مات محسن.. مات ذلك الرجل الفاضل الذي فاخرنا به لسنوات طويلة. مات رجل ظل لصيقا بالمسجد، عفيف العين واللسان، خدوما، أمينا، رجلا عربيا مسلما.. بكل ما تحمله الكلمات من معان.
في يوم رحيله عرفت معنى حسن الخاتمة.. هي الشهادة أنه كان رجلا صالحا في زمن مغبر، ولذا لم أكن لأتفادى كل ذلك الصقيع الذي اجتاحني وأنا أسأل الله له الرحمة في ليلة قبره الأولى. ويوم تأبينه أدركت أن الرحيل بالنهاية هو إخلاء القلب، لا إخلاء الأمكنة. أ كان لنا إذن أن نصدق " رحيله " وهو الذي بكل هذي القلوب لم يكن أبدا مجرد " عابر " ككل العابرين؟ هو الذي لا عنوان له، والذي له في كل واحد منا مسقط، لم نكن نحتار في العثور عليه، إذ أننا كلما سلكنا درب الحب في الله إلا وكان المنتهى.. فكيف نشفى منه، كيف نشفى منه؟
في ذكراه ها أنذا ما أزال مسكونا به، وهو الذي ليس أقسى من تذكره سوى نسيانه، ذلك أننا بين هذا وذاك محض ذاكرة معذبة. فقط لو أنني أرى عينيه الطفوليتين لآخر مرة.. فقط لو أنه يبتسم بصمت كعادته لآخر مرة.. فقط لو أنني أسمع صوته الخفيض لآخر مرة، حتى لو كان هذا بكلمة " وداعا "...
إنا لله وإنا إليه راجعون.