النظّارة
كان يسير في الشارع بكل هدوء متجها نحو الحديقة العامة التي اعتاد أن يقضي بها ساعة يستريح فيها من تعب العمل ويجدد نشاطه, البسمة تعلو وجهه , كانت الشوارع نظيفة كالعادة , الأشجار تزين الميادين , رائحة الفل والياسمين تملأ المكان , تنفس بعمق , نظر عن يمينه فوجد شابا مفتول العضلات يمسك بذراع عجوز يعبر بها الطريق , توقفت سيارة وأطل من نافذتها شاب في مقتبل العمر وأشار بيده لهما حتى يعبرا بسلام , وعلى الرصيف الآخر من الشارع كانت مجموعة من الطالبات بملابسهن الأنيقة الموحدة يهمسن مبتسمات .
دخل من باب الحديقة , الأطفال يلعبون الكرة في الأماكن المخصصة لهم , رجل يعلو الشيب رأسه يجلس وزوجته على أحد المقاعد يستعيدان ذكريات الشباب , والمرأة تبتسم من حين لآخر , فتاة تمسك بيد شاب يبدو كما لوكانا زوجين حديثي الزواج أو خطيبين يرسمان ويحلمان معا بالمستقبل .
فجأة ارتطت الكرة برأسه , وقعت نظارته على الأرض , انحنى ليلتقطها , هاله مارأى , الأرض كلها طين وأوساخ , أبعد يده سريعا , رفع رأسه , ماهذا المكان ؟ , الظلام من حوله , الضوضاء تسد أذنيه , الرائحة الكريهة تزكم أنفه ,حاول أن يحرك قدميه , أن يجري بعيدا , لم يستطع أن يتحرك , التصقت قدماه بالطين وأكوام القمامة .
يلمح شيئا يلمع من بعيد , وجد نفسه وسط ساحة كبيرة تملأها الأقذار أيضا , ووجد نمرا يفترس غزالا ويلتهمها , ويسمع أصواتا عالية تشجعه وتصفق له , وأصوات نساء يضحكن في خلاعة , أدار وجهه سريعا .
سمع صوت طفلة تصرخ وتستغيث , اقترب من مكان الصوت , وجد رجلا كريه الملامح يمزق ملابسها , يضربها يدفعها على الأرض ينام فوقها وهي تسترحمه وهو لايبالي , حاول أن يتحرك كي ينقذها ولكن قدميه مازالتا ملتصقتين بالأرض الموحلة , كان صراخ الطفلة يعلو ويشتد يسمعه الجميع فلماذا لايتحرك أحد لإنقاذها ؟ زالت دهشته عندما التفت ورأى امرأة تسير شبه عارية والقوم من خلفها يركضون واللعاب يسيل من أفواههم .
سمع صوتا يهتف باسمه , نعم إنه صوت صديقه الحميم , ماالذي أتى به إلى هذا المكان ؟!, التفت وجد مُسخا له نابان كبيران يمسك بإحدى يديه قناعا وبالأخرى بقايا ساق بشرية يلتهمها بشراهة,ألقى المسخ مابيده واتجه نحوه يريد أن يفتك به .
أحس بشيء يجذب يده بلطف , كان هناك طفل صغير يمسك بيده نظارته التي فقدها وأعطاها له وانصرف .
وضع النظارة سريعا على عينيه .