**(( كانَ يُحبُّني حُبّاً جمّاً ، وحبّي لهُ جاوزَ سامياتِ الشغف ،
أوسعُ من الأرضينَ أدواحُ الودّ بيننا ، بل طالما ظلّ ولا زال
يناديني بالوسيم ! حيثُ لأحاديث الروح والفكر بيننا وحادثاتِ
الزمن ِ بهجةُ الواعين ونفحةُ المتنوّرين الوالهين .
وعهدَ نكون في حضرته جالسين عنده فكــأنّما على رؤوسنا الطير ! .
قال لي ذات مساءٍ والحبورُ غالبٌ عليه :
أسمعْنا أيها الوسيم ممّا جادت به عليك قريحتُك من الشعر .
قلتُ : نعم ، سيّدي قُبيل أيّام وأنا في انتظار طائف القلب ووارده ،
وزاهيات الفكر ، مررتم على البال فكانت هذه الأبيات .
وقبلها لامست قطراتٌ من رسُلِ العين الخدّ المتورّدَ أنساً ،
وبدأتُ أنشدُ :
يا فائقَ الروح قد نادتك أعماقي .. يا فائق الروح ياحبّي وأشواقي
......................
...............
ولمّا انتهيتُ من حيث بدأتُ ، قال :
أنا أيضاً ذكرتك قبل أيّام ، ولكن من دون كـــلام ، فصغتَ أنتَ
من هذه الذكرى قصيداً .
ودالت بنا الشهور والسنوات آلاماً وآهات تفتُّ من عضُد الصابرين ،
وتطعن الأعمار بسكّين البين وخنجر الغافلين !.
صحوتُ على النفسِ متلفّتاً يميناً وشمالاً ، إذا بي على سريرٍ أبيضٍ
عتيقٍ ، ووسادةٍ أكل الدهرُ عليها وشرب ! في مشفى ( الرشيد ) في بغداد ! .
قلتُ لمن حولي ممّن جاءني زائراً : بلّغوا حِـبّي السلام ،
واستوصوه بالدعاء لنا خيراً ، أجاب أحّدهم والحسرةُ تداعبُ
أوتار حنجرته : كنّا عنده قبل أن نأتي إليك ، و ....... .
سيّدي : سنزور أحّد الأحباب في المشفى ....
فأجابنا على الفور وقبل استرسالنا بالحديث : قُطِعَتْ يدُه ؟ أليس
كذلك ؟!
قلنا نعم . قال : واللهِ قد دعونا له كثيراً ، ولكن ( وكان أمرُ اللهِ
قدراً مقدوراً ) ، بلّغوه السلام والتحيّة وأخبروه بأنّ جزءً من جسده
قد سبقه إلى حيث جنّاتِ الخلود ،،،،،...
أجلْ ، هو كان يحبّنا ، وإنّي كنت أحبّه ، ولكن يبقى كلّ " حادثٍ "
معرّضاً للحوادث .
ودّعتُ من زارنا في تلك الليلة الليلاء ، وأغمضتُ جفنيّ وأنا
أتمتمُ مع روحي ما قاله ذاك الحبيب مشفقاً وقبل غياب الشفق :
( فاذكرونا مثل ذكرانا لكم ... رُبّ ذكرى قرّبتْ مَن بَعُــدا ...... ))**