بقلم/ سامح عسكر

عبقرية علماء الحملة الفرنسية

حين مطالعتي لكتاب وصف مصر شَعُرت بأنني عاجز أمام عبقرية علماء الحملة الفرنسية، هؤلاء الذين صاغوا كتاباً عن الشخصية المصرية وأشكالها السياسية والاجتماعية وغيرها من أروع ما يكون، لقد تحدثوا عن كل شئ حتى طال حديثهم علوماً كعلوم الموسيقى والنفس والفلسفة والمنطق والجغرافيا والتاريخ ...حتى علم التنمية البشرية الذي لم يرصده الإنسان إلا مؤخراً رأيتهم قد خاضوا فيه بكل براعة، حقاً إنه لعَجَب أن نرى إنساناً عسكرياً يكتب بهذا الإبداع وفي تلك الحُقبة، فالشخص العسكري الذي يعيش تحت قيود السمع والطاعة من الصعب عليه أن يُنتج إبداعاً تحت سيوف التسلط والوصاية.

بعدها استنتجت أن منهجية السيطرة الغربية إبان غزواتهم العسكرية لبلاد المشرق بُعيد القرون الوسطى ومطلع الحُقبة الحديثة لم تكن لها طابعاً استعماريا واستهلاكياً محضاً، بل بان أن هؤلاء وفوق مساوئهم التي ابتُلينا بها قد قدموا للبشرية خدماتٍ عجز العرب عن تقديم معشارها، مما يدل على أن كثيراً من نواياهم كانت خدمية لنشر العلم وانتفاع بني البشر...من ينسى حجر رشيد وذلك اللغز الذي فك شفرته علماء الحملة ومنه إلى فك لُغز الحضارة المصرية القديمة، لقد كشف لنا هذا الحجر عن حياةً أخرى وضعت لنا المصري القديم في صورته الحقيقية البعيدة عن الميثولوجيا والخُرافات.

بعد ذلك يأتي لك شخص ويتهمك بتمجيد الإحتلال الفرنسي بمجرد مدحك لبعض إنجازات الحملة، وهذا الذي يحدث هو من الأخطاء المنطقية العقلية التي يعج بها المجتمع العربي عامة، إذ لا يلزم مدح تلك الإنجازات التي لا يختلف إثنان على صوابيتها ونفعيتها لبني البشر أن نقول بجودة الإحتلال أو نُصرته، وهذا إذا لم يُصرّح به فيُعلن تجاوزه فيما يُعرف لدينا في علوم المنطق بمغالطة.."رجل القشّ".المنطقية...فمن السهل أن تثبت تهافت القول أن تنسب إليه قولاً أو معنى لم يقله، وهذا الأخير يُعد سلوكاً بارزا في المجتمعات التي تعج بالطائفية والمذهبية والصدامات السياسية.

إن السبب الأساسي لجعل الحياة غير مُرْضية بعد الإثرة هو الحاجة للثقافة كما قال جون ستيورات ميل، فالثقافة هي التي تجعلنا نتفهم مثل هذه السلوكيات واستيعاب أهدافها ووسائلها، الثقافة هي التي ستخلق لدينا جيلاً يعمل كعمل هؤلاء ويفهم كفهم هؤلاء، ليس بالضرورة استنساخ التجربة فشخصية وطريقة تفكير الإنسان كبصمته لا يشاركه فيها أحد، فلنُقدم على الإرتقاء بمجتمعاتنا بمثل هذه الافهام، وليخلق كلٌ منا مجتمعه الخاص بنفسه.