بحاجة لمطر غزيــــــــــــــــــــــ ــــــر جدّا يا مازن... يغمرني، يُغرقني، فلا يرى أحدٌ ماء عيني إذا ما تدفّق، كنتَ أنت من يمسح دمعي، لا أحد غيرك، و الآن، عيني و يدي صفرٌ منك، و فراغٌ من يديك، أريدُ مطرا كي يختلط بدموعي فلا يعقلني أحدٌ و قد ناحت كلّ أوصالي، أنا لا أعرف ما معنى الكلام يا مازن، لم أذكر أنّي قلتُ لك كلمةً واحدة حين افترقنا غير: سامحك الله، لم أستطع أن أتعلّق بك، أو أن أرشقك بدمعة، أو أن أغلّفك بعيدا لأنّي حين مساء ارتديتُك جلدي، أذكر جدّا أزرار روحي الّتي تشابكت مع أصابع يديك عرواتِها، ذاك لأنّها كانت وحدها على مقاسي... و وحدَها الّتي اقتلعت أنفاسي حين قلتَ لي بأنّك مفارق....
رنّ جرسي طويلا بانتظار يديك لتنقر زرّ الإجابة، فكان يتيما بك!!
تعلّق نبضي متباطئا على حدّه لتقطعَ وصلَه بصمت، فتشظّت خلاياي المتكوّنةِ منك، و منك وحدك، رحتُ أغطّ وجهي في يديّ، أمطرُني بماء الصّنبور كي أُضيعَ دمعي على الحافّة.... فما كان منّي إلّا أن قرأتُ الدّمع من بين المطر، قرأتُه لأنّه مالحٌ حارٌّ حارقّ و الماء شتاء، قرأته و ما اختفى عن العيون يا مازن... ما اختفى!
تسألني شجرة الزّيتون، تعاتبُني لأنّي ما عدتُ أبوح لها... الآن عرفتُ وجعها و قد تفتّت قلبي، و ناح نبضي بك وحدك، و لك وحدك، و منك وحدك، فأنت العين و الدّمع و الوجع.
تشظّت خيوط المساء، فما عاد للغروب معنى، و الأفقُ دونَك تلاشى، لم أعد أرى على مدّ بصري شيئا، فقد حجب الدّمع رؤيتي و ما اهتديتُ إلّا نبضا تشقّق لا يدري أين يولّي جسده، و لا يدري كفَنَا آخر سواك... فما وارُوهُ التّراب، و ما ستروا عورة فقده.
أين لك أن تغترب و قلب شجرة البلّوط التي كنت تجالسها تفلّت من لحائِه، و تنضّد في جيبك الأيسر، ذاك القريب من النّبض تماما؟
أين لك أن تغترب و ورق التّين تمدّد بين رئتيك، يصل النَّفَس بالنَّفَس، و الهواء بالهواء؟
أين لك أن تغترب و لك في قلبك وطنٌ هو أنا... و أنا وحدي و لم يكن لي وطن إلّاك؟
أنا لم أكن وفيّةً لشجرة الزّيتون المقابلة لوجعي مذ كنتُ طفلة، و لا لحافّة كتابٍ عشتُ معه دهرا، ولا لقلمٍ فحميّ قلّمتُه و فتّتُّ أنفاسَهُ كي يسعفني، ولا لصوتِ زنبقةٍ تسكُنُ قلبي, زرعتُ إلى جانبها توليبةٌ كانت طفلي منك... لم أكن وفيّة إلّا لغصنٍ حطّ عليه صمتي بعد حينٍ من الجنون و الانكسار و الاغتراب، فكان وطني الأوحد.
هي المسافاتُ يا مازن لا تلدُ إلّا وجع الأقدام، هي المسافاتُ لا تومئ إلّا بالشّلل على الحواشي، و تغرق الهوامش بدمع العابِرِين،
أكُنّا عابرَين؟ أم هل كنّا طيفين التقيا صدفةَ صمتٍ فدوّت لفارقِهما شجرةُ الصّفصاف الّتي رسمناها سويّة؟؟؟؟
إن كنت تعرف الدّرب دوني فابتعد، و إلّا فلا تُشتّت قلبا لا يعرف للمسافةِ زادا سواك، فالدّروب يزفرها الحنين... تشبّعت بها شقوق الغياب ، و تنافرت يا أنت مع أنفاسي، فتماهى بين خلايا دمي صوتُك طويـــــلا، لن أحكي لغيرك نبضة، و لا ابتسامة، و لا حتّى دمعة، تكفيني أنت صفحةَ غيابٍ أحفظها جدّا، سأقتصدها لذات يباس، حتّى لا يقتلني جوع الأرصفة، و لا يشتّتني وطنٌ أنتَهُ... و مهدٌ أنتَهُ، و ليلٌ أنتَهُ، و صبحٌ بك ابتسم.
قُل لي ... لماذا تلفظنا الدّروب و قد سلسلناها بالعيون؟
لماذا نبت على جلدي وجعٌ أجاهدُ في اقتلاعِهِ فيأبى؟
و لماذا و عفوا ترسمُ خطوطُ يدي اسمك من غير خلاف..؟ حتّى العابرون سألوني من هذا؟ و لم أكن أدري من أنت إلّا حينما أسكنتَ النّبضَ قلبك.. لم.
الأرصفة شَكَت لي وجع القلب حين غادرها عامود الشّارع، و الإشارات المتناثرةُ على الدّرب توقّفت حمراء من غير حراك، و صفحةُ الهواء بدت خاليةً من صوت العصافير، أتذكر حين قلتُ لك اسمع عزفها؟ أتذكُرُ حين قلتُ لك أنّ تفاصيلي غارقةٌ فيك، تفضّل الولوج إلى كفَنِك على أن يقتنيها أحدٌ غيرك؟ أتذكُرُ يدي الّتي ارتجفتْ و هي تحاولُ خطّ صمتِها حين التقينا؟؟؟
كدت تُشْبِعُ الغيماتِ حبّا بي... و عشقا لها... و لم أكن لأعتب.
العشُّ كان صمت رغيفٍ أكله الشّوق و ما أبقى لجنين الحبّ كسرة، و الأمنيات مليئة بنا، و فارغةٌ منّا الّلقاءات، هذا هو درب الألم الّذي اخترتُه... و بأكفّ أمٍّ رؤومٍ استقبَلَني.
لا يدرك الوجع إلا من به وجعٌ يا مازن!!
لا غيره يفعل.
الرّوح العطشى
1-11-2012