وجه العلمانية في قصة "علي مبارك" التعليمية
(1)
يقول تعالى: {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج: 32]، وقال: {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ} [الحج: 30].
ومن تعظيم شعائر الله إعلاء الدين، وبيان أنه يشمل غيره ولا يشمله غيره.
كيف؟
إذا أراد مصلح أن يرسم خطة إصلاح لينهض الوطن فلا بد أن يأتي الإسلام على رأس الخطة؛ فبه صار العرب أمة سادوا العالم، وبه حدث ما حدث مما هو معروف في تاريخ الحضارة الإسلامية.
كيف؟
الإسلام يحض المسلمين على كل عناصر القوة؛ فالله تعالى يقول: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ} [الأنفال: 60].
وهذا الإعداد يشمل الحياة بكل نشاطاتها ومناحيها، فإذا جاء مصلح وادعى أنه يضع خطة لنهضة المسملين وجعل العلم الدنيوي هو الأساس ولم يشر إلى الإسلام ألبتة أو أشار إليه إشارة مجملة مصرحا به، أو أشار إليه إشارة مجملة من دون تصريح- فهو لا يعظم شعائر الله، وهو يفصل دنياه عن إسلامه، وهو بقدر هذا الفصل يكون علمانيا.
(2)
وهذا ما جَعلَنا مؤلفُ قصة "علي مبارك" المقررة على الصف السادس الابتدائي نحس به عندما أراد أن يبين فضل "علي مبارك" على التعليم في مصر في الفصل الثامن والأخير الذي عنونه بـ"أبو التعليم".
كيف؟
يقول الكاتب ص105: "أسند إسماعيل إلى "علي مبارك" ديوان المدارس فيما أسند إليه من الأعمال الجليلة، فهب مسرعا بقوة وعزيمة صادقة يعمل في هذا الميدان الذي يهواه، ويجد في نفسه القدرة على أن يرتفع به؛ ليخلص الوطن مما هو غارق فيه إلى الأذقان من الفقر والتأخر والبعد الشديد عما جد في الدنيا من حضارة وارتقاء.
لا ينسى أنه ابن القرية المعذبة المحرومة من الحياة، يعرف أن الجهل المعشش فيها وفي غيرها هو سر البلاء وأصل الداء".
فكيف أظهر الكاتب رَسْم "علي مبارك" خطته بعد أن وضع يده على الداء؟
يقول الكاتب ص106: "لا يرتاب في أن التعليم الصحيح هو الدواء الشافي لكل ما يعانيه الوطن من التأخر والتخلف؛ فهو المصباح الذي ينير العقول ويقوي الأفهام. يقضي على الخرافات ويحطم سيئ العادات، ويبعث الحرية والشجاعة واحترام النفوس".
وهذا التصور لا غبار عليه إذا كان المحتوى التعليمي سيعتمد على الإيمان وإحيائه وتقويته في النفوس، فيجعلها مستشعرة ذاتها المتميزة التي ينبغي أن تسود الأمم فتفتح عينيها على كل جديد لتقوي بها ذاتها، فيجعلها ذلك تبذل الغالي والنفيس لتسود سيادة حقيقية.
فهل كان ذلك هو المراد؟
من يعرف الخديو إسماعيل وهوسه بأوربا ورغبته في جعل مصر جزءا منها بما فيها من ترف الدنيا، وما جره على مصر من ديون في مشروعات لا تفيد بلدا يريد أن ينهض كإنشاء الأوبرا- يدرك أن التعليم المتحدث عنه كان صوريا لا ينهض بأمة ولا يغير محتواها، بل يزيدها وَلَها بفارغ الدنيا وقشورها ويتمسك بها في ذيل الأمم، وهذا ما نحن فيه إلى الآن.
(3)
وكأن الكاتب أحس أن انفراد العلم ليس حلا فقال ص107:" يعرف أن الاقتصار على العلوم وحدها في التعليم لا يثمر الثمرة المرجوة منه، ولا بد مع العلوم من التربية الصحيحة؛ لإعداد الناشئين إعدادا سليما للحياة الجادة المستقيمة".
وهذا صحيح إذا كان عماد هذه التربية الإسلام وتعاليمه التي تفسح للمسلم الأفق، فهل أشار الكاتب إلى ذلك؟ لا، لم يوضح الكاتب مصدر هذه التربية الصحيحة، أيكون ما يأتينا من الغرب من تعلم الرقص والتبرج؟ أم يكون غير ذلك؟
لم يقل الكاتب شيئا، واكتفى بما سبق.
ثم مضى يضيف جزئيات لا تتصل بالمنهج واللب من جعله التعليم شعبيا واهتمامه بالتعليم الابتدائي، والاهتمام بالمعلم.
(4)
ثم وقع الكاتب فيما كان لا بد أن يقع فيه.
فِيمَ وَقع؟
وقع في التناقض.
كيف؟
أظهر عجز الخطة الذي يؤكد عجز أي خطة تخلو من الإسلام معلنا ظاهرا!
كيف؟
يقول ص108: "يعتقد بحق –أي علي مبارك- أن المدرسة لا تؤتي ثمرتها المرجوة منها مع استكمال مقوماتها إلا إذا ارتقى الشعب معها؛ لتسير القافلة التعليمية كلها متناسقة الخطو فتبلغ الهدف المنشود".
هكذا بعد أن أظهر الكاتب بدءا أن التعليم هو الذي سينهض بالأمة جعله آخرا عاجزا إلا إن نهضت الأمة من دونه لتسايره.
وهو صادق كل الصدق في هذا.
لماذا؟
لأن الإسلام هو ما يرتقي بالأمة المسلمة، ويعطي لكل شيء أهميته من علم وغير ذلك من نواحي الحياة.