في طفولتي سألت أختي ذات العقل و الثقافة و الاطلاع الواسع عن اسم يرد في أحد الأناشيد الإسلامية تلك الأناشيد القديمة الأصيلة القيمة العذبة التي تسحر اللب وتسمو بالروح .سألتها :من هو" مروان حديد ذاك التقي الشهيد"؟
فأجابتني:"مروان حديد كان أحد المجاهدين من مدينة حماه قتله الأسد "."و أين حماه ؟"سألتها .قالت:" في سوريا ." "ومن هو الأسد ؟" و قد أرتسمت في مخيلتي صورة
الأسد الوحش المفترس .قالت :"رئيس سوريا الذي ذبح أهل حماه ,و باع أرضا تسمى الجولان لليهود ." كلمات ظلت عالقة في ذاكرتي :مروان حديد ,حماه,و الأسد . ناجيت نفسي :عندما أكبر سأصير مثلك أعرف كثيرًا عن مروان حديد,ومجزرة حماه.
و كبرت وكبر حب العالم الإسلامي في ضميري .حب غذاه أبي- رحمه الله- بحرصه و شفقته على الإسلام ,و أهله ,و دعائه الدائم على
اليهود و سائر الكفرة ,ورعت ذلك الحب أمي - حفظها الله.
و انكببت اقرأ عن مآسي عالمنا الإسلامي و قضيته الأولى , وكان يفيض ما في قلبي من حزن وأطلق شيئًا من لوعتي ,وحسرتي في
سطور كنت أكتبها في مادة الإنشاء .و مضت الأيام وجراح الإسلام تكثر ,و تتشعب,وتتسع ,وتنبجس. ودارت رحى الحرب بل المذبحة في
البوسنه و الهرسك , و تملكت قضيتها عقلي و فؤادي .شحذت لمعرفة أخبارها كل طاقتي كي ألم بكل شيء عنها .ما وجدت لحالتها شبيهًا
إلا الأندلس غير أني ما كنت أدري أن المدينة التي نقشت اسمها في خلدي, و ليست عن بلادي ببعيدة ,ووعدت نفسي أن أبحث عنها تشبهها
تماما؛ فحماه هي حقًا أخت بيلينا, سربرينتسا,جيبا ,فوتشا ,و سراييفو ,و فيتيز.ما الفرق ؟لا شيء .نعم ,لا شيء .. فعذرًا حماه ما أردت أن
يغطيك النسيان بل هي رمال زحفت من صحراء من شحوا بأنفسهم أن يكلفوها جهد النطق بكلمة هي من أضعف الإيمان ,وهم الذين
( بصمتهم قتلوك) مرتين و هم بقصتك عارفون . بيد أني قد عدت يا حماه أبحث عنك ؛ قلبت صفحات التاريخ فوجدك لؤلؤة سالمت أمين
الأمة رضي الله عنه ,و أسلمت لخالقها ,و مبدع حسنها.حمت بشجاعتها حمى الإسلام ,وربت أهل العلم ,والفضل.عانت ,وقاست و لأنها
عاشت تريد أن تظل كريمة ,حرة, أبيةهرع إليها قطيع من كلاب مسعورة ممسوخة الأرواح خرجت من كهوف دامسة تنهش ,وتمزق
,تحرق, وتعب الدماء . عاثت بها أيديهم القذرة , وأرادوا لها أن لا تكون .نفذوا على ثراها مشروع الإبادة ,المشروع الذي
يسلمه الشيطان لكل طاغوت وضيع. لم يردعهم أحد بل شاركوهم في طمس الحقيقة و اخفائها عن الأجيال ,فتجذرالسفاحون ,وتمكنوا,و
أنتجوا من هم الآن على إثرهم .
يا حماه , يا أسيرة تئن في أغلال الضيم يا من بكى البكاء لبكائها ولبؤسها الزمي –أيدك الله- مضارب الصبر , و النضال ,و لا تحزني .
نعم ,تنغرس فيك مخالب ذئب عقور .تقطع الرقاب,وتسحق العظام. تنقض بوحشية تستوحش الوحشية من وحشيتها. تركل الإنسانية
,وتصفع الكرامة. لا ترحم صغيرًا ,ولا توقر شيخًا كبيرًا .نعم ,إني أعرف ذلك ,وأراه,و يؤلمني أني أعرفه ,أقرؤه ,وأراه و لا أستطيع أن
أفعل شيئًا .ربي يعلم أني لا أملك سوى الدعاء وإيماني بأن الحق سيظهر,وأن من يقطع منك الوريد هو ومن ظاهره الباطل ,و الباطل حتمًا
لا يبديء ,ولا يعيد ومنتهاه سقر التي لا تبقي ولا تذر .حماه ,الدمع في عينيك جار هتان فكفكفيه, وانظري إلى الغمام يحمل بشرى
بين يدي رحمة الله المنان, و انظري إلى الأ فق فالنصر آت قريب .حماه يا حمامة تهفو للسلام إن الحرية قد أجنت ,وآن لك أن تقطفي حلو
الثمار, وتنعمي في تلك الظلال فإن:
(من ذاق طعم المر وسط مظالم ** لابد يومًا أن يذوق جنيبا)