بسم الله الرحمان الرحيم
موطني
كنت واقفا في صباح يوم عمل عادي أمام قاعة المستشار في محكمة روما أنتظر دوري لتقنين ترجمتي..
وعندما وصلني الدور دخلت الغرفة، واستظهرت ببطاقة العمل، ففتحها المستشار الذي أراه لأول مرة، وقرأ مكان الولادة تونس، فقال: إرفع رأسك ياتونسي فقد صنعتم نموذجا رائعا، ما فعلتموه كان درسا للعالم أجمع، العالم يتحول للأفضل لأن هناك شعوبا تخاطر بأرواحها لجعله أفضل.. شكرا لكم.
قلت: هذا ماقاله "باولو كويلهو" بعد أن بادلته الشكر
أجاب: نعم هذا ماقاله الشاعر البرازيلي تكريما لثورتكم
قلت: يقول أحد سجناء الديكتاتور في بلدي: أيا دامي العينين والكفين إن الليل زائل** لا غرفة التوقيف باقية ولا زرد السلاسل
تحررنا والحمد لله، عربة قطارنا عادت لسكة التاريخ من جديد.
سألني: كيف هي تونس بعد الثورة؟
ـ تتحسن.. وأرجو الله أن تصبح أرقى وأحسن.
ـ منذ متى وأنت تعيش في إيطاليا؟
ـ منذ خمسة وعشرون سنة
ـ متى زرت تونس آخر مرة؟
ـ منذ شهر
فنظر إلي وهو يبتسم وسألني: من تعجبك أكثر تونس أم إيطاليا؟
فقلت له: الفرق عندي بين تونس وإيطاليا كالفرق بين الأم والزوجة.. فالزوجة أختارها.. أرغب بما عندها.. أحبها.. أعشقها.. لكن لا يمكن أن تنسيني أمي.. الأم لا أختارها ولكني أجد نفسي ملكا لها.. لا أرتاح إلا في أحضانها.. ولا أبكي إلا على صدرها.. وأرجو من الله ألا أموت إلا على ترابها..
قال لي: صف لي تونس.
قلت: هي سمراء ليست بالشقراء الجميلة، عيناها تشعرك بالطمانينة.. صاحبة جود وكرم، لباسها أخضر وقلبها أبيض.. داعبتنا بالحرارة والصقيع.. لكننا ندفىء بعضنا بعضا.. نراها تبتسم فننسى حرها وبردها.. واذا غضبت كشفت عن وجهها.. حيائنا يأبى أن يدنس وجهها.. من احترمها أمن.. ومن خانها هرب..
قال: زرتها منذ خمس سنوات، ولكني لم أرى ما وصفت لي ..!!
فقلت له: أنت رأيت تونس التي أرادوا أن يروكها، أما أنا فأتحدث عن تونس التي تسكن قلبي..
فأعطاني بطاقتي بعد أن سجلني في دفتر الحضور وقال: هناك بعض المشاكل في بلدك، ولكن هذا لايؤثر على سير حياتك كثيرا فأنت تعيش هنا