أنتَ ,وأنا ,ونحن
سلامٌ عليك يا أبي ,,, ويا جدّي,,, وكلّ أجدادي,, وجدّ أجدادي,
سلامٌ عليك يا ولدي,, ويا حفيدي,, وكلّ أحفادي,,, وحفيد أحفادي,
وسلامٌ عليَّ أنا, واقفةً في هذا الفضاء ,بين البدايةِ والنهاية, مشيرةً بيميني للأزليَّة, وبشمالي للأبديَّة ,
مذهولةً, مأخوذةً بالدَّهشة,, مخفورةً بالحيرة,, محفوفةً بالتعجّب .
كم تحيّرني,, وكم تدهشني,, كم تشغلُ أفكاري وتشاغلُني !!
في كلِّ الأماكنِ أنت ,على الجبال ,على الهضاب ,في الوديان , في السهول وفي الحقول حيثُ مجدك يتجلَّى!!
أقبضُ عليك بكفِّي ,أشمُّ رائحتك التي لا تشبهُ أيّة رائحةٍ أخرى , أُقلِّبُ ذرَّاتك ,أفركُها ,أُطلقُها في الهواء,وأُلاحقها بعينيَّ وعقلي وفكري !!
فأرى أنَّك أنتَ أنتّ في كلِّ مكان,
أنتَ نفسَك !
نفسُ الشّكل ,,نفسُ الملامح ,,نفسُ المزاج ,
واللون,, نفسه تقريباً.
ولكنَّك تحملُ في قلبك كلّ المذاقات ,,وكلّ الألوان .
فماذا هو أنت ؟؟
/
سلامٌ عليك هاجعاً, منبسطاً, حالماً, تستقبلُ الأمطارَ بملايين الأكفّ الصّغيرةِ المفتوحةِ أبداً لتتلقّى هبات السّماء .
وسلامٌ عليك فاتحاً ملايين العيونِ الصّغيرة ,مرفرفاً بأهدابِها ,محدقاً بعيونِ الليلِ الحالمة,مستقطباً تبرَ النّجومِ وذرَّات الفضاء .
سلامٌ عليك راقداً هادئاً تحت خيمةِ الظلام ,, تنظرُ للسماءِ بعينِك الكرويّةِ الهائلة, وتنظرُ إليكَ السّماءُ بملايين العيونِِِ الذَّهبيّة ,حتى إذا ما اختمرت فكرتاكما ,, فتحتَ قلبَكَ لاستقبال العناصر, بكلِّ سكينةٍ وغموض .
سلامٌ عليك ناظراً بقوةٍ للعينِ السَّاطعة, التي هي حبيبتُك وشقيقةُ عشقكَ الأبديّ.
سلامٌ عليك منبسطاً وادعاً,, حاملاً على صدرِك صخوراً صلدة, وحجارةً باردة, ليس لعددها رقم, ولا لنهايتها نهاية,
وحاملاً على ظهرك المساكنَ والابراجَ والبنايات والبيوت والنَّاس .
سلامُ عليك متمسِّكا بجذورِ الأشجار ,قابضاً عليها بالنواجذ, مقدماً لها كلِّ ما في قلبك من خيرٍ وعطاء.
سلامٌ عليك خاضعاً منبسطاً تحت أقدامِ البشر, تدوسُ هامتَك التي هي رفاتُ البشر, فلا هي تُحسُّ بخطيئتِها ,,ولا أنتَ تشتكي .
سلامٌ عليك حاملاً مصابيحَ الشمس وفوانيسَها , معلناً سرّ النّمو ,ساتراً سرّ الاضمحلال الذي يتلاشى ,,ولا يزولُ أبداً !
مستقلباً كلّ موجود, مبتلعاً أجسادَ البشر, باعثاًً للأرواحِ الجديدة أجساداً جديدة.
كم رائعٌ أنت , حيث ترتفعُ رَطباً مطواعاً, وتنخفضُ بارداً منعشاً بين سواعدِ الفلاحين, حين يطلبونك للعمل والإنتاج.
كم جميلٌ أنت, حيث تحتضنُ البذورَ وتمنحُها الحياة,,, ثمَّ تُطلقُها خضراءَ يانعةً مبشرةً بالطيبات .
وحيث تكوِّن من روحِك الغابات الشاسعةٌ, التي تسبِّح الله ليلَ نهار ,والتي تنفث سرَّ الحياة في هذا الفضاء .
وسلامٌ عليك تجنُّ ما جنَّ الرِّيح,, وتندفعُ للأعلى حتى تناطحَ أجوازَ السّماء ,
موغلاً في الأفقِ, مغيراً لونَه, حائراً, مجنوناً, ناسياً أنّك عائدٌ لمهدك الخفيض ولو بعد حين ,
متناسياً أنَّ الريحَ التي تعلو بك وتعلو, وتعلو,,, ما هي سوى أجنحةٍ سوف تعيدُك بنفسها للأرض كما رفعَتك عنها .
كم جميلٌ أنت ورائع, حين تندحر أمام المياه التي تجري بكَ أنهاراً, ثم تقف على الجنبين محنيَّ الهامات, ممدودَ الأعناق, محملقَ العيون,
مستمتعاً بجمالها, مستمعاً لألحانها ,هديرِها ,وشوشاتِها ,لثغاتِها أحياناً ,مبهوراً بزخمها, مسحوراً ببريقها تحت الشمس .
كم لينٌ أنت عندما تفسح المجالات للجداول والسواقي لتخترق جسدك, وتتشابك عبره كما تتشابك الأوردة والشرايين في أجسام البشر .
/
بنو آدم,, والحيوان, والنبات, وكل ما هو حيٌ يسعى, جاءَ منك, وعاشَ من خيرك, وسيعودُ إليك, ليكونَ غذاءً بعدها لمن سيأتي.
كلُّنا بذور ,,وأنتَ الحاضنةِ الدافئةِ التي تَحِنُّ علينا, وترضعنا الحياة من المهدِ إلى اللحد.
أنت البداية, وأنت النهاية,وأنت الفسحة التي بينهما .
أنت نهاية كلِّ شيءٍ, وليس لنهايتِك ملامح .
أنت التُّراب ,,الذي يصفُك الإنسانُ فيقول ((رخيصٌ كالتُّراب ))
وهذا يعني,, أنَّك أيُّها الأصلُ والغالي ,أيَّها الثّمينُ النفيس ,الذي تعطينا الغذاءَ والدواءَ والسُكنى,
والملحَ القادم من طيات الصُّخور التي أنت حاملها ,
والمياه القادمة من الأعماق التي أنت حاميها ,
رخيصٌ بخسٌ لا قيمة له,
ناسياً أنَّه أنت ,وأنَّك هو !!
ماذا لو اختفيتَ يوما أيُّها الكثير (أقصدُ الرَّخيص)؟؟
ماذا لو أضحت الأرضُ كرةً زجاجيةً ملساء ؟؟
/
أيُّها الإنسان
كم أنت أحمق
وكم أنا حمقاء
وكم نحن حمقى
ماسة