أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 5 من 5

الموضوع: عمر المختار-سيرته وصفحاته الجهادية المشرقة

  1. #1
    شاعر
    تاريخ التسجيل : Dec 2002
    المشاركات : 262
    المواضيع : 124
    الردود : 262
    المعدل اليومي : 0.03

    Thumbs up عمر المختار-سيرته وصفحاته الجهادية المشرقة

    بسم الله الرحمن الرحيم
    الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى وبعد
    أحبابي الكرام طالما لمست في مراسلاتي ومطالعاتي في منتديات الانترنت حب المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها لرمز الجهاد والاستشهاد في ليبيا الشهيد الشيخ عمر المختار فعقد العزم على كتابة ما تيسر لي من سيرة هذا البطل الشهيد في هذا المنتدى المبارك وذلك جزء من حق الشهيد على أحفاده . وسأقوم بعون الله بكتابة تلك الصفحات المشرقة في حلقات عبر المنتدى وسيكون القدر المكتوب مما يتيسر للقاريء الكريم قراءته بسهولة وقد اعتمدت في هذه السطور التاريخية على كتاب عمر المختار للشيخ الطاهر الزاوي وقررت أن أبدأ هذا البرنامج مع أول يوم من شهر رمضان المبارك أسأل الله أن يعينني في هذا العمل وأن يبارك فيه وأن يثقل به ميزان حسناتي يوم القيامة ، .وإلى صفحات الجهاد المشرقة:
    "عمر المختار الحلقة الأخيرة من الجهاد الوطني في ليبيا"
    نسبه ونشأته :
    هو عمر بن المختار من قبيلة المنفة من أكبر قبائل بادية برقة بليبيا . ولد في البطنان ببرقة سنة 1277هـ من أبوين عربيين وكفله أبوه وعني بتربيته فنشأ في بيت عز وكرم بعيدا عن أخلاط المدن ونقائصها ،تحوطه شهامة العرب وحرية البادية ، وحوله من مظاهر الفروسية ودواعي الاعتزاز بالنفس ما بعث في تلك النفس الكبيرة حب التضحية والأنفة من الخضوع إلى من لم يجعل له دينه سلطانا عليه .
    تعلمه القرآن والعلوم:
    وإذ كان السيد عمر صبيا كان السيد محمـد المهدي السنوسي رحمه الله صاحب الجاه العريض والسلطان النافذ في برقة ، وكان يقيم في الجغبوب .وماكاد السيد عمر يبلغ السن التي تؤهله لحفظ القرآن الكريم حتي بعث به والده المختار إلى زاوية السنوسية بالجغبوب ليقرأ فيها القرآن و ماتيسر من العلوم . وقد ظهر عليه من دلائل النجابة ورزانة العقل مالفت نظر السيد المهدي إليه فصار موضع اهتمامه وأحله من عنايته المحل الأول
    مبدأ ظهوره:
    وكان من حسن حظ السيد عمر المختار أن كانت له تلك المنزلة المشرفة عند السيد المهدي فما كاد يتم حفظ القرآن ودراسة بعض العلوم حتى شاع ذكره وتناولته الألسن بالثناء ، واحترمه رؤساء قبائل العرب لعراقة بيته فيهم ولمكانته السنوسية .
    وكان شيخه في القرآن الكريم السيد الزروالي المغربي الجواني .أما أستاذه في العلوم فهو الأستاذ العلامة الأديب السيد فالح بن محمـد بن عبد الله الظاهري المدني صاحب التعليقات على "المنهل العذب في تاريخ طرابلس الغرب"
    إسناد الوظائف إليه :
    وبعد أن حفظ القرآن وأتم دراسة علومه بزاوية الجغبوب على من ذكرنا ولاه السيد محمـد المهدي شيخا على" زاوية القصور"
    بالجبل الأخضر بقرب المرج، فقام بتعليم أولاد المسلمين وإكرام من يأوي إلى تلك الزاوية من الفقراء وعابري السبيل ، وفض المنازعات بين قبائل العرب والسعي في مصالحهم .وسار في الناس سيرة مدحه عليها العقلاء ، وأغمضت مهابته عيون غيرهم ، واحترمه الناس لفضله البادي في كل ناحية من نواحيه.
    وكان اختيار السيد عمر شيخا لزاوية القصور لغرض سام لم ير السيد المهدي رجلا أهلا لتحقيقه إلا السيد عمر المختار لدماثة أخلاقه وصلابة عوده . ذلك أن زاوية القصور في حوزة قبيلة العبيد . وهذه القبيلة اشتهرت بشدة الشكيمة ، وظهر فيها أفراد صعب مراسهم ، وأغرتهم التربية الاستقلالية ودواعي الشباب بما تأباه العقول الراجحة والمفكرون في عواقب الأمور ، فكان الذي في إمكانه أن يروض هذه النفوس الجامحة ، والذي أهله سمو أخلاقه لسياسة هذه القبيلة التي كثر فيها المتمردون على مااعتاد العرب احترامه ورعاية جانبه هو السيد عمر المختار .ولقد أثبتت الأيام حسن هذا الاختيار من السيد المهدي ، فكان عمر المختار مختارا بكل ماتؤديه هذه الكلمة من معنى.
    أما لقب السيادة فقد ناله من انتسابه إلى السنوسية لأنهم هم الذين يخصهم أهل برقة بلقب "الأسياد "ولاتطلق على غيرهم إلا إذا نال رضاهم وكان محل ثقتهم كالسيد عمر .
    ثقة السيد المهدي به:
    وقد عرضت للسيد المهدي أمور اقتضت سفره إلى السودان فكان أول من وقع عليه اختياره لمرافقته في هذا السفر الشاق الطويل هو السيد عمر المختار ، فسافر إلى السودان صحبة أستاذه في أواخر 1312هـ وكان محل ثقته ومعقد آماله . وكان السيد المهدي معجبا به ، وكان يثني عليه بما هو أهله حتى كان يقول :" لو كان عندنا عشرة مثل عمر المختار لاكتفينا بهم".
    وولاه السيد المهدي في السودان شيخا لزاوية "كلك" واستمر بالسودان نائبا عن السيد المهدي وقائما ببث الدعاية الإسلامية وتعليم أولاد المسلمين إلى أن رجع إلى برقة سنة 1312هـ وتولى شيخا لزاويته ، القصور ، للمرة الثانية ، واستمر يدير شؤونها إلى سنة 1329هـ حيث احتل الطليان بني غازي فكان أول من لبى نداء الوطن وباشر الجهاد.
    جهاده لإنقاذ الوطن:
    لما هاجم الأسطول الإيطالي مدينة بني غازي يوم الأربعاء 4 شوال سنة 1911م كان السيد عمر المختار غائبا عن برقة في زيارة للسنوسية بالكفرة .
    وقد هبَّ السكان للدفاع عن وطنهم ، وعهم حامية تركية قليلة ، ولكنهم لم تطل مقاومتهم لشدة هجوم الأسطول عليهم ،فاضطر بعضهم إلى الانتقال عن مدينة بني غازي وعسكروا خارجها بالأبيار .ورجع السيد عمر من زيارة الكفرة ..ولما وصل إلى جالو علم باحتلال الطليان لمدينة بني غازي ، فاستمر في طريقه حتى اتصل بمعسكر المجاهدين ، وأنشأ معسكرا في الخروبة بقيادته .وأخذ هو وبعض أعيان البلاد في تنظيم المجاهدين وإعدادهم لمواجهة العدو. ثم انتقلوا إلى الرجمة ، ومنها انتقلوا إلى بنينة وتقع جنوبي مدينة بني غازي بنحو عشرين ك م.
    وصار المجاهدون يراقبون حركات العدو ، وينتهزون منه كل غرة ليضربوه كلما أمكنهم ضربه ، سواء أكانوا بقيادته أم بقيادة غيره.
    واستمروا على هذه الحال إلى أن جاء السيد أحمد الشريف من الجغبوب ووصل إلى درنة في مايو سنة 1913م الموافق جمادى الآخرة سنة 1331هـ .وسلمت إليه قيادة المجاهدين العليا في جميع برقة ، فنشط المجاهدون في مراقبة العدو , وكثر عددهم ، وأحكموا عليه الحصار ، ولم يتركوا له منفذا منه إلى داخل البلاد. ووقعت بينهم وبين الطليان معارك كثيرة وكبيرة .
    وكان السيد عمر المختار في مقدمة من يثق بهم السيد أحمد ويعتمد عليهم ويعلم الله أنه جدير بهذه الثقة .
    ولولا جهاد السيد أحمد الشريف ومن انظم إليه من سكان برقة ، لما كان للسنوسيين أثر في جهاد ليبيا مع الطليان . وكل ما ينسب إلى السنوسيين في الجهاد الليبي ضد الإيطاليين ،فإنما ينسب إليهم من طريقه وحده ،إلا ماكان لأخيه صفي الدين من تحركات ، ولكنها كانت غير موفقة.
    أما من عداهم من السنوسيين ممن حضروا الحرب الإيطالية – فكلهم صفر على الشمال .وفي مقدمتهم الخطّاب ، وكان سلابا نهابا ، حتى سُمي الخطاف –بالفاء- واستغل سمعة هاشم الزُّولّي، الذي كان يسمي نفسه(كلب السيد) أو (كليب الحضرة) وقد أتى هذا الكلب من المنكرات ما لوث به سمعة الخطاب ، بل سمعة السنوسيين كلهم ، فكان له الغُنْم وعليهم الغُرْم.(ومحمد العابد) وكان أقلهم ضررا .و(هلال) وقد ارتمى بين أحضان الطليان في مدينة طرابلس ، ووفروا له جميع المغريات ، فانغمس فيها إلى أذنيه ،ونُبز بكل ما يتنافى مع الأخلاق الكريمة.
    وهؤلاء الثلاثة .وإن كانوا إخوة السيد أحمد الشريف ، إلا أنه بريء من أعمالهم .فهو نسيج وحده رحمه الله.
    أما أبناء المهدي السنوسي –وهم إدريس، والرضا،وأولاد الرضا.فالأوراق لاتتسع لأعمالهم .وقد ذكرنا بعضها في آخر هذا الكتاب ،وفي جهاد الأبطال
    وقد ظهرت في أيام حكم إدريس أقلام مأجورة ، ليس لها من الدين وازع ،ولا من الأخلاق رادع حاولت طمس الحقائق ، والكذب على التاريخ ، وأن تجعل من مومياء إدريس إنسانا حيا له مقومات الحياة ما يمكنه من الحركة ، ولكن هيهات :
    لقد أسمعت لو ناديت حيا ولكن لاحياة لمن تنادي
    السيد عمر وعزيز بك المصري :
    ونكتفي أن نورد هنا ماذكره الأمير شكيب أرسلان بشأن النزاع الذي حصل بينه وبين عزيز بك المصري .
    قال الأمير شكيب أرسلان في "حاضر العالم الإسلامي "ج2ص124و125 الطبعة الثانية ما نصه:
    " ولما نشيت حرب البلقان ألح الأتراك على أنور بالرجوع إلى الآستانة فرجع مكرها وسلم القيادة إلى عزيز بك المصري الذي واصل قتال الطليان .
    ثم لما عقدت الدولة الصلح مع إيطاليا سنة 1912م رأى عزيز بك نفسه مضطرا إلى ترك القتال ،فسخ\حب العسكر النظامي
    الذي كان في برقة – وكانوا زهاء أربعمائة- وأخذ الأسلحة التي أمكنه أخذها وسار قاصدا الحدود المصرية وهو بهذا لم يعمل إلا بحسب الأصول الدولية ، ولكن المجاهدين السنوسيين نقموا عليه أن عطل المدافع التي بقيت عندهم ودفن القراطيس والقذائف في الأرض ، وهذه روايتهم التي رووها لجميع الناس وحرروها وقدموها إلى الآستانة والله أعلم بها.
    ثم إن عزيز بك أبى أن يسلم العرب البنادق التي مع عسكره وذلك وفقا للأصول الحربية التي تقضي بعد انعقاد الصلح بين تركيا وإيطاليا أن لايسلم العسكر العثماني أسلحته لأعداء إيطاليا . ولكن العرب لم يقبلوا هذا العذر أيضا، ولم يفهموا كيف أن الدولة بعد أن عقدت الصلح مع إيطاليا مكرهة ، مرغمة بسبب حرب البلقان ، تعود فتسحب هذه القوة الضئيلة التي كانت باقية لها في برقة ثم تأبى أن تترك لهم البنادق التي كان يحملها الأربعمائة عسكري الذين مع عزيز بك . ولذلك أصروا على عزيز بك في تسلمهم البنادق وبدأوا أولا معه بالجدال وانتهوا أخيرا إلى الجلاد ، فوقعت حادثة مؤسفة مؤلمة نرى من واجبات الأمانة التي تلزم المؤرخ عند ذكر الوقائع ألا ندعها مسكوتا عنها كيف كان الخطأ فيها.
    وذلك أن الأعراب بجهلهم عندما قطعوا أملهم من تسلم البنادق بالرضى أطلقوا الرصاص على العسكر العثماني وكان قد خيم في دفنة غربي السلوم ولم يبق إلا أن يصل الحدود .ولعلهم قتلوا أو جرحوا بعضا من العسكر ، فأمر عزيز بك بمقابلتهم بالمثل ، فنشبت معركة سقط فيها أكثر من ستين قتيلا من العرب وبضعة عشر قتيلا من الجند .وعند ذلك امتد صريخ العرب بعضها إلى بعض وأقبلت من كل صوب تريد الانتقام من عزيز بك وعسكره . وهذا كله في دفنة والأراضي المسماة بالبطنان . وأخذت العرب تجتمع لمهاجمة الجند النظامي .وكان السيد أحمد الشريف السنوسي في الجبل الأخضر وقد صفا الجو بينه وبين عزيز بك بسب سحب هذا العسكر النظامي وتخليته لبرقة ،ولكنه لم يكن ليرضى بأن تكون النهاية قتل المسلمين بعضهم بعضا ، وان يوقع العرب بجند الدولة التي كانت تحافظ على بلادهم. فأرسل السيد السنوسي الأكبر الشهيد السيد عمر المختار لتلافي الشر ومنع الأعراب من الهجوم ، فقطع عمر المختار مسافة أربعة أيام في يوم واحد مواصلا الإغذاذ إلى أن أدرك العرب قبل هجومهم . فحجر الشر وأبلغهم مافي مقاتلة عسكر الدولة من الفضيحة والشماتة وسوء القالة وسد أبواب عواطف الدولة على عرب طرابلس . ومازال بهم حتى أقنعهم بأمر السيد السنوسي أن يتركوا ثأرهم ويعدوا هذه الواقعة كأنها لم تكن ، وفي مقابلة ذلك أخذ لهم ،فيما سمعت البنادق التي كانت مسألتها هي سبب الشر الذي وقع .ولكن عزيز بك علي المصري وصل إلى مصر ثم الآستانة وقد امتلأ صدره وغراً على السنوسية ، كما أنهم هم أيضا قدموا الشكوى بحقه إلى الدولة بعد أن صار أنور ناظرا للحربية ، واتهموه بأشياء كثيرة أحالته الدولة من أجلها إلى المحاكمة ثم خلّت بعد ذلك سبيله بشرط أن يغادر تركيا إلى مصر وطنه في خبر ليس هذا محله ، لأنه يتعلق بموضوع الحركة العربية على تركيا أكثر مما يتعلق بطرابلس الغرب" .
    وقد استمر السيد عمر في جهاده إلى أن حصلت مفاوضات الزويتينة بين الإنجليز والطليان من جهة وبين السيد إدريس من الجهة الأخرى ،ووضعت الحرب أوزارها في برقة فبقي السيد عمر ينتظر الفرص لاستئناف الحرب على عدو الوطن .

    =====================================
    وإلى اللقاء في الحلقة القادمة ومع مفاوضات الزويتينة
    أخوكم فارس عودة
    أرجومن المشرفين التثبيت لأني سأتواصل معكم عبر هذه الخانة كل أسبوع

  2. #2
    شاعر
    تاريخ التسجيل : Dec 2002
    المشاركات : 262
    المواضيع : 124
    الردود : 262
    المعدل اليومي : 0.03

    Thumbs up الحلقة الثانية

    الحلقة الثانية

    كيف وقعت مفاوضات الزويتينة؟

    في سنة 1916 أوفد السيد إدريس – وكان إذ ذاك مقيما بإجدابية – السيد عمر المختار والشيخ إبراهيم المصراتي وكلفهم بالاتصال بمعسكر نوري باشا الذي كان وقتئذٍ نازلا بالبطنان ، على مقربة من خليج البنبة -ويلفظ باللهجة الليبية هكذا-( بومبا) ، لينصحوا له بعدم الحركة مرة أخرى على الحدود المصرية ، وليراقبوا حركات نوري باشا العسكرية بحيث لايسمحون له باستمرارها ضد الإنكليز .وكانت حالة معسكر نوري سيئة وفي أشد الاحتياج.
    وكانت الحكومة العثمانية أرسلت إلى نوري باشا – وهو ببرقة –أموالا كثيرة نحو سبعين ألف جنيه على دفعتين ، بعضها ذهب ، وبعضها أوراق ،ومعها بنادق ، وصناديق ذخيرة ، ورست بها الغواصة على مرسى البريقة.
    وكان نوري باشا مازال في الجهة الشرقية من برقة ، فسمع إدريس بالغواصة ، فأرسل إليها رجالا من طرفه ، وتسلموا كل مافيها ، على اعتبار أنهم يسلمونه إلى نوري باشا . لأنه الممثل للحكومة العثمانية في برقة ، ذلك أنه بعد أن تغلب الإنجليز على السيد أحمد بقي نوري في برقة ليحاول استئناف الحرب على الإنجليز في الحدود المصرية ، وجاءته الغواصة بهذا المدد ليتمكن من تنفيذ خطته التي بقي من أجلها في برقة .ولكن إدريس احتجز ماجاء في الغواصة وتصرف فيه حسب رغبته.
    وكان إدريس ضد فكرة استئناف الحرب على الإنجليز في الحدود المصرية ،وقد رأى نوري من الخير أن يجتمع بإدريس فجاء إليه- وهو في إجدابية- ومعه عبد الرحمن عزام ، ومحمد بو جبريل ، واجتمعوا به في أول صيف سنة 1916م ليتفقوا معه على رأي ، وبقي السيد عمر ومن معه في معسكر نوري ، انتظارا لما يسفر عنه اتفاق نوري وإدريس.
    ولم يتفق نوري مع إدريس على شيء ..لتمسك إدريس برأيه في عدم استئناف الهجوم على الإنجليز في الحدود المصرية.
    وفي أثناء وجود نوري في إجدابية مع إدريس ، جاء إلى إدريس وفد من الإنجليز والطليان فيه الكولونيل دبيتا الطلياني ومعهم أحمد بك حسنيين والسيد محمـد الإدريسي وابنه المرغني .
    فالتقى بهم السيد إدريس في الزويتينة ، وكانت مهمة هذا الوفد مفاوضة السيد إدريس في مايتعلق بعدم الهجوم على الحدود المصرية من ناحية الإنجليز ، وإيقاف الحرب في برقة من ناحية الطليان.
    وكان إدريس حريصا على نجاح هذه المفاوضات ، لأنه كان يتعلل بأن المجاعة شديدة في برقة ، والحالة لاتسمح باستئناف الحرب على الإنجليز في الحدود المصرية .
    وعلى رغم أن نوري باشا كان موجودا في برقة بصفته ممثلا للحكومة العثمانية ، فقد استقل إدريس بالمفاوضات بنفسه ولم يستشره ، ولم يستشر أحدا من الطرابلسيين.
    وترتب على هذه المفاوضات كل سياسة المعاهدات في برقة ، سواء كانت في عكرمة أو الرجمة ، وسياسة المهادنة للإنجليز والطليان.
    وبعد هذا الموقف المتصلب من إدريس في انحيازه إلى سياسة الإنجليز والطليان وتمسكه بتنفيذها لم ير نوري باشا بدّاً من الرحيل عن برقة .وبما أن هذه الأحداث كانت أثناء الحرب العالمية الأولى ، وكانت الحكومة العثمانية في صف ألمانيا ، فكان مع نوري في برقة الكونت (مانسمان) الألماني ممثلا للسياسة الألمانية.
    وكانت مصراتة إذ ذاك فيها حكومة رمضان السويحلي ، وكانت قائمة بحركة الجهاد خير قيام .فسافر إليها نوري باشا هو والأستاذ عبد الرحمن عزام ، لمحاولة تنفيذ مايمكن من سياسة الحكومة العثمانية التي ترمي إلى مناوأة الإنجليز والطليان ، فوصلاها في آخر سبتمبر سنة 1916م .وتفرق الجيش الذي كان مع نوري في برقة .وسجن إدريس بعضه ، ونفى موسى اليمني إلى الكفرة وهو من أكبر الضباط العثمانيين .
    ولأمر مالم يسافر الكونت (مانسمان) مع نوري باشا إلى مصراتة ، وتأخر قليلا .ثم التحق به ،وأجّر أحد العُربَان لتوصيله إلى مصراتة ، وكان معه نحو عشرة الآف جنيه ذهبا ، ولكنه قتل قبل أن يصل إلى سرت ، وأُخِذَ كل مامعه من النقود .
    وبسفر نوري إلى مصراتة استحال تجديد الهجوم على الحدود المصرية ، الذي كان غرضا أساسيا لوجود نوري باشا في برقة.
    وبهذا الموقف من إدريس ضد السياسة العثمانية ازداد سوء التفاهم بين إدريس ، والحكومة العثمانية ، وبينه وبين السيد أحمد الشريف الذي ظل مواليا لفكرة الجهاد وللدولة العثمانية إلى أن توفاه الله " توفي السيد أحمد الشريف في المدينة المنورة يوم الجمعة 14/ من ذي القعدة سنة 1351هـ ."
    وبسبب المعاهدة التي عقدها إدريس مع الطليان ، منع إدريسُ السيدَ أحمد من دخول برقة لمّا طرده الإنجليز من سيوة في فبراير سنة 1917م فاضطره إلى الذهاب إلى سرت والجفرة.
    أحداث بين طرابلس وبرقة
    وقعت أحداث مؤسفة بين طرابلس وبرقة ، كان سببها تلك الفتنة التي أحدثها صفي الدين في مصراتة ، والتي نتج عنها الخلاف الذي وقع بينه وبين رمضان السويحلي .
    وبما أنه سيجيء في أثناء الكلام ما يشير إليها ، فقد رأيت أن أذكر ملخصها ليكون الناس على علم بحقيقة ماوقع.
    لقد ذهب الناس في أسباب هذا الخلاف مذاهب تختلف بحسب ما وصل إلى علم كل منهم من الناحية التي اتصل بها. ونحن نذكر هنا أصح ما اتصل بنا من أوثق المصادر .
    لما وقع الصلح بين الكومة العثمانية وإيطاليا بشأن طرابلس في أكتوبر سنة 1912م لم يرض السنوسيون بهذا الصلح ،واستمروا على الحرب في برقة .وقد أرادوا أن تستأنف الحرب في طرابلس فأرسلوا صفي الدين إلى سرت ، وكان من ضمن أعماله أن أغار على إبل مصراتة وأخذها بحجة أن أهلها "متطلينون" –وهي صفة تطلق على من يعمل مع الإيطاليين ويرضى بوجودهم - .
    وقد أخذ رمضان السويحلي يفكر في الاتصال بمعسكر السنوسيين منذ أن سمع بقدومه إلى سرت .ولما وقعت الإغارة على إبل مصراتة اتخذ رمضان السويحلي هذا الحادث وسيلة إلى تنفيذ فكرته ، وطلب من الحكومة الإيطالية أن يذهب إلى معسكر السنوسية ليتفاهم معه في إرجاع إلإبل . فأذنت له وذهب في أربعين فارسا . ووجد الناس من ذهاب رمضان مشجعا لهم على الالتحاق بالسيد صفي الدين فالتحق به أناس كثيرون ، وَسَرَتْ في الناس روح النشاط إلى الثورة وأخذ بعض الناس السلاح من الحكومة الإيطالية بحجة المحافظة على أموالهم من هؤلاء المغيرين .وبعد وصول رمضان بك بيومين هجم الإيطاليون على معسكر السنوسية وحصلت معركة اشترك فيها رمضان بك ومن معه وقتل فيها بعض رفاقه وجرح أخوه أحمد وآخرون.
    وخاف رمضان بك أن يسبقه الخبر باشتراكه في المعركة إلى إيطاليا فتقتل أهله وإخوته في مصراتة ، فأسرع بالرجوع إليها .ولما سأله الطليان عما وقع أنكر حضوره المعركة وأكد لهم أنه وصل بعدها بيومين وأن رفقاءه إنما تخلفوا لأجل تخليص الإبل من المجاهدين لأنهم اقتسموها قبل وصولهم ، وأنه لم يمت ولم يجرح منهم أد.
    وقد استدعته حكومة طرابلس لتسأله عن هذا الحادث فأجابها بما تقدم . وقد تغير نظر الطليان بعد هذا الحادث إلى رمضان ، واعتقدوا أن له تأثير على السنوسية ، فكلفوه بأن يذهب على رأس جيش لمحاربتهم إن أبوا واعتزم أن يستعمل هذا الجيش ضد الإيطاليين .
    تأليف الجيش:
    وتألف هذا الجيش من أكبر القبائل الطرابلسية ، وكان رمضان بك رئيسا على مصراتة ، وعدد هذا الجيش أربعة عشر ألفا برياسة الكولونيل هياني. وقد استغرق وصول الجيش إلى سرت بعد اجتماعه نحو ستة أيام اتصل في أثنائها رمضان بك بصفي الدين وأفهمه أنه مصمم على محاربة الطليان. وقد رفض صفي الدين ماعرض عليه من الصلح بناء على هذه الفكرة .ونشبت المعركة بين الفريقين وانقض رمضان بك على الطليان وركب أقفيتهم فانهزموا شر هزيمة. وهذه الواقعة تسمى "واقعة القرضابية" وكانت يوم الخميس سنة 1333هـ .
    إلى هنا يرى القاريء الكريم أن علاقة رمضان بك بالسادة السنوسية علاقة مودة وتهاون وتناصر ، وأنه هو الباديء بطلب مودتهم والانضمام إليهم في قتال العدو.
    وماكاد خبر هذه المعركة يصل إلى مصراتة وأن رمضان بك انضم إلى صفي الدين حتى انبرى الطليان إلى أهالي مصراتة فملأوا بهم السجون وأرسلوا أعيانهم إلى إيطاليا . ولم تخفَ على رمضان بك مثل هذه الأعمال فأراد الرجوع إلى مصراتة لينقذ أهلها ، فلم يأذن له صفي الدين –وكان رمضان بك أخذ أكثر الغنائم – وأخذ يماطله وقصده أن يترك له ماأخذ من الغنائم .وبعد ستة أيام نفذ صبر رمضان بك فترك للسيد أكثر ما أخذه من الغنائم وذهب إلى مصراتة لإنقاذ أهلها من يد الإيطاليين.
    وبعد مناوشات تمكن رمضان من حصر الإيطاليين فيها خمسة وعشرين يوما ، ثم جاءوا بقوة عظيمة وفكوا الحصار عن أنفسهم بعد معركة دامت ثلاث عشرة ساعة استشهد فيها 120 شهيدا .وترك الطليان مصراتة بكل ما فيها من معدات وسلاح وأرزاق وكانت غنائم الحرب لاتحصى ، واستتب الأمر في مصراتة لرمضان.
    ثم انتقل صفي الدين إلى ورفلة وفرض على أهلها الضرائب وأخذ كل ماغنموه من الطليان في بلادهم حتى جلا عبد الغني وغيره من أعيانهم إلى مصراتة .ولكن هذا لم يمنع رمضان أن يدعو صفي الدين إلى زيارة مصراتة فدعاه واحتفل بمقدمه وأكرمه غاية الإكرام .ولكنه لم يلبث أن ابتدأ في تمثيل الدور الذي مثّله في ورفلة ففرض الضرائب على الجمل 50 فرنكا ،وعلى البقرة 25 فرنكا وأمر بأخذ الزكاة من الغنم ، وطلب أن يسلم إليه كل ما خلفه الطليان في مصراته من مؤن وذخائر ، وهو شيء لايحصى كثرة . فعارض رمضان في فرض الضرائب بجة أن الناس لم تبق الحرب عندهم شيئا ، ومن كان منهم في صف القتال مؤونته على نفسه فلا داعي إلى فرض الضرائب .أما الزكاة فلا بأس من أخذها .أما تسليم الغنائم فهذا شيء غير ممكن ,لأن البلاد في حاجة إليها ،وهي في ضمانة هيئة منتخبة من أعيان مصراتة وأغنيائهم ، ولايصرف منها شيء إلا بإذن الحكومة وهم مسؤولون عنها أمامهم .فلم يقتنع صفي الدين بهذا واستمر على مطالبه ، واستمر رمضان في معارضته.
    ومن هنا نشأ الخلاف بين رمضان وصفي الدين .وانضم بعض الناس الذين كانوا ينازعون رمضان الرياسة إلى السيد صفي الدين ، وأصدر أمره بأن رمضان "مهجور" على عادة السنوسية فيمن غضبوا عليه واشتد الخلاف بين الفريقين ، فاجتمع الناس في يوم وخطب فيهم صفي الدين وقال لهم : إني هجرت رمضان السويحلي وعزلته من وظيفته .فأجابوه بلسان واحد : لانرضى بعزل رمضان بك ، ولاحاجة لنا بالسنوسية في بلادنا ، ويجب أن تخرج منها في هذا اليوم .فلم يسع صفي الدين إلا الخروج وقصد ورفلة حيث يقيم وكيله أحمد التواتي.
    ولم يلبث صفي الدين أن جاء إلى ترهونة وأرسل إلى أعيان وعلماء الجبهة الغربية (النواحي والزاوية وزوارة) –وهذه أسماء مدن تقع في الشمال الغربي لليبيا- فحضروا وكان ظاهر الدعوة الزيارة .ولم يعلمهم بما انطوت عليه نيته من محاربة رمضان ، واجتمع الكل في مسلاتة. فما شعروا إلا وأحمد التواتي ( وكيل صفي الدين ) يقدم إليهم فتوى مصدرة بقول الشاعر:
    أترجو أمة قتلت حسينا شفاعة جده يوم الحساب
    مضمونها أن رجلا عصى الحكومة السنوسية وأهان الأشراف. هل يقتل أم لا؟ فاستغرب الناس هذه الفتيا ، ثم فهموا أخيرا أن المقصود بها رمضان السويحلي .فقالوا لصفي الدين : يجب أن نتصل برمضان ، فإن وجدنا الحق معه فنحن لانحاربه ، وإن وجدناه ظالما رجعنا إلى بلادنا وأرسلنا إليك رجال الرب ، لأننا جئنا للزيارة فقط . فأصر التواتي على محاربة رمضان ، ومنعهم من الذهاب إليه .وأخيرا توسل الشيخ سوف والشيخ عمر المنصوري وسلطان بن شعبان وغيرهم بحجة زيارة ضريح عبد السلام الأسمر فأذن لهم .واجتمعوا في زيارتهم برمضان فاقتنعوا بوجهة نظره ، وأن الذي أحدث هذه الفتنة هو أحمد التواتي على حساب صفي الدين .
    ومما قاله لهم رمضان : إني مستعد لتوريد كل مايلزم السيد صفي الدين من أرزاق على شرط أن يتخذ له جبهة أمام العدو . ولما عرضوا هذا على صفي الدين رفضه وأصر على محاربة السويحلي ، فرجع الأعيان كل واحد إلى بلاده وهاجم رمضانُ صفيَّ الدين فانسحب هذا إلى ترهونة ، ومنها إلى ورفلة ، فلحقه رمضان هناك وأجلاه عنها ، وقبض على أحمد التواتي فقتله. وترتب على هذا أن منع رمضان السيد أحمد من دخول مصراتة حينما منعه السيد إدريس من دخول برقة بعد أن لم يوفق في هجومه على الحدود المصرية.
    وقد حاول نوري باشا إقناع رمضان بدخول السيد أحمد مصراتة ، وأنه يفيد الحركة سياسيا وأدبيا .وقد أيده الأستاذ عبد الرحمن عزام في هذه الفكرة ، ولكن رمضان أصر على فكره خوفا من وقوع مثل ماوقع مع صفي الدين .
    واستمرت هذه الحال السيئة إلى جمادى الأولى سنة 1340هـ حيث اجتمعت وفود الطرابلسيين والبرقاويين في سرت وزال كل خلاف .هذه باختصار أسباب الخلاف وللمنصف أن يحكم لمن شاء وعلى من شاء .
    ===========================================
    إلى اللقاء في الحلقة القادمة

  3. #3
    شاعر
    تاريخ التسجيل : Dec 2002
    المشاركات : 262
    المواضيع : 124
    الردود : 262
    المعدل اليومي : 0.03

    Thumbs up الحلقة الثالثة

    الحلقة الثالثة
    مؤتمر سرت:
    بمناسبة ماأحدثه صفي الدين السنوسي في مصراتة من فتنة كانت سببا في طرده منها ، قُتل أحمد التواتي رأس الفتنة . وقد تركت هذه الفتنة حزازات في النفوس بين الطرابلسيين (المنطقة الغربية لليبيا ) والبرقاوين (المنطقة الشرقية).
    وبما أن طرابلس كانت ماتزال تعاني من ويلات الحرب، وأن إدريس عقد معاهدة صلح مع الإنجليز والطليان ، وجعله الطليان أميرا على دواخل برقة – انفصلت برقة عن طرابلس ممازاد الحالة سوءا.
    أقدم إدريس على المفاوضات والمعاهدات بدون أن يستشير الطرابلسيين أو يأخذ رأيهم في شيء .وكان انفصاليا في جميع أعماله في برقة بكل ما في الكلمة من معنى.
    لهذا كله فقد أدرك محبو الخير من الطرابلسيين والبرقاويين أن استمرار الجفاء بين البلدين لا يزيد الحال إلا سوءا ، ولا يستفيد منه إلا العدو ، فاقتنعوا في قرارة أنفسهم بأنهم في أشد الحاجة إلى إزالة هذا الجفاء.
    وما أن ابتدأوا سعيهم إلى الاتفاق حتى وجدوا ميلا من الطرفين سهّل عليهم مهمتهم .واتفقوا على أن يجتمعوا في سرت في جمادى الأولى سنة 1340هـ الموافق 1922م .
    تأليف الوفود:
    تألف الوفد البرقاوي من الشيخ صالح الأطيوش ، والشيخ نصر الأعمى ، والشيخ خالد القيصة، والشيخ صالح السنوسي ابن عبد الهادي البراني.
    وتألف الوفد الطرابلسي من السيد أحمد السويحلي ، والأستاذ عبد الرحمن عزام ، وعمر أبي دبوس ، ومحمد نوري السعداوي ، والشتيوي بن سالم، والصويعي الخيتوني، والحاج صالح بن سلطان.
    واجتمع الوفدان في سرت في جمادى الأولى سنة 1340هـ الموافق يناير سنة 1922م.
    وبعد أن بحثوا أسباب الخلاف وما أدى إلى هذا الشقاق ، رأوا أن التمادي في هذه الحال مضر بمصلحة الطرفين ، ومؤد بالبلاد كلها إلى مصير سيئ ، فاتفقوا على توحيد الكلمة بين طرابلس وبرقة ، وزال كل خلاف ، وعادت المياه إلى مجاريها .واقتنع كل من الفريقين بأن هذه الوحدة تكسب البلاد قوة مزدوجة ، تمكنها من الصمود أمام العدو .وكتبوا بينهم معاهدة التزم كل من الطرفين بتنفيذها وهذا نصها:
    ( الحمد لله المبديء المعيد ، الفعال لما يريد ، ألف بين قلوب المسلمين وجعلهم خير أمة للعالمين . والصلاة والسلام على رسول الهدى والرحمة الذي جاء يدعو إلى العزة والإباء ، ويعلمنا كيف نقاتل الأعداء.
    وبعد .فقد اجتمعنا نحن الموقعين على هذه المعاهدة ، المفوضين من قبل طرابس وبرقة ، وقررنا بعد مداولة الفكر المواد الآتية ، المتضمنة اتفاق القطر الطرابلسي البرقاوي على الاتحاد والتعاون في السراء والضراء:
    1- يجب أن نوحد كلمتنا ضد عدونا الغاصب لبلادنا ، وضد المفسدين .
    2- يجب أن يكون عدونا واحد ، وصديقنا واحد.
    3- إن كافة ما وقع بين الطرفين من التجاوز لايطالب به أحد الآخر ، إلى أن تسقر الحالة في الوطن ، وتتعين وضعية البلاد العمومية .ومع ذلك يجب أن يسعى الطرفان في المسامحة بين العربان ، ومن يتعدى بعد الآن فعلى الحكومة التابع لها أن تعاقبه بما يستحق.
    4- كل من يخالف الجماعة ، ويدس الدسائس الأجنبية ، على الحكومة المنسوب إليها إعدامه ، ومصادرة أمواله حسب الشريعة الإسلامية.
    5- يرى الطرفان أن مصلحة الوطن وضرورة الدفاع ضد العدو المشترك تقضي بتوحيد الزعامة في البلاد ، ولذلك يجعلان غايتهما انتخاب أمير مسلم ، تكون له السلطة الدينية والمدنية داخل دستور ترضاه الأمة.
    6- يتخذ الطرفان الوسائل اللازمة لتحقيق هذه الغاية المذكورة في المادة الخامسة ، وأن تكون تولية الأمير بإرادة الأمة.
    7- متى تحققت الغاية المذكورة في المادة الخامسة ، يجب انتخاب مجلس تأسيسي من الفريقين لوضع القانون الأساسي ، والنظم اللازمة لإدارة البلاد...وقبل ذلك ،وتمهيدا لهذه الأعمال ، يجب على الفريقين أن يرسل كل منهما مندوبا للبلد الآخر لأجل أن يشتركا في سياسة البلاد والتدابير المقتضاة للدفاع عن الوطن.
    8- يتعهد الطرفان بألا يعترفوا للعدو بسلطة ، وأن يمنعوه من بسط نفوذه خارج الأماكن المتحصن فيها الآن .وفي حالة وقوع حرب يتضافر الفريقان على حرب العدو ، وألا يعقد صلح أو هدنة إلا بموافقة الفريقين.
    9- إذا خرج العدو من حصونه مهاجما جهة من الجهات، وجب على الجهة الأخرى أن تمد المهاجَم بالمهمات الحربية والمال والرجال. وأن تنذر العدو بالكف عن التجاوز ، وإذا لم ينكفّ تهاجمه هي بدورها.
    10- تجتمع هيئة منتخبة من أهالي طرابلس وبرقة مرتين في كل سنة ، في شهري المحرم ورجب للنظر في مصالح البلاد.
    11- يشترط أن توافق على هذه المعاهدة كل من حكومة برقة والهيئة المركزية في جهة طرابلس.
    12- مهمة الهيئة المذكورة تأييد العلائق الودية بين الطرفين وتأييد هذه الاتفاقية .
    وبينما كان الوفدان مجتمعين في سرت نزل الجيش الإيطالي في قصر حمد بمصراتة، واستؤنفت الحرب . ووقعت معارك من أشد المعارك التي وقعت في مصراتة، ولم تنفذ برقة شيئا من معاهدة سرت سوى الممثل المنصوص عليه في المادة السابعة ، فقد أرسلت حكومة برقة الشيخ عبد العزيز العيساوي ممثلا لها في مصراتة.
    وفي جمادى الآخرة حصلت هدنة بين الطليان والطرابلسيين وشرعوا في مفاوضات للوصول إلى اتفاق يكفل الراحة للطرفين .وفي أثناء المفاوضات رأت هيئة الإصلاح المركزية أن تعين أميرا تنفيذا لما قرر في مؤتمر غريان ومؤتمر سرت لتكون إيطاليا أمام الأمر الواقع . ولما لم يكن من الممكن إذ ذاك أن تفكر الأمة في انتخاب غير إدريس السنوسي –لأن أهل برقة ماكانوا يخضعون لغير السنوسيين ، ولأنه كان مهيئا لها بنصب إيطاليا إياه أميرا على دواخل برقة بمقتضى معاهدة الرجمة سنة 1920م – لهذا لم يكن بد لسكان طرابلس من انتخابه في ذلك الوقت العصيب الذي اشتدت فيه وطأت العدو عليهم ،والذي لا يتسع للتفكير في غيره. فاتخبت الهيئة المذكورة إدريس السنوسي أميرا وأبلغت المفاوض الإيطالي ذلك .ولما أبلغه إلى حومته رفضته ، وأصر الطرابلسيون على تنفيذه وأصر الطليان على رفضه ، فكانت الصخرة التي تحطمت عليها آمال السلم .واستؤنفت الحرب يوم الجمعة من أواخر شعبان 1340هـ . وأرسل الطرابلسيون وفدا إلى السيد إدريس يبايعونه بالإمارة ..فقبلها بعد أن قطع على نفسه العهد بأن يقف حياته على خدمة الوطن .كان هذا سنة 1341هـ
    سفر إدريس إلى مصر:
    ومالبث السيد إدريس بعد وصول كتاب البيعة إليه وقبولها أن ترك البلاد وسافر إلى مصر بحجة أنه مريض ويريد أن يعرض نفسه على الأطباء .
    وعند وصوله القاهرة استقبل فيها استقبالا فخما من أهل الفضل في مصر ورؤساء العرب فيها ووجهائهم .
    وقد نشرت الأهرام إذ ذاك أن الكشف الطبي الذي أجراه له عبد الوهاب بك وحامد واصف بك وأحد الأطباء النمساويين أثبت أن صحة سموه حسنة وقد زادت تحسنا ، ولم يجد الأطباء مرضا معينا يقضي بالمعالجة أو قلق البال . وبمثل هذا العذر يبرر إدريس سفره إلى مصر ويترك أمة بأسرها على شفير الهاوية بعد أن قلدته ومدت إليه يد البيعة فبايعها.
    ( ثم تكرر منه هذا الهروب حينما سمع بانقلاب سبتمبر وكان على يد شرذمة قليلين وهو في تركيا ولو رجع لقضى على تلك المحاولة المزعومة ولما جرى للبلاد ماجرى بعدها بسبب موقفه الانسحابي –وهذا ما ذكره بن حليم وزير ليبيا الأسبق في برنامج شاهد على العصر مع الأخ أحمد منصور-ولايكون الزهد في المنصب دائما محمودا وخصوصا حين تعلم أن الذي سيتولى سيفسد في الأرض ويهلك الحرث والنسل عندها يكون عليك التمسك به مااستطعت ومن أراد أن يطلع على الحكم الشرعي لذلك فليقرأ فتاوى ابن تيمية في مثل هذا الموقف يجد الشرح المستفيض )
    وماكاد يذيع في الناس خبر سفر إدريس إلى مصر حتى فترت الهمم وحلت العزائم ، ووقعت البلاد في هاوية لم تصل إلى قرارتها بعد.
    ولم تكد إيطاليا تسمع ببيعة الطرابلسيين لإدريس حتى قطعت معه كل علاقاتها ، واستؤنفت الحرب في برقة ، فكان السيد عمر المختار في مقدمة المحاربين ، وأول من وقف في وجه الطليان.
    السيد عمر في الجبل الخضر:
    ولما بويع إدريس بالإمارة عيّن السيد عمر المختار قائدا لمنطقة الجبل الأخضر فباشر عمله ، وأخذ في تنظيم أموره. ولكن سفر إدريس إلى مصر عقب البيعة بنحو أربعين يوما أحدث اضطرابا عاما في ليبيا كلها ، وضعفا في نفوس كل الشعب .. لهذا لم ينتظم أمر السيد عمر كما ينبغي ، فاضطر إلى أن يلحق بإدريس في مصر ليستطلع رأيه فيما أصاب الأمة الليبية من فشل بأسباب سفره ، وهل هو يعتزم العودة إلى الوطن ليفي بعهد الإمارة التي أصبحت أمانة في عنقه أمام الله ،وأمام الأمة العربية جمعاء ، أو هو لاينوي العودة وعلى الليبيين أن يتولوا مصلحتهم بأنفسهم .
    فجاء السيد عمر إلى مصر في مارس سنة 1923م وقابل السيد إدريس وشرح له ما أصاب الأمة الطرابلسية بسبب سفره من بلاء ، ولكنه لم يحظ منه بأمر حاسم ، فأيقن السيد عمر بعدم رجوعه إلى طرابلس ، وعلم أن تعليق الآمال على رجوعه لن يحقق شيئا من تخفيف البلاء النازل بالوطن. فأجمع أمره ورجع إلى برقة ليتشاور مع رؤساء العرب فيما يجب عمله لمصلحة بلادهم.
    وبينما هو راجع في طريقه إلى برقة عرض له الإيطاليون في ثلاث سيارات مسلحة بجهة "أبيار الغُبَي" بضم الغين وفتح الباء للقبض عليه ، وقد دافع عن نفسه وانتصر على من في السيارات الثلاث فقتلهم وأخذ مامعهم .وقد استمر في طريقه إلى طريقه إلى أن وصل إلى معسكر المغاربة بناحية زاوية القطوفية حيث يوجد الشيخ صالح الأطيوش ، والشيخ الفضيل المهشهش . وفي هذا الوقت كان السيد الرضا في جالو نائبا عن أخيه السيد إدريس في إدارة شؤون الحرب ،فذهب إليه السيد عمر ، وفي أثناء إقامته عنده حصلت معركة البريقة وكان ذلك في ذي القعدة سنة 1341هـ
    معركة البريقة :
    تسمى هذه المعركة معركة البريقة ، ومعركة سيدي بلال ، والبريقة وسيدي بلال مكانان متقاربان يقعان في جنوبي اجدابية الغربي قنسبت المعركة لكل منهما ، والبريقة على مسافة 85 كيلو مترا من إجدابية .وتسمى أيضا واقعة الكراهب ، والكرهبة عند البادية هي السيارة ، ونسبت الواقعة إليها لكثرة عدد السيارات الحربية فيها لأنها تقارب المائة بين دبابات ومدرعات وحمالات.
    سبب المعركة
    سببها أنه لما قبل إدريس البيعة بالإمارة أعلنت إيطاليا عليه الحرب واحتلت إجدابية التي كانت مركزا له في 9 رمضان سنة 1314هـ . واجتمع المغاربة ومن انظم إليهم حوالي زاوية القطوفية وهي إلى جنوبي أجدابية بنحو مرحلة ، وصاروا يناوشون الطليان في إجدابية ويقلقون راحتهم. فلم ير الطليان بدا من محاربتهم فخرجوا عليهم في يولية 1923م في جيش لايقل عن خمسة آلاف مجهز بجميع المعدات الحربية والآلات الحديثة ، ومعه نحو مائة سيارة من المدرعات وغيرها. فالتقوا به في البريقة ، ونشبت المعركة بين الفريقين ، وكانت الدبابات أول ضحية هذه المعركة لأن طبيعة الأرض لم تساعدها على القيام بمهمتها ، وأمطرها المجاهدون وابلا من الرصاص ففسدت عجلاتها فانقضوا عليها وقتلوا من فيها . واستعر القتل بين الفريقين ،وصمد المجاهدون لهذا الجيش العرمرم ، فما هي إلا ساعة حتى ذهب الله بريحه وولى الأدبار ، فركبوا أقفيته فلم ينج إلا نفر قليل تمكنوا من الهرب.
    وكان الفضل في هذه المعركة للمغاربة ، وقد أبلوا فيها بلاء حسنا وأظهروا فيها من الشجاعة الاستبسال مايسجله لهم التاريخ بمداد الفخر . وقد استشهد في هذه المعركة من فرسانهم المبرزين في الشجاعة الشيخ إبراهيم الفيل ، والشيخ نصر الأعمى ، والشيخ المهدي الحرنة. وكانت هذه المعركة بقيادة الشيخ صالح الأطيوش ، والشيخ الفضيل المهشهش ، وقُجَّة عبد الله –بضم القاف وفتح الجيم مشددا وهو عبد من عبيد السنوسية اشتهر بالشجاعة في حروب برقة ،وكان له ذكر حسن بين الناس-وقد أظهروا فيها مايشكرون عليه.
    وبعد هذه المعركة رجع السيد عمر إلى البريقة حيث معسكر المغاربة ساخطا على الرضا ، ناقما منه سوء إدارته واستسلامه لآراء من حوله ممن لا يهمهم إلا مصالحهم الخاصة . وقد اتفق السيد عمر مع الشيخ صالح الأطيوش أن يأخذ معه نفرا من المجاهدين ويذهب بهم إلى الجبل الأخضر ويؤسس بهم معسكرا هناك . وتم هذا الرأي ،وذهب السيد عمر في نفر من المجاهدين واستقر بهم في الجبل الأخضر. ولم يلبث أن توافدت عليه الناس من كل صوب . ومن هذا الوقت ابتدأ السيد أمر السيد عمر في هذا الدور الأخير من جهاده عليه رحمة الله .

    ====================================
    في الحلقة الرابعة إن شاء الله سنتعرف معا على تنظيم السيد عمر المختار لحركة الجهاد فانتظروني
    أخوكم

  4. #4
    عضو غير مفعل
    تاريخ التسجيل : Dec 2002
    الدولة : (بيتنا بطحاء مكه)
    المشاركات : 1,808
    المواضيع : 128
    الردود : 1808
    المعدل اليومي : 0.23

    افتراضي

    السلام عليكم ورحمة الله


    أيها الفارس:اخي تحية أكبار لإبداع يتجدد

    مؤرخ الانتفاضة والتضحيات
    سيدي جزاك الله خيرا
    يا عنوان الابداع والعطاء

    بارك الله فيك

    ورحم شهداء الأمة

    كل عام وأنت بخير

  5. #5

المواضيع المتشابهه

  1. المقام المحمدي : قبس من سيرته وشمائله : شعر : صبري الصبري
    بواسطة صبري الصبري في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 15
    آخر مشاركة: 22-09-2012, 02:34 PM
  2. زعيم الجهادية ضد المرأة ـ أجبني ـ
    بواسطة شموخ الحرف في المنتدى النَّثْرُ الأَدَبِيُّ
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 15-12-2008, 12:54 AM
  3. مشاركات: 10
    آخر مشاركة: 25-02-2007, 06:40 AM
  4. انصر نبيك بنشر سيرته للعالم ..........
    بواسطة حسنية تدركيت في المنتدى الحِوَارُ الإِسْلامِي
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 11-03-2006, 03:34 AM