خَطَرَتْ عَلَى قَلْبِي فَقُلْتُ لَهَا: اعْتَلِي
وَتَدَلَّلِي مَا شِئْتِ أَنْ تَتَدَلَّلِي
وَتَجَوَّلِي بَينَ الكَوَاكِبِ نَجْمَةً
وَتَسَلَّلِي فِي القَلْبِ بَدْرَ تَبَتُّلِ
وَتَصَوَّرِي مَا رَاقَ مِنْ قَوْلِي هَوَى
وَتَسَوَّرِي مِحْرَابَ صَمْتِيَ مِنْ عَلِ
إِنِّي بِإِبْرِيقِ المَحَبَّةِ أَحْتَسِي
جَدْبَ المَشَاعِرِ فِي القُلُوبِ العُذَّلِ
وَأَلُوكُ مِنْ هَرَجِ الحَوَادِثِ بَاسِمًا
جَنَفَ الوَرَى وَأَغُضُّ عَمَّنْ يَأْتَلِي
مَا انْفَكَّ يَمْنَعُنِي التَّوَرُّعُ فِي الجَوَى
حَتَّى جَنَيتُ عَلَى غَرِيبِ المَنْزِلِ
أَسْعَى بِأَجْنِحَةِ الخَيَالِ إِلَى غَدِي
وَأُعِيدُ مِنْ ذِكْرَى الزَّمَانِ الأَوَّلِ
زَمَنٌ بِهِ خَلّفْتُ أَيَّامَ الصِّبَا
وَتَرَكْتُ طِيبَ تَهَلُّلِي وَتَأَثُّلِي
حَيْثُ النُّهَى انْطَلَقَتْ لَهَا سُرُجُ المُنَى
قِيَمًا تَجِلُّ بِهَا النُّفُوسُ وَتَجْتَلِي
أَرْنُو إِلى دَارٍ تَبَدَّلَ عَهْدُهَا
لَكِنَّهَا فِي القَلْبِ لَمْ تَتَبَدَّلِ
وَإِخَالُ لَوْ نَطَقَ الحَنِينُ لأَقْبَلَتْ
بِالشَّوْقِ مِثْلِي تَجْتَبِي وَتَبَشُّ لِي
أَنْفَقْتُ عُمْرِي فِي التَّقَلُّبِ غُرْبَةً
مَا بَيْنَ دَرْبِ تَأَلُّمٍ وَتَأَمُّلِ
وَعَصَرْتُ أَيَّامِي وَأَحْلامِي التِي
نَضَجَتْ لأَسْقِي مِنْ دِنَانِ تَعَلُّلِ
دَارَتْ مُشَعْشِعَةً تُرَاوِدُ رَبَّهَا
فَكَأَنَّ أَعْذَبَ كَأْسِهَا كَالحَنْظَلِ
يَا لَيْتَ مَا قَدْ فَاتَ عَادَ فَعِشْتُهُ
كَي أنْصِفَ المَاضِي وَأُنْقِذَ مَا يَلِي
مِنْ بَعْضِ مَنْ تَخِذُوا الحَدَاثَةَ مَنْهَجًا
مَحْضًا وَعَابُوا مَنْهَجَ المَتَأَصِّلِ
الغِرُّ فِيهِمْ كَالحَصِيفِ مَكَانَةً
وَأَخُو الدَّنَاءَةِ فِيهُمُ كَالمُعْتَلِي
الإِمَّعَاتُ ، هَوَى السَّوَائِمِ هَمُّهُمْ
وَالطَّبْعُ طَوْعَ تَسَوُّلٍ وَتَوَسُّلِ
قَدْ عِفْتُهُمْ ، عِفْتُ الزَّمَانَ وَخِلْتُنِي
ذَا مِرَّةٍ تَبْلُو الحَيَاةُ وَأَبْتَلِي
أَمْضِي وَتَلْفَحُنِي النُّفُوسُ بِجَدْبِهَا
وَأَسِيرُ فِي صَخْرِ السِّنِينَ كَجَدْوَلِ
وَوَجَدْتُنِي وَاليَأْسُ يَسْخَرُ مِنْ غَدِي
أَدْعُوهُ يَا قَلْبُ اتَّئِدْ وَتَجَمَّلِ
لا تَسْأَلَنَّ النَّاسَ قَدْرَ قُلامَةٍ
وَاللهَ رَبَّ النَّاسِ قَدْرًا فَاسْأَلِ
وَلَقَدْ شَكَتْ فِيَّ الظُّنُونُ فَأَوْشَكَتْ
وَلَقَدْ بَكَتْ مِنِّي النُّجُومُ تَرِقُّ لِي
وَلَقَدْ قَسَوتُ عَلَى الفُؤَادِ فَهَاضَنِي
مَا كَانَ مِنْ لَهَفِ الشِّغَافِ أَنِ اعْدِلِ
الرُّوحُ مِثْلُ فَرَاشَةٍ فِي غَيْهَبٍ
وَالقَلْبُ مِثْلُ سَفَرْجَلٍ فِي مِرْجَلِ
حَتَّى الْتَقَيْتُكِ كَالضِّيَاءِ فَأَشْرَقَتْ
فِي النَّفْسِ مِنْكِ مَحَبَّةٌ لا تَنْجَلِي
يَا مَنْ وَقَدْ دَهَتِ الدَّيَاجِرُ قَدْ بَدَتْ
كَوَمِيْضِ بَرْقٍ فِي سَحَابٍ مُرْسَلِ
تَهْدِي خَرِيفَ العُمْرِ بَسْمَةَ دَرْبِهِ
دِفْئًا وَتَسْقِي الصَّيفَ أَعْذَبَ مَنْهَلِ
تَتَرَجَّلُ الكَلِمَاتِ عَنْ صَهَوَاتِهَا
تُحْنِي جَبِينَ الشِّعْرِ بَهْجَةَ بُلْبُلِ
وَتَدُورُ فِتْنَتُهَا فَتَحْسَبُ لَفْظَهَا
صَهْبَاءَ صُبَّتْ مِنْ سُلافِ تَغَزُّلِ
مَا زِلْتُ أَحْلمُ بِاللِقَاءِ بِلَحْظَةٍ
عُذْرِيَّةِ الإِحْسَاسِ لَمَّا تَذْهَلِ
وَنَقِيمُ فِي القُدْسِ الصَّلاةَ وَنَحْتَفِي
بِالأُمْسِيَاتِ عَلَى جِبَالِ الكَرْمِلِ
سَأَظَلُّ أَحْفَظُ لِلمَحَبَّةِ ذِمَّةً
تُقْصِي عَنِ الوَاشِينَ كُلَّ مُؤَمَّلِ
لَوْ جِئْتِنِي لَفَتَحْتُ جَنَّةَ مُهْجَتِي
وَلَقُلْتُ: يَا نَفْسُ اطْمَئِنِّي وَادْخُلِي