مع كل صرخةِ قلب يستغيث، أو منظر لجسدٍ يحترق أو ينزف ،تُدقُ أجراس الاستنكار

والتنديد، وتبعث في النفس ألف شماتة وحزنٍ يمزق القلب، ويذهل العقل عن

وعيه،ثم يبلغُ الصوت منتهاهُ ويعود الكثير منّا إلى تفاصيل الحياة الواهية،

ولا جديد -كما يقال- تحت الشمس إلا مزيد من البعثرة والتدهور الإنساني،

ليست تلك سنة الله في الخلق كما يتوهم الخاضعون تحت تيارات الاستسلام دون

وعي أو ربما بكامل وعيهم وجبنهم، وإنما تلك ما سنته القوانين الوضعيَّة

والعقول المريضة، فالله عز وجل هيأ الأسباب لنصنع بها الخير والحياة

المبجلة الكريمة،

فلماذا يغدو الكل مشرد ويهيم حول نفسه كمن ربط إلى ساقيةٍ جف ماؤها،

وسواء رآها تدور به أو يدور بها فالنتيجة واحده وهي مزيد من العطش

والإرهاق بدون طائل

ونتخيل لحظة الارتواء ُتقبل علينا بوجهها المُغَّيب رغماً عنها، عابرة دهاليز

الأماني الكثيرة، تمد يدها00 لتلتقط يداً من نور ترقى بها في حلمٍ يراود

العمر و يشتهي لها يوماً تقف فيه على منصة الواقع.

وعندما نصحو من خيالاتنا نتساءل أي شيء يستدعي حضورها، أي شيء يسترعي

انتباهها نحونا، لتجئ محملة بما تلذ به النفس وتقر به العين، بل كيف لها

أن تكون حاضرة وكل ماحو لها ينعيها ورائحة الموت تفوح من تحت أنقاض

الخنوع والذل واللامبالاة التي تحاصرنا ،ونرى الكثير منّا لايهتدي إليها

سبيلا إلا من رحم ربي ممن لم تشغلهم أنفسهم عن الإحساس بمن أرخى الظلم

والقهر أجنحته عليه وأزهق صبره، نحسهم يأنسون بالدعاء ويجدون فيه بريق

للفرحة المنتظرة يستحق المثابرة فيقبلون عليه إيمانا وطمعاً في رحمة الله

ونجد منهم من يمد للضحكة عندما تقبل يداً تهوى الإمساك بها إلا إنها تتسرب

من بين أصابع الشوق عندما يتذكرون بأن هنالك من يحلمون بها ولا يجدونها

تدنو منهم وأن عليهم أن يهيئوا لها الأسباب ليتقاسموها معهم وبهم

أما من امتلك برجاً عاجياً وفرشاً بطائنها من إستبرق فحاله محزنٌ مخزي، إذ

كيف له أن يستشعر بعذابات من قض مضجعه مصاب تنوء الجبال عن حمله وهو في سكرةِ أحلامه الورديه

بكل حال لا تزال الأنفاس تسكننا ولا يزال للعزيمة قلبٌ يسأل عن من هو كفؤٌ

ليتشرف بها ويجني فضلها

فاللهم ارزقنا عزيمةً تقوينا على أن نسلك بها سبل الرشاد ونغيّر بها مرارة

الحاضر ونسلو بها عن حزن الأمس ونشّيد بها للمستقبل منارة للفرحِ تخبر عنّا

بأننا خير أمةٍ أخرجت للناس.