعل يساويه في القوة ويعاكسه في الاتجاه وأنا اعتقد لو أن الغرب تركنا وشأننا نختار لحياتنا مانحب لم ينشأ في بلادنا أي تطرف ديني؟
·
هنالك فهم دولي خاطيء تجاه ديننا الحنيف , فمنهم من يتهم الاسلام بالارهاب وهنالك ايضا دعاة من أجل نشر فضيلة الدين الى كل بقاع العالم ولأن إسلامنا بريء من كل الدماء التي زهقت بالباطل , ماهو تعليقكم من أجل فهم الدين بأنقى مانريده كي يفهم من يريد بهذا الدين ألأذى ؟


ليس في ديننا الحنيف أي معنى من معاني الارهاب والمتأمل في تشريعات هذا الدين لايجد عناءا في فهم ذلك . يكفي أن الاسلام أباح للمرء حرية المعتقد والتدين مع وجود أديان فيها كفر وشرك كمافي قوله تعالى ( لاإكراه في الدين قد تبيين الرشد من الغي ) كلمة ألارهاب بمعنى مصدر ألاذى للاخرين كلمة صنعها الغرب وسخر لترويجها آلآته الاعلامية الضخمه الى الحد الذي قلبت فيه الموازين فنجد رئيس حكومه كشارون يقتل يومياً من االمدنيين والاطفال والنساء مايشاء ويهدم بيوتهم ويسمي ذلك حرباً على ألارهاب في حين يوصف من يدافع عن أرضه ويعمل لإخراج المحتل بأنه إرهابي هذه الكلمة أعني ألارهاب أصبحت ممجوجه لدى الذوق العام بسبب التطبيقات السيئه والمتناقضة لمن وضعها.
· كيف نعالج المفاهيم التي مررت من خلال التدليس المتعمد ضد هذا الدين ؟


لن نجازف بالقول إن التطرف الديني لاوجود له في بلاد المسلمين فهذا مجانب للصواب هنالك تطرف ديني سببه كما بيننا تطرف ديني طرأ علينا من جهة الغرب ونحن كمسلمين نرفض التطرف الديني بكل أشكاله سواء كان في بلاد الغرب أم في بلاد المسلمين ونعمل على احتواء ه وإنتزاع عوامل تأجيجه ولكن المشكلة أننا من الممكن أن ننجح في جوانب من خلال جهودنا في التوعية ألاسلامية وكشف ألغشاوة عن المبتلون بهذا المرض ولكننا في جوانب أخرى سنخفق لأنها متعلقة بأسباب لانملك قطعها فلسنا نملك القدرة في هذه االمرحلة لنقطع دابر التدخل الغربي في شؤوننا وخصوصياتنا على مستوى العالم الاسلامي ومادام هذا التدخل قائماً فإن التطرف يبقى نامياً ولذا أنا أقول دائماً أن الولايات المتحدة الامريكية في هذه المرحلة الزمنية هي من رعت ألاهاب وأنمت غراسه في ألعالم بسبب سياساتها ألخاطئة وحقدها على معطيات ديننا التي مثلت فيها الذروة على عهد الرئيس الحالي جورج دبليو بوش.
بماذا تنصح المسلمين في هذا الظرف العصيب التي تمر به ألامة الاسلامية ؟


أنا أتوجه بالنصح أولا الى من يمارس التطرف الديني في بلادنا أن لاينزلق الى اسلوب رد الفعل وأن يتعامل منطلقاً من ثوابتنا الدينية لإن رد الفعل غالبا ما يكون خارجاً على هذه الثوابت وتتحكم فيه النوازع البشرية ويجب أن لاننسى ان رسالتنا الاسلامية خالدة ويجب أن نعمل على بقاءها خالدة والتصرف برد الفعل يضر بهذا الخلود لو تذكرنا فتح مكة حين دخل الرسول صلى الله عليه وسلم منتصراً ووقف أمام أعداءه أذلاء كان بمقدوره أن يصدر أمراً بالإشارة ليقتل كل أعداءه ويجعل من باحات مكة مذابح للرجال لكنه صلى الله عليه وسلم لم يتصرف برد الفعل وهو النبي المعلم بل عفى عن أعداءه وكأنهم لم يؤذوه ووهبهم الحرية وكانوا يتمنون الحياة ولو أرقاء وبهذه الخطوة النبوية بدأت لحظات الخلود بالرسالة الاسلامية ولو أنه عليه الصلاة والسلام أعمل فيهم السيف لم يكن ألاسلام ليبسط ذراعه على طرفي العالم وهكذا ينبغي أن نكون فالتطرف
الديني يلحق بنا خسائر اضعاف مايلحق بأعداءنا.
الشباب المسلم بماذا تنصحه في عصر الشبكات العنكبوتية التي من جوانبها السلبية النيل من القيم والاخلاق , كيف السبيل لإخراجه من عتم الثقافات المستوردة?


.لم يعد بالإمكان في هذه المرحلة العيش بمعزل عن العالم والذين كانوا يفتون بحرمة التلفاز وأجهزة الاعلام الاخرى لم يعد الناس يلتفتون الى فتواهم لعموم البلوى لذلك لابد من التعامل مع هذه الظاهرة بحكمة خاصة وإنها سلاح ذو حدين بقدر مافيها من تدمير يمكن أن يكون فيها خير وهذه مهمة جيلنا الجديد أن يقتحم هذا العالم بثقة ويحسن إستخدامه لخدمة دينه ووطنه وذاته. وأنا شخصياً لم أعد أخشى كثيرا من الثقافات المستوردة لأنه بعد الحرب على العراق كشفت النوايا وتبينت للعالم الاسلامي على اختلاف مستويات ابناءه إن وراء هذه الثقافة نفساً إستعماريا خطيرا ولذا بدأ ألضعف يدب في التعامل مع هذه الثقافة والفرصة سانحة لايجاد البديل الذي يسد حاجة مجتمعاتنا ويرضي تطلعاته وهذه كما قلت مهمة جيلنا الجديد.
هنالك صدى لجريدة البصائر التي تديرها لماتحتويه من مواضيع تخدم الجيل وتطور _ حسب منهج الدين _ السياسة . وكذلك تخلق توازن معرفي بين واقعية الحياة والالتزام وهذا مايشدنا للتمحيص في هذه المباحث التي تعبر عن رؤية مفتوحة باتجاه الخير , هل ستفتح منافذها على العالم الاسلامي كتعميم يخدم المرحلة؟


بالنسبة لجريدة البصائر لست من يديرها بل أعمل مستشاراً فيها وهي تنطق بلسان حال هيئة علماء المسلمين هذه الهيئة المباركة التي تأسست فور سقوط النظام السابق وعملت على سد النقص السياسي والديني والاداري في مجتمعنا والبصائر كانت منها خطوة في هذا الاتجاه لذلك على ماأظن ستبقى في هذه المرحلة قطرية ولن تخرج عن مواصفات المرحلة التي تتمتع بها ألآن لأنها بصدد تأدية واجب معروف ويوم ينتهي الاحتلال وتعود للبلد حريته وسياسته فمن الممكن للبصائر أن تفتح منافذها على العالم الاسلامي.
بماذا تنصح المسلمين في العراق والديانات الاخرى , وهل ترى المستقبل بعين البصيرة تجاه هذا البلد الذي يريد خير البشرية جمعاء؟


أنا ابتداءاً قلت أكثر من مرة بأني متفائل بمستقبل العراق ولدي يقين أن العراق وقد أراد له أعداءه أن يكون نكسة للعالم الاسلامي سيكون سبباً للنهضة في هذا العالم ووقائع الاحداث بدأت تبشر بذلك والولايات المتحدة الامريكية اليوم في وضع لاتحسد عليه ودخولها الى العراق وما جرّ ذلك عليها من تداعيات جعلها اليوم على حافة من ألانزلاق الى الأفول بدأ عده التنازلي لذلك فأن المطلوب من أبناء العراق على اختلاف دياناتهم ومذاهبهم واتجاهاتهم أن يعووا أهمية المرحلة التي يمر بها بلدنا وعظم المهمة المناطة بابناءه فهم مرشحون في تقديري لقيادة العالم العربي والاسلامي قيادة فكر وتجربة ونهضة وعليهم أن يأدوا هذا الدور بأمانه وبطبيعة الحال لايمكنهم النجاح مالم يعملوا كاليد الواحدة وأنا اشبه العراقيين دائما بحزمة الضوء التي تضم الوانا زاهية لاتبدو للناظر الا حين ينكسر شعاعها ويتم تحليله الى عناصره الاولية فالعراق جميل بتعدد أطيافه أدياناً ومذاهب وقوميات.
ماذا تعني السيادة ألآن من وجهة نظر الشريعة ؟ وهل هي فعلا سيادة كاملة كما يشاع ؟ وماالسبيل لجعلها سيادة كاملة ؟


لايختلف إثنان على أن عراقنا اليوم لايتمتع بسيادة وأن الاحتلال لم ينقطع عن هذه الارض سوى أنه انتقل من صورة الى صورة لايمكن لشعب أن ينال الحرية والسيادة وعلى أرضه 150 الف مقاتل مدججون بالسلاح يقطعون البلاد طولا وعرضاً ويملؤون سماؤه بالطائرات المقاتلات مازلنا رهن الاحتلال والحكومة الحالية منبثقة منه ولاأظنها ستحل المشكلة بل ربما إذا لم تحسن االتصرف ستزيد السوء سوءاً والطين بلّة والسيادة تكون للبلد يوم يحكم نفسه بنفسه ويختار دستوره بإرادته ويتصرف بثرواته وفق مصالحه ولايقف على أرضه غير أبناءه وأي غض من هذه المعاني مكابرة لاقيمة لها والامريكيون واهمون جدا حين ظنوا إن فكرة هذه الحكومة ستقنع العراقيين.
هل من المؤمل أن تخرج قوات الاحتلال وتدع العراقيين يديرون شؤونهم بأيديهم أم ستبقى تماطل بالحجج ؟ وبماذا تنصح القادة المدنيين الجدد الذين تسنموا سلطة العراق كأمانه في أعناقهم ؟


إبتداءا من الممكن أن تخرج قوات الاحتلال وليس ذلك مستحيلاً ولكن ما يجب أن يعرفه االجميع إن قوات الاحتلال لن تخرج حتى تيأس من قدرتها على البقاء لقد أنفقت أموالا باهضةً في سبيل احتلالها العراق وفقدت الالاف من جنودها ولن تخرج بسهولة لكن يوم تشعر إن بقاءها سيجعلها تخسر المزيد من الاموال والمزيد من القوات وأنه لاأمل في تغيير هذه المعادلة فإنها ستخرج حتما وإن اقتضى ذلك خروجها على حين غرة كما حدث في الصومال وأنا لااظن ان الحكومة الحالية تغيب عنها هذه الحقيقة ولكن ليس النجاح في الفهم وحده بل بالقدرة على توظيف هذا الفهم لمصلحة العباد والبلاد.
مادور هيئة علماء المسلمين التي استحدثت اخيرا في خلق توازن ايجابي بين مختلف القوى السياسية والاطياف الدينية في العراق ؟ وهل هناك تيار سياسي او تمثيل للهيئة في الحكومة الجديدة؟


هيئة علماء المسلمين منذ نشأتها عملت في ثلاث إتجاهات ألاول وكان الاهم في بداية نشوئها العمل على نزع فتيل الطائفية من خلال التواصل مع المراجع الدينية من كل الاطياف وفتح الحوار العقلاني واصدار الفتاوى المشتركة لبيان حرمة دماء أبناء الوطن والاتجاه الثاني رعاية المساجد التي فقدت مع مطلع الاحتلال الادارة المؤسساتية لرعايتها والاتجاه الثالث التثقيف ضد الاحتلال وبيان نواياه واهدافه الخطيرة وهي لما تزل تعمل في هذه الاتجاهات الثلاث وإن كان عملها في الاتجاه الثاني ضعف لسبب تشكيل هيئة للاوقاف تتولى شؤون المساجد ويجب التنبيه هنا أن هيئة علماء المسلمين ليست حزباً سياسياً ولاحركة سياسية إنما هي مرجعية دينية وقد اضطرت في كثير من الاحيان للوقوف مواقف سياسية بسبب خلو الساحة من المعارضة السياسية وانخراط كثير من الاحزاب الوطنية ومنها الدينية في الجانب المسالم لقوات الاحتلال أما بالنسبة للتمثيل في الحكومة الجديدة فقد بينت الهيئة موقفها أكثر من مرة بهذا الصدد وهي انها لن تشارك في أي عملية سياسية تقوم في ظل الاحتلال وهذا مبدأ لايمكن التنازل عنه.
كلمة اخيرة موجهة لابناء وشباب المسلمين في العراق؟


أنا اذكرهم بحقيقة يؤمن بها كل انسان في العالم وهي ان الاحتلال مر وان الحرية والسيادة حق وعليهم ان لايقبلوا بالمر على حساب الحق مهما كان الثمن غاليا وهذه الكلمة ليست موجهه الى المسلمين في بلادنا فحسب بل الى كل عراقي وعراقية.

أجرى الحوار
عبدالكريم الكيلاني