وتظل الثورات مدرسة تلقننا الدروس والعبر سواء ممن بهرونا بتضحياتهم من الشهداء والمناضلين ، أوممن ساموهم سوء العذاب .
عجبت لحال الفئة الثانية وأنا أشاهد تمسكهم إلى الرمق الأخير بكرسي الرئاسة
لم كل هذه الغطرسة والجبروت ؟
لم كل هذا التنكيل بالمستضعفين ؟
تا الله ما الذي يمنعهم من سماع صوت شعوبهم ؟
أي وقر ذاك الذي في آذانهم وأي ران على قلوبهم وهم يسجلون بدماء الأبرياء أسوأ حقبة في تاريخ الأمة المعاصرة ولا يرتدعون ؟
لكن لم العجب يانفس ؟
ألم تذكري ذاك الذي كان بين غرف الجنة المترامية عيشه ، وبين صفوة الخلق من الأطهار صحبته ،
ما الذي بدد نعيمه؟ وقهر سلطانه ؟ مالذي أحال جنته نارا ؟ وصحبته لئاما وأشرارا ؟
أليس تلك الصفة الإبليسية اللعينة : الكبر
نعم الكبر..
حروف قليلة لكن ثقلها شديد يوم الحساب ، كيف لا وذرة منه تحرمنا جنة عرضها السماوات والأرض ؟ كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من كبر ".
كيف لا وهي توجب كراهية الله تعالى و تحرم المتكبر نعمة الحب الإلهي وتجعله ممن خاطبهم المولى بقوله إ"ِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ" لقمان 15
كيف لا وهي تصده عن سبيل الله وتصرفه عن آياته ﴿ سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ ﴾ [الأعراف: 146].
حين أرى تعنت هؤلاء المستكبرين من أمثال فرعون سوريا ، أقول صدق رسول الله حين اعتبرهم مكمن كل شر وبلية "ألا أُخبركم بشرِّ عباد الله؟ الفظُّ المستكبر" رواه الإمام أحمد، ورُواته رُواة الصحيح، إلاَّ محمد بن جابر. هم شر العباد لا يراعون فيهم إلا ولا ذمة ، وأكثرهم سفها وحمقا كما قال محمد بن الحسين بن علي: "ما دَخَل قلبَ امرئ شيءٌ من الكِبْر قطُّ، إلاَّ نقَص من عقْله بقَدْر ما دَخَل من ذلك؛ قلَّ أو كَثُر\".
الكبر خلق شيطاني لعين ، وأول معصية عصي به ربنا تعالى ، يقول سفيان بن عيينه رحمه الله: "مَن كانت معصيّته في الكبرِ فاخشَ عليه، فإبليس عصى متكبِّرًا فلُعِن ".
فكيف يرتديه هولاء الحمقى المتعجرفون خلقا لهم ؟
كيف يمارون في الحق ويرفضون الإذعان له رغم علمهم علم اليقين بمخالفتهم للصواب ؟
لا صوت يعلو فوق صوته ، ولا كلمة تتقدم كلمتهم ، غمط الناس ديدنهم ، واحتقارهم وازدراهم مذهبهم وسبيلهم ..
لم العجرفة و كلنا أوّلنا نطفة مذرة، وآخرنا جيفة قذرة ..
ولله ذر القائل :
يا مظهر الكبر إعجابا بصورته ... انظر خلاك فإنّ النّتن تثريب
لو فكّر النّاس فيما في بطونهم ... ما استشعر الكبر شبّان ولا شيب
هل في ابن آدم مثل الرّأس مكرمة ... وهو بخمس من الأقذار مضروب
أنف يسيل وأذن ريحها سهك ... والعين مرفضّة والثّغر ملعوب
يا ابن التّراب ومأكول التّراب غدا ... أقصر فإنّك مأكول ومشروب
ألا إنهم على خطى إبليس سائرون كما جاء في حديث موقوف
حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ دَاوُدَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ كُلَيْبٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ ، قَالَ : حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ أَيْهَمَ ، عَنِ الْهَيْثَمِ بْنِ مَالِكٍ الطَّائِيِّ ، قَالَ : سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ ، يَقُولُ عَلَى الْمِنْبَرِ : " إِنَّ لِلشَّيْطَانِ مَصَالِيَ وَفُخُوخًا ، وَإِنَّ مِنْ مَصَالِي الشَّيْطَانِ وَفُخُوخِهِ الْبَطَرَ بِأَنْعُمِ اللَّهِ ، وَالْفَخْرَ بِإِعْطَاءِ اللَّهِ ، وَالْكِبْرِيَاءَ عَلَى عِبَادِ اللَّهِ ، وَاتِّبَاعَ الْهَوَى فِي غَيْرِ ذَاتِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ " .
وإلى مورده واردون
'' فالمستكبِر عن الحقّ يبتَلى بالانقياد للباطل، وقد تعجَّل له العقوبة في الدنيا, فقد شُلَّت يَدُ رجلٍ في عهدِ النبوة بسبَب الكبر .
و خسفتِ الأرض بمتكبِّر,، وفي الآخرة يعامَل بنقيض قصده, فمن ترفَّع عن النّاس في الدّنيا يطؤه النّاس بأقدامِهم في الآخرة، يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: ((يحشَر الجبّارون والمتكبِّرون يومَ القيامة في صوَر الذرِّ يطؤهم النّاس بأرجلهم)) رواه الترمذي، قال في نوادر الأصول: "كلّ من كان أشدَّ تكبّرًا كان أقصرَ قامّةً في الآخرة، وعلى هذا السبيل كلّ من كان أشدَّ تواضعًا لله فهو أشرَف قامَةً على الخلق" ." اهـ
بقلم لطيفة اسير / بلابل السلام