حِينَ يُطِلُّ بَدْرُ وَجْهِكِ الصَّبُوحِ عَلَى لَيلِ اغْتِرَابِـي بَعْدَ طَوِيلِ انْتِظَارٍ وَعَظِيمِ اشْتِيَاقٍ يُشْرِقُ بِالبَهْجَةِ الـخَاطِرُ وَتَعْبقُ بِالدِّفْءِ الـمَشَاعِرُ وَتَرِقُّ بِالنَّجْوَى الشِّغَافُ. وَفِي بَـهِيِّ الـحُضُورِ تَتَفَتَّقُ الـمَآقِي أَزَاهِيرَ رَبِيعٍ حَافِلٍ ، وَعَلَى وَجنَاتِ الـحُبُورِ يَسِيلُ نَدَاهَا وَأَرِيـجُهَا طُقُوسَ مُهْجَةٍ فِي مَوَاسِمِ بَـهْجَةٍ ، وَتَشْخَصُ الرُّوحُ تَتَأَمَّلُ فِي جَمَالِكِ الوَثِيرِ وَتَتَبَتَّلُ فِي مِـحْرَابِ دَلالِكِ الأَثِيرِ.

وَتَبْتَسِمِينَ ؛ فَيَتَهَاتَفُ القَلْبُ اسْتِبَاءً ، وَتَتَهَافَتُ النَّفْسُ اشْتِهَاءً ، وَقَدْ زَلْزَلَـهَا الأَلَقُ وَأَغْرَاهَا العَبَقُ وَأَوهَاهَا السِّحْرُ الـمُقِيمُ بَينَ الـجَفْنِ وَالـحَدَقِ ، وَلا يَكَادُ الوَقَارُ يَنْهَرُ حَتَّى يَعْذِلُهُ الـحَنِينُ وَيَقْهَرُ ، ثُمَّ يَنْطَلِقُ بِـجَنَاحَيهِ ؛ الشَّوْقِ وَالتَّوْقِ ؛ فِي آفَاقٍ تَتَّسِعُ ، وَخَيَالاتٍ تَرْتَفِعُ لا يَـحُدُّهَا فِي الكَونِ مَدَارٌ وَلا يَرُدُّهَا عَنِ الصَّبِّ انْتِهَارٌ.
فَمَا أَعْجَبَ هَذِهِ الرُّوحَ التِي تَسْكُنُ هَذَا الطِّينَ ؛ كَيفَ يَسْرِى بِـهَا أَثَرُ البَّسْمَةِ مُدْهِشًا لِلنَّفْسِ مُرْعِشًا لِلحِسِّ مُنْعِشًا بِالأُنْسِ مُعَرِّشًا السَكِينَةَ فِي الحَشَا. أَسَارِيرُ تَنْفَرِجُ فَتُفَرِّجُ بِـهَا كُلَّ زَفْرَةِ ضِيقٍ ، وَتُبْهِجُ بِـهَا قَلْبَ كُلِّ صَدِيقٍ ، وَتُزِيلُ بِـهَا انْقِبَاضَةَ الوَحْشَةِ ، وَتَصُبُّ بِـهَا مِنْ أَبَارِيقِ الدَّهْشَةِ السُّلافَ فِي العُرُوقِ.

ابْتَسَامَتُكِ جَمِيلَةٌ ؛ كَأُقْحُوَانِ الـمُرُوجِ فِي أَيَّارَ تَنْتَشِرُ بَيضَاءَ فَوقَ بِسَاطٍ مِنْ سُنْدُسٍ وإِسْتَبْرَقٍ ، أَوْ كَفُصُوصِ لُؤْلُؤٍ مَنْثُورٍ فِي طَبَقِ عُنَّابٍ نَاضِجٍ لَذِيذٍ ، أَو كَرَشْفَةِ سَاغِبٍ لاغِبٍ مِنْ كَأْسٍ لا غَولٌ فِيهَا وَلا تَأْثِيمٌ . فَيَا لسِحْرٍ يُسَافِرُ بِالخَيَالِ إِلَى الـمُحَالِ ، وَيَا لـخَمْرٍ يٌثْمِلُ وَلا يُسْكِرُ مِنْ حُمَيَّا سُلافَةِ الشُّعُورِ. وَينْتَشِي ؛ فَيُرَبِّتُ بِكَفِّ الأَمَلِ عَلَى كَتِفِ الأَلَـمِ وَيُسْرِجُ ذُبَالَةَ الوَجْدِ لِيُضِيءَ دَرْبَ العُمُرِ بِرَبِيعٍ مِنْ وِدَادٍ.

ابْتَسَامَتُكِ بَخِيلَةٌ ؛ كَنَقْرَةِ عُصْفُورِ الدَّوْحِ مِنْ مَاءِ غَدِيرٍ ، أَوْ كَوَمْضَةِ بَرْقٍ بَعِيدٍ لا تَكَادُ تَلْمَحُهُ العَينُ إِلا أَثَرًا فَلا هُوَ أَرْوَى اللَّعْسَ ، وَلا هُوَ أَمْـحَلَ الحَدْسَ ، وَلا هُوَ أَنْجَعَ اليَقِينَ. وَلَسْتُ إِخَالُهُ إِلا البُخْلَ الوَحَيدَ الذِي يُحْمَدُ وَيُنْشَدُ ؛ لا يَضِنُّ إِلا لِيَجُودَ فِي الأَوْصَالِ لَـهْفَةً وَإِلا لِيَزِيدَ بِالإِقْبَالِ رَأْفَةً ، فَلا تَبْرَحُ العَينُ بَينَ حَقِيقَةٍ وَخَيَالٍ ، وَلا يَزَالُ القَلْبُ بَينَ قُنُوطٍ وَرَجَاءٍ حَتَّى إِذَا عَادَ البَرْقُ هَمَى الشَّوْقُ وَاشْتَعَلَ الغَرَامُ.

ابْتَسَامَتُكِ خَجُولَةٌ ؛ كَرِيمٍ نَافِرَةٍ فِي خَمَائِلِ الشَّوقِ الحَالِـمِ ذَاتَ أَصِيلٍ ، لا تُرَى إْلا لَمْحًا وَهِيَ تَفِرُّ جُفُولا إِلَى حَيثُ عَالَمُهَا الفَرِيدُ. وَابْتَسَامَتُكِ بَرِيئَةٌ كَابْتِسَامِ الوَلِيدِ فِي حِضْنِ الوُرُودِ ؛ تَأْتَلِقُ بِصِدْقِهَا فَتَتَسَلَّلَ فِي الحَنَايَا كِضِيَاءِ فَجْرٍ حَاكَ بُرْدَتَهُ مِنْ حَرِيرِ النَّقَاءِ وَوَشَّاهَا بِعَقِيقِ الوَفَاءِ عَلَى شِفَاهٍ أَدْمَتْهَا الثَّنَايَا حَيَاءً ، وَأَبْرَأَتْهَا أَمْسِيَاتِ الرِّفْقِ وَسَـمَاوَاتِ الدَّفْقِ مِنْ طُمَأْنِينَةِ الفُؤَادِ.