نظرات في : غزلية الوطن ( نونية د . سمير العمري )
يبدو أن قدر الدكتور سمير العمري كان على موعد مع ما كتبته عنه ؛ فهو مطالبٌ ـ من الأحباب ـ أن يعارض فحول الشعراء ، وهذا قدره فليذهب إليه مدفوعا بمطالب الأحباب :
على قدر أهل العزم تأتي العزائم = وتأتي على قدر الكرام المكارم
وأود القول أن هذا المقال ما هو إلا نظرات أتت عن خواطر حول ما رأيته من جمال ، وهو تعبير عن حسي وذوقي الخاص بعيدا عن النظريات بأنواعها لا عن مقام الشعر والشاعر ، وكم أتمنى أن أكتب كتابا كاملا عن الدكتور سمير ، وأحباب الواحة فقد قلت فيه :
جمعت محاسن الشعراء حتى
أتاك الشعر بسَّامـاً نضيـرا
فأنت البحتـري إذا تسامـى
وأدخل في مواجدنا السـرورا
أبو تمام في جمـع المعانـي
يُجَمِّلهـا وينسجهـا حريـرا
أيا متنبي القرطاس تفضـي
بحكمته ولا تزهـو فخـورا
ويا قيسـاً إذا ناجتـه ليلـي
فألهب من محاسنها شعـورا
وما قارفت فحش أبي نواسٍ
وما خالطت في هجوٍ جريـرا
حديقة شعرنا جمعت صنوفـأ
ومن فمكم خلاصتها زهـورا
وكان لا بد من تحقيق ذلك وإظهاره جلياً للأحباب من خلال حديقته الغناء المثمرة في غزلية من نوع سامٍ وترنيمة في حب الوطن .
كنت قد قرأت للدكتور سمير عجيبة من عجائبه الغزلية ( ما زال حيا ) والتي افتتح مطلعها بقوله :
صَافَحَتْ بِالطُّهْرِ جَدْبَ العَيْشِ فِيَّا
فَاسْتَحَالَ القَفْـرُ بُسْتَانَـاً نَدِيَّـا
وَأَطَـلَّ العُمْـرُ مِـنْ غُرْبَتِـهِ
يَشْتَكِيْهَـا أَنَّـهُ مَـا زَالَ حَيَّـا
وَاسْتَفَاقَ القَلْـبُ مِـنْ غَفْوَتِـهِ
بِجَنَاحِ الشَّوْقِ يَطْوِي البُعْدَ طَيَّـا
وَأََنِيْـنُ الطِّفْـلِ فِـي دَاخِـلِـهِ
لِحَنِيْنِ الصَّدْرِ يَرْوِي العَيْنَ رَيَّـا
واختتمها بقوله :
إِنَّنِـي بِالحُـبِّ أَحْيَـا شَاعِـرَاً
وَبِطُهْرِ النَّفْـسِ أَسْتَبْقِيْـهِ حَيَّـا
صَاخِبـاتُ الحُسْـنِ لا تَفْتِـنُـهُ
إِنَّمَا الـرُّوحُ وَإِطْـلالُ المُحَيَّـا
وَشَذَى الأَفْكَـارِ فِـي مَنْطِقِهَـا
وَوَفَـاءٌ دَائِـمُ الــوُدِّ وَرَيَّــا
لَيْسَ صِدْقُ الحُبِّ فِـي رَجْفَتِـهِ
إِنَّمَـا عَهْـدٌ وَعَيْـشٌ نَتَفَـيَّـا
فعجبت من هذا الجمال ووجدتني أمام شاعرٍ فحلٍ من الطبقة الأولى ؛ فكان تعليقي الفوري على هذا الجمال بقولي ـ كما جاء في الصفحة :
ما شاء الله عليك أستاذنا الحبيب د . سمير
ماذا نفعل وهن فاعلاتٌ فاعلاتٌ فاعلاتٌ شئنا أم أبينا روحاً أو حساً
إنها اقدار نمتحن بها وهنيئاً لمن نجح ، أعجبت جدا بالقصيدة المعبرة المؤثرة سابقاً ولاحقاً ما أجملها من حروف درية لا أملك أمامها إلا أن أقول :
حين هز الحب وجدانـاً صفيـا
واستهام القلـب بسامـاً نديـا
أترع الكاسات من بحر التسامي
جاء شعر الحب طهراً زمزميـا
إن حب الروح شدوٌ من حنينٍ
سابقٌ ميـلاد جسـم أو محيـا

وقد قرأت أمس غزلية من أرقى وأرق أنواع الغزل ؛ استطاع أن يجعلها قلباً نابضا بحب الوطن ، وكأن القصيدة هي الدكتور سمير نفسه أو أنها الوطن كله ، فضلاً عن أنه اختزل الحب كله في تلك الرائعة النونية ، ولا غرابة على مثل هذا الفحل أن يجعلنا في جو ينسينا ليلى وسلمى ، وكأني أسمع صوت نزار ـ مع تشابه حال الغربة والحنين لا غير ـ حين قال عن دمشق :
حبيبتي أنت فاستلقي كأغنيةٍ = على ذراعي ولا تستوضحي السببا
أنت النساء جميعا ما من امرأة = أحببت قبلك إلا خلتها كذبا
فإذا كان لابن زيدون فضل السبق فللعمري فضل السبك ، وإذا كان ابن زيدون قالها شوقا إلى الحبيبة ولادة ، فشاعرنا يقولها شوقا إلى كل المحبوبات ( فلسطين ) وهي ولادة بالرجال ـ كما أشار أستاذي الدكتور جمال مرسي ـ وأرى أن اختم بنقل تعليقي بمجرد قراءتي للقصيدة :


الله الله الله
سبحان من أجرى هذا الحب عذبا سلسبيلا !! وهل أستطيع اختار بعض الأبيات ؟!!
ماذا أقول أمام الحكمة والمثل في :
مَا كُلُّ مَنْ فَارَقَ الأَحْبَابَ مُفْتَـرِقٌ
بَعْضُ الفِرَاقِ يَزِيْدُ الحُـبَّ تَمْكِيْنَـا ؟
وما هذه الأشواق التي تتطاير من حنايا الضلوع
وَهَزَّتِ الخَافِقَ الأَشْوَاقُ فَارْتَجَفَـتْ
مِنْـهُ الضُّلُـوْعُ وَجَافَتْنَـا بَوَاقِيْنَـا ؟
يا لحسن التقسيم في :
الزَّهْرُ بَسْمَتُنَـا وَالطَيْـرُ هَمْسَتُنَـا
وَالصَمْتُ رَبْوَتُنَا وَالشِّعْـرُ وَادِيْنَـا !
الله الله على الحكمةالآهلة والآملة في :
مَنْ عَاَش فِي أَمَلٍ عَاشَتْ مُشَعْشِعَـةً
فِيْهِ الحَيَاةُ وَأَوْفَـى العَهْـدَ وَالدِّيْنَـا
وَمَنْ تَمَطَّى عَلَى خَرْجِ القُنُوْطِ قَضَى
وَأَصْبَحَ التِّبْرُ فِـي أَحْزَانِـهِ طِيْنَـا
ومسك الختام في :
لَوْلا تَعَلُّلِ مُشْتَـاقٍ لَمَـا خَفَقَـتْ
فِي القَلْبِ مِنْ خَفْقَةٍ بِالشَّوْقِ تُرْدِيْنَـا
إِنِّي أَمُوْتُ بِهَذَا البَيْـنِ فَاجْتَهِـدِي
أَنْ لا أَمُوْتَ بَعِيْـدَاً عَـنْ أَرَاضِيْنَـا
لا زِلْتِ أَنْتِ عَدِيْلَ النَّفْسِ فِي مِقَـةٍ
وَلا تَـزَالُ لَـكِ الأَنْفَـاسُ تُدْنِيْنَـا
حَبِيْبَةٌ أَسْكَنَـتْ قَلْبِـي وَتَسْكُنُنِـي
وَفِي الشِّغَـافِ أَنَادِيْهَـا فِلِسْطِيْنَـا
وأختم بدوري بما جاء في قصيدتي عن أخي وأستاذي د . سمير :
سمير الحب عشت لنا سميرا
وللأشعار والشعـرا الأميـرا
تذيق الكل من عذب القوافـي
روياً سلسـلاً عذبـاً نميـرا
كسوت الضاد من حلل المعاني
بدائع تمتع الفصحى دهـورا

النصر قادم والعودة قريبة إن شاء الله تعالى
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم