أبنية اللغة العربية
الكلمة والكلام المفيد :
الكلمة :
قول مفرد وضع لمعنى مفرد ، وأقل ما تكون عليه الكلمة : حرف واحد ، فمما جاء على حرف من الأسماء : تاء الفاعل فى مثل قولنا : ذهبتُ ، وكاف الخطاب ، وهاء الغائب في مثل قولنا : كافأتك ، وأكرمته .
ومن الأفعال : بعض أفعال الأمر القائمة على حرف واحد مثل : " قِ " من الوقاية ،
و " رَ " بمعنى انظر ، و " فِ " بمعنى الوفاء بالعهد ، و " عِ " بمعنى احفظ .
ولا يدل جزء الكلمة على جزء من معناها ، فالمفردات : أحمد ، ومحمد ، ورجل ، ومناضل ، وحليم ، وبطل ، وغيرها ، كل منها وضع لمعنى مفرد ، غير أن كل حرف من أحرف الكلمات السابقة لا يدل على جزء من المعنى الذي تعبر عنه كل كلمة ، كما أن الكلمة المفردة لا تؤدي أكثر من تحديد مضمونها تحديدا عاما دون البحث في التفاصيل الدقيقة ، فكل كلمة من الكلمات الآنفة لا تدل على أكثر من تسمية مسمياتها ، أم مجرد وصف عام ، أم أوصاف هذا المسمى أو أحواله ، أو علاقته بغيره ، فكل ذلك لا دخل للكلمة المفردة فى إفادته {1} .
وإذا ما وضعت هذه المفردات في تراكيب ، فإن المعنى يكون أكثر تحديدا وإفادة للمعنى المطلوب ، وتلك مهمة التراكيب .
ويجوز أن ننطق لفظة " كلمة " على ثلاثة أوجه ، فنقول : " كَلِمَة " بفتح الكاف ، وكسر اللام ، و" كِلْمة " بكسر الكاف ، وتسكين اللام ، و" كَلْمة " بفتح الكاف
ـــــــــــــــــــــــ
1 ــ النحو الوصفي ج1 ، ص32 .
وتسكين اللام ، وهي لغات فيها كما يذكر النحاة .
الكلام : أما الكلام فهو القول المفيد الدال على معنى يحسن السكوت عليه ، وهو ما تركب من كلمتين ، أو أكثر مكونا جملة ، أو تركيبا ذا دلالة .
فالكلام المركب من كلمتين : قد يكونان اسمين نحو : محمد مجتهد ، أو فعلا واسما نحو : عليٌّ مسافر . والمركب من أكثر من كلمتين نحو : الله نور السموات ، والمركب من أكثر من ثلاث كلمات نحو قوله تعالى : { وهو الذي أنزل من السماء ماء فأخرجنا به نبات كل شيء }1 .
وقد قسم سيبويه الكلام من حيث استقامته ، وإحالته إلى أقسام فقال : " فمنه مستقيم حسن مثل آتيك أمس ، وسآتيك غدا ، ومنه المحال وهو أن تنقض أول كلامك بآخره فتقول : آتيك غدا ، وسآتيك أمس ، ومنه المستقيم القبيح وهو أن تضع اللفظ في غير موضعه كقولك : قد زيدا رأيت ، وكي زيدا يأتيك ، ومنه المحال الكذب كأن تقول : سوف أشرب ماء البحر أمس {2} .
وخلاصة القول في الكلام يجب أن يتوفر فيه شرطان : التركيب ، والدلالة المفيدة . لذلك لا يصح أن يطلق على كل التراكيب اللغوية كلاما مفيدا كالجمل الشرطية التي لم تستوف جوابها كقوله تعالى : { فمن يعمل مثقال ذرة ... }3 .
وقوله تعالى : { فأما اليتيم ... }4 . وقوله تعالى : { فمن يرد الله أن يهديه ... }5 .
وكذلك الحال في الحروف الناسخة مع أسمائها دون أخبارها لا تسمى كلاما كأن نقول : إن الله ... ، وكقوله تعالى : { فظنوا أنهم ... }6 .
أو الأفعال الناسخة دون أخبارها أيضا كقولك : كان الجو ...
وكقوله تعالى { وكان الله ... }7 .
ــــــــــــــــــــــــ
1 ـ 99 الأنعام . 2 ـ الكتاب لسيبويه ج1 ، ص8 طبعة بولاق .
3 ـ 8 الزلزلة . 4 ـ 9 الضحى . 5 ـ 125 الأنعام .
6 ـ الكهف . 7 ـ 134 النساء .
فالنماذج السابقة لا تعد كلاما إلا إذا استوفى المعنى ، فنقول فى الآية الأولى { خيرا يره } ، وفي الثانية : { فلا تقهر } ، وفي الثالثة : { يشرح صدره للإسلام } .
وفي النموذج الرابع : مع الصابرين ، وفي الآية الخامسة : { مواقعوها } ، وفى النموذج السادس : معتدلا ، وفي الآية السابعة : سميعا بصيرا } .
الكلم : اسم جنس جمعي لأنه لا يطلق إلا على التركيب المكون من ثلاثة كلمات فأكثر ، سواء أفادت معنى ، أم لم تفد ، وسواء اتحدت في النوع ، أم لم تتحد ، ومفرده كلمة ، وقد فرق النحويون بين الكلم والكلام عن طريق العدد اللفظي وإتمام الفائدة ، فالكلم كما ذكرنا لا يكون أقل من ثلاث كلمات ، ولا يشترط فيه الفائدة ، أما الكلام : فقد يتكون من كلمتين ، أو أكثر بشرط حصول الفائدة ، فالآيات والنماذج السابقة التي اجتزأنا منها متمماتها تسمى كلاما .
وقد تنبه بعض النحويين إلى عدم الجدوى من التفريق بين الكلم والكلام ، لأن القرآن الكريم قد عبر بالكلم في موضع الكلام حيث قال : { إليه يصعد الكلم الطيب }1 .
والمقصود بالكلم الطيب في الآية هو : الكلام المفيد ، لأن الله سبحانه وتعالى لا يمكن أن يعني بالكلم الطيب الكلام الذي لا يشتمل على فائدة يحسن السكوت عليها كما يتوهم النحويون ، أو يريدونه .
وعلى ما أراده النحويون فالكلم أعم من الكلام من جهة المعنى ؛ لأنه ينسحب على الكلام المفيد وغير المفيد ، وهو أخص منه من جهة اللفظ ؛ لكونه لا ينطبق على الكلام المركب من كلمتين كما أوضحنا فى حد الكلام .
اللفظ : كل ما يتلفظ به سواء أفاد معنى ، أم لم يفد ، فيشمل الكلمة ، والكلام ، والكلم .
القول : هو اللفظ الدال على معنى مفيد سواء كان كلمة ، أم كلاما ، لذلك فهو أعم من الكلام ، والكلم ، والكلمة .
ـــــــــــــ
1 ـ 10 فاطر .
فالفرق بين اللفظ والقول هو : الإفادة فى القول ، والإفادة أو عدمها فى اللفظ .
وقد يقصد بالكلمة الكلام مجازا كما في قوله تعالى ـ حكاية عن الإنسان الذي يدرك وقت موته خسارة حياته ، وندمه وتقصيره ـ : { قال رب ارجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت }1 .
ويرد الله سبحانه وتعالى على عبده قائلا : { كلا إنها كلمة هو قائلها }2 .
فما يقوله الإنسان يكون في هذه الحالة ليس كلمة مفردة ، وإنما تراكيب مفيدة تعبر عن الحالة التي يكون عليها {1} .
أقسام الكلمة :
الكلمة ثلاثة أقسام : اسم ، وفعل ، وحرف .
أولا ـ الاسم : المراد بالاسم كل ما ليس بفعل ، أو حرف ، ويدل على معنى في نفسه غير مقترن بزمن ، وقد يكون المدلول حسيا كمحمد ، ومنزل ، وشجرة ، أو معنويا كالأمانة ، والعلم ، والأخلاق ، والشجاعة والصبر .
وفي تقسيم الكلمة إلى اسم ، وفعل ، وحرف تعميم ، ودمج بعض أنواع الكلمة التي تشترك فى بعض خواصها مع الاسم تحت مسمى الاسم ، وذلك كالصفة ، والظرف ، والضمير ، على الرغم من تميزها ببعض الخواص الأخرى ، وسوف تظهر هذه التفرقة الدقيقة بين أنواع الاسم عند دراسة كل جنس على حدة .
خواص الاسم وعلاماته :
قبل أن نلج إلى علامات الاسم ينبغي أن نشير ولو إشارة عابرة إلى بعض خواص الاسم التي تميزه عن بقية أنواع الكلمة عامة ، والأنواع الأخرى من الأسماء خاصة .
ـــــــــــــــــــــ
1 ـ 99 ، 100 المؤمنون .
2 ـ النحو الوصفي ج1 ، ص33 .
فلاسم تنحصر فيه معان كثيرة : كالدلالة على الفاعلية ، والمفعولية ، كما يشتمل على الدلالة الزمانية ، والمكانية ، والغاية ، وبيان النوع ، والعددية ، والحالية عند وقوع الحدث ، ويفسر المبهمات ، ويؤدي معنى الاستثناء ، والإسناد . فى الوقت الذي لا يؤدي فيه الفعل إلا معنى مزدوجا وهو : الدلالة على الحدث ، والزمن ، وغالبا ما تكون الدلالة الزمانية له محددة بالسياق العام وليس من مجرد لفظه .
كما أن الاسم يختلف عن بقية أنواعه كالصفة ، والضمير ، والظرف من نواح أخرى نذكرها في هذا المقام فهو : يختلف عن الصفة مثلا من حيث أنها تدل على ذات وصفة معا ، وهي تدل ضمنا على الحدث ، فكلمة " حاكم " ، و " عالم " ،
و " خادم " كل منها تدل على ذات متصفة بصفة الحكم ، والعلم ، والخدمة ، ويختلف الاسم أيضا عن الظرف من حيث أن الظرف مجرد دلالة على الزمان ، أو المكان ، وإن كان الظرف ينقل في بعض الأحيان إلى الاسم ، ويستعمل استعماله فيعرب فاعلا كقوله تعالى : { من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلال }1 .
أو خبرا كقوله تعالى : { هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم }2 .
ومنه قوله تعالى : { وقال هذا يوم عصيب }3 .
أو خبرا لكان كقوله تعالى : { وكان يوما على الكافرين عسيرا }4 .
أو مفعولا به كقوله تعالى : { قال كم لبثت قال لبثت يوما أو بعض يوم }5 .
كما يختلف الاسم عن الضمير من حيث أن الضمير بنية جامدة لا تتغير ، ولا تقبل العلامات الإعرابية ، ولا أل التعريف ، أو التنوين ، وكلها من علامات الاسم التي سنذكرها في موضعها إن شاء الله .
ـــــــــــــــــــ
1 ـ 31 إبراهيم . 2 ـ 113 المائدة .
3 ـ 77 يونس . 4 ـ 26 الفرقان .
5 ـ 259 البقرة .
وإلى جانب الفوارق الخاصة بين الاسم والفعل والحرف من جهة ، وبين الاسم وغيره من الأنواع التي تندرج تحت مسماه ، ثمة ميزات أخرى للاسم على غيره من أنواع الكلمة ، فهو يحمل العبء الأكبر في التعبير عن المعنى . كما لاحظ النحاة أن هذه المعاني المتعددة التي يحتويها الاسم يعبر عنها في التراكيب اللغوية بأصوات خفيفة تظهر على الأحرف الأخيرة للأسماء ، كالرفع والجر والنصب ، وقد سماها النحويون حركات الإعراب ، وسموا الظاهرة التعبيرية إعرابا ، وقد لاحظوا أيضا العلاقة الوثيقة بين الحركات الإعرابية ، والمعاني العامة التي يعبر عنها الاسم ، فالرفع مثلا يدل على الإسناد ، وهو أن شيئا ما قام بعمل ، كإسناد الفعل إلى الفاعل ، وإسناد الخبر إلى المبتدأ . كما أن الخبر يدل على الملك والاختصاص ، واختص النصب وهو أخف الحركات بطائفة كبيرة من الأسماء عرفت بالفضلات ؛ لأنها من مكملات الجملة ، ومتمماتها .
( من موسوعة النحو والصرف والإعراب )
تأليف الدكتور /
مسعد محمد زياد