أحدث المشاركات

ما الفرق بين ( رحمت الله) و( رحمة الله)» بقلم ناديه محمد الجابي » آخر مشاركة: خالد أبو اسماعيل »»»»» اتجاهات» بقلم بسباس عبدالرزاق » آخر مشاركة: ناديه محمد الجابي »»»»» ابتهالات.» بقلم ناديه محمد الجابي » آخر مشاركة: ناديه محمد الجابي »»»»» نسجل دخولنا بذكر الله والصلاة على رسول الله» بقلم عوض بديوي » آخر مشاركة: ناديه محمد الجابي »»»»» قراءة في كتاب رؤية الله تعالى يوم القيامة» بقلم اسلام رضا » آخر مشاركة: اسلام رضا »»»»» نظرات بمقال هل تعلم أن مكالمات الفيديو(السكايب) كانت موجودة قبل 1» بقلم اسلام رضا » آخر مشاركة: ناديه محمد الجابي »»»»» افتكرني يا ابني» بقلم سيد يوسف مرسي » آخر مشاركة: سيد يوسف مرسي »»»»» جسور الأمل.» بقلم أسيل أحمد » آخر مشاركة: خالد أبو اسماعيل »»»»» أنا لن أحبك لأن الطريق مغلق» بقلم سيد يوسف مرسي » آخر مشاركة: سيد يوسف مرسي »»»»» دعاء لا يهاب ! _ أولى المشاكسات» بقلم أحمد صفوت الديب » آخر مشاركة: ناديه محمد الجابي »»»»»

صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 10 من 12

الموضوع: قراءة في قصة "حرص" للدكتور سمير العمري

  1. #1
    الصورة الرمزية صفاء الزرقان أديبة ناقدة
    تاريخ التسجيل : Mar 2011
    المشاركات : 715
    المواضيع : 31
    الردود : 715
    المعدل اليومي : 0.15

    افتراضي قراءة في قصة "حرص" للدكتور سمير العمري


    حرص
    تَمَطَّى عَلَى الأَرِيكَةِ الوَثِيرَةِ يَفْركُ يَدَيهِ بِسَعَادَةٍ وَرِضَا. الدِّفْءُ المُنبَعِثُ مِنَ الموقَدِ المُقَابِلِ يَتَخَلَّلُ جَسَدَهُ لِيَزِيدَهُ اسْتِرْخَاء وَسَكِينةَ وَهُوَ يَتَأَمَّلُ مِنَ النَّافِذَةِ الكَبِيرَةِ رِقَّةَ هُطُولِ الثُّلُوجِ فِي دَعَةٍ وَهُدُوءٍ كَقطْنٍ نَدِيفٍ مِنْ يَدِ صَانِعٍ مَاهِرٍ. بَيْتُهُ الخَشَبِيِّ الصَّغِيرِ المُحَاطِ بِأَشْجَارٍ بَاسِقَةٍ أَصَرَّتْ عَلَى الاحْتِفَاظِ بِأوْرَاقِهَا الخَضْرَاء وَإِنْ خَالَطَهَا البَيَاضُ كَانَ كُلَّ عَالَمِهِ الصَّامِتِ إِلا مِنْ بَعْضِ مَرَّاتٍ يَشْتَاقُ فِيهَا لِلصَّخَبِ وَالحَرَكةِ.

    عَادَ لِيَتَفَحَّصَ الكَامِيرَا التِّي ابْتَاعَهَا مُنْذُ يَومَين مُتَأَمِّلاً تَارَةً شَكْلَهَا الأَنِيقِ ، وَمُسْتكْشِفَاً تَارَةً الجَدِيدَ مِنْ مِيزَاتِهَا العَدِيدَةِ مِمَّا لَمِّا يَصِلْ إِلَيهِ. ابْتَسَمَ مِنْ جَدِيدٍ سَعَادَةً بِهَذِهِ الكَامِيرَا التِي طَالَمَا حَلِمَ بِهَا لِيُسَجِّلَ لَقَطَاتٍ مِنْ لَحَظَاتِ حَيَاتِهِ السَّعِيدَةِ ذِكْرَى يَحْتَفِظُ بِهَا سَبَبَ أُنْسٍ لِشَيخُوخَتِهِ التِي يَعْلَمُ أَنَّهُ سيَكُونُ فِيهَا وَحِيدَا. لَمْ يَهْتَمَّ لِلمَبْلَغِ البَاهِظِ الذَي دَفَعَهُ ثَمَنَاً فَهِيَ تَسْتَحِقُ كَمَا أَقْنَعَ نَفْسَهُ بِمَا فِيهَا مِنْ خَصَائِصَ وَإِمْكَانِيَات مُذْهِلَةٍ هِيَ أَحْدَثُ مَا تَوَصَّلَتْ إِلَيهَا التقْنِيَةُ الرَّقمِيَّةُ.

    أَعَادَ نَظَرَهُ إِلَى حَيثُ النَافِذَةِ يَتَأَمَّلُ مَا تَحِيكُ يَدُ السَّمَاءِ مِنْ نَسِيجٍ مُهَفَهَفٍ تَكْسُو بِهِ الأَرْضَ ثَوبَاً أَبْيَضَ مِنَ النَّقَاءِ يُخْفِي تَحْتَهُ كُلَّ أَدْرَانِهَا وَعَورَاتِهَا. شَعَرَ بِرَغْبَةٍ عَارِمَةٍ فِي أَنْ يَحْتَفِلَ بِهَذَا الجَّوِ الثَّلْجِيِّ الفَاتِنِ ، وَأَنْ يَحْتَفِيَ بِكَامِيرَتِهِ الجَدِيدَةِ ؛ فَيَبْدَأَ الاسْتِخْدَامَ الفِعْلِيَّ لِخَصَائِصِهَا الكَثِيرَةِ وَالكَبِيرَةِ خُصُوصَاً مِنْهَا مِيزَة ثَبَاتِ الصُّورَةِ فِي كُلِّ الظُرُوفِ. قَرَّرَ بِالفِعلِ أَنْ يَخْتَبِرَهَا في مثل هذا الطَّقْسِ البَارِدَ ، وَأَنْ يُسْعِدَ نَفْسَهُ بِرِيَاضَتِهِ المُفَضَّلَةِ يُفْرِغُ بِهَا دَفقَاتِ السُّرُورِ التِي تَنْتَابُهُ وَتَستَعْمِرَ مَشَاعِرَهُ.

    رِيَاحُ الشَّمَالِ تَتَدَفَّقُ بِرِفْقٍ تَحْمَلُ الهَوَاءَ النَّقِيَّ البَارِدَ لِتَلْفَحَ بِهِ وَجْهَهُ المُتَلَفِّعَ بِلِثَامٍ صُوفِيٍّ سَمِيكٍ وَهُوَ يَنْسَابُ بِتَؤُدَةٍ عَلَى زَلاجَتِهِ نَحْوَ تِلْكَ المَسَاحَاتِ البَيْضَاء حَيْثُ لا شَجَرَ يَزْجُرُ وَلا حَجَرَ يَحْظرُ وَلا بَشَرَ يَنْظُرُ. وَعَلَى سُفُوحِهَا هُنَاكَ أَطْلَقَ لِسَاقَيهِ العنَانَ يُسَابِقُ الرِّيحَ تَارَةً وَيُسَابِقُ الحُلُمَ تَارَةً أُخْرَى ؛ كَأَنَّهُ فَارِسٌ امْتَطَى مَتْنَ الرِّيحِ مُنْطَلقَاً نَحْوَ الحُلُمِ الجَمِيلِ الذِي رَاوَدَهُ عَدَدَ سِنِين. مَهَارَتُهُ فِي التَّزَلُّجِ مَدَّتْ يَدَاً لِكَفِّ نَشْوَتِهِ الجَارِفَةِ تَدْفَعَانهُ لِلتَّمَايُلِ تَبَخْتُرَاً بِرَغْمِ هَذِهِ السُّرْعَةِ العَالِيَةِ وَقَدْ أَمْسَكَ بِيَدِهِ الكَامِيرَا يُدِيرُهَا إِلَى وَجْهِهِ المُتَهَلِّلِ سَعَادَةً حِينَاً ، وَحِينَاً إِلَى الأُفُقِ المُمْتَدِّ أَمَامَهُ أَبْيَضَ مِنْ غَيرِ سُورٍ مُتْعَةً كُبْرَى.

    وَفَجْأَةً ؛ شَعَرَ بِأَنَّ الأَرْضَ لَمْ تَعُدْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَحْمِلَهُ. لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ حُلُمَاً تَوَهَّمَهُ. كَانَتِ الأَرْضُ تَتَشَقَّقُ تَحْتَهُ حَقَّاً لِيَجِدَ نَفْسَهُ وَقَبْلَ أَنْ يَتَمَكَّنَ مِنَ التَّوَقُّفِ قَدْ بَدَأَ يَغُوصُ فِي الجَلِيدِ. اضْطَرَبَ جِدَاً وَهُوَ يَرَى كَأَنَّ الأَرْضَ تَبْتَلِعُهُ وَكَأَنَّ صَقِيعُهَا يُكَبِّلُهُ. لَمْ يَتَوَانَ الأَلَمُ أَنْ يَغْرسَ فِي أَطْرَافِهِ أَنْيَابَهُ يَعضُّهُ سَغْبَانَ مَسْعُورَاً. يَتَأَوَّهُ بِشِدَّةٍ وَلَكِنْ كَانَ كُلُّ هَمِّهِ وَقْتَئِذٍ أَنْ يُحَافِظَ عَلَى الكَامِيرَا مِنَ البَلَلِ فَتَتَعَطَّلَ ، أَوِ السُّقُوطِ مِنْ يَدِهِ فَتَنْكَسِرَ. رَفَعَ يَدَهُ بِهَا أَكْثَر كُلَّمَا غَاصَ أَكْثَر مُشْفِقَاً عَلَيهَا يَنْظُرُ إِلَيهَا بِحِرْصٍ وَانْتِبَاهٍ.

    وَعَلَى أَحَدِ الأَسِرَّةِ البَيْضَاء كَانَتْ عَيْنَاهُ تَتَقَلَّبَانِ بَينَ قَدَمَينِ قَدْ شَلَّ الجَلِيدُ قُدْرَتَهَا وَدَامَا ، وكَامِيرَا قَدْ كَسَرَ البَرْدُ عَدَسَتَهَا خِتَامَا ، وَكَشْفُ حِسَابٍ جَاوَزَ ثَمَنَهَا بِعَشْرَةِ أَضْعَافٍ تَمَامَا.


    القصة هي سرد لحدث أو أحداث تتعلق بشخصية أو أكثر بأُسلوب فني يوصل من خلاله الكاتب رسالته أو فكرته للمتلقي، حيث يتم تسليط الضوء على الشخصيةٍ أو الشخصيات وعرض ما يُحيطها فيصفها و يحللها، ويصور تحركها ضمن العالم الذي تنتمي إليه مركزا على جانب مُعين من حياتها وموحيا للقاريء أن ما يتابعه هو حياة حقيقية، وما هي في الحقيقة إلا مُحاكاة للواقع نجح الكاتب البارع و المُتمكن باقناع قارئة بواقعيتها عن طريق الإيحاء و التأثير.
    وفي محموعة من الأحداث التي بدأت هادئة ثم تصاعدت وتيرتها بسرعة قبل السقوط المفجع، يتحدث كاتبنا في قصته "حرص" عن حلم رجلٍ بسيط يتمنى أن يحصل على كاميرا علّه يلتقط بها شيئاً من اللحظات الجميلة التي يعيشها ، في سردية قوية يُصور فيها المُحيط الذي يعيش فيه البطل موضحا ملامح شخصيتة ليُساعد القارئ على فهم مكنونات الشخصية و تحليلها، والبطل في قصتنا هنا إنسان بسيط بإمكانياتٍ محدودة و لكنه بالرغم من ذلك دفع مبلغاً باهظاً من أجل أن يُحقق حلمه، وكانت الخاتمة مُحمَلةً بمفاجأةٍ كبيرة إذ تنتهي القصة بأن تُشل قدما البطل و تُكسر عدسة حلمه "الكاميرا" إثر سقوطه في مياهٍ مُتجمدة ، وتُحدث الخاتمةُ نقلةً صاعقة للقارئ بحس المُباغتةِ الذي حملتهُ ,فقد بدأت القصة بصورةٍ جميلةٍ للبطل أثناء جلوسه في بيته البسيط هانئاً بالدفء رغم البرودة خارجاً ,مُنتشياً بتحقيق حلمه مما يشعرُ القارئ بحال السعادة والرضا اللذان يعيشهما البطل و لكن الحال ينقلب عند سقوطه في الماء المُتجمد إلى حالٍ من الأسى و الضيق تعاطُفاً مع البطل .

    عنوان القصة مكونٌ من كلمةٍ واحدة "حرص" وهذه البساطة في العنوان تفتح باب التأويل على احتمالاتٍ كثيرة فيزداد تعلق القارئ بها كي يعرف ما يعنيه العنوان . فالعنوان مُختزلٌ و لكنه يحمل الكثير . كلما زادت المعاني التي يحملها أو يقترحها العنوان زاد تعلق القارئ بالنص و نجدُ أن كل قارئ يمتلك قراءته و نظرته الأولية للعنوان التي تختلف ولو بقدرٍ بسيط عن قراءة مُتلقٍ آخر . العنوان يبعثُ في نفس القارئ الكثير من التساؤلات عن طبيعة هذا الحرص و سببه فينطلق باحثاً عن إجاباتٍ يحملها النص .


    قصة "حرص " تصور جانباً من حياة البطل وما عاناه. القصة واقعية فهي تُحاكى الواقع و تصوره ببراعة من خلال عرضها لتناقض المُجتمع الذي نعيش فيه فها هو البطل يفقد قدميه من أجل حُلمه البسيط إلا وهو الحصول على كاميرا . هذا النوع من الأدب ينتمي إلى المدرسة الواقعية النقدية التي تسلط الضوء على مُشكلات اجتماعية و خاصة المشكلات التي تُعنى بالطبقية و تصوير مُعاناة الطبقات الفقيرة في المُجتمع. مما يُشير إلى واقعية القصة عدم ذكر اسم البطل وهو ما زاد من تأثير القصة و واقعيتها حيث يشعر كل قارئ بإمكانية حدوث ما حدث للبطل له هو أيضاً فيزداد تأثير القصة فالبطل غير معروف و هويته غير مُحددة لا نعرف عنه سوى أنه إنسانٌ بسيطٌ يمتلك حُلماً يسعى إلى تحقيقه و من منا لا تنطبق عليه تلك الصفات ؟ كلما زادت واقعية القصة زاد التصاقها بنفس القارئ فهو يهتم بالواقع أكثر من اهتمامه بالخيال مهما بلغ تأثير الخيال في نفسه فإنه لن يكون بحجم تأثير الواقع .


    تبدأ القصة بمشهد جلوس البطل أمام المدفئةِ و تصوير شعوره بالدفء هذا الوصف يوضح جوانب من شخصية البطل فهو إنسان بسيط وهو ما يتضح من مسكنه يعيش حياةً راضيةً نفسه مُطمئنةٌ هانئة " يَتَخَلَّلُ جَسَدَهُ لِيَزِيدَهُ اسْتِرْخَاء وَسَكِينةَ وَهُوَ يَتَأَمَّلُ مِنَ النَّافِذَةِ الكَبِيرَةِ رِقَّةَ هُطُولِ الثُّلُوجِ فِي دَعَةٍ وَهُدُوءٍ كَقطْنٍ نَدِيفٍ مِنْ يَدِ صَانِعٍ مَاهِرٍ" يقول إيليا أبو ماضي " كن جميلاً ترى الوجودِ جميلا" فنفسه الراضية رأت مٌحيطها في أجمل الصور و أبهاها " أَعَادَ نَظَرَهُ إِلَى حَيثُ النَافِذَةِ يَتَأَمَّلُ مَا تَحِيكُ يَدُ السَّمَاءِ مِنْ نَسِيجٍ مُهَفَهَفٍ تَكْسُو بِهِ الأَرْضَ ثَوبَاً أَبْيَضَ مِنَ النَّقَاءِ يُخْفِي تَحْتَهُ كُلَّ أَدْرَانِهَا وَعَورَاتِهَا". هو إنسان مُنطلقٌ حالمٌ" أَطْلَقَ لِسَاقَيهِ العنَانَ يُسَابِقُ الرِّيحَ تَارَةً وَيُسَابِقُ الحُلُمَ تَارَةً أُخْرَى ؛ كَأَنَّهُ فَارِسٌ امْتَطَى مَتْنَ الرِّيحِ مُنْطَلقَاً نَحْوَ الحُلُمِ الجَمِيلِ" رأى نفسهُ فارساً لأنه وضع حُلمهُ نُصبَ عينيه وسار نحوه و ناله.

    سعى لتحقيق حلمه و لم يأبه لما دفعه من مبلغٍ كبير في سبيل تحقيق ذلك الحلم" لَمْ يَهْتَمَّ لِلمَبْلَغِ البَاهِظِ الذَي دَفَعَهُ ثَمَنَاً فَهِيَ تَسْتَحِقُ كَمَا أَقْنَعَ نَفْسَهُ بِمَا فِيهَا مِنْ خَصَائِصَ وَإِمْكَانِيَات مُذْهِلَةٍ هِيَ أَحْدَثُ مَا تَوَصَّلَتْ إِلَيهَا التقْنِيَةُ الرَّقمِيَّةُ". هو يرى في الكاميرا مؤنساً يُدفئ القادم من أيامه و يُكسبها شيئا من الجمال فيقتات على ما عاشه من لحظاتٍ جميلةٍ في الماضي ليعيش الباقي من أيامه . كانت هذه الصورة تخليداً للحظةٍ جميلةٍ عاشها لعل شعوره بالسعادة يطول أكثر و يُلازمه في القادم من أيامه. الكاميرا كانت عينهُ التي يرى و ينتقي بها أجمل ما في واقعه غاضاً البصر عن ما يحتويه هذه الواقع من عوراتٍ وأدران ليرى عالماً مثالياً لا يحوي إلا الجمال " ثَوبَاً أَبْيَضَ مِنَ النَّقَاءِ يُخْفِي تَحْتَهُ كُلَّ أَدْرَانِهَا وَعَورَاتِهَا".

    مشهد تساقُط الثلج يُشير إلى النشاط و الحركة و السعي في حياة البطل فهو قد سعى ليُحقق حُلمه و غايته. جلوسه بالقرب من المدفئة يعكس دفء حياته التي يعيشها أما مشهد البرد خارج بيته فهو يصور البرودة التي قد يحملها مُستقبله فهو يرى نفسه يحيا مُستقبله وحيداً " سَبَبَ أُنْسٍ لِشَيخُوخَتِهِ التِي يَعْلَمُ أَنَّهُ سيَكُونُ فِيهَا وَحِيدَاً".

    تصوير مشهد السقوط كان مُختزلاً و سريعاً فلم يتم شرح تفاصيله و هذا أمرٌ قد زاد من واقعية القصة فحسُ المُباغتة الذي صور وقوع البطل هو ذاتهُ ما نشعر به واقعاً عندما نكون مُحلقين حالمين فنتفاجأ بارتطامنا بالأرض بعد أن كنا مُحلقين في سماء الحُلم و إذا سُئلنا عن سرِ ما حدث لا ندري بما نُجيب فنحن كنا غافلين عما يُحيط بنا هائمين في سماواتِ أحلامنا " وَفَجْأَةً ؛ شَعَرَ بِأَنَّ الأَرْضَ لَمْ تَعُدْ تَسْتَطِع أَنْ تَحْمِلَهُ. لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ حُلُمَاً تَوَهَّمَهُ. كَانَتِ الأَرْضُ تَتَشَقَّقُ تَحْتَهُ حَقَّاً لِيَجِدَ نَفْسَهُ وَقَبْلَ أَنْ يَتَمَكَّنَ مِنَ التَّوَقُّفِ قَدْ بَدَأَ يَغُوصُ فِي الجَلِيدِ".

    سقوطه إلى الواقع بعد طيرانهِ حالماً كان مُدوياً "لم يتوانَ الألم أن يغرس في أطرافه أنيابه يعضه سغبان مسعوراً" هي الحياة التهمته دون رحمةٍ و لكنه برغم ما عاناه من ألمٍ بقيَ مُتمسكاً بحُلمه "حريصاً" عليه " يَتَأَوَّهُ بِشِدَّةٍ وَلَكِنْ كَانَ كُلُّ هَمِّهِ وَقْتَئِذٍ أَنْ يُحَافِظَ عَلَى الكَامِيرَا مِنَ البَلَلِ فَتَتَعَطَّلَ ، أَوِ السُّقُوطِ مِنْ يَدِهِ فَتَنْكَسِرَ. رَفَعَ يَدَهُ بِهَا أَكْثَر كُلَّمَا غَاصَ أَكْثَر مُشْفِقَاً عَلَيهَا يَنْظُرُ إِلَيهَا بِحِرْصٍ وَانْتِبَاهٍ" و كأنه يُريدُ أن يُثبت للحياة جدارته بالحصول على حُلمه فزادت الحياة الطعنات لكي تختبر صلابتهُ و إصراره. كان حالماً ولكن الحياة أبت إلا أن تُعيده إلى الواقع فأسقطته من علياء حُلمه إلى صقيع الواقع . هو الحالم يدفعُ ثمن حُلمه من ماله وجسده و روحه علهُ ينالُ مُبتغاه فالبطل في القصة قد دفعَ الثمن باهظاً من جسده و ماله و روحه"وَعَلَى أَحَدِ الأَسِرَّةِ البَيْضَاء كَانَتْ عَيْنَاهُ تَتَقَلَّبَانِ بَينَ قَدَمَينِ قَدْ شَلَّ الجَلِيدُ قُدْرَتَهَا وَدَامَا ، وكَامِيرَا قَدْ كَسَرَ البَرْدُ عَدَسَتَهَا خِتَامَا ، وَكَشْفُ حِسَابٍ جَاوَزَ ثَمَنَهَا بِعَشْرَةِ أَضْعَافٍ تَمَامَا"


    إذاً هي حرصُ الحالمِ على حُلمه و قصة فارسٍ قاتل كي ينال ما يُريد فكان حرصه على ذلك الحُلم أشد من حرصه على سلامة جسده . لم يكن بُخلاً أو نسياناً لحياته ولم يكن حرصه عليها وتشبثه بها لقيمتها المادية إنما كان تشبُث الحالم بحلمه و تعلقه به فكلنا نرى في أحلامنا سبباً لبقائنا لا يمكننا العيشُ من دونها فهي من يُكسب الحياة رونقاً و ألقاً فما معنى سعينا و عملنا إن لم نملك غايةً نطمحُ بالوصول إليها؟ حتى لو اقتضى الأمر أن ندفع أرواحنا ثمناً للحصول على حلمنا الذي يمنحنا شرعيةَ البقاء و يدفعنا إلى العمل و السعي . قد كسرت الحياةُ جزءاً منه و لكنه بقي مُقاوماً مُتمسكاً بحلمه .

  2. #2
    الصورة الرمزية كاملة بدارنه أديبة
    تاريخ التسجيل : Oct 2009
    المشاركات : 9,824
    المواضيع : 195
    الردود : 9824
    المعدل اليومي : 1.85

    افتراضي

    إذاً هي حرصُ الحالمِ على حُلمه و قصة فارسٍ قاتل كي ينال ما يُريد فكان حرصه على ذلك الحُلم أشد من حرصه على سلامة جسده . لم يكن بُخلاً أو نسياناً لحياته ولم يكن حرصه عليها وتشبثه بها لقيمتها المادية إنما كان تشبُث الحالم بحلمه و تعلقه به فكلنا نرى في أحلامنا سبباً لبقائنا لا يمكننا العيشُ من دونها فهي من يُكسب الحياة رونقاً و ألقاً فما معنى سعينا و عملنا إن لم نملك غايةً نطمحُ بالوصول إليها؟ حتى لو اقتضى الأمر أن ندفع أرواحنا ثمناً للحصول على حلمنا الذي يمنحنا شرعيةَ البقاء و يدفعنا إلى العمل و السعي . قد كسرت الحياةُ جزءاً منه و لكنه بقي مُقاوماً مُتمسكاً بحلمه .
    جميل ما اختتمت به هذه القراءة لقصّة واقعيّة دارت حول تحقيق حلم، ورغبة حياتيّة، رغم ما تبعهما من ضرر لصاحب هذا الحلم والرّغبة!
    شكرا لك أخت صفاء على هذه القراءة المجديّة لقصّة شائقة للأخ سمير
    بوركتما
    تقديري وتحيّتي

  3. #3
    شاعرة
    تاريخ التسجيل : Jan 2010
    الدولة : على أرض العروبة
    المشاركات : 34,923
    المواضيع : 293
    الردود : 34923
    المعدل اليومي : 6.72

    افتراضي

    أبدعت أيتها الراقية القراءة الرائقة التعبير
    غوص جميل في نفسية البطل بررت ما بدا للبعض حرصا بمعناه السلبي، وبينت جمالية الدوافع التي أودت بساقي الرجل في محاولته لحماية مخزن ذكرياته ومستودع محفوظاته لغد ينتظر فيه وحده وغربة

    ماتعة كانت قراءتها، وبذكاء حملت القاريء على العودة ثانية للنص لدخول تلك المساحات التي فاتته من مشاعر البطل وأحاسيسه، وتأملها بحس جديد وتفاعل مختلف

    أبدعت غاليتي

    دمت بألق
    تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

  4. #4
    الصورة الرمزية نداء غريب صبري شاعرة
    تاريخ التسجيل : Jul 2010
    الدولة : الشام
    المشاركات : 19,096
    المواضيع : 123
    الردود : 19096
    المعدل اليومي : 3.81

    افتراضي

    كثيرا ما تؤدي بنا أحلامنا للدمار
    وقد أدى الحلم بالبطل لفقدان ساقية .. ولم يتحقق

    مؤلمة هذه القصة وجميل طرح القاص للفكرة
    ورائعة قراءتك فيها أخيتي

    شكرا لروعتك

    بوركت

  5. #5
    الصورة الرمزية صفاء الزرقان أديبة ناقدة
    تاريخ التسجيل : Mar 2011
    المشاركات : 715
    المواضيع : 31
    الردود : 715
    المعدل اليومي : 0.15

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة كاملة بدارنه مشاهدة المشاركة
    جميل ما اختتمت به هذه القراءة لقصّة واقعيّة دارت حول تحقيق حلم، ورغبة حياتيّة، رغم ما تبعهما من ضرر لصاحب هذا الحلم والرّغبة!
    شكرا لك أخت صفاء على هذه القراءة المجديّة لقصّة شائقة للأخ سمير
    بوركتما
    تقديري وتحيّتي
    اهلاً استاذة كاملة
    شكراً على هذا المرور الندي الذي اسعدني
    الخاتمة كانت رؤيتي لذلك الحالم ذو الروح التواقة التي حاربت من اجل الحلم ولكن من منا لم يدفع ثمن حلمه حتى يصبح جديراً بالحصول عليه؟ فكل ما يُقدم لنا على طبقٍ من ذهب لا نشعر بقيمته كما نشعر بقيمة ما بذلنا جهداً جباراً للحصول عليه ولكن الثمن هنا كان باهظاً جداً .

    بوركتِ
    تحيتي و تقديري

  6. #6
    الصورة الرمزية صفاء الزرقان أديبة ناقدة
    تاريخ التسجيل : Mar 2011
    المشاركات : 715
    المواضيع : 31
    الردود : 715
    المعدل اليومي : 0.15

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ربيحة الرفاعي مشاهدة المشاركة
    أبدعت أيتها الراقية القراءة الرائقة التعبير
    غوص جميل في نفسية البطل بررت ما بدا للبعض حرصا بمعناه السلبي، وبينت جمالية الدوافع التي أودت بساقي الرجل في محاولته لحماية مخزن ذكرياته ومستودع محفوظاته لغد ينتظر فيه وحده وغربة

    ماتعة كانت قراءتها، وبذكاء حملت القاريء على العودة ثانية للنص لدخول تلك المساحات التي فاتته من مشاعر البطل وأحاسيسه، وتأملها بحس جديد وتفاعل مختلف

    أبدعت غاليتي

    دمت بألق
    اهلاً و سهلاً بالاديبة الرائعة الاستاذة ربيحة
    لتعليقاتك رونق و جمال يضيف ألقاً للنص .
    النقد عينٌ ثالثة تلقي الضوء على جوانب قد لا ينتبه لها الكثير من القراء فيوضح النقد جوانب القوة و الضعف في النص الادبي مما يفتح عين القارئ على الكثير و يعينه على تكوين رؤية شاملة واسعة للنص و ما يحمله .

    دمتِ بخير
    تحيتي و تقديري

  7. #7
    الصورة الرمزية مُنتظر السوادي قلم نشيط
    تاريخ التسجيل : Sep 2010
    الدولة : العراق + البصرة
    العمر : 41
    المشاركات : 584
    المواضيع : 91
    الردود : 584
    المعدل اليومي : 0.12

    افتراضي

    هنا وجدتُ لذة الادب وتذوقه , كم هو تحليل رائع غائر في خفايا النص وايضاح الهدف منه

    قراءة رائعة وشيقة لقصة وجيزة ذات فكرة شاملة

    فهل نأخذ الحكمة والموعظة منها يا ترى !!!


    التلميذ
    أَناخَتْ نارُهَا بَرْداً = وَعشق النَّاْرِ أَسرارُ

  8. #8
    الصورة الرمزية صفاء الزرقان أديبة ناقدة
    تاريخ التسجيل : Mar 2011
    المشاركات : 715
    المواضيع : 31
    الردود : 715
    المعدل اليومي : 0.15

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة نداء غريب صبري مشاهدة المشاركة
    كثيرا ما تؤدي بنا أحلامنا للدمار
    وقد أدى الحلم بالبطل لفقدان ساقية .. ولم يتحقق

    مؤلمة هذه القصة وجميل طرح القاص للفكرة
    ورائعة قراءتك فيها أخيتي

    شكرا لروعتك

    بوركت
    شكراً لمرورك وتعليقك استاذة نداء
    حقق الله لكل منا حلمه و غايته دون خسارات كبيرة .
    بوركتِ
    تحيتي و تقديري

  9. #9
    الصورة الرمزية صفاء الزرقان أديبة ناقدة
    تاريخ التسجيل : Mar 2011
    المشاركات : 715
    المواضيع : 31
    الردود : 715
    المعدل اليومي : 0.15

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة مُنتظر السوادي مشاهدة المشاركة
    هنا وجدتُ لذة الادب وتذوقه , كم هو تحليل رائع غائر في خفايا النص وايضاح الهدف منه

    قراءة رائعة وشيقة لقصة وجيزة ذات فكرة شاملة

    فهل نأخذ الحكمة والموعظة منها يا ترى !!!


    التلميذ
    شكراً لمرورك و تعليقك استاذ منتظر
    الادب يفتح عيوننا على الكثير فيضيف لنا تجارب
    وخبرات اضافية نستقي منه المعرفة والحكمة

    تحيتي و تقديري

  10. #10
    الصورة الرمزية محمد الشحات محمد شاعر وناقد
    تاريخ التسجيل : Sep 2007
    الدولة : القاهرة
    المشاركات : 1,100
    المواضيع : 103
    الردود : 1100
    المعدل اليومي : 0.18

    افتراضي


    (هو الحالم يدفعُ ثمن حُلمه من ماله وجسده و روحه علهُ ينالُ مُبتغاه)


    قراءة واعية لنص واقعي شامل ،

    أماَّ عن الرؤية النقدية ، فهي ذات تركيزٍ عالٍ ، تميزت بالتسلسل في اختيار الاستشهادات التي تخدم هذه الرؤية ، و بما يكشف للقارئ بعض أسرار النص ، و دوافع "حرص" البطل على توكيد أهمية ما كان يحلم به ، و يرنو لتحقيقه ..
    و كما كانت الاستشهادات من داخل النص القصصي ذاته ، فلقد لفت نظري استشهاد ناقدتنا الرائعة "صفاء الزرقان" بما قيل شعراً على لسان "إيليا أبي ماضي" حول رؤيتها لجمال دواخل البطل ، و التي انعكست على رؤيته للمقابلة بين ماهو خارج النافذة ، و ماهو داخل حجرته ، و بين طيات أحلامه المتحركة بالدفء و الأمل!

    و نعم .. "النقد عين ثالثة" مهمة لاغنى لأشرعة الأدب الراقي عنها


    شكراً لكِ الأديبة و الناقدة الفاضلة/ صفاء الزرقان

    و تحية للشاعر و القاص القدير/ د. سمير العمري

    باقات ودٍّ و ورْد

    عرفْتُ طعْمَ الندى بالصومِ مُرْتَجَلاً .... و النورُ منطقةٌ أرنو إلى فيها

صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. قراءة في قصة قرش بقرش للدكتور سمير العمري
    بواسطة كاملة بدارنه في المنتدى قِسْمُ النَّقْدِ والتَّرجَمةِ
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 30-07-2022, 08:14 PM
  2. قراءة في قصيدة "الأخوة نهج" للدكتور سمير العمري
    بواسطة وائل محمد القويسنى في المنتدى النَّقْدُ الأَدَبِي وَالدِّرَاسَاتُ النَّقْدِيَّةُ
    مشاركات: 7
    آخر مشاركة: 05-05-2013, 11:14 PM
  3. ترجمة قصة "قِرشٌ بِقِرْشٍ"للدكتور سمير العمري
    بواسطة صفاء الزرقان في المنتدى الشِّعْرُ الأَجنَبِيُّ وَالمُتَرْجَمُ
    مشاركات: 9
    آخر مشاركة: 17-04-2012, 12:34 PM
  4. ترجمة قصة "قِرشٌ بِقِرْشٍ"للدكتور سمير العمري
    بواسطة صفاء الزرقان في المنتدى قِسْمُ النَّقْدِ والتَّرجَمةِ
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 21-08-2011, 12:40 AM
  5. قراءة في قصة "حرص" للدكتور سمير العمري
    بواسطة صفاء الزرقان في المنتدى قِسْمُ النَّقْدِ والتَّرجَمةِ
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 08-08-2011, 01:55 AM