اليوم الأخير
] اليوم الأخير[
كلما أزور قريتي أزور قبرك الذي لا يزوره غيري، أجلس بجواره لأنسج لنفسي حُلّةً جديدة من الوفاء، ذكراك تؤكد لي أن الوفاء رديف الإخلاص، مَن يسمو بالإنسان إلى أعلى مراتب الإنسانية ، ــ تُرى ماذا لو أخلص الإنسان لله وللوطن وللإنسان نفسه! ، أما ترى الخير يطغى على هذا الشر الذي يسود الآن ــ . من علّمك الوفاء حتى التضحية بنفسك، قبل أن توارى الثرى، كيف تحليتَ به أكثر منا نحن البشر ؟.
ما زلت أذكر يوم أن التقيتُ بك وأنت رابض جوار باب بيت صديقي أحمد، حين كِدتَ تقتلني عندما اقتربتُ قليلاً نحو بابه، لو لا حضوره وأمرك بالسماحِ لي بالدخول، حينها اعتذرت لي بصوت خافت ممزوجاً بالأنين كالبكاء، لِمَ بدر منك تجاه صديق سيّدك، فقد أدركتَ ما قالهُ سيدك واعتذرت بطريقتك الخاصة.
ربضتَ ليلتها تفكّر كيف تُكفّر عن ذنبك، لِمَ بدر منك من خشونة تجاه صديق سيدك العزيز، وحين خرجتُ في غسق الليل ـــ لأعود إلى بيتي في الهضبة المُجاورة ــــ ودعتك مُبتسماً. لكن وفاءك لسيدك أبا أن تترك صديقه العزيز، يذهب وحيداً في هذا الوقت من الليل ، فأدركتني تخطو خلفي دون علمٍ مني، كأنك شممت رائحة الخطر في طريقي.
كنت تحرسني عن بُعد، حتى سمعتَ نباح الكلاب المُتشردة ، الضالة، الذين يشبهون قُطّاع الطرق الضالين من البشر ــ نعم كما لديكم الضال، لدينا نحن الضال أيضاً ـــ ، قربت مني حتى صرت تحرسني عن قرب. عرفتك عِندئذ ،سررت بك في ذلك الظرف . عَلتْ نُباح الكلاب واقتربت مننا أكثر، صرت تارة خلفي، تارة أمامي وبجانبي؛ لتصد الخطر عني. اقتربت الكلاب حتى أحاطت بنا وبدأت معركة البقاء للأقوى.
كان الشرر يتطاير من عيونهم والجوع يتقاطر من أشداقهم . كنت أرى خ[/B]ناجراً في أفواههم؛ ستمزقني وتلقيني في بطونهم قِطعاً ، تألمت كثيراً على نهايتي البشعة، وأنّ قبري سيكون في بطونهم . أيقنت بالهلاك، وإنّ هذه الليلة هيَ يومي الأخير، هذي اليوم القريب جداً ولا نفكر به وإن فكّر به لا نعمل من أجله وفي لحظة خاطفة تذكرتُ أفراحي وأحزاني ألتي مرّت عليّ في حياتي، وما أحزنني حقاً هو ما اقترفته من ذنوب، ولم أكفّر عنها في حينه .
نبحتكَ الكلاب ؛ حتى تترك هذا البشري وليمتهم الدسمة ،حينئذ نبحتهم أنت وأنت منهم ووقفت مع هذا البشري لأنه صديق سيّدك أحمد لأنك تشربت الوفاء منذُ الصغر وهو الأن يسري في دمك ؛ وتصديت لهم حتى لا يصلوا إليّ ،
هجمت الكلاب علىّ هجمة واحدة، فلم أجد عندئذ إلّا بعض الأحجار لأدافع عن حياتي، ألتقط حجراً ثم اخرى ثم أخرى... كالمجنون والخوف بعيناي ممزوجاً بدمع التوسّل ، شممت رائحة الخوف فيني وقرأت عيناي فقفزت كالأسد للذود عنّي ، صرت أنتَ أمامهم ، قاتلت عني بكل ما أتيت من قوة . قاتلتُ أنا أيضاً بكل شجاعة، فقد تعلمتُها عندئذ منك، نعم تعلمتُ الشجاعة منك إلى الآن. كنتُ أصارع أنياب الموت البارزة نحوي من كل اتجاه ، كنتُ أصارع فريقاً، وأنتَ فريقاً آخر، حتى جرحتك الكلاب جراحاً بليغة وأقعدتك طريحاً تنزف الآلام والدماء وأنفاسك تتسارع نحو الموت . أيقنتُ بهلاكك لا محالة وأنا سأكون التالي .
اقتربت أنياب الكلاب نحوي ـــ فأنا لـم أعد أرى إلا أنيابها كالخناجر ـــ أحاطتني تنظر إلىّ ، من أين تبدأ النهش وكيف تتقاسمني ـــ يا الله ما أقس أن مُشاهدة الإنسان لحظة الموت ـــ . وثبت جميعها علىّ، كنتُ أضرب دون شعورٍ بحجر، شمالاً ويميناً شمالاً ويمينا ...وكل مَن أقترب مني حتى كلّت يداي.
حين بدأت تنهشني من كل جانب صحت صيحة الاستغاثة مَن سينجدني : وا غوثاه ، وا غوثاه....، وإذ بك تقوم من مماتك، وتثبتَ عليهم، ناسياً جراحك النازفة، وبدّدتهم عنّي، وخِلتك تقول لي :اهربْ ،اهربْ.... ودعهم لي وساعة الانشغال بك، عدوتُ كالشنفرة حتى اعتليت شجرة قريبة منك، أرقب معركة الوفاء.
[/SIZE][/SIZE]
رد مع اقتباس
