الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، أما بعد :

فمما لوحظ في المجتمعات الإنسانية : أن تعاملها مع المكتشفات والمخترعات الحديثة ومع التقنيات المتطورة يحكمها ما لديها من الثقافة والبديهة الذهنية ، التي تتمكن من خلالهما من الاستثمار الأمثل لتلك التقنيات الحديثة والمتطورة ، مع السعي لتجنب كل ما قد تحمله من سلبيات .

وقد كان مجال الاتصالات واحداً من ميادين السباق التقني في المجتمعات كافة .

وكان من مظاهر هذه الثورة : ما شهده عالم الاتصالات الهاتفية المحمولة من تطورات عديدة ، وكان من أواخر ذلك تزويد الهواتف المحمولة بتقنيات التصوير ، والذي شهد أنواعاً من الاستعمالات السيئة من قبل من أناس لم يستطيعوا التعامل الأمثل مع هذه التقنية . فالتحق ذلك بما كان من الأخطاء في التصوير الفوتوغرافي والفيديو تيب وعبر الكاميرات الرقمية .

والملاحظ في مجتمعنا : أنه في غالب الأحوال كان استعمال الكاميرات المدمجة في أجهزة الجوال ، وكذلك الكاميرات الرقمية مشوباً بتعاملات سيئة ، تمثَّلت على وجه الخصوص في تصوير النساء ، وبَثِّ صورهن بين أجهزة الجوال المحمولة ، أو بثها عبر شبكة الإنترنت ، وربما اتجه البعض لوضع أسماء مستعارة لصور النساء تلك ، أو افتراء أسماء نساء معروفات ، وفي بعض الأحوال تتم دبلجة الصور بتركيبها على أجساد عارية ، إلى غير ذلك من التعاملات المسفة ، والتي تقلق النفوس وتكدر الخواطر ، وقد رأيت أن من الواجب على طلبة العلم أن يبينوا خطورة هذه التعاملات وسوء عاقبتها ، فحررت هذه الأسطر رعايةً لحرمات المسلمين ، وانتصاراً لأخواتنا المسلمات .

ولستُ أفشِي سراً أو أذيع مخبوءاً حين أقول : إن ثمة عدداً من الوقائع من هذا القبيل ، فاحت رائحتُها ، حتى ضَجِر منها الأسوياء وأعلنوا النكير الكبير لها ، وإن كانت هذه الوقائع لدى طائفة قليلة مادة ثرَّة ، أشبعوا بها فضولهم واتَّسقت مع هامشيتهم .

وعند تحليل هذه التصرفات ودوافعها النفسية والاجتماعية ، وما ينطبق عليها من الحكم الشرعي ، فسنلاحظ ما يلي :

1/ أن هؤلاء الذين توجهوا لهذا الاستخدام الخاطئ لكاميرات الجوال والكاميرات الرقمية من الذكور والإناث ، على غرار ما أشرتُ إليه آنفاً ، لا يخلون من أحد أمور ثلاثة :
الأول : كونهم مبهورين بهذه التقنية مع افتقادهم لسعة الأفق والمواكبة الإنسانية المتطورة للتقنيات الحديثة ، ويرتبط هذا بقلة العلم وضعف الفهم ، مما جعلهم يتجهون بأنفسهم إلى هذا النوع من التعامل الخاطئ فيتخلفون عن مواكبته واستيعاب أغراضه .

الثاني : أن يكونوا محصِّلين للثقافة والفهم ، ولكنهم يفتقدون الأخلاق الإسلامية ، بل وحتى الأخلاقيات الإنسانية ، التي يفترض فيها الاعتدال والبعد عن وِهَاد الفحشاء وأُتون المنكر ، وثمة ارتباط وثيق في أغلب الأحوال بين افتقاد هذه الأخلاقيات وبين نوعية الثقافة التي يحملونها.

الثالث : وهو فرع عن الثاني ، أن يكونوا أشخاصاً أصابهم العطب في الجوانب الجنسية نتيجة مؤثرات محددة ، سواء أكانت تلك المؤثرات مما تعرضوا له في مراحل الطفولة ، أو لدى مراهقتهم ، أو لدى اتصالهم بثقافات منحرفة من خلال السفر ، أو عبر الإنترنت ، أو غيرهما .

ولا أود الخوض في الجوانب النفسية والاجتماعية لتلك الفئة ، ففي ذلك تفصيل ، ولكنَّ مدارها على ما ألْمحت إليه .

2/ الأصل أن أفراد مجتمعنا جميعاً يدركون حرمة الأعراض ، وما يجب من رعايتها وحفظها ، من خلال ما درسوه في مناهج التعليم ، ولكن المشكلة التي عانوا منها هي : عدم تطبيقهم لما علموا على هذه الأحوال ، نتيجة انفصام طارئ بين العلم والعمل ، وقد يكون سببه دافعية العبث واللهو ، أو لعدم إدراك مخاطر عملهم ، أو لغير ذلك .

3/ مما يجدر تأكيده في هذا المقام أن استعمال كاميرات الجوال ، وكذلك الكاميرات الرقمية في تصوير النساء وبث صورهن ، والتصرف فيها على نحو ما مثَّلت له آنفاً ، إنما هو عمل محرم ، ومن أشد الآثام تحريماً ، لما يترتب عليه من المفاسد والمنكرات ، ومنها :
أولاً : ما فيه من الإخلال بأعراض الآخرين .
ثانياً : لما فيه من إيجاد المشكلات الأسرية .
ثالثاً : لما فيه من التسبب في إشاعة الفواحش في المجتمع .
رابعاً : ما يشتمل عليه من أذية المؤمنين والمؤمنات .
خامساً : سوء عاقبة فاعله في الدنيا والآخرة .

وكل هذه العواقب مما تظاهرت النصوص على تحريمه وتبشيعه ، وبيان ذلك فيما يأتي :
أولاً : الإخلال بأعراض الآخرين :
وذلك لأن تصوير النساء ، حال كونهن عالمات بذلك أو على غفلةٍ منهن ، وهذا أعظم ، فيه هتك حجاب الحشمة والحياء ، الذي أنعم الله به على المؤمنات، فمن صور النساء، من امرأة أو رجل ، أو بث تلك الصور ، فهو مُحَادٌّ لربه القائل : ( يا أيها النبيُّ قُلْ لأزواجِكَ وبناتكَ ونساء المؤمنين يُدنين عليهنَّ من جَلالِيبِهِنَّ ذلك أدنى أنْ يُعْرَفْنَ فيُؤذَينَ وكان الله غفوراً رحيماً ) ( الأحزاب : 59 ).

فالله جلَّ شأنه يأمر بالستر ويرغب فيه ، ويمنع من هتكه ، لكنَّ هذا المصوِّرَ للنساء يمانع أمر الله ، بل ويتبع سبيل الشيطان الذي يسعى لكشف العورات وإظهار السوءات ، كما أخبر الله عنه في كتابه الكريم ، وحذر من متابعة سبيله ، فقال عزَّ من قائل : ( يا بَنِي آدمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشيطانُ كما أخرج أبويكم من الجنة يَنْزِعُ عنهما لباسَهُما لِيُرِيَهُما سَوءَاتِهِمَا إنَّه يَرَاكُم وهو وقَبِيلُهُ مِنْ حيثُ لا ترونَهم إنَّا جَعَلْنَا الشياطينَ أَولياءَ لِلَّذينَ لا يُؤمنون ) ( الأعراف : 27 ) وقال سبحانه قبل هذا مخبراً عمَّا ناله إبليسُ من الأبوين الكريمين عليهما السلام : ( فَوَسْوَسَ لَهُما الشيطانُ لِيُبْدِيَ لَهُما ما وُورِيَ عنهما مِنْ سَوءَاتِهِمَا … ) الآية ( الأعراف: 20 ).

وقد وجد أن البدايات الأولى للفواحش هي إبداء ما أمر الله بستره ، وما يتعامل به من في قلوبهم مرض من ابتزاز النساء بصورهن ، ومطالبتهن بما فيه انتهاك أعراضهن ، وهذا حاصل عبر الصور التي يحتالون في الحصول عليها .

وغير خافٍ هنا أن التصوير برمَّته مما أفتى أئمةٌ من العلماء بتحريمه ، أياً كان نوعه ، لعموم ما جاء من النهي عن التصوير والوعيد فيه ، إلا ما كان لضرورة ، لما في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إنَّ أشدَّ الناس عذاباً عند الله يوم القيامة المصوِّرون " . وثبت في صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم لعن المصوِّرين . وحتى الذين أجازوا ما كان اختزاناً لصور ذوات الأرواح ، كالذي يكون بالتصوير الفوتوغرافي وعبر الفيديو فإنهم لا يجيزون بحالٍ تصوير النساء ، لما فيه من كشف عوراتهن ، وما يفضي إليه من الفساد .

ثانياً : لما فيه من إيجاد المشكلات الأسرية :
وذلك أن ذوي المرأة التي تنتشر صورتها لا بد وأن تأخذهم الغيرة وتحركهم الحمية ، بسبب هذا التصوير ، فإن كانت متزوجة فالغالب أنها تصبح محل تهمة وشكٍّ لدى زوجها ، وربما أدى إلى طلاقها ، وإن كانت غير متزوجة فربما أدت تلك الصور بأهل المرأة إلى الاعتداء على موليَّتهم بالضرب وغيره ، وقد يؤدي بها ذلك لأن يعزف عنها الخطاب لسوء سمعتها ، فتتعطل عن الزواج ، وينشأ عن ذلك غيره من المشكلات . وهذا كله منشأه التساهل بهذا المنكر .

وكثيراً ما يكون تصوير النساء الذي يلتقط في الاحتفالات ومناسبات الأفراح سبباً في نشوء المشكلات بين الأزواج ، وبين الأسر .

مع أنه ينبغي التنبيه في هذا المقام إلى أن المطلوب هو التحري وعدم العجلة ، فقد تأخذ الغيرة غير المضبطة بصاحبها إلى طريق التهور ، وهذا ما نبه إليه النبي صلى الله عليه وسلم إذ قال : " إنَّ من الغيرة ما يحب الله ومنها ما يبغض الله .. فأما الغيرة التي يحب الله فالغيرة في رِيبة ، وأما التي يبغض الله فالغيرة في غير الرِّيبة " رواه أحمد وغيره من حديث جابر بن عتيك الأنصاري رضي الله عنه .

ثالثاً : لا ريب أن تصوير النساء بالكاميرات المدمجة في الجوال وغيرها ، وما يتبع ذلك من تداول صورهن لسبب كبير في إشاعة الفواحش في المجتمع .
وذلك أن النفوس إذا هتكت حجاب العفة وتجاوزت حدود الأدب ، فإنها تطمح لما وراء ذلك من سفاسف الأخلاق ، وهذا منشأه استمراء الفواحش والمنكرات .

والذين يعمدون لتداول تلك الصور ونشرها ، يساعدون في تقويض الفضيلة في المجتمع واستساغة الرذيلة ، ويتسببون في وقوع الفواحش وإشاعتها ، ولفظاعة هذا العمل وشناعته ، فقد توعد الله من سعى فيه وتسبب ، فقال سبحانه : ( إنَّ الذين يُحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذابٌ أليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون ) ( النور : 19 ) .

قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله : عند تفسير الآية : ( إن الذين يُحبون أن تشيع الفاحشة ) أي الأمور الشنيعة المستقبحة المستعظمة ، فيحبون أن تشتهر الفاحشة ( في الذين آمنوا لهم عذابٌ أليم ) أي موجعٌ للقلب والبدن وذلك لغشِّه لإخوانه المسلمين، ومحبة الشَّرِّ لهم، وجراءته على أعراضهم ، فإذا كان هذا الوعيد لمجرد محبة أن تشيع الفاحشة ، واستحلاء ذلك بالقلب ، فكيف بما هو أعظم من ذلك ، من إظهاره ونقله ؟! وسواءً كانت الفاحشة صادرة أو غير صادرة ".

وإن مما يؤسف له أن شبكة الإنترنت قد استغلت في هذا المجال أيما استغلال ، وصارت موبئاً للتعاملات الساقطة ، إذ لم تقتصر على تداول صور ومناظر الفحش والعهر من منتحلي الفواحش من الكفار والكافرات ، ولكن يتم بث صور المسلمات العفيفات الغافلات ، وربما أُدخلت عليها عمليات الدبلجة ، بتركيب الصور على أجساد عارية ، وهذا من أعظم البغي وأكبر العدوان وأشد البهتان . ولسوف يدرك الفاعل لذلك شناعة جرمه يوم يجازيه الله على هذا الاعتداء والبغي .

رابعاً : لا ريب أن تلك الأعمال المشار إليها مشتملةٌ على أذية المؤمنين والمؤمنات :
فإنَّ مَنْ تَمَّ تصويرها بما يُظهر عورتَها ، أو هتك خصوصياتها ، لا ريب أنه من أشد الأذية لها ، وقد قال الله عزَّ وجال : ( والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتاناً وإثماً مبيناً ) ، وهذا عامٌ في كل ما كان من أذية المؤمنين والمؤمنات .

وقد ثبت في جامع الترمذي وغيره عن نافع عن ابن عمر قال : صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم المنبر ، فنادى بصوت رفيع ، فقال : " يا معشر من قد أسلم بلسانه ولم يُفْضِ الإيمانُ إلى قلبِه ، لا تُؤذُوا المسلمين ، ولا تُعيِّروهم ، ولا تتبعوا عوراتهم ، فإنه من تتبع عورة أخيه المسلم ، تتبع الله عورته ، ومن تتبع الله عورته يَفْضَحْهُ ولو في جوف رحله " .

قال نافع ونظر ابن عمر يوماً إلى البيت أو إلى الكعبة ، فقال : ما أعظمك وأعظم حرمتك ، والمؤمن أعظم حرمة عند الله منك .

ولا ريب أنه لا أشد على النفوس الكريمة من أن تؤذى في أعراضها ، فالأذية حاصلةٌ للمسلمات ، وحاصلةٌ أيضاً لأهليهن ، لما يلحقها في ذلك من مشاعر الإحباط والامتعاض .

خامساً : سوء عاقبة فاعله في الدنيا والآخرة :
أما وقد تبين فيما تقدم بعض المساوئ والأضرار والمنكرات المترتبة على تصوير النساء وتداول صورهن ، فلا غرو حينئذ أن تكون العاقبة سيئة ووخيمة في الدنيا والآخرة لمن تسبب في ذلك .

أما في الدنيا : فإنه لما كان بَغْيَاً وعدواناً ، فإن فاعله مشمولٌ بالوعيد الوارد في النصوص المتقدمة ، كما في قوله تعالى : ( إنَّ الذين يُحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذابٌ أليم في الدنيا والآخرة ) .

وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " ما من ذنبٍ أحرى أن يعجِّل الله تبارك وتعالى العقوبة لصاحبه في الدنيا ، مع ما يُدَّخَرُ له في الآخرة ، من البغي وقطيعة الرحم " رواه أحمد وأهل السنن إلا النسائي من حديث أبي بكرة رضي الله عنه .

ومن جملة ما يكون في الدنيا : أن يحيق به مثلُ ما ألحقه واعتدى به على غيره ، وقد تقدم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فإنه من تتبع عورة أخيه المسلم ، تتبع الله عورته ، ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف رحله " .

ومن جملة ما يكون في الدنيا أيضاً : أن يُوقِع به وليُّ الأمر عقوبةً تردعه عن غيِّه ، وإساءته لأعراض المسلمين ، وعن إشاعته للفاحشة ومسبباتها .

وفي هذا يقول الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله عند قول الله تعالى: ( والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتاناً وإثماً مبيناً ) إنَّ سبَّ آحاد المؤمنين موجبٌ للتعزير.

فهذا في السب الذي يكون شتماً بالكلام ، فكيف بما يكون من انتهاك الأعراض بعرض الصور وإظهارها ؟! والتي احتاط الشارع الحكيم لها بعقوبة مقدرة ، كما هو في حد القذف ، ولهذا كان المصور للعفيفات جديراً بعقوبة تكفُّه وتردع غيره .

وعلى هذا فإن على الجهات الرقابية في الهيئة والشرطة وغيرهما أن تكون حازمةً في هذا المجال لمنع توسعه ، كما أن أصحاب الفضيلة القضاة يؤمَّل منهم الحزم في عقوبة من امتهن هذه الأعمال وتعود عليها ، وخاصةً من تكرر منه ذلك ، بحسب ما يرونه من دلالات نصوص الشرع القويم .

ومن قبل ذلك على الجهة المختصة في وزارة التجارة أن تتخذ إجراءات حاسمة لضبط تداول هذه الأجهزة بين الناس ، بما يتم معه تحقيق الأمن الأخلاقي للمجتمع .

وأما في الآخرة : فكما تقدم في قوله تعالى : ( إنَّ الذين يُحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذابٌ أليمٌ في الدنيا والآخرة ) .

كما أن وضع اسم امرأة من المسلمات بإزاء صورةٍ لها أو لغيرها ، وقد أجري عليها اللصق لجسدٍ عارٍ ؛ هو رميٌّ لها بالسوء ، واتهامٌ لها بالفحش ، وقد توعَّد الله من اقترف ذلك وعيداً عظيماً ، فقال سبحانه : ( إنَّ الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لُعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذابٌ عظيم . يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون . يومئذٍ يوفِّيهم الله دِينَهم الحقَّ ويعلمون أنَّ الله هو الحق المبين ) ( النور : 23 ـ 25 ) .

وقد ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" اجتنبوا السبع الموبِقَات " قالوا : يا رسول الله وما هُنَّ ؟ قال : " الشرك بالله ، والسحر ، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق ، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات".

وتأمل هذا الوصف البليغ للمحصنات المؤمنات ، وهو " الغافلات " أي غافلات عن الفواحش ، وما قُذِفْنَ به ، ثم يأتي صاحب الإفك أو صاحبته ، ليصنع هذا الصنيع البغيض ، وخاصةً تلك الصور التي تلتقط للنساء المسلمات وهنَّ غافلات ، لا يشعرنَ أن هنالك من يترصد بهن ، كما يقع من التصوير في الأعراس ، وفي المدارس والكليات ، وفي الأسواق والمتَنَزهات ، إنها خيانة وحُبٌّ للفحش ونشره ، يدل على دناءة النفس وسفالتها ، نعوذ بالله من ذلك ، وما كان الله جلَّ شأنه ليُخلِّي بين أصحاب البُهت والفُحش وبين المسلمات العفيفات ، فالله لهنَّ بالنصر والاقتصاص ، كما أنه سبحانه لأولئك المعتدين بالمرصاد.

ومما يكون في الآخرة أيضاً : ما دلَّ عليه ما رواه مسلم عن أبي هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أتدرون ما المفلس ؟ " قالوا : المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع . فقال عليه الصلاة والسلام : " إنَّ المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ، ويأتي قد شتم هذا ، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا،وضرب هذا، فيُعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته ، فإن فَنِيَت حسناتُه قبل أن يُقضى ما عليه أُخِذَ من خطاياهم فطرحت عليه ، ثم طُرح في النار " .

قال الإمام النووي رحمه الله : " فهذه حقيقة المفلس ، وأما من ليس له مال ، ومن قَلَّ مالُه ، فالناس يسمونه مفلساً ، وليس هو حقيقة المفلس ، لأن هذا أمرٌ يزول وينقطع بموته ، وربما ينقطع بيَسَارٍ يحصل له بعد ذلك في حياته ، وإنما حقيقة المفلس هذا المذكور في الحديث ، فهو الهالك الهلاك التام ، والمعدوم الإعدام المقطع ، فتؤخذ حسناته لغرمائه ، فإذا فرغت حسناته أُخذ من سيئاتهم ، فوُضع عليه ، ثم أُلقي في النار ، فتمت خسارته وهلاكه وإفلاسه " .

ومن صنع مع مسلمة هذا النوع من الاعتداء ، بأن صوَّرها ، أو أشاع عنها الفُحش ، فله نصيبه من هذه الخسارة ، فما الظنُّ بما سيكون يوم القيامة ، حين تخيَّر صاحبةُ الحق وأهلُها في حسناته ؟ هل سيبقون شيئاً ؟!.

وأتوجه ختاماً بحديث إلى الشباب والفتيات …
أما الشباب : وخاصةً الذين باتت منتديات الإنترنت ومواقعه ميداناً لمهاراتهم وبراعتهم ، والذين يمضون الساعات الطوال في محادثات هامشية ، أو محرمة ، أو متابعة للمواقع التي نُصبت فخَّاً لاصطيادهم والعبث بعقولهم وأخلاقهم ، فكم تمنيت من هؤلاء ، وقد أدخلوا أنفسهم في لُجج المواقع المتنوعة على الإنترنت أن يَعُوا دورهم في هذا المجال ، وأن يكون لهم أثر في نصرة عقيدتهم التي يحملونها بين جوانحهم . وأن يعلموا أنهم إن لم يكونوا مؤثِّرين على غيرهم فإنه يوشك أن يعبث بعقولهم وبثقافاتهم ثم يكون التشكيك في عقيدتهم ، وانهيار حياتهم كلها .

كما أُذكِّر من لاحت بين ناظريه صور المسلمات الغافلات أن يعتبر تلك المسلمة بنتاً له أو أختاً ، وهي كذلك : ( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض ) ، وليَسعَ لتغيير ذلك المنكر ما استطاع ، ومحاولة اجتثاث تلك الصورة وقطع الطريق على من أراد ترويجها .

أما أولئك الذكور والإناث الذين سوَّلت لهم أنفسهم تصوير محارم المسلمين ، على حين غفلةٍ منهم ، متناسين نظر الله إليهم وإحاطته بهم ، فأذكرهم الوقوف بين يدي الله ، ( يوم تجد كلُّ نفسٍ ما عملت من خيرٍ محضراً وما عملت من سوءٍ تودُّ لو أنَّ بينها وبينه أَمَداً بعيداً ويحذركم الله نفسَه والله رؤوفٌ بالعباد ) ( آل عمران : 30 ) .

وأما الفتيات وعموم النساء : فينبغي لهنَّ الحذر من أن يَكُنَّ متساهلات بمن أرادت العبث بعرضها من جليساتها، وأن تعلم أن تلك الصور قد تأتي على مستقبلها ، وعلى علاقاتها بأهلها وبالناس كافة ، فتقلب حياتها جحيماً لا يطاق .

وخاصةً أولئك الفتيات اللاتي قد يغرر بهن لصوص القلوب وذئاب الأعراض ، حين يطلب تصويرها بدعوى حبه لها وعزمه على الزواج بها ! فتغتر حينئذ وتسلم قيادها له ، مع أنه لو لم يبق بين الناس من النساء إلا هي لرفض الاقتران بها .

وهكذا ما يكون من تساهل بعض النساء بخلع ثيابهن لدى دخول غرف قياس الملابس بالأسواق ، أو لدى تساهلهن بالذهاب إلى حمامات السباحة وحمامات البخار على اختلاف مسمياتها وصالات الرياضة ، وكذلك خلعهن ثيابهن في المشاغل النسائية ولدى تجهيز العرائس ، أو في عيادات التجميل ، ففي كل تلك الأحوال مخالفات شرعية قد تقود المتساهلة بها إلى حتفها .

وهذا يبين لنا شيئاً من حرص نبينا محمدٍ صلى الله عليه وسلم ورأفته ورحمته بأمته ، وبالنساء على وجه الخصوص ، حين نبههنَّ إلى خطورة إلقاء ثيابهن على وجه مريب ، فقال عليه الصلاة والسلام : " ما مِنْ امرأةٍ تَخْلَعُ ثيابَها في غير بيتِها إلا هَتَكَتْ ما بينها وبين الله تعالى " رواه أحمد وأبو داود واللفظ له وغيرهما . وذلك لأنها مأمورة بالتستر والتحفظ من أن يراها أجنبي ، حتى لا ينبغي لهنَّ أن يكشفن عورتهن إلا عند أزواجهن ، فإذا كشفت أعضاءها في تلك المواضع من غير ضرورة فقد هتكت الستر الذي أمرها الله تعالى به .

فحريٌّ بأخواتنا المسلمات أن يلزمنَ الآداب الشرعية ، وما تقتضيه من الحشمة والحصانة ، وأن يحذرن من أراد المساس بسمعتهن ، مهما كانت المبررات ، وأن يَكُنَّ متنبهات حاضرات البديهة ، وأن يُحسِنَّ اختيار جليساتهن ، حتى يَكُنَّ ممن يُؤمَنُ جانبهن على أقل الأحوال .

والله المسئول سبحانه أن يحفظنا جميعاً بحفظه ، وأن يحفظ أعراضنا والمسلمين ، وأن يسبغ علينا عفو وعافيته ، وأن يجيرنا من أسباب سخطه ، وأن يثبتنا على دينه حتى يتوفانا عليه ، غير ضالين ولا مضلين . إنه سبحانه جواد كريم ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد .