ألا فاصمدي ...
أقول وقد كادت تثقب طعناتُ الغدر كلّ نقابك الطّاهر، ألا فاصمد وصُنِ الوجه بنقاب العزّ والمجد الذي خاطه لك المخلصون بشرايين قلوبهم، وحافظ على البياض النّاصع، وإن كثُر محبّو الصّباغ الأحمر يرشقونك بجمرات حقدهم ولهيب نيرانهم؛ ليُخفوا لونك ويدمغوا طُهر شرفك بسودِ فعالهم، ويمزّقوك ليحظَوا بوجه الخيرات الطّامعين برؤيته وضَمّه لأيمانهم.
يا مَن مكثت دهورا تقاوم نباح الكلاب، وعواء الذّئاب، وخداع الثّعالب التي حاولت بمخالب غدرها مهاجمتك؛ متطاولة على أطرافك لتغتصبها مرّة، وتندحر أخرى... ولم يكفِها هذا بل أرادت أن تعيث فسادا في اللّب فدبّرت المكائد للتّقسيم، وأعدّت الخرائط للرّسم والتّصاميم، ولوّنت بألوان المكر المساحات التي تبغي وتريد... فما تخاذلتَ وظللت تدافع بسلاح العزّ عن ماء الوجه، وأغدقت الغالي والنّفيس... ولمّا تزَلْ خناجر الغدر تتنقّل من جزء لآخر، يزرعها من تغذّى من صلبك تارة، وطورا من سرق من خيراتك، وتظاهر بحامي عرضك، ويبغي ودّك...
فلتبقَ صخرة تتدحرج على قلوب الطّامعين، ولتُشعِل لهب الثّبات تحت أقدام كلّ من جاءوا متكالبين؛ مدّعين رتق أشلاء ما استلموه عليلا بخيوط طمعهم؛ زاعمين أنّهم ما أرادوا إلّا الإعلاء من شأن ما بات كليلا...
فيا كلّ الأوطان التي مُزِقت براقعها لتُداس وجوهها، اثبتي وتمسكّي بالوجه الجميل تصونه بطولات الأشدّاء، وشهامة البواسل، وحكمة الحكماء، ووفرة الخيرات... تشبّثي بما ورثتِ، وصوني ما جدّدتِ، وابقَي على أرائك العزّ، لا على حصائر الذّلّ التي تنقل أفرادك من حصيرة تهلهلت خيوطها لأخرى اشتعلت بهم، وصَلَت أجسادهم وأحلامهم... فيما كراسي حريرهم يتمطّى عليها من احتكروا القزّ؛ لينعموا به وبأراجيح الهزّ...
تمخطري على سجّاد الفَخار ولا تجعلي خيراتِ أرضك وأناسك من نصيب الفجّار...
وفّقي بين أسراب الحمام واليمام، ولا تجعليهم طُعما لغربان الأوهام... وابقَي للفراخ نِعْمَ الحاضن، والمطعِم والمحقّق لكلّ الآمال والأحلام...