... بلا مجداف تغوص في بحر الضياع ، على وجهها رسمت خرائط التيه بألوان مختلفة ، بكثافة يحضر اللون الأحمر على الشفتين .. على الرصيف تداعب فمها وهي تلوك علكة داكنة ، بين الحين والآخـــر تصنع منها فقاعة ، الفقاعة تكبر وتكبر، تبقى مدة خارج شفتيها ، تفرقعها ، من وقعها تنتفض الأجسام .. بدون حرج تصطنع ابتسامة تتحدى بـــها الوجوه ..
تستأنف سيــرها وهي ترفع ثوب جلبابها قليلا فتكشف عن ساق مصقولة . تولد من جسدها لغة .. تتابع ترصد .. تنتظر فعل اللغة المشفرة .. لكنها أصيبت بيأس حاد ، انكمشت روحها داخل جلبابها كحلزون لما يحس بلمسة يـــــد ..
الزمن يُـقصي الزمن ، انزوت إلى درب ضيق ، تتفحص جسدها الناعم ، تلامس خديها ، تتذوق ألوانها من خلال مرآة صغيرة .. تهمس لنفسها : من أنا ..؟
تصمت ، تتنصت على دقات قلبها ، تأخذ نفساً عميقاً وتــقول : هكذا أنا ..؟ لو كنت.. أو كان لي ..؟ مهما يكن ، في سبيل أمي أهــــدم الحيطان ، لا شيء يساوي أمي .. أريدها أن تعيش .. أن تحس بالحياة ..
تبكي وتبكي .. وليس لها إلا البكاء ..
بالأمس مر أمامها ، اعترضها ، ساومها .. لكنها تمنعت وأشاحت بوجهها .. لا تدري لماذا رفضتـه ..؟
عادت إلى بيتها تتجرع مرارة الخيبة ، ترسم على الجدران ماضياً رهيباً ، توزع نظراتها بين جسمها الشاحب وبين جسم أمها الممدد على ســرير متآكل ..
في الغد ، نفس المكان يستقبلها ، ها هو آت .. تأهبت ، استعدت .. تمنت أن ينظر إليها ، أن يشير بأصبعه قبل أن يركب سيارته ويغـــادر ..
اقتربت منه ، همست في أذنه كلاماً ، حدق في وجهها كثيراً .. مر خيط حزين على جبينها ، فاردمها ، صعدت أنفاسها إلى حلقها .. حاولت اعتراضه ، ابتسمت ، تدللت ، مدت يدها لتسلم عليه ..
في ثوان ، كانت الأصفاد تأكل من يديها ..