تناقلت وسائل الإعلام على مختلف تشكلاتها و أنواعها خبر موت العقيد معمر القذافي,الزعيم العربي الذي حكم ليبيا عهدا مديدا ... لكن للأسف الكل تناسى ما يمكن استخلاصه من مسيرة شخص حكم بلدا ردحا من الزمن.
انتهى القذافي كشخص ... نعم صحيح و أملنا أن ينتهي كنموذج تميز فقط بالبوح لما يخفيه غيره و كذا بالجرأة التي تمكننا من اقتباس بعضا من الدروس على خط ساخن .
* القذافي و المثقف أو رجل السلطة و رجل الثقافة
في مصر و بلدان أخرى عقدت مؤتمرات حول فكر و أدب القذافي أنتجت الدراسات و المجلدات و حضرتها أسماء مرموقة في ميادين الأدب و الثقافة , طبعا القذافي ليس أديبا و لا مثقفا ... و النقاد ليسوا بملائكة.
لكن القذافي يملك الثروة و السلطان الذي مارسه ليحقق حلما بأن يصبح الزعيم الأوحد في العلم و الدين و الفن و الأدب و الفكر و الثقافة و السياسة ...
القذافي ظاهرة عرت واقعا خفيا على الكثيرين, منها واقع الزعيم المستبد و واقع المثقف المصلحي .
العديد ممن نحسبهم أدباء و مفكرين ... ليسوا سوى ملحقين عرضيين و راكبين على الأمواج ... و يملكون ما يفتقده غيرهم من سلطة أو متاع أو حتى تملق.
* المثقف المزيف (بفتح الياء) و المثقف المزيف (بكسرها)
القذافي مثل الأول -بالفتح- و المثقف الناقد مثل الثاني -بالكسر- و هما مثلان يقاس عليهما أكثر المحسوبين على الثقافة و الأدب و الفكر, فهم لاعبان على نفس رقعة صناعة التزييف و الخداع الممارس على المتلقي الفاقد بدوره لأدنى درجات التمييز و لأي مرشحات تمكنه من التمييز بين الحقيقة و الخداع,و هذا لأنه تشكل فاقدا للحرية عبر سياسة التجهيل و إتباع المفكر الأوحد الممارسة من الزعيم المثقف المزيف و المصادق عليها من المثقف و رجل الدين و أتباع السلطان.
* القذافي و عولمة التزييف
القذافي خطب و حاضر لساعات طوال عبر محطته التلفزية و ربما خطابا دام ثلاث ساعات و ما يزيد دون توقف,مرة و أنا أتابع إحدى القنوات وجدت القذافي يحاضر في جامعة أمريكية و عرفت بعدها أنه دوما يحاضر في العديد من الجامعات العالمية في أمريكا و بريطانيا و غيرها طبعا عبر الستلايت من خيمته في طرابلس ...
تساءلت عن السبب في استقبال هذه الجامعات لصوت و صورة القذافي المقرفان لساعات و جلوس الطلبة للإنصات لتفاهات الزعيم,ثم علمت أن القذافي حصل على درجة الدكتوراه الفخرية من جامعة بإيطاليا-حيث صديقه الحميم- حينها تيقنت أن السبب قابع خلف المصالح و السلطة و المال و البترول...و القذافي بهذا تجاوز تزييفه حدود بلاده و بلدان إفريقيا و البلدان العربية ليتعولم نحو أوروبا و أمريكا..
و هذا يؤكد أن المصلحة فوق المنطق حتى في عقر ثقافة غرب ما بعد الحداثة.