|
تَثَاءَبَ مَخْذُولاً عَلَى هَامِشِ النّجْوَى |
كَمَا يَقْرَأُ النّسْيَانُ ظَرْفاً بلا فَحْوَى |
وَأَطْلَقَ مِنْ أَقْصَى أَقَاصِيْهِ زَفْرَةً : |
لَقَدْ أَوْرَثَتْنِي عَيْلَةً مِهْنَةُ الإغْوَا |
أُفَتّشُ إِنْسَانِيّةَ النّاسِ ذَاهِلاً |
فَأَلْقَى فُؤَادِي وَحْدَهُ سِدْرَةَ التّقْوَى |
شَيَاطِينُ هَذِي الأرْضِ قَطْعاً تَفَوّقُوا |
وصَارَ وُجُودِي بَيْنَهُمْ فَاقِدَ الجَدْوَى |
أَلِيْ بَيْنَهُمْ شُغْلٌ؟! هُرَاءٌ، وَظِيْفَتِي |
غَدَتْ في مَهَبّ الرّيحِ ، ما هَذِهِ البَلْوَى؟! |
تَطَوّرَ مَفْهُومُ الغِوَايَةِ هَاهُنا |
فَأَيْقَنْتُ أَنّي لَمْ أَعُدْ بَيْنَهُمْ كُفْوَا |
وأَصْبَحَ عِلْماً مَارِقاً عَنْ أُصُولِهِ |
بِآلِيّةٍ أَهْدَى ونازِيّةٍ أَهْوَى |
وشَرْعِيّةٍ لَمْ يُؤْتَ إِبْلِيسُ مِثْلَهَا |
ولا راقَبَتْ يَوْماً صَنادِيقَهَا حَوّا |
أَنَا حَائِرٌ مِنْ أَيّ وَجْهٍ سَأَبْتَدِي |
وأَيّ قُوَى الطّغْيَانِ يَسْتَضْعِفُ الأَقْوَى؟ |
وأَيّ مَعَانِي الرّشْدِ أَهْدَى ضَلالةً |
وأَيّ جِهَاتِ الغَيّ مِنْ أَيّهَا أَغْوَى؟ |
سَأَقْصُدُ هَذَا الدّارَ ذَا القُبّةِ الّتِي |
تَكَادُ تَقُدّ الضّوْءَ أَحْجَارُهَا زَهْوا |
إِلَيْهِ فُضُولِي كَانَ يَقْتَادُ خُطْوَتِي |
وطَيْفُ يَقِيْنٍ فِيّ يَسْتَثْقِلُ الخَطْوَا |
هُنا مَجْلِسُ النّوّابِ ، عِمْتُمْ ضُحَىً، أَنَا |
رَسُولُ النّوَايَا البِيْضِ مِنْ هَيْئَةِ الطّغْوَى |
تَفَضّلْ ، وكَانُوا دُوْنَ تِسْعِينَ شَارِباً |
ثِخَاناً، ووَحْدِي كُنْتُ مِنْ بَيْنِهِمْ نِضْوَا |
وأَطْرَقْتُ حَتّى حاصَرَتْنِي بِمَقْعَدِي |
وُجُوهٌ مِنْ الإسْفَلْتِ تُغْوِي ولا تُغْوَى |
وقَدْ هَالَنِي مِعْشَارُ ما في ضَمِيْرِهِمْ |
مِنْ الزّورِ والتّضْلِيلِ والإثْمِ والعُدْوا... |
تَخَشّبَ في حَلْقِي لِسِانِي ، ومَنْطِقِي |
لأوّلِ يَوْمٍ صَارَ يَسْتَحْسِنُ الّلغْوَا |
لأنّ أَكَادِيْمِيّتِي في مَقَامِهِمْ |
غُثَاءٌ قَدِيمٌ في مِلَفّاتِهِ أَحْوَى |
فَأَمْسَكْتُ عُكّازِي وأَزْمَعْتُ خَارِجَاً |
وواللهِ مَا أَدْلَيْتُ في بِئْرِهِمْ دَلْوَا |
شَكَوْتُ إِلى المَشْفَى صُدَاعاً أَلَمّ بي |
وَعِنْدَ خُرُوجِي أَصْبَحَتْ صِحّتي أَسْوَا |
مُرُوراً على قِسْمِ الطّوَارِيْ وَجَدْتُ مَا |
يَشِيْبُ لَهُ الوِلْدَانُ مِنْ أَبْشَعِ الأَدْوَا |
زَبَائِنُهُ المَرْضَى يَمُوتُونَ عُسْرَةً |
ومُخْتَبَرَاتٌ فَيْهِ تَسْتَثْمِرُ العَدْوَى |
خَرَجْتُ ونِصْفِي مَيّتٌ في حَقِيبتي |
ونِصْفٌ مُصابٌ يَنْشُدُ الصّبْرَ والسّلوا... |
ومَن لم يَمُتْ بِالدّاءِ ماتَ بِحُقْنةٍ |
ومَن ذاقَ مُرّ العَيْشِ ذاقَ الرّدى حُلوا |
سَأَطْرُقُ أَبْوَاباً وأَطْوِي شَوَارِعاً |
وأَتْرُكُ هَذَا البَحْرَ في غَزْوَتِي رَهْوَا |
وإِنْ كَانَ لا يَبْدو لِيَ الأَمْرُ مُقْنِعاً |
ولكنّما الإفْسَادُ لِيْ غَايَةٌ قُصْوَى |
وفي بابِ سوقِ العدلِ أَلْفَيْتُ قَاضِياً |
بـ(2000) يَقْضِي دُوْنَ أَنْ يَسْمَعَ الدّعْوَى |
تَوَجّهْتُ نَحْوَ القَصْرِ أَجْتَرّ خَيْبَتِي |
أَنُوْءُ بِأَسْفَارِي وَأَجْأَرُ بِالشّكْوَى |
عَسَى هَاهُنَا أَنْ يَقْضِيَ اللهُ حَاجَتِي |
وَأَظْفَرَ بِالمَطْلُوبِ في آخِرِ المَثْوَى |
فَأَبْصَرْتُ كَهْلاً رَأْسُهُ عِنْدَ فَخْذِهِ |
وَعَيْنَاهُ تَبْتَزّانِ زُوّارَهُ عَدْوَا |
يَصِيحُ بِأَعْلَى الصّوْتِ إنّي إِلَهُكُمْ |
ويَضْرِبُ طَبْلاً وَهْوَ مِنْ طَبْلِهِ أَخْوَى |
فَخَامَتُهُ مَثْقُوبَةٌ مِنْ قَذَالِهَا |
وأَهْدَابُهُ في الصّحْوِ لا تَعْرِفُ الصّحْوَا |
يَصُبّ كُئُوساً مِنْ دِمَاءٍ ويَحْتَسِي |
ومِنْ حَوْلِهِ حَشْدٌ مِنَ الأُمّةِ النّشْوَى |
سَأَقْصُدُ سُوقاً خَامِسَاً عَلّ سِلْعَتِي |
تَرُوجُ وأَلْقَى بَعْدَهَا المَنّ والسّلْوَى |
هُنَا مَجْلِسُ الشّورَى ، صَبِيٌّ أَشَارَ لِيْ |
يَسَاراً، تَرَى مِنْ خَلْفِ أَسْوَارِهِ بَهْوَا |
أَلا تَبّ هَذا الدّارُ قَصْدَاً دَخَلْتُهُ |
فَأَخْرَجَنِي فِي فَرْثِ أَحْشَائِهِ عَفْوَا |
خَرَجْتُ ورَأْسِي دُونَ رَأْسِي، ولِحْيَتِي |
مُمَرّغَةٌ في لَحْظَةٍ تُشْبِهُ الفَسْوَا |
وفي جَبْهَتِي آثَارُ رَفْسٍ وفي فَمِي، |
وذاكِرَتِي كَالأَرْضِ مَدْحُوّّةٌ دَحْوَا |
إِلَى الهَيْكَلِ الصّخْرِيّ هَذا الّذِي أَرَى |
أَمَامِي لَعَلِّي عِنْدَهُ أَبْلُغُ الرّجْوَى |
سَأَسْأَلُ ذَا الشّرْطِيّ مَا هَذِه البُنَى؟ |
- قِيَادَةُ أُمِّ الجَيْشِ في ذَلِكَ المَحْوَى |
وفَاجَأَنِي أَدْهَى لُصُوصٍ عَرَفْتُهُمْ |
مِنَ القَائِدِ الأَعْلَى إِلَى الحَارِسِ البَوّا... |
فَقَدْ فَتّشُوا أَخْفَى مَسَامِي وَأَوْغَلُوا |
بِسِرْوَالِيَ السِّرِّيِ واسْتَمْرَأُوا السّطْوَا |
وقَدْ كَسّرُوا نَظّارَتِي ثُمّ قَرّرُوا |
خُرُوجِي عَلَى آثَارِ أَقْدَامِهِمْ حَبْوَا |
وبَعْدَ اعْتِقَالِي وَظّفُونِي مُراسِلاً |
أَقُصّ إِلَى بِلْقِيْسَ عَنْ مَا نَوَتْ أَرْوَى |
أَعُوذُ بِرَبِّ النّاسِ مِنْ آدَمِيّةٍ |
رَمَتْ تَحْتَ عَيْنِ الشّمْسِ أَخْلاقَهَا سَهْوَا |
ومِنْ شَرِّ حُكّامٍ غِلاظٍ بِلا هُدَىً |
يَثُورُونَ مِنْ أَعْلَى وَيُرْدُونَ بِالفَتْوَى |
أَمَا هَذِه الأَرْضُ الّتِي قِيْلَ إِنّهَا |
قَدِيْمَاً حَوَتْ فِي سَفْحِهَا جَنّةَ المَأْوَى؟ |
فَمِنْ أَيِّ بَابٍ جَاءَهَا رِيْحُ نَحْسِهَا |
لِيَرْكُضَ فِيْهَا المَوْتُ كَالنّاقَةِ العَشْوَا |
إِذَا (بَنْشَرَ) القَانُونُ فِي أَيِّ دَوْلَةٍ |
هَوَتْ واسْتَبَدّتْ بَعْدَهُ سَطْوَةُ الأَهْوَا |
إلى ساحةِ التّغييرِ واصلتُ جَولَتي |
فَرَحّبَ بي ثُوّارُها فَوقَ مَا أَهْوَى |
تَحِيّتُهمْ : ( حَيّا بهم ) كُلّما أتى |
غريبٌ، وضمّوا بينَ أطيافِهِم صِنوا |
نَصَبْتُ بِأَعلى شارعِ العدلِ خَيْمَتي |
بلا أيّ تَرْخِيصٍ، فسبحانَ من سوى! |
ولَمْ ألقَ شُغْلاً ثَمّ إلا بَطَالَتِي؛ |
فَأَمْضَيتُ شَهْراً أَمضغُ القاتَ والّلهوا |
تَعَلّمْتُ فيها – يا لَحَظّ الغريبِ – مِن |
تقاليدِهِم أشياءَ لا تقبلُ المَحْوَا |
وأبصرتُ نُوّابِي مِن الإنسِ، ثلةٌ |
بلا اسمٍ، وأخرى باسمِ مجموعةِ الإخوا... |
يُؤدّونَ شُغلي باحترافٍ مُمَنهجٍ؛ |
فقد يصنعون السّمَُّ في قالبِ الحلوى |
ولما أحَسّوا بي رموني بِحِدّةٍ، |
وشنّوا على برنامجي حملةً شعوا |
بدأتُ أضيقُ الآنَ جهلاً بما هنا |
رأيتُ ، وناءت بي على كاهلي الأنوا |
فما جئتُ إلا كي أُكَهْرِبَ جَوّكم؛ |
وقد كَهْرَبَتْنِي عُنْوةً هذِهِ الأجوا |
وكنتُ أناديكم إلى النارِ، إنما |
غدوتُ بنفسي تحتَ نيرانِكم أُكْوَى |
فشكراً لكم.. شكراً جزيلاً لأنكم |
غَسَلْتُم دماغي واعْتَنَيْتُم به طهوا |
ومِنْ فَضْلِكُم أدركتُ كَمْ كنتُ ساذجا، |
وكم كانَ رأسي قبلَ أيّامِكُم رَخْوا |
وكانَتْ حروفُ الجَرّ تحشو فراغَهُ |
وأسماءُ الاستفهامِ تطفو به طفوا |
وقد كنتُ أروي حولَ نَظْمِ ابنِ مالكٍ |
ثمانينَ شرحاً توجزُ الصرفَ والنحوا |
وبالرغمِ مِنها لمْ أَقُلْ قَطّ جملةً |
خَلَتْ مِن زُحافِ القبضِ واللّحنِ والإقوا |
هُنا حيثُ كانَ البدءُ أُنهي مهمّتي |
وأطوي كتابي عاجلاً قبلَ أن يُطوى |
أنا راحلٌ مهما أَلَحّتْ مفاصلي |
لأبقى، ومهما صوتُ شرعيّتي دوّى |
ألا إن بعد العُسرِ يُسرا، فلا تَهِنْ، |
ومن رَحِمِ الإظلامِ قد تولدُ الأضوا |