من خاتمة البحث المقدم لنيل درجة الماجستير "حكم ممارسة الفن في الشريعة الاسلامية" لصالح بن احمد الغزالي
أولا :نتائج البحث :
أ*- نتائج إجمالية :
1- شمولية الشريعة الإسلامية للحكم والتوجيه في مجالات الفنون والترويح كغيرها من المجالات الخاصة والعامة ، وتلاؤم أحكامها بما يحقق به المصلحة العامة والخاصة في الدنيا والآخرة ، ويعد هذا من دلائل محاسن دين الله الحق - الإسلام - الذي ميزه الله بالكمال والثبات والخلود .
2- إن مصطلح الفن - بممارسته الحديثة المتحللة - لا يتوافق مع الشريعة ، لا في أحكامها العامة ومقاصدها ، ولا في أحكامها الخاصة ونصوصها .
وإنما يتلاءم مع المذاهب الغربية الحديثة القائمة على الإباحية باسم حرية الفنان وتقديس الفن ، ومن أباح هذه الصفة من ممارسة الفنون ونسبها إلى الشرع - من المنتسبين إلى العلم أو غيرهم - فقد أباح الشرع المبدل الذي يكفر من أباحه متى قامت عليه الحجة يقول ابن تيمية رحمه الله : الشرع المبدل وهو الكذب على الله ورسوله أو على الناس بشهادات الزور ونحوها والظلم البين ، فمن قال إن هذا من شرع الله فقد كفر بلا نزاع،كمن قال : إن الدم والميتة حلال ، ولو قال هذا مذهبي ونحو ذلك .
3- إن الشرع لم يكن له حكم واحد ، لا بالقبول المطلق ، ولا بالرفض المطلق ، فيما يطلق عليه اسم الفنون من جهة أصلها - لا من جهة ممارستها المتحللة - بل قبل النافع منها ومنع الضار ، ووضع للنافع منها ضوابط وشروطا بحيث لا تطغى على ما هو أهم منها :
4- إن قول بعض المنتسبين للعلم وغيرهم وفتواهم بأن الفن - بممارسته الحديثة المتحللة - سائغ في الشرع أو في بعض أقوال أهل العلم ، قول باطل مخالف للكتاب والسنة وإجماع السلف و من يعتد بهم من أهل العلم .
نتائج تفصيلية :
إن كلمة الفن في الاصطلاح العلمي من حيث الأصل تطلق على عدة أعمال مختلفة ومتباينة في حقيقتها تباينا كبيرا ، فلا يسوغ من جهة الواجب الشرعي ومن جهة منهج البحث العلمي إطلاق الحكم على هذا المعنى المجمل ، بل ينبغي التفصيل فيما تعود إليه كلمة الفن منها وعلى أي صفة ثم بيان الحكم .
والذي انتهيت إليه في هذا البحث : التفصيل في حكم ممارسة الفنون على النحو التالي :
أولا الشعر :
1- إن الشعر من جهة كونه شعرا مباح بالإجماع .
2- إن الشعر من جهة المعنى منقسم إلى حسن وهو المباح وقبيح وهو المحرم والمكروه .
3- إن الشعر يتضمن أربعة أقسام :
1- مباح وهو ما خلا عن محرم أو مكروه ، ولم يشغل عما هو أولى منه .
2- مكروه وهو الشعر الذي يشغل عما هو أولى منه .
3- مندوب وهو ما ترتب عليه أمر مرغب إليه في الشرع .
4- محرم : ما اشتمل على معنى محرم أو أدى إلى محرم .
ثانيا : الغناء بدون آله :
إن لفظ الغناء يطلق على عدة أعمال - من جهة الحقيقة والمقصد فلا بد من التفصيل في حكمه على النحو التالي:
1- ما يطلق عليه اسم الحداء والنصب وما كان في معناهما فيباح بدون خلاف بين أهل العلم ، بضوابطه الشرعية .
2- الغناء بالألحان المطربة بدون آله وحكمه :
ا- في الأصل الكراهة لكونه من اللهو .
ب - يباح في المناسبات كالعيد والعرس والختان بشرط أن لا يكون على نسق غناء أهل المجون في التلحين أو الكلمات.
ج) يحرم إذا اقترن به معازف ، أو كلمات محرمة ، أو أفعال محرمة كالخمر والاختلاط ، أو كان بألحان ماجنة .
3- ما قصد منه التعبد وهذا يطلق عليه السماع الصوفي ، والقول الصحيح في حكمه كما دل عليه الكتاب والسنة وإجماع السلف هو القول ببدعيته وحرمته سواء كان بآله أو بدونها .
4- ما يطلق عليه النشيد الإسلامي ، وهذا ينبغي التفصيل في حكمه لتنوعه في الألحان والمقاصد والكلمات وكيفية الاستماع وهو أن :
- يلحق بالحداء والنصب إذا كان على صفتهما ، ويكون حينئذ مباحا .
- ويلحق بالغناء بالألحان المطربة إذا كان على صفتهما ويكون حينئذ مكروها .
- ويلحق بالسماع المحدث إذا كان على صفته ويكون حينئذ سماعا محدثا مذموما .
وذلك بناء على قاعدة الفرع الذي يتنازعه أكثر من أصل يلحق بأكثرها شبها .
ثالثا :المعازف والدف :
ا- إن المعازف محرمة بأدلة الكتاب والسنة والمعقول والإجماع وليس للمخالف دليل سائغ على إباحتها ، والقول بإباحتها أو بعض أنواعها عند بعض أهل العلم المعتبرين يعد من زلاتهم التي يعذرون فيها دون أن يقلدوا فيما أخطأوا فيه ، كما قال عبد الله بن المبارك : رب رجل في الإسلام له قدم حسن وآثار صالحة كانت منه الهفوة والزلة لا يُقتدى به في هفوته وزلته .
2- إن ما ينقل عن الصحابة أو بعض الأئمة الكبار من إباحة المعازف لم يثبت ولم يرو بإسناد صحيح ، كالمنقول عن ابن عمرو وعبد الله بن جعفر ومالك بن أنس .
3- إن تحريمها يشمل تحريم جميع أنواعها الحديثة والقديمة باستثناء الدف الذي وردت به الرخصة بقيود .
4- إن تحريمها يشمل تحريم تعليمها أو تعلمها أو تأليف الكتب لها أو احترافها أو غير ذلك ، وصاحبها المنتسب إليها فاسق ويعد مصرا على معصية .
5- حكم التحريم يشمل سماعها في المناسبات وغيرها وبغناء وبدونه ، وفي آلات التسجيل وغيرها .
ب - الدف :
1- إجماع العلماء دون خلاف بينهم على جوازه إذا كان بدون جلاجل وللنساء في الأعراس
2- وعلى خلاف بينهم إذا كان بجلاجل وللرجال وفي غير العرس ويترجح :
1- عدم جواز إدخال الجلاجل المطربة معه .
2- جوازه في العرس والعيد وقدوم غائب والختان لورود النصوص بذلك .
3- جواز سماعه للرجال في المناسبات لورود الرخصة بذلك .
4- لم يرد عن السلف الذي يلزمنا اتباع جماعتهم أن يضرب الرجل بالدف ، فيقتصر على ما ورد وهو السماع دون ما لم يرد وهو الضرب .والله تعالى أعلم .
رابعا : الرقص :
ينقسم حكم الرقص بحسب صفته والمقصد منه إلى ثلاثة أقسام متباينة و هي :
أ*- ما قصد به التعبد لغير الله وهذا يعد شركا أكبر ، لتضمنه عبادة غير الله تعالى .
ب*- ما قصد به التعبد لله وهذا رقص المتصوفة ، وهو بدعة محرمة بالكتاب والسنة والإجماع والمعقول .
ج- الرقص الدنيوي وينقسم إلى أقسام ثلاثة :
1- إن الأصل فيه إذا خلا من محرم الكراهة لكونه من اللهو .
2- يباح فعله للرجال بما يليق بهم ، وللنساء بما يليق بهن في المناسبات بشرط : أن لا يكون على هيئة محرمة ، ولا يقصد به محرم ، ولا يقترن به محرم .
3- يحرم وهو غالب أنواع الرقص المطبقة ، في صور كثيرة جدا تعود إلى ثلاثة صور رئيسية هي :
ا- إذا فعل على وجه محرم كالتكسر والتميع .
ب- إذا قصد به محرم .
ج- إذا اقترن بمحرم كوجود آلات اللهو المحرمة أو الغناء المحرم أو الاختلاط .
خامسا : التمثيل :
يترجح أنه ثلاثة أنواع متباينة في الحقيقة والحكم :
النوع الأول : التمثيل المتحلل من قيود الشرع المطبق عند عامة أهل الفن وهذا يعد محل اتفاق بين أهل العلم في تحريمه .
النوع الثاني : التمثيل بمعناه الاصطلاحي المجرد ، وهذا لا يجوز ولا يمكن تطبيقه بصورة شرعية صحيحة ، لكونه مبنيا على أصول وقواعد مخالفة لقواعد الشرع ومن أعظمها وجود المرأة فيه .
النوع الثالث : التمثيل بمعناه اللغوي أي المحاكاة ، ويترجح إلحاقه بالمعاريض لكونهما يتضمنان معنى الصدق والكذب من جهات متنوعة ، فيباح عند الحاجة بشروط خمسة ، هي :
1- فعله عند الحاجة إليه بحيث لا يمكن تحقيق مصلحة معتبرة أو دفع مفسدة إلا به ،
2- أن لا يمثل ما علمنا من أدلة الشرع النهي عن تمثيلهم .
3- أن لا يقترن التمثيل بمحرم كالمعازف والمرأة .
4- أن لا يدعو التمثيل إلى محرم .
5- أن لا يؤدي إلى محرم أو مكروه .
سادسا : التصوير :
1- تصوير غير ذات الروح وهو مباح كما دل على ذلك الجمع بين نصوص النهي عن التصوير ، ويستثنى من إباحة تصوير ما ليس له روح إذا قصد به أمر محرم ، كمن يصور ما ليس له روح للعبادة أو التعظيم أو بقصد المضاهاة أو التعبير عن فكرة ومعنى منهي عنه ، فيحرم تصوير ما ليس له روح في هذه المسائل بناء على قاعدة ( الوسائل لها أحكام المقاصد ) .
2- حرمة تصوير ماله روح ، سواء كان له ظل أم لا بدلالة السنة المتواترة وعليه جماهير أهل العلم سلفا وخلفا .
3- التصوير الفتوغرافي :
ا- دخوله في عموم النهي عن التصوير من جهة الأصل لكونه تصويرا لغة وشرعا.
ب*- إباحته عند الحاجة إليه وهي وجود مصلحة أو دفع مفسدة لا تأتي إلا عن طريقه .
ج- الصورة الفتوغرافية صورة من جهة الشرع يترتب عليها ما ورد عن الصور من إزالتها ، والأمر بطمسها ، وعدم دخول الملائكة بيتا هي فيه ، مالا تكن ممتهنة ، أو كانت من جنس الصور التي أبيحت للحاجة ولم تكن ظاهرة
4- التصوير التلفزيوني :
1- دخوله في عموم النهي عن التصوير .
2- إباحته عند الحاجة .
3- الصورة التلفزيونية لا تكون من جنس الصور المنهي عنها لكونها زائلة .
4- حكم النظر إلى الصور التلفزيونية مرتبط بموضوع الصورة .
سابعا : الزخرفة :
ا - إن زخرفة المساجد بدعة محرمة بدلالة عموم الكتاب والسنة وأقوال الصحابة .
ب - إن الزخرفة من الأمور المكروهة في الشرع ، لأنه لا يترتب عليها مصلحة معتبرة في الأصل .
ثامنا : العمارة :
ا- إن الأصل في حكم العمارة الإباحة استصحابا ،وفيها :
1- ما هو محرم كعمارة دور العبادات الباطلة ، وإيواء الأعمال المحرمة ، والبناء في الأماكن التي نهى الشرع عن البناء فيها .
2- ما هو مندوب ، كالمساكن التي تؤوي أبناء السبيل والفقراء والمحتاجين وهو فرض كفاية في حق الجماعة.
3- ما هو مكروه كالبناء فوق الحاجة .
ب - إن ما يسمى بالعمارة الإسلامية -أو بتعبير أدق العمارة المباحة في الإسلام -لا يصح أن يؤخذ وصفها من فعل بعض المسلمين في العصور الإسلامية المختلفة ؛ لأن فعل بعض المسلمين لم يكن من أدلة الشرع باتفاق أهل العلم ، وإنما تؤخذ من نصوص الشرع ومقاصده بما يمكن أن يتحقق به أحكام الشرع في المسكن ، وقد مضى بيان كثير منها في البحث .