|
يا بِئْرُ جِئْتُكِ مَغْموماً وَظمْآنا |
عانى الْفُؤادُ مَعَ الأحْبابِ ما عانى |
الْخَوْفُ يَفْتَرِسُ الأحْلامَ يشْنُقُها |
وَالدّمْعُ يَفْتَرِشُ الأحْداقَ ديوانا |
نَسَجْتُ مِنْ قَصَبِِ الْهِجْرانِ أُغْنيتي |
هذا قَميصُ قَصيدي فاحَ أشْجانا |
لَقدْ شَرِبْتُ مِنَ الأنْهارِ أعْذَبَها |
كَم ِ ارْتَوَيْتُ وَظَلَّ الْقلْبُ عَطْشانا ! |
ماذا سَأشْربُ وَالآبارُ خاوِيَةٌ ؟ |
رَمَيْتُ دَلْوي فَفاضَ الدّلْوُ أحْزانا |
الرّوحُ تَغْطِسُ بِالأَتْراح ِ مُثْقَلَةً |
كَأَنَّ في الْبِئْرِ لِلأَفْراح ِ أَكْفانا |
يا بِئْرَ سِرّي أتاكِ الْحَرْفُ مُنْدَفِعاً |
فَبَلِّلي فَمَهُ شَوْقاً وَوِجْدانا ! |
يا بِئْرَ شِعْري رَمَيْتُ الدّلْوَ في أَمَل ٍ |
أَنْ تَمْلَئي قَلَمي ناراً وَبُرْكانا |
أَغْرَقْتُ في لَيْلِكِ الْمُمْتَدِّ مِحْبَرَتي |
فَكَحِّلي لُغَتي شِعْراً وأَوْزانا |
هَلْ هَلَّ بَدْري وَعِقْدُ النّجْم ِ طَوّقَهُ |
أَم ِ اسْتَراحَ هُنا الْمَحْبوبُ .. أَوْ بانا ؟ |
يُلألئُ الْمَوْجُ في عَيْنَيَّ نَعْسانا |
كوني لَهُ حُلُماً .. بَحْراً وَشُطْآنا ! |
وَكَيْفَ أغْفو وَأصْحو وَهْوَ يَسْكُنُني |
كالْوَرْدِ يَجْرَحُهُ شَوْكُ الّذي خانا ؟ |
ما زالَ يَلْسَعُني ذاكَ الْعَبيرُ لَهُ |
يَلْتَفُّ حَوْلَ يَدي شالاً وَثُعْبانا |
ما كُنْتُ أعْرِفُ أَنَّ الْقَلْبَ مِنْ حَجَر ٍ |
أَنَّ الأحِبَّةَ قَدْ يَقْسونَ أحْيانا |
وَلَوْ هَوَتْ نَجْمَةٌ مِنْ عَيْنِ عاشِقَةٍ |
فَوْقَ الرُّكام ِ لَصاحَ الدّيكُ فَرْحانا |
لَوْ كُنْتُ أعْلَمُ ما أصْبَحْتُ أعْرِفُهُ |
لَما دَخَلْتُ إلى الأحْبابِ بُسْتانا |
كَم ِ انْتَظَرْتُ وَنارُ الشَّوْق ِ تُشْعِلُني |
ذابَ الْحَديدُ وَصَدْرُ الْوَرْدِ ما لانا |
وَكَمْ تَمادى الصّدى في نَسْج ِ ذاكِرَتي |
وَتاهَ صَوْتي وَصارَ الصّمْتُ عُنْوانا |
وَما شَكَوْتُ وَما أَكْثَرْتُ أسْئِلَتي |
خَيْرُ الْجَوابِ إِذا ما كانَ مِيزانا |
سَفينَةُ الْحُبِّ بَيْنَ الْمَوْج ِ ما غَرِقَتْ |
لَوِ الْهَوى ظَلَّ لِلْعُشّاق ِ قُبْطانا |
..... |
كَمْ قُلْتُ: يا لَيْتَ ما كانَ الّذي كانا |
ما زالَ بُلْبُلُهُ يَشْدو وَيُطْرِبُني |
يَكْسو الْمَدى فَرَحاً وَالْلَيْلَ ألْوانا |
لَمْ أنْسَ نَسْمَتَهُ.. عَيْنَيْهِ.. بَسْمَتَهُ |
سُبْحانَ مَنْ رَسَمَ الْفَتّانَ سُبْحانا |
مَا اهْتَزَّ لي وَتَرٌ إلا لِريشَتِهِ |
تَرَدُّدي ثِقَةٌ.. ما كانَ إذْعانا |
ما بَيْنَ كَرٍّ وَ فَرٍّ وَالْهَوى قَلِقٌ |
يَنْسابُ في الْبَحْرِ نَهْرُ الْحُبِّ ألْحانا |
أَنا وَأَنْتَ وَجِنُّ الْحُبِّ يُؤْنِسُنا |
في نارِ جَنَّتِهِ لا إِنْسَ إلّانا |
نَبْكي وَنَضْحَكُ في آفاقِ دَهْشَتِنا |
مِثْلَ الْفراشاتِ ضَوْءُ الشّمْسِ أَعْمانا |
أَصونُ سِرَّكَ بَيْنَ الْغَيْم ِ أَحْفَظُهُ |
لَمْ يُحْسِنِ الْبَرْقُ في عَيْنَيَّ كِتْمانا |
إنْ كانَ قَلْبُكَ بَحْراً سَوْفَ أعْبُرُهُ |
لَوْ كانَ صَخْراً نَحَتُّ الصّدْرَ مَرْجانا |
أَلَمْ تَقُلْ لي بِأَنَّ الْحُبَّ مِنْ ذَهَبٍ |
إِذَنْ لِماذا هَوانا يَصْدَأُ الْآنا ؟ |
نِصْفُ الْحَقيقَةِ لَمْ يُنْصِفْ مُعَذَّبَةً |
إنْ كانَ كُلُّ الْكَلام ِ الْعَذْبِ بُهْتانا |
إنْ كُنْتَ مُرْتَبِكاً حَتّى تُعَلّلَهُ |
فَالْحُبُّ حُبٌّ وَلا يَحْتاجُ بُرْهانا |
لا يَطْلُبُ الْوَرْدُ عَطْفاً مِنْ فَراشَتِهِ |
بَيْنَ الْحَبيبَيْنِ لَيْسَ الْحُبُّ إحْسانا |
وَالنّاسُ تَعْشَقُ هذا مِنْ طَبيعَتِهِمْ |
فَالْمَرْءُ لَوْلا الْهَوى ما كانَ إنْسانا |
يا طائرَ الْحُبِّ حَلِّقْ في الْمَدى فَرِحاً ! |
فَأنْتَ حُرٌّ وإنّي لَسْتُ سَجّانا |
إنْ كُنْتَ تَرْحَلُ فَالذّكْرى مُعَطّرَةٌ |
وَلَوْ رَجَعْتَ كَسَوْتَ الْجِذْعَ أغْصانا |