نهاية رواية- ماذا تفعل؟
- أبحث في هذه الكتب عن حل لبطل روايتي.
- يا رجل ! توقف عن هذا الهذيان ! تضيع حياتك وحياتنا ولقمة عيشنا في الكتب.
- الكتب تصنع الحياة ولا تضيعها.
- الحياة تصنعها الهمم.
- والهمم تحتاج إلى عقول مستنيرة.
- مستنيرة !!! مثل عقلك أليس كذالك؟
- وما به عقلي؟
- أنت أدرى به مني.
- آآآآه لو تذوقتِ ولو لمرة واحدة نشوة الكتابة وعرفت قيمة هذه الكتب لما كنتِ لتقولي هذا الكلام.
- ولو عرفتَ طعم الحياة وقيمة العمر ما ضيعتَه في تقليب الأوراق.
- أعذرُ قِصر نظركِ ، فسنوات تعليمكِ القليلة لا تسعفكِ في فهم ما أقول.
- صحيح أني لم أكمل تعليمي ، لكني تعلمت من الحياة ما لن تجده في الكتب. وعندما أرى حالك أحمد الله أني لم أفعل.
- حالي وما به ؟
- أنتَ أدرى به مني.
- أنتِ لا تقولين شيئا مفيدا.
- وأنتَ لا تفعل ما يفيد.
- ما أفعلهُ، لن تعرفي قيمته الآن. ولكن سيأتي اليوم الذي تشكرينني فيه، وتتأسفين على كل كلمة تفوهتِ بها.
- حين يتقوس ظهرك ؟!! أم عندما تحمل إلى القبر؟
- بل حين يقف المجتمع كله احتراما وتقديرا لإنجازي. حينما ستتغنى الأمة كلها باسمي كما تتغنى الآن بقصائد الشابي.
- (ساخرة) والعالم كله سيعترف بك ، أليس كذالك؟
- ذلك سيأتي لاحقا ، إنه تحصيل حاصل.
- وما هو هذا الإنجاز يا عبقري زمانك؟
- الرواية.
- الرواية مرة أخرى !!؟
- ستصبح مرجعا في كل شيء ، وسيكون بطلها القائد الجديد للعالم والباعث لأمجاد الأمة الضائعة.
- على حسب ما أعرف، أمجاد الأمة لا تنبت على الأوراق وإنما على أكتاف رجالها.
- صدقتِ، و بطل روايتي بألف رجل.
- الأمة لا تحتاج رجالا من ورق. ثم أما آن لهذه الرواية أن تنتهي ؟ قطار الحياة لا ينتظر يا رجل !
- (متهكما) من حسن الحظ أن القطارات في أيامنا هذه أصبحت وفيرة ، إذا فاتك قطار فستركب الآخر.
- لكن اليوم غير اليوم والعمر واحد.
- وما ذنبي أنا؟
- ذنب من إذا؟
- الذنب على شخوص الرواية.
- ألا يمكن أن تكون واقعيا ولو لمرة واحدة وتتوقف عن الهذيان؟
- أنا واقعي جدا ! ولكن عقلك الضيق لا يعرف من الواقع غير الرغيف، ويقصر عن فهم المعاناة التي يواجهها كاتب كبير مثلي في إنجاح رواية بهذه الضخامة. ليس من السهل التحكم في حياة عشرات الشخوص المتفاعلة على امتداد سنوات ومئات الصفحات. ليس من السهل ضبط مساراتها وكبح جماح طموحاتها ، ووضعها في الأزمنة والأمكنة المناسبة. والأصعب من ذلك أن تجبرها على العيش مع بعضها بمواقفها المتباينة ومرجعياتها المختلفة، وطباعها التي تصل حد التناقض.
- وما الذي يجبرك على جمع ما لا يمكن أن يجتمع؟
- إنه قدر الرواية.
- ماذا؟
- نعم . فكما للحياة أقدار تسوقنا إلى ما نريد وفي الغالب ما لا نريد ، فإن للروايات أقدارا تسوق الشخصيات نحو ما يخدمها ، ثم إني أحاول أن يبقى الشمل مجتمعا والكل متلاحما حتى النهاية ، لكي يكون الإنجاز أعظم والفرحة كاملة.
- أوتظنك فعلا قادرا على ذلك؟
- نعم، إن طاوعتني هذه المرأة ، وسلمتني زمامها.
- أي امرأة يارجل؟ من تكون؟ أين ومتى وكيف ؟ .... كيف عرفتها ؟ هذا ما كان ينقصني ، امرأة أخرى في حياتك ! أهذا جزاء تضحيتي معك؟
- (ضحك حتى دمعت عيناه) إنها زوجة بطل روايتي يا جاهلة. إمرأة عنيدة متسلطة متمردة لا تلتزم بالحوارات التي ألقنها إياها ولا ترض بالمسار الذي اخترتُه لزوجها. تخرج عن النص وتحاصره بأسئلة حمقاء تشوش على أفكاره و تفسد عليه خلوته. إنها تعيق تقدمه في الحياة وتمنعه من تحقيق أحلامه العظيمة . هي باختصار قدره الأسود.
- وهل من العدل أن تظل روايتك وحياتنا تحت رحمة هذه المتعجرفة. عليك أن تتصرف وتجد لها حلا. أنت من أقحمها في حياتنا وهذه مسؤوليتك.
لقد سئمتُ من حياة البؤس والفقر. أُنْظرْ إلى النعيم الذي يرفل فيه أصدقاؤك. أليسوا أقل منك تعليما ؟ وماذا عن أخيك الذي تركت له الجمل بما حمل وتنازلت له عن نصيبك في تجارة المرحوم. أترى أين أصبح وأين بقيت ؟ أنظر إلى حالنا أنا وابنك: لا سكن يليق ، لا سيارة لا فسح.... لا........ لا........
تناول لفافة تبغ من جيب قميصه ، أشعلها ، أخذ نفسا عميقا ، أسند رأسه إلى الحائط مغمضا عينيه ، حبس أنفاسه لحظة كأنما ليمنح فرصة لسم اللفافة لينفذ إلى أبعد نقطة في دماغه.
فتح عينيه من جديد وأطلق العنان لسحابة كبيرة من الدخان لتنعتق من بين شفتيه خيطا رفيعا ينساب على مهل.
كانت السيجارة تمضي احتراقا والدخان يقضم ملامح زوجته وصوتها يخفت تدريجيا .
فجأة لمعت عيناه ، عدل جلسته ، سكن لحظة ثم انتفض.
- وجدتها ..... وجدتها
- ماذا وجدت يا رجل؟
- سأنهي الرواية..... وجدت الحل.
- وما هو؟
- الطلاق
- ماذا؟
- أنتِ طالقققققققققققققققققققققق ققققققق