لا شك أن القهر والكبت والإذلال والعنت الذي حاكه لنا لعقود طويلة ساسة لا أيمان لهم ولا أخلاق- لاشك أن ذلك كان له من العواقب النفسية الرديئة
أبعادا وحشية
طغت على الضمائر
وطمست البصائر
أورثت في النفوس خضوعا وخنوعا وبلادة ودعة ،
وأخرجت جيلا بل أجيالا أرهقها الذل ..
تنام ..وتصحو عليه
يتضاغون حرمانا من كل شيء عند أقدام ساداتهم وكبرائهم ..
غير أنهم باتوا يكتفون بالتمني
ويحذرون أن يتفوهوا بما يتمنون
لسان حالهم :
إذا تمنيتُ بتُّ الليل مغتبطا .:. إن المنى رأس أموال المفاليس
وهذه المنظمومة المستبدة الآثمة
أنتجت رؤوسا تالفة ونواصي خاطئة يحملها مستبدون أقزام
إذا رأيتهم تعجبك أجسامهم ..
يمجدون الوالي ويسبحون بحمده أناء الليل وأطراف النهار
على الوجه الذي يُرضي السلطان .
إنها الفئة المتسلقة
التي لا تحسن ان ترتفع إلا تسلقا على رقاب العباد ..
يتِيهون أمام الجماهير زهوا فارغا وعُلُوا مصطنعا
لكنهم - وبنفس القدر -
يقفون في حضرة رؤسائهم خاشعين من الذل
ولا يملكون أن يهشوا الذباب من فوق أنوفهم إذا لم يأذن لهم أسيادهم..
وقد عاينت نسخا بائسة من هذه ..
استمرأوا كل معاني الضعة والنذالة والإستخذاء
حتى أصبحت لهم خلقا
عليها يتكئون وبها يُعرفون ..
وقد يورث الذل إدمانها
وحملوا الرعية على تعويض النقص الذي حصل لهم عند رؤسائهم
حملوهم قهرا على أن يفعلوا معهم ما يفعلونه هم مع أربابهم ..
فأنتجت هذه الديكتاتورية الوحشية شعوبا ركنت - في جلها - إليهم ..
ومردت على السلبية المقيتة
بأسوأ ما تحمل هذه السلبية من معاني الإنكفاء على الذات والملذات
والإنشغال بتحصيل أعراض الحياة الدنيا
حملهم الخوف على القناعة بما يملأ الجوف
فلم يبرحوا الأرض للفضائل ..
ينعق من فوق رؤوسهم الغراب :
دع المكارم لا ترحل لبغيتها .:. واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي
إلا أولو بقية يقفون على رؤوس السكك
وبأفواه مكممة ينذرون ويوقظون ويحذرون ..
ولايزالون على الحق ظاهرين
ولأن روح الشعوب تمرض ولا تموت
وتعطب ولا تتلف
فقد تهيأت لمراد الله
وسرت في عروقها دفقة من كرامة
وهبت في سوحها ريح من عزة
انطلقت شرارتها في بقعة من الأرض
ثم لم تلبث قليلا حتى تجاوبت معها أصداء تشبهها
فانتفضت مذعورة
كأنما كانت مغيبة ثم استفاقت
وهدرت كالسيل العرم
لا يأبه بما لدى المستبد من انكال وجحيم ..
خلعوا كل العوائق التي كان تحد خطواتهم
وترسم وقع اقدامهم
لم يقفوا عند حد
بل جاوزا كل حد
وانتصروا على الكائنات المستخذية في دواخلهم
تلك التي شيد المستبد اركانها فيهم .
انضووا تحت الوية التمرد الجريء ...
. وداسوا بأقدامهم العارية كل شيء
لم يترددوا في تمزيق كل ما كان محرما أن تلمسه أيدهم
أو تراه أعينهم ...
يزأرون في صعيد واحد بما أقضّ مضاجع المجرمين
يهتفون للظالم المستبد :
أبدا لـن تخنـق أمالـي
لن تبقى في وطني الغالي
سأحطـم يومـا أغلالـي
سيهزك بركـان نضالـي
تشبث الطغاة بسلطانهم
وبطشوا جبارين
وصبوا على رؤوس الجماهير من النكال والجحيم والحميم
ما لا يخطر ببال الشياطين
استباحوا في سبيل استبقاء مجدهم الزائف المزور كل حرمة
ولم يقفوا عند محظور
بل قتلو وسحلوا وسفكوا وأهلكوا وأبادوا ..
ولكن هيهات .....
لم يعد صوت الرصاص يرعب !
ولم يعد منظر الراجمات يخيف !
ولم تعد أطراف السياط تلهب ... !
زحفت الجماهير كسيل هادر ذي أمواج مزمجرة
تحمل كل شيء في طريقها ..
تدمر كل شيء بإذن ربها لتكون للناس آية ..
حتى أغرقت في أحشائها فرعون وجنوده وما كانوا يعرشون
قوضت بنيانهم ومزقت أركانهم
فبقى الشعب .. وهلك الطغاة عن بينة
فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين
أقر الله عيون المستضعفين
وأخزى أئمة الكفر من المتجبرين والمتكبرين
رحلوا في صغار كما عاشوا في استكبار
وكم تركوا بعد هلاكهم من آية
كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (25)
وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (26)
وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ (27)
كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ (28)
فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ
(29) ... الدخان
***