إن لرسول الله الكريم صلى الله عليه وسلم مكانة عظيمة ومنزلة رفيعة لم يبلغها أحد من الخلق فهو سيد ولد آدم يوم القيامة , آدم ومن دونه تحت لوائه .
ولقد أوتي الشفاعة العظمى التي اعتذر عنها أولوا العزم من الرسل والتي اختصه الله بها وآثره بها على العالمين .
ولقد كرمه ربُّه عز وجل واختصه بمكرمات جزيلة لم يعطها لأحد من قبله من الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين وكلُّهم لهم منزلة رفيعة عند الله .
فعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:( فضلت على الأنبياء بست : أعطيت جوامع الكلم ونصرت بالرعب وأحلت لي الغنائم وجعلت لي الأرض طهورا ومسجدا وأرسلت إلى الخلق كافة وختم بي النبي ون ) رواه مسلم ، وفي حديث جابر :( وأعطيت الشفاعة ) متفق عليه.
وقال تعالى في بيان منـزلته صلى الله عليه وسلم وبيان صفاته الكريمة : لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ (التوبة :128) وقال تعالى : لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (آل عمران:164) وقال تعالى في بيان منـزلته العظيمة وصفاته الكريمة : يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً * شاهداً ومبشراً ونذيراً * وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُنِيراً * وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلاً كَبِيراً * وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً (الأحزاب45-48) وأقسم الله بعظيم قدره فقال : لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ (الحجر:72) قال ابن كثير رحمه الله :( أقسم تعالى بحياة نبيه وفي هذا تشريف عظيم ومقام رفيع وجاه عريض .
قال ابن عباس أنه قال:ما خلق الله وما برأ نفساً أكرم عليه من محمد وما سمعت اللهَ أقسم بحياة أحد غيره .
فالله يقسم بما شاء أما العباد فليس لهم أن يحلفوا إلا بالله و(من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك).
- وقال تعالى مبيناً عنايته برسوله ورعايته له وحفاوته به والضحى * واللَّيل إذا سجى * ما ودعك ربك وما قلى * وللآخرة خير لك من الأولى * ولسوف يعطيك ربك فترضى * ألم يجدك يتيماً فأوى * ووجدك ضالاً فهدى * ووجدك عائلاً فأغنى )
- عن جندب قال : أبطأ جبريل على رسول الله فقال المشركون وَدَّع محمداً ربُّه فأنزل الله تعالى : والضحى * والليل إذا سجى * ما ودعك ربك وما قلى .
فقوله تعالى : ما ودعك ربك أي ما تركك ، وما قلى أي : ما أبغضك
وللآخرة خير لك من الأولى أي وللدار الآخرة خير لك من هذه الدار
ولسوف يعطيك ربك فترضى يعني بذلك ما أعده الله له في الآخرة من الجنان والنعيم ومن رؤية ربِّه والحوض والشفاعة وسائر ما أكرمه الله به في الآخرة .
ثم عدَّد الله ما أفاض عليه من النعم ورعاه وهو يتيم وآواه إلى أن اصطفاه لرسالته فأنزل عليه الكتاب والحكمة وعلمه ما لم يكن يعلم وكان فضل الله عليه عظيما.
ورسولنا من أفضل الخلق نسباً فعن واثلة بن الأسقع قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:( إنَّ الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل واصطفى قريشاً من كنانة واصطفى من قريش بني هاشم واصطفاني من بني هاشم ) مسلم (2276) .
وعن أبي هريرة أن رسول الله قال : ( بعثت من خير قرون بني آدم قرناً فقرناً حتى كنت من القرن الذي كنت فيه ) خ مناقب (3557) .
وكان النبي أكرم الناس خُلقاً قال تعالى ( وإنَّك لعلى خُلُقٍ عظيم
قالت عائشة - ا- :( كان خلقه القرآن ) .
وقال تعالى: فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من
حولك).
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص-رضي الله عنهما-قال:( لم يكن النبي فاحشاً ولا متفحشاً وكان يقول : إنَّ مِنْ خيارِكم أحسنِكم أخلاقاً ) خ مناقب (3559).
وعن أبي سعيد الخدري قال :( كان النبي أشدَّ حياءً من العذراء في خدرها ) خ منقب ( 3562) .
وعن أنس ابن مالك قال :( كان رسول الله أحسنَ الناس خُلُقاً ) مسلم
وعن أنس قال :( ما سئل رسول الله على الإسلام شيئاً إلا أعطاه قال فجاءه رجل فأعطاه غنماً بين جبلين فرجع إلى قومه فقال : يا قوم أسلموا فإنَّ محمداً يُعطي عطاء من لا يخشى الفاقة ) مسلم فضائل (2312) .
كما كان كاملاً في شجاعته صلى الله عليه وسلم
عن أنس بن مالك قال :( كان رسول الله أحسنَ الناس، وكان أجودَ الناس ، وكان أشجعَ الناس ولقد فزع أهل المدينة ذات ليلة ، فانطلق الناس قبل الصوت فتلقاهم رسول الله راجعاً قد سبقهم إلى الصوت وهو على فرس لأبي طلحة عُري في عنقه السيف وهو يقول لم تُرَاعوا لم تُرَاعوا ،قال : وجدناه بحراً أو إنه لبحر) أي الفرس قال وكان فرساً يبطأ ) مسلم فضائل (2307) أي أنه كان بطيئاً فلما ركبه رسول الله كان من أشد الخيل جرياً وسعياً فقد بارك الله تعالى في سعيه وهذا من معجزاته .
والحديث يدلُّ على أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كان في منتهى الشجاعة .
وقال العباس بن عبد المطلب عم النبي :( شهدت مع رسول الله يوم حنين فلزمت أنا وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب رسول الله فلم نفارقه ورسول الله على بغلة له بيضاء أهداها له فروة بن نُفاثة الجذامي فلما التقى المسلمون والكفار ولَّى المسلمون مدبرين فطفِق الرسول صلى الله عليه وسلم يركض بغلته قبل الكفار قال العباس وأنا أخذ بلجام بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم أكفُّها إرادة أن لا تسرع وأبو سفيان آخذٌ بركاب رسول الله فقال رسول الله أي عباس نادِ أصحاب السَّمُرَة فقال العباس -وكان رجل صيتاً- فقلت بأعلى صوتي أين أصحاب السَّمُرَة، قال : فوالله لكأن عطفتهم حين سمعوا صوتي عطفة البقر على أولادها ، فقالوا يا لبيك يا لبيك قال فاقتتلوا والكفار...-إلى أن قال- فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على بغلته كالمتطاول عليها إلى قتالهم فقال رسول الله :( هذا حين حَمِيَ الوطيس قال : ثم أخذ رسول الله حصيات فرمى بهن وجوه الكفار ثم قال:( انْهَزَمُوا وربِّ محمد ،قال فذهبت أنظر فإذا القتال على هيئته فيما أرى قال: فوالله ما هو إلا أن رماهم بحصياته فما زلت أرى حدهم كليلا وأمرهم مدبرا ) مسلم (1775) .
وهذا من معجزاته حفنة من تراب ملأت عيونهم وهزمتهم .
ومن حديث البراء-- عن قصة حنين قال:( كنا والله إذا احمرَّ البأس نتَّقِي به وإنَّ الشجاع منا للذي يُحاذي به-يعني النبي -) رواه مسلم .
وكذلك كان أعلمَ الناس بالله وأشدَّهم له خشية
كما في حديث أنس بن مالك-رضي الله عنه-قال النبي : (أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له) البخاري
وعن عائشة - ا- قالت : صنع رسول الله أمراً ترخَّصَ فيه ,فبلغ ذلك ناساً من أصحابه ,فكأنهم كرهوه وتنـزهوا عنه فبلغه ذلك ,فقام خطيباً فقال:( ما بال رجالٍ بلغهم عني أمرٌ ترخَّصتُ فيه فكرهوه وتنـزهوا عنه ،فوالله لأنا أعلمهم بالله وأشدهم له خشية ) البخاري ومسلم .
فرسولنا هو أفضل الرسل له من فضائل كثيرة ومحاسن عديدة بشر به الرسل من قبله وجاء ذكره في التوراة والإنجيل.
وله علينا من الحقوق الكثير
فمن حقوقه طاعته واتِّباعه واتِّباع ما جاء به من عند الله تعالى
قال تعالى : قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم
ومن حقوقه علينا الإيمان به وأنه رسول الله حقاً أرسله الله إلى الإنس والجن بشيراً ونذيرا ,والإيمان بعصمته فيما بلَّغه عن ربِّه تعالى وأنه خاتم النبي ين وأنه قد بلَّغ رسالته على أكمل الوجوه.
ومن حقوقه وجوب تعزيره أي نصرته وتوقيره والتأدب معه وأن لا نرضى عليه السوء ونبغض كل من يتعرض له أو يسبه ولو كان أقرب قريب، قال تعالى : إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيرا لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه وتسبحوه بكرة وأصيلا
فالتسبيح لله تعالى وحده والتعزير والتوقير لرسول الله .
وقال تعالى : لا تجعلوا دعاءَ الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا قال ابن كثير : ( عن ابن عباس كانوا يقولون يا محمد يا أبا القاسم ،فنهاهم الله عز وجل عن ذلك إعظاماً لنبيه قال فقالوا:( يا رسول الله يا نبي الله ) وكذا قال مجاهد وسعيد بن جبير .وقال قتادة:( أمر الله أن يُهاب وأن يُبجَّل وأن يُعظَّم وأن يُسوَّد ) .