حَدَّقَتْ فيَّ اللَيَالِي ثُمَّ قَالَتْ:
لا تُكَابِرْ
أنْتَ فِي الـمَيْدَانِ خَاسِرْ

الليل ظلمة وانعدام رؤية وسواد حالك
فأي الظلام هذا الذي حدق بشاعرنا وتحداه جازما بخسارته
وفيم تكون الخسارة؟


إنَّ نَـخْبَ الشِّعْرِ فِي نَـحْبِ المَشَاعِرْ
وَسُلافُ الـحَرْفِ سِحْرًا شَدْوَ طَائِرْ
أَنْتَ لا تَهْوَى الأَزَاهِرْ
لَسْتَ إِلا رَجْعَ غَابِرْ
لَسْتَ إِلا الصَّقْرَ يَفْري كُلَّ حَرْفِ بِالأَظَافِرْ
فَارْتَقِ الإِمْتَاعَ مَعْنَا، واستَقِ الإِبدَاعَ مَعْنَى، أَو فَغَادِرْ

أي عرض ظلموي هذا؟
وأي سبيل يعرضه الظلام على النور؟
وأي ضبابية تكتنف الصورة الموعود بها في واجهة سيل من اتهام


لَكَ مَا شِئْتَ مِنَ التَّعمِيدِ وَالعُشْبِ
وَعَشتَارَ الَتِي تَلهُو بِتَسرِيحِ الضَّفَائِرْ
لَكَ أَنْ تَلْعَنَ مَاءَ النَّهرِ
أَو تَلْعَقَ كَأسَ الخَمْرِ
أَوْ تَنْعَقَ مِلْحَ الصَدْرِ
أَو تَشكُو انْكِفَاءَاتِ الـخَواطِر
لَكَ مَا شِئْتَ وَلِي وَحْدِي مُنَاجَاةُ الضَّمَائِرْ

وفي رد صارخ بصوت الحق نلج خضم مفردات يكشف لنا الشاعر من خلالها ماهية الليل وأهله
ويلوح بودلير وهلوسات الحداثة من وراء ما اعتدنا اقتحامه علينا النص الأدبي بدعوى الحداثة والتطور


لَنْ أَصُبَّ الـحَرْفَ خَمرًا فِي تَهَاوِيمِ القَصِيدَةْ
لَنْ أَعُبَّ الرَّأْيَ مِنْ دِنِّ الكِنَايَاتِ البَلِيدَةْ
لَنْ أَعُدَّ اللغْوَ فَـخْرًا ، لَنْ أُعِيدَهْ
ذَاكَ مَـجْدٌ لَنْ أُرِيدَهْ

عهد بالتمسك بالأصالة يسر الخاطر ويطمئن الحرف المتوجس من أثر الضغوط المتواليات على المرابطين على ثغور الشعر
وإصرار على رفض تهاويم وهلوسات أدعياء القول والدخلاء على الأدب


فَأَنَا الشِّعرُ الّذِي رَأيًا إِلَى خُفَّيْهِ تَصْبُو
وَأَنَا الدَّرْبُ الَّذِي لَأيًا عَلَى سَفْحَيْهِ تَـحْبُو
وَعَلَى وَهْمِكَ مَهْمَا أُجِّجَتْ نَارٌ سَتَخْبُو
فَاتَّعِظْ مِمَّا تُـحَاذِرْ

وفخر بأحلى حلة الفخر وأبهى صور الشموخ تنتصب في مواجهة الأخر العازف عن أصالة العربية توقا للتسربل بأسمال الغرب المتساقطة حتى عن جسده


لَيْسَ أَهْلًا لِانْتِقَادِ الشِّعْرِ حُكْمًا جَوْرُ غَادِرْ
لَيْسَ عَدْلًا أَن يُدِينَ الرَّأْيَ سَادِرْ
لَيْسَ حَقًّا أَنْ يُبِينَ الآَيَ كَافِرْ

ثم تأتينا الحكمة التي ننتظر في قلب المواجهة من شاعر لا يفوت نصا له دونما حكمة يقدمها للقارىء في إطار موضوعة النص
حكمة ليس الشعر وحده ميدانها وليس الأدب وحده


يَا مُقَامِرْ
لَيْسَ يفُتِي فِي عَذَارَى الطُّهْرِ عَاهِرْ

وبأجمل ما يكون إدراك العاقل لقدر نفسه وحرفه، وأروع ما يعبر به عن ذلك التباين بين موقعه السامي على الرقعة الأدبي وفي المشهد الشعري العربي، وموقع وموقع المتطاول غيا ليقول في أصاله وبهاء حرفه، يختتم شاعرنا القصيدة


ولعل من أجمل ما استرعى اهتمامي هنا وقوف شاعرنا على شفا الجرف متحديا
فهو يواجه فتنة الحداثة في الشعر ودعاتها، لا بالشعر العامودي بل بقصيدة تفعيلة، لكنها تموج بعذب الموسيقى وتتمايل على إيقاع مفرداتها الصور باهرة الألوان ، وبمهارة يلاعب السطر بقافيتها أخذا وتركا، ليثبت تميز الشعر عن غيره من القول بموسيقاه وقوافيه سواء انضوى بين ضفتي الخليل أو اختار الشاطيء لتغنى بواحدة من تفعيلاتها

في حضرة الجمال والإبداع الشعري كنا
نقرأ السطور ونستقرىء ما وراءها

لك فيض التحايا أميرنا

ودم بكل الألق