رد الشبهات عن حد الرجم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
الإخوة الأفاضل ..
ويبقي السؤال قائما ,
لماذا يتلذذ البعض منا بنشر الشبهات تحت مسمى حرية الفكر وحرية المناقشة ؟!
والمشكلة أن ناشري الشبهات من أمثال صاحب الكتاب ــ موضوع اليوم ــ , لا يأتون بشيئ جديد أو لم يُسبق إليه , بل يأتون بشبهات مضي عليها قرابة ألف عام تقريبا ورد عليها الأئمة مرات وكرات عبر العصور , فينقلون الشبهات على أنها من بنات أفكارهم , ويهملون نقل ردود علماء السنة ..
وإن كان هذا ليس مستغربا على من كفر بالله ورسوله عليه الصلاة والسلام وأنكر سنته المطهرة تحت مسمى خادع وهو القرآنيون بينما هم منكرو السنة ــ
وصاحب هذه الشبهة منهم ــ
فالاستغراب من هؤلاء الكتّاب فى المنتديات المختلفة الذين ينقلون هذه الشبهات العقيمة وهم يعلمون أن نشرها لا يورث إلا البلبلة فى صفوف المسلمين , رغم أنها مسائل روجعت من قبل عشرات المرات ..
ولكن نشرها فى أيامنا تلك يورث الخطورة أضعافا مضاعفة , لأن المسائل العقدية والفقهية الدقيقة , كانت قديما فى مستوى استيعاب الناس حتى العامة من الناس نظرا لأن العصور كانت عصور علم .. ومن يكلف نفسه قليل الوقت فى مطالعة عصورنا السالفة , يعرف كيف أن تلك العصور كانت عصور جهابذة بالفطرة , حتى أنهم كانوا يروون الطرائف والنكت بالإسناد المتصل !
تلك العصور العبقرية التى كانت فيها حضارة أمة الإسلام مرجعا للناس فى الدين والدنيا , وهى نفس العصور الذى يحاول فيها أمثال هؤلاء الجهلة أن يصوروها لنا أنها كانت عصور بداوة وجهل وتخلف !!
أما بعصرنا الحالى , والذى يعتبره هؤلاء الناس أنها عصور الفكر الحر والنقد !! , بينما هى عصور بلغت فيها الجهالة مبلغا خرافيا وأصبحت الثقافة التقليدية البسيطة أعز وأندر من وجود الماس ..
وأكبر دليل على ضحالة فكرنا هذه الأيام أن أصحاب الشبهات اليوم حاولوا أن يأتوا بالشبهات القديمة ويكرروها وأحبوا أن يضيفوا إليها من عندهم بعض الشبهات المعضدة , والتى يحاولون بها أن يثبتوا أنهم من الباحثين الكبار وأن عقولهم تأتى بأسئلة ومعضلات عجز القدماء أنفسهم عن التفكير فيها والإجابة عنها !!
فلما طالعنا ما أتوا به عرفنا والله لماا تجاهل القدماء الرد على مثل هذه الأقوال , وأنّى لهم أن يتصوروا يوما يأتى على أمة الإسلام يسأل سائل فيهم أمثال تلك الأسئلة التى تنم عن جهل مدقع ! وضحالة لا تمارى
لكن مثيري الشبهات اعتمدوا على أن عصرنا عصر الجهل العام ..
ولهذا
فإن المفكرين والفقهاء يلاقون عنتا شديدا فى تبسيط التراكيب العلمية فى رد الشبهات نظرا لانعدام الثقافة الفقهية من المثقفين أنفسهم فضلا عن العوام !
وقد صادفت على الإنترنت فى أحد المنتديات بحثا سماه صاحبه (
استحالة وجود النسخ فى القرآن ) !!
وأنكر فيه حد الرجم وأنكر ثبوت الروايات الصحيحة فى ذلك على منهجهم العقيم القائم على إنكار السنة فى مجملها , فقام أحد لأعضاء فى هذا المنتدى بنقل بحث الكاتب الأصلي فى إنكار حد الرجم وقال :
هذا البحث منقول من كتاب (استحالة وجود النسخ بالقرآن الكريم) للكاتب الإسلامي ............. وهو قرآني، ومن هنا نختلف معه في الكثير من الأشياء ، ولكن ليس معني ذلك أن نضرب بكلامه عرض الحائط في كل ما يقول....!!... لقد تأكدت من تلك الدراسة بنفسي من خلال زياراتي المتكررة للمكتبات فيما يربو عن شهر كامل وراجعت كل ما يقول فوجدت الرجل قد نقل كل ما كتب بأمانة شديدة.
وهذا للتنويه...منقول بتصرف
والمصيبة ورغم علم الناقل أن هذا الباحث منكر للسنة يسميه ( الكاتب الإسلامى فلان الفلانى !! )
ليس هذا فقط ,
بل ويدعو ويؤمن بما أورده الكاتب ويقول أنه طاف المكتبات لشهر كامل ليتيقن من صدق نقل الرجل !!
ويقول أنه ليس معنى أنه منكر السنة ( قرآنى كما يزعمون ) أن نرفض كلامه كله ,
وأقول له أن هذا المنهج منهج يخالف إجماع الأمة فى رفض أهل الزندقة وعدم قبول كلامهم ولو كانوا يقولون حقا , لأن مقالتهم لحق ستكون حقا يراد به باطل , وأكبر مثال أمامنا الآن ..
يقول الناقل أنه راجع نقولاته ووجدها صحيحة ,
نعم ولكنه لم ينقل الردود على ما جاء به وأتى بالتدليسات الواضحة عندما نقل بعضا وأهمل الآخر
وكمثال بسيط لإيضاح أنه جاء بشبهة أن حد الرجم لا يُنصص بينما المقصود من الآية ليس الرجم بل الجلد لأن الآية تتحدث عن المحصنات وهن الحرائر هنا وليس المقصود المتزوجات ,
وسيأتى هذا تفصيلا فى الرد على الشبهة ..
الغرض أننا لا ينبغي لنا أن نساهم فى نشر الباطل المحض ونجعل من أنفسنا مروجين لأفكار هدامة مثل أفكار نقض السنة وصحاحها ..
لا سيما وأن هذا الزنديق وأمثاله أخبرنا عنهم رسول الله عليه الصلاة والسلام , ووجودهم فى مجتمعنا اليوم دليل من دلائل النبوة .. فقد أخبر النبي عليه السلام أنه سيأتى قوم فى آخر الزمان يقولون بتحكيم كتاب الله دون السنة ويقولون بيننا وبينكم كتاب الله ..
هذا فى الحديث المشهور :
(
لا ألفين ألفين أحدكم متكئاً على أريكته، يأتيه الأمر من أمري ، مما أمرت به أو نهيت عنه ، فيقول : لا أدري ، ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه وإلا فلا )
والواجب من القراء جميعا لو كانوا حسنى النية ..
أنه عندما يتعرضون لإحدى الشبهات مهما بلغت قوتها وأثرها على نفسه أن يتذكر أن الله حق ورسوله عليه الصلاة والسلام حق , وما أجمعت عليه الأمة حق لا مرية فيه كما أخبر النبي عليه الصلاة والسلام , وأنه إن عرضت لنا شبهة مستعصية فهى لابد لها حل عند أهل العلم حتى لو لم نصل إلى هذا الحل فلا ينبغي أن يخالجنا شك فى وجوده , وبالتالى فمن البديهى أن أبحث عن الحل وأنا على ثقة ولست فى ريبة وشك
كما ينبغي علينا عندئذ أن نهمل هذه الشبهة ولا نساهم فى انتشارها فنحمل وزرها ليوم القيامة , ولست أدرى أى فائدة يرجوها من ينشر تلك الأباطيل وهل يظن الناس أنهم بترويج غرائب الشبهات سينالون العلم والشهرة مثلا !
ولماذا يشترى الناس الضلالة بالهدى ويحملون أوزار من يتشككون فى عقيدتهم بسببهم !
الله المستعان ..
أما بالنسبة للرد على شبهات إنكار حد الرجم , فقد أورد صاحب الكتاب نوعين من الشبهات ,
أولها : الشبهات القديمة المكررة ,
والثانى هو الشبهات الجديدة التى أتى بها الباحث من عنده
وبالنسبة للنوع الأول من الشبهات :
فسأنقل لكم على ملف وورد فصلا كاملا من كتاب ( مطاعن فى عقوبتى الزانى والمرتد ) للدكتور عماد الشربينى أستاذ الحديث بجامعة الأزهر ,
وعلى كل من دخل فى هذا الموضوع وعلقت بقلبه تلك الشبهات أن يطالع هذا الفصل ففيه الرد الوافي إن شاء الله , وقد حملته توفيرا للوقت والنقل
http://www.m5zn.com/d/?8d63b40330d531f
أما بالنسبة للنوع الثانى , فسننقل بعض ما أتى به الباحث وظنه أنه شبهات ونورد عليها الردود الكافية إن شاء الله
تلك الترهات التى لم نكن لنورد لها ردا باعتبارها كلاما مرسلا لا يقوم به دليل ولا تقوم به حجة ..
ولكن مع الأسف الشديد حتى الكلام المرسل هذه الأيام يطرح تأثيرا على من لا تواصل له بالعلوم الفقهية وهو أبشع ما يستغله مروجو الفتن ..
وكما قلنا مرارا أن هؤلاء الباحثين أو المدعين يأتون بالشبهات القديمة ويطرحونها كما لو كانت من بنات أفكارهم ..
ولما أحبوا أن يضيفوا بعض الحبكة من عندياتهم وقعوا فى التناقضات المضحكة والاعتراضات التى تثير سخرية الساخرين , ويحتجون بها علينا بعد ذلك باعتبار أن العلماء السابقين لم يردوا عليها ..
وهذا حقيقي ..
وهو أمر منطقي لأن تلك الأقوال الجديدة ليست شبهات وإنما حماقات لا يمكن أن تخطر ببال أهل العلم !
والشيئ بالشيئ يذكر ..
فقد جاء أحدهم مرة معترضا على أن كتب الصحاح أوردت أن النبي عليه الصلاة والسلام اتخذ سبايا من النساء بعد نزول آية الإثخان فى الأرض والتى نهى فيها الله عز وجل نبيه عن أخذ الأسري !!!
وهى قوله تعالى :
[
مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللهُ يُرِيدُ الآَخِرَةَ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ] {الأنفال:67} 3
فتخيلوا مستوى التفكير عند هؤلاء القوم !
فهم يتصورون أن الآية الكريمة نزلت تمنع أخذ الأسري والسبي من النساء والأطفال فكأنى بهم يتصورون أن النبي عليه السلام مأمور بقتل الجميع وبعدم أخذ الأسري فى المطلق !
ولم يكلفوا أنفسهم حتى مطالعة أبسط التفاسير أو أبسط الأبحاث فى السيرة النبوية ليعلموا أن قتل النساء والأطفال فى الحروب محرم قطعيا وأن الحل فيهم أن يتم اتخاذهم أسري وسبايا وهذا هو منهج الإسلام الذى أقره النبي عليه الصلاة والسلام فعليا ومن بعده الخلافة الراشدة وخلافة المسلمين فى كل عصر ..
ولهذا أخذ النبي عليه الصلاة والسلام النساء والأطفال والذراري سبايا فى غزواته ضد اليهود وأشهرها غزوة بنى قريظة , والتى حكّم فيها النبي عليه الصلاة والسلام سعد بن معاذ , وأمره أن يحكم فيهم جزاء خيانتهم للعهد وتآمرهم مع المشركين فى غزوة الأحزاب ..
فحكم فيهم سعد بن معاذ بأن يتم قتل مقاتلتهم ( أى الشباب والرجال القادرين على حمل السلاح ) وأن تُسبي ذراريهم
وكان تعليق النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال فى سعد ( لقد حكمت فيهم بحكم الله )
وهذا المثال البسيط أيها الإخوة يعطيكم فكرة بسيطة عن طبيعة تفكير هؤلاء المرضي من الطاعنين فى السنة ,
وطعنهم وعدم قبولهم للسنة هو فى حد ذاته يثبت أمرين بالغى الأهمية ينبغي لنا معرفتهما قبل التعرض لأى شبهات يثيرونها ..
الأمر الأول : أنهم بنبذهم للسنة المطهرة مطلقا يكونون قد نبذوا الدين كله لأن عدم أخذهم بالسنة تحت مظنة الرأى وحده والهوى فى المطلق واكتفائهم بالقرآن يخالف المنهج القرآنى نفسه , حيث قال عز وجل :
[
وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ العِقَابِ] {الحشر:7}
وهم برفضهم قبول صحاح السنة كالبخارى ومسلم يكون من المستحيل عليهم الوصول لأمر النبي عليه الصلاة والسلام بشكل يقينى أو حتى ظنى لأنهم حكموا آرائهم المتخلفة فى نقض الأحاديث الثابتة وبهذا لم يقدموا لنا منهجا أصلا للتفرقة بين ما ثبت وما لا يثبت عن النبي عليه الصلاة وجعلوها بالمزاج !
وهكذا ستجد منهم من يثبت حديثا ويأتى آخر بعده فينفيه , هكذا بلا ضوابط طالما غاب منهج التمييز !
الأمر الثانى : ظهور هذه الفئة منكرة السنة المسماة خطأ ( بالقرآنيين ) هو فى حد ذاته أعظم إثبات للسنة النبوية المطهرة التى وصلتنا عبر علوم الحديث وجهود علماء النقل لأن النبي عليه الصلاة والسلام أخبرنا بنفسه أنهم سيظهرون , فظهورهم فى حد ذاته من أعظم دلائل النبوة ومن أعظم الإثباتات اليقينية أن ما بيننا من أحاديث صحيحة هى التى عليها معتمد قول النبي عليه الصلاة والسلام ..
وذلك فى قوله عليه الصلاة والسلام :
(
لا ألفين أحدكم متكئا على أريكته يأتيه الأمر من أمري مما أمرت به أو نهيت عنه فيقول : لا ندري ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه )
وهذا المتعدى على السنة ومنكر حد الرجم اعتمد فى موضوعه كله فى إنكار حد الرجم على إنكار أحاديث الصحيحين الواردة فى قصة ماعز وفى قصة الغامدية ,
واعتمد فى إنكارهما على إنكار وقوع الحادثتين من الأصل وكأن الرجم ثبت من خلال هاتين الواقعتين فقط ,
ورغم التهافت الشديد فى الإعتراضات التى أوردها والتى لا يقول بها عاقل , إلا أننا سننسف استدلاله نسفا بإثبات حد الرجم بالأحاديث الصحيحة المحضة الخالية من الوقائع التاريخية التى يعتمد على التشكيك فيها ,
ففي الحديث الصحيح الذى رواه الطبري وصححه الألبانى وبن حجر وبن حزم وغيرهم يقول النبي عليه الصلاة والسلام :
(
لا يحلُّ دمُ امرئٍ مسلمٍ إلَّا بإحدَى ثلاثٍ : رجلٍ قتلَ رجلًا فقُتِلَ ، أو زنَى بعد إحصانٍ فرُجِمَ ، أو ارتدَّ عن دينهِ )
وهو نص صريح كما هو واضح ليس فيه أدنى شك ..
ونص آخر كالشمس وهو الحديث الذى رواه السيوطى فى الجامع الصغير عن نفر كبير من الصحابة منهم عمر وعثمان وعائشة وابن مسعود والزبير وأبو أمامة رضي الله عنهم قال النبي عليه الصلاة والسلام :
(
الولد للفراش وللعاهر الحجر )
يتضح من ذلك أن الرجم لم يثبت بالسنة الفعلية وحدها كما فى قصة ماعز والغامدية , بل ثبت قبلها بالسنة القولية أيضا بأسانيد ورجال الصحيحين ..
نأتى الآن للشبهات العرجاء التى أوردها وزعم أنها بها تناقض فمن ذلك قوله :
{ فنجد عند أبي داود وأحمد بن حنبل:
( فأمر النبي به "أي الزاني" أن يرجم، فأخرج به إلي الحرة فلما رجم فوجد مس الحجارة جزع فخرج يشتد فلقيه عبد الله بن أُنيْس وقد عجز أصحابه فنزع له بوظيف بعير فرماه به فقتله ثم أتي النبي ص فذكر ذلك لهُ فقال: هلا تركتموه لعله أن يتوب الله عليه؟) (سنن أبي داود: ح 4419، و مسند أحمد ح 21383).
فنسبوا للنبي أنه يسامح الزاني برغم قول الله تعالي:
) وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ)
وعلي الرغم من ذلك يقول الرواة: كانت ستأخذه بالزاني رأفة!! )
وهذا من الجهل العميم بأحكام الفقه فضلا على الهوى !
فالباحث الذى يسمى نفسه باحثا اعترض على ما ورد عن النبي عليه الصلاة والسلام من أنه أمر بترك الزانى إذا جزع وهرب عند تطبيق الحد , وهو نفس الذى اعترض عليه أيضا فى قصة ماعز , عندما فر عند تطبيق الحد فتلقاه أحد الصحابة بمشاقص ( وهى قطعة من الحديد ) فضربه بها وقال النبي عليه الصلاة والسلام ما يفيد بجواز تركه
ويراه الباحث تناقضا بأحكام القرآن !!
وغاب عن هذا المدعى أن فعل النبي عليه الصلاة والسلام تشريع فى حد ذاته ومن المستحيل أن يخالف القرآن ..
فبالرجوع إلى فقه تطبيق حد الزنى فى كتاب ( المغنى ) لابن قدامة المقدسي فى باب ( حد الزنى ) سنجد أن الفقهاء أجمعوا ـــ بناء على الجمع بين السنة والقرآن ـــ على التفرقة فى تطبيق حد الزنا بين الذى يأتى فيقر بنفسه بأنه ارتكب الزنا ويشهد على نفسه بذلك ..
وبين من يأتى به الناس وقد شهدوا عليه أربع بالزنا ..
فالأول ــ وهو المعترف ــ إذا طبقوا عليه الحد فجزع وهرب من مكان تطبيقه يتم اعتبار هذا تراجعا عن الإعتراف ولهذا شرع النبي عليه الصلاة والسلام تركه , وهو ما ثبت من قصة ماعز أنه هو الذى اعترف على نفسه ..
بينما الذى يأتى به الناس وبشهود أربع عدول يتم تطبيق الحد عليه وملاحقته إذا بادر بالفرار ..
وهذا الأمر عليه معقد إجماع أهل العلم ..
ثم أتى يعترض على قصة ماعز من أولها لآخرها وهى واردة فى الصحيحيين تحت زعم أن الروايات متضاربة !
كيف ؟!
لأن هناك رواية تقول أن ماعزا هو الذى اعترف بالزنا , ورواية أخرى تقول أن النبي عليه الصلاة والسلام هو الذى قرره وسأله وقال ( أحق ما بلغنى عنك ؟ )
وهذا الذى يراه هو تناقضا فى الروايات رد عليه الأئمة من قبل والباحث نفسه أورد شرح النووى على مسلم من أن الجمع بين الروايتين يحل الإشكال وهى أن قوم ماعز أبلغوا النبي عليه الصلاة والسلام بوقوع الزنا منه بناء على اعترافه لهم , فبادر النبي عليه الصلاة والسلام إلى سؤاله فاعترف وأقر بالشهادات الأربع
وهكذا ينتهى الإشكال بواحدة من طرق الجمع المائة المعروفة فى علم أصول الحديث , والجمع بين الروايات التاريخية مسلم به حتى فى التاريخ المحض ولا تناقض إطلاقا فيه بعد شرح العلماء له , لأن روايات الوقائع التاريخية تختلف باختلاف شهودها ورواتها فكل راو يرويها وفق ما رآه وبلغه منها , ويكتمل الحدث بالجمع بين الروايات تحقيقا وتعليقا ..
ولكن الباحث الجهبذ يعقب بعبارة واحدة ويقول أنه غير مقتنع بهذا الجمع ..!
ليس هذا فقط بل يجعل عدم اقتناعه هذا هو سبب رفضه للرواية !!
ونقول أن روايات التاريخ جميعا فى القديم والحديث لو خضعت لمثل هذه العقلية لما سلمت لنا حادثة تاريخية واحدة ولو رأيناها بأعيننا كأن يأتينا أحدهم فينكر هزيمة ألمانيا فى الحرب العالمية الثانية على اعتبار استحالة هذا فى منطق العقل لأن ألمانيا دحرت أعدائها دحرا خلال ثلاث سنوات من الحرب ولم يبق لها إلا إسقاط بريطانيا وتنتهى الحرب بانتصارها !
أو يأتى من ينكر انتصار العرب فى حرب أكتوبر على اعتبار أنه من المستحيل التغلب على قوة إسرائيل ومناعة خطوط دفاعاتها وثقل أمريكا من ورائها !
وهكذا ..
وكم صدق الشاعر حين قال :
وليس يصح فى الأذهان شيئٌ ×× إذا احتاج النهار إلى دليل ..
ثم يواصل الباحث اللوذعى اعتراضاته الجديدة التى أتى بها ويعيب على العلماء عدم الرد عليها فيقول بأن النبي عليه الصلاة والسلام سأل ماعز مرارا عن الواقعة , لأربع مرات مما يدل على عدم علم النبي عليه السلام بها وهذا يتناقض مع الرواية الثانية التى تقول بأن قوم ماعز أحاطوا النبي عليه الصلاة والسلام علما بالأمر ..
ونقول وبالله المستعان أن قائل بيت الشعر التالى يستحق جائزة نوبل لحسن توصيفه حال هذا المدعى حين قال :
لكل داء دواء يستطب به ×× إلا الحماقة أعيت من يداويها ..
فالباحث الذى يسمى نفسه باحثا لا يعرف الفارق بين السؤال للاستعلام (
أى كسب المعلومة لأول مرة ) وبين السؤال التقريري (
المعروف فى التحقيقات لتأكيد الإعترافات ) ..
فعلم النبي عليه الصلاة والسلام بالواقعة لا يتناقض إطلاقا مع عقده مجلس للتحقيق مع ماعز لاستقراره بالإعتراف , ومن أصول الفقه فى حالات الإعتراف أن يتم تشكيك المعترف فى اعترافه وسؤاله مرارا وتكرارا ــ لا سيما فى جريمة الزنا ــ واستيضاحه عن أدق تفاصيل الواقعة طالما أن الواقعة لم يكن عليها دليل إلا الإعتراف ..
فالإعتراف يكون سيد الأدلة فى حالة واحدة وهو الإعتراف المسبب
وهذا الأمر معروف حتى فى النظم القانونية الحديثة حيث يطلب المحقق من المعترف تمثيل جريمته أمامه , ويسأله عن أدق تفاصيلها قبل أن يحيله للمحاكمة , فهل المحقق هنا يجهل الواقعة ؟!
أم أنه يستخدم أسلوب التقرير لتأكيد الإعتراف ؟!
وهذا ما يتضح من رواية ماعز عندما قرره النبي عليه الصلاة والسلام فقال له :
(
لعلك قبلت , لعلك غمزت لعلك نظرت .. )
فهل هذا التقرير يتنافي أو يتناقض مع علم النبي عليه السلام مسبقا بالواقعة !!
وشبهة أخرى وردت فى الموضوع حيث ظن بعض القراء أن تطبيق حد الزنا بشهادة شهود أربعة يرون الواقعة رؤية صريحة كالمرود فى المكحلة هو أمر مستحيل التحقق عمليا .. وأن الزنا لا يمكن إثباته غالبا إلا بالإعتراف أو بظهور آثاره ظهور الحمل على غير المتزوجة , نسأل الله لنا ولكم الستر والعافية والعصمة من الفواحش
ونقول أن هذا القول خطأ من عدة وجوه ,
فأى نعم إثبات حد الزنا بشهادة الشهود الأربع هو أمر بالغ الصعوبة لكنه ليس مستحيلا , والقول بذلك ينافي الواقع كما ينافي طبيعة الأحكام الفقهية ..
لأن الله عز وجل ما كان ليشرع شريعة لعباده لا تقبل التطبيق لاستحالتها .. أليس كذلك ؟
الأمر الهام هنا أن الصعوبة المضروبة على شروط شهادة الزنا كانت لحفظ السمعة والشرف , ولكنها قابلة للتطبيق بالطبع من الجانب الآخر لحفظ النسب
ولو كان إثباتها مستحيلا بالشهادة لما خاف الزناة أبدا من ارتكاب الفاحشة ولاعتمدوا على أن إثباتها مستحيلا إلا بالإعتراف
وقد حدث عبر التاريخ الإسلامى عشرات الحالات التى تم فيها إثبات الزنا بشهادة الشهود وبالشروط الصعبة المتحققة ومنها :
ما ورد فى المغنى لابن قدامة حيث أورد عدة أمثلة منها ..
( وروى أبو داود ، بإسناده عن جابر ، قال : { جاءت اليهود برجل منهم وامرأة زنيا ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ائتوني بأعلم رجلين منكم . فأتوه بابني صوريا ، فنشدهما : كيف تجدان أمر هذين في التوراة ؟ . قالا : نجده في التوراة إذا شهد أربعة أنهم رأوا ذكره في فرجها ، مثل الميل في المكحلة ، رجما . قال : فما يمنعكم أن ترجموهما ؟ قالا : ذهب سلطاننا ، وكرهنا القتل . فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشهود ، فجاء أربعة ، فشهدوا أنهم رأوا ذكره في فرجها مثل الميل في المكحلة ، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم برجمهما } ولأنهم إذا لم يصفوا الزنا احتمل أن يكون المشهود به لا يوجب الحد فاعتبر كشفه )
كذلك ما ورد فى سيرة عمر بن الخطاب فى البداية والنهاية لابن كثير أنه أتى أربعة شهود شهد ثلاثة منهم على أحد الولاة بالزنا وتغيرت شهادة الرابع فقط فسقط الحد فأمر عمر بدرء الحد وجلد الثلاثة لسقوط شهادة الرابع
لكن سقوط الحد هنا للشبهة وقد تحققت بشهادة الشهود الثلاثة إمكانية رؤيتهما للواقعة كما اشترطت الشريعة تماما ,
أى أن الشروط واقعية وقابلة للتحقق بلا مشكلات ووقعت كما قلت فى ميادين القضاء مرات وكرات ولو ذهبنا نستقصيها سنجد حتما أمثلة كثيرة
وتتبقي نقطة أخيرة وهى أن الإسلام حض على ستر المسلمين ودرء الحدود ما استطعنا إلى ذلك سبيلا , وجعل هذا جنبا إلى جنب مع التشديد على ضرورة تطبيق الحدود ــ حال تحقق شروطها ــ لحفظ المجتمع ..
وبهذا الأمر تكمن النسبة والتناسب فى شريعة الإسلام فلا يوجد فى الشرع إفراط ولا تفريط ..
هذا ما يدركه كل ذو فطرة سليمة
أما أمثال هذا الباحث
فبهذا المنوال أيها الإخوة الكرام أتى الباحث بما ظنه هو من الشبهات بينما هى من الترهات التى ما خطرت ببال العلماء السابقين ولو خطر لهم ما أصبحنا عليه لأوضحوا .. ولكن كيف يوضحوا الواضحات ..
ثم كانت الطامة الكبري التى ختم بها الباحث بحثه وهى إنكار النسخ وعنوان بحثه الأصلي الذى نقله الناقل هو ( استحالة وجود النسخ فى القرآن الكريم )
ومثل هذا لا يرد عليه أصلا بعد قول الله تعالى :
[مَا نَنْسَخْ مِنْ آَيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ] {البقرة:106}
لا سيما وأن المدعى لم يأت على دعواه بدليل أو حتى بشبهة يستقيم معها الرد !!
وإنكاره للنسخ فى القرآن رغم سطوعه بالنص القرآنى وتفسير السنة للقرآن وإجماع العلماء يكشف لنا بوضوح حقيقة هؤلاء المسمون بالقرآنيين , وأنهم فى الحقيقة ملاحدة لا يؤمنون لا بقرآن ولا بسنة , ولكنهم خافوا التهجم على القرآن مباشرة , وادعوا تصديقهم بالقرآن وحده ليتسنى لهم التشكيك فى نقلة السنة , فإذا تم لهم ذلك ذهبوا للتشكيك فى القرآن نفسه لأن من نقل لنا القرآن هم أنفسهم من نقلوا لنا السنة
أما قولهم بأنهم يؤمنون بالسنة المتواترة فقط لأنها متواترة كالقرآن ,
فهذا قول للتغطية الزائفة لأن معظم ما ينكرون من الحدود وغيرها من الأحكام هى من قبيل الأحاديث المتواترة ومع ذلك أنكروها لعدم اتفاقها مع أهوائهم مما فضح حقيقة غرضهم بوضوح ..
وها قد رأينا كيف أنكروا النسخ رغم ثبوته فى القرآن ..
وهم يتسمون بالقرآنيين ويدعون الإيمان بالقرآن رغم أنهم أول المخالفين للقرآن العظيم الذى حض على إتباع النبي عليه الصلاة والسلام فى أفعاله وسنته , وكما تكفل الله عز وجل بحفظ القرآن تكفل أيضا بحفظ السنة لأن الآية الكريمة تقول :
[
إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ] {الحجر:9}
والذكر هو مشمول السنة والقرآن وكليهما من عند الله ويفترقان فى أن القرآن من عند الله لفظا ومعنى والسنة لفظا من النبي عليه الصلاة والسلام وحكمها من الله كما فى قوله تعالى :
[
إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى] {النَّجم:4}
والمقصود بالحفظ هنا نقل القرآن ونقل السنة الصحيحة وحدها , وما يثبت صحة التفسير أن السنة تمحصت وفرق العلماء بين صحيحها وسقيمها وأجمعوا على أحكامها .. فتحققت بذلك بشارة الحفظ ..
وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "
ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه".
قال الشيخ ابن باز رحمه الله
"هذا حديث من الأحاديث الصحيحة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومعنى (ومثله معه) يعني أن الله أعطاه وحيا آخر وهو السنة التي تفسر القرآن وتبين معناه ، كما قال الله عز وجل : (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) النحل/44". (مجموع فتاوى ابن باز: 58__25-61)
والله المستعان